هل ستتأثر مجموعة البريكس بعد موجة الفساد في البرازيل؟
إيهاب علي النواب
2017-05-11 05:40
أعربت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي عن الفساد ، عن القلق إزاء القوى الاقتصادية الناشئة وفي مقدمتها البرازيل وماليزيا التي سجلت تراجعا في التصنيف في مسألة الفساد، وأفادت روبن هوديس، مديرة الأبحاث في المنظمة، التي تتخذ من برلين مقرا، "كل دول مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وكل الدول الواعدة على صعيد الاقتصاد الدولي معنية، وسجلت أقل من 50 نقطة في لائحتنا".
وتنشر المنظمة كل عاما "تقريرا عن الفساد"، شمل 168 دولة هذا العام، وهو بمثابة تقييم على سلم من صفر لـ100 يصنف الدول من الأكثر إلى الأقل فسادا، وتستند المنظمة في تقريرها إلى بيانات يتم جمعها من 12 هيئة دولية منها البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي والمنتدى الاقتصادي العالمي، وأشار التقرير إلى أن البرازيل هي الدولة التي سجلت هذا العام أكبر تراجع في التصنيف، إذ خسرت 5 نقاط و7 مرتبات وباتت الآن في المرتبة الـ76.
اذ هناك مشاكل يواجهها الرئيس البرازيلي الحالي ميشال تامر، بعد اتهام حكومته بقضايا فساد، وتضم شخصيات سياسية بارزة، منها رئيس ديوان الرئاسة اليسيو باديليا، والوزير ولنجتون موريرا فرانكو، المسئول عن تخطيط وتنفيذ برنامج كبير للبنية الأساسية، الأمر الذي أشار إليه رئيس البرازيل إنه لن يتدخل فى أكبر تحقيق فساد تشهده البلاد، ونفى أن يكون عين مساعدا مقربا له فى منصب وزير لحمايته من الملاحقة القضائية، اذ شهدت العديد من المدن البرازيلية ، مشاركة واسعة في إضراب عام احتجاجا على إجراءات التقشف التي أعلنها الرئيس ميشال تامر. وتأثرت حركة وسائل النقل المشترك بشكل كبير خاصة في العاصمة الاقتصادية ساو باولو، وعرفت حركة وسائل النقل المشترك شللا كبيرا في العديد من المدن البرازيلية وبينها خصوصا ساو باولو العاصمة الاقتصادية للبلاد، بسبب الدعوة إلى إضراب عام احتجاجا على إجراءات التقشف التي أعلنها الرئيس ميشال تامر.
وأقفل متظاهرون في العديد من المدن منذ ساعات النهار الأولى محاور طرق مهمة بإحراق إطارات مطاطية ما تسبب في ازدحامات مرورية كبيرة، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع في ساو باولو لتفريق متظاهرين وفتح الطرقات بعد توقف حركة المترو وقطارات الضواحي والحافلات، وفي ريو دي جانيرو تم تعطيل الحركة على جسر يربط المدينة بالعديد من البلديات الواقعة على الطرف الآخر من الخليج، لعدة ساعات، قبل عودة الحركة.
ومن المقرر تنظيم العديد من المظاهرات بعد الظهر للاحتجاج خصوصا على تعديل أنظمة التقاعد والمرونة في العمل التي تريد الحكومة إدخالها في محاولة لإخراج البلاد من أسوأ فترة ركود في تاريخها، وأشارت آخر الأرقام المنشورة إلى أن نسبة البطالة بلغت مستوى قياسيا عند 13,7 بالمئة بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2017، وهناك بالتالي أكثر من 14,2 مليون شخص يبحثون عن عمل، اذ تراهن الحكومة التي تورط الكثير من أعضائها في قضايا فساد كبيرة، على إصلاحات غير شعبية بينها خصوصا تأخير سن التقاعد من 60 إلى 65 عاما للرجال ومن 55 إلى 62 للنساء.
الرئيس البرازيلي يؤكد أن بلاده ستتجاوز فضيحة الفساد
أكد الرئيس البرازيلي ميشال تامر أن فضيحة الفساد التي تهز حكومته لن تؤدي إلى شل حركة الاقتصاد في بلاده التي تحاول بصعوبة التغلب على أكبر ركود في تاريخها، واعتبر تامر، الذي يعتقد أنه ترأس اجتماعا قبلت خلاله شركة "اودبرشت" العملاقة التي تتعرض لاتهامات بالفساد بدفع رشوة كبيرة لحزبه، أن الاتهامات الموجهة إليه مؤسفة، كما تم وضع ثمانية وزراء من حكومته رهن التحقيق للاشتباه بأنهم تلقوا رشاوى من شركة "اودبرشت" وشركات أخرى لقاء مساعدتها في عقد صفقات مع شركة النفط الحكومية "بتروبراس"، وتمت تسمية ثلث أعضاء مجلس الشيوخ و39 نائبا في إطار التحقيقات.
ويعقد هذا الامر محاولات تامر لدفع المجلس التشريعي لإقرار اجراءات تقشفية، تلحظ تقليص نظام التقاعد الباهظ الذي تعتمده البرازيل، وأثرت الفضيحة كذلك على الاستثمار في البلد الذي يعد أكبر سوق ناشئة في العالم. ويتوقع أن تتجاوز البرازيل هذا العام حالة الركود الاقتصادي التي استمرت عامين، ولا يلاحق الرئيس قضائيا عن جرائم ارتكبت قبل بداية ولايته الرئاسية. ورغم أنه ليس رهن التحقيق رسميا، إلا أنه دافع عن نفسه ضد ادعاءات أن "اودبرشت" وافقت على رشوة تبلغ 40 مليون دولار على الأقل خلال اجتماع عقد في مكتبه عام 2010.
السجن 15 عاما لرئيس مجلس النواب البرازيلي السابق بتهم فساد
أصدرت محكمة اتحادية في البرازيل حكما بحق الرئيس السابق لمجلس النواب إدواردو كونها بالسجن لمدة تزيد عن الخمسة عشر عاما لإدانته بتهم فساد بما يجعله أرفع سياسي يدان حتى الآن في فضيحة تعرف باسم "عملية غسل السيارة"، وقاد كونها حملة ناجحة لمساءلة وعزل الرئيسة السابقة ديلما روسيف وأجبر على ترك منصبه في يوليو تموز واعتقل في أكتوبر تشرين الأول لاتهامه بتلقي رشى في عملية شراء شركة بتروليو برازيليرو التي تسيطر عليها الدولة لحقل نفط في بنين.
ووجهت اتهامات لأكثر من مئتي شخص في قضية "عملية غسل السيارة" وهي تحقيق واسع يتمحور حول تلقي رشى من عقود في بتروبراس وشركات حكومية أخرى. ومن المرجح أن تصدق المحكمة العليا قريبا على التحقيق مع عشرات المسؤولين السياسيين الحاليين، من جهة أخرى ثبت القضاء الاميركي حكما على مجموعة "اوديبريشت" البرازيلية العملاقة للاشغال العامة بدفع 2,6 مليار دولار، كان قد صدر في كانون الاول/ديسمبر لوقائع مرتبطة بقضايا فساد.
وينص الحكم الذي صدر عن محكمة فدرالية في بروكلين (شرق) على ان تدفع المجموعة البرازيلية 2,39 مليار دولار للحكومة البرازيلية و93 مليون دولار لوزارة الخزانة الاميركية و116 مليون دولار للسلطات السويسرية، وكانت وزارة العدل الاميركية اعلنت في 21 كانون الاول/ديسمبر ان المجموعة اتبعت "خطة فساد واسعة وغير مسبوقة" لاكثر من عقد دفعت خلاله رشاوى بقيمة حوالى 800 مليون دولار الى مسؤولين حكوميين في "ثلاث قارات".
واضافت الوزارة التي استندت الى قانون يسمح لها بمعاقبة وقائع فساد في الخارج ان "اوديبريشت" اعترفت بان قيمة الغرامة المناسبة كان يفترض ان تكون 4,5 مليارات دولار لكنها اكدت انها لا تملك الموارد الكافية لتسديد هذا المبلغ، وتتهم السلطات البرازيلية المجموعة بقيادة كارتل واسع لشركات بناء دفع ملايين الدولارات من الرشاوى للتلاعب في صفقات عامة بما فيها بناء ستاد افتتاح دورة الالعاب الاولمبية في 2014 في ساو باولو.
وفي اطار التحقيق البرازيلي حول فضيحة الفساد لشركة النفط بتروبراس، وافقت اوديبريشت على التعاون مع السلطات وتسليم اسماء المسؤولين السياسيين الذين دفعت لهم اموالا، وذكرت وزارة العدل الاميركية في كانون الاول/ديسمبر الماضي ان شركة برازيلية اخرى هي "برسكيم" للصناعات البتروكيميائية شاركت في شبكة "اوديبريشت" للفساد ودفعت رشوة في البرزايل خصوصا لمسؤول كبير في بتروبراس، واعترفت "برسكيم" بالتهم الموجهة اليها وسيكون عليها دفع غرامة تبلغ في المجموع 957 مليون دولار، يفترض ان يوافق عليها القضاء، ويشكل مجموع الغرامتين اكبر مبلغ يدفع في اطار فضيحة فساد في الخارج.
30 مليار خسائر البرازيل سنوياً من الفساد
كشفت دراسة أن أكثر من 30 مليار دولار من الأموال "القذرة" المرتبطة بالجريمة والفساد والتهرب الضريبي تتدفق خارج البرازيل كل عام، ويمثل هذا الرقم ضعف ذلك الذي كان يتدفق خارج البلاد منذ عقد مضى، وذكرت منظمة النزاهة المالية العالمية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها إن سوء تسعير السلع المتداولة هو الطريق الرئيسي غير الشرعي الذي تغادر عبره الأموال المهربة البرازيل منذ عام 1960 وحتى 2012، وتقدر الخسائر السنوية بما يعادل 1.5 بالمئة من الناتج الاقتصادي للبلاد، وقدر معدل هذه الخسائر عند 33.7 مليار دولار سنويا في الفترة ما بين 2010 و2012 ارتفاعا من 14.7 مليار دولار في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتذكر المنظمة إن الخسائر يحتمل أن تكون أكبر من ذلك لأن تقديرات المنظمة لا تشتمل على تجارة تهريب النقد الضخم، وهو طريقة مفضلة لدى مهربي المخدرات والمجرمين الآخرين، في هيئة خدمات أو تحويلات مالية بين أذرع المؤسسات المتعددة الجنسيات.
وبغض النظر عما سيحدث لاحقا، فإن البرازيل لم تخرج من مرحلة الخطر بعد، فوضعها الاقتصادي سيء للغاية، وتلك نتيجة مباشرة للسياسات الشعبوية التي بدأها سلف روسيف الرئيس لويس أيناسيو دا سيلفا والتي حافظت عليها روسيف، ولايزال الطريق طويلا أمام البرازيليين من أجل القضاء على الفساد وإصلاح أو إلغاء السياسات الشعبوية وخلق مؤسسات دولة فعالة ومسؤولة، ولكن يبدو أن مزيجا من السخط الشعبي ووجود قضاة شجعان ومستقلين وصحافة حرة وديناميكية قد وضع البلاد على طريق واعد بحيث لم يتم تسليط الضوء على الأفعال غير المسؤولة للسياسيين ورجال الأعمال فحسب، بل ومعاقبتهم كذلك.