الموت لا يحصي خساراته.. في تأبين الراحل العلامة السيد محمد جواد الشيرازي

حيدر الجراح

2016-01-12 09:06

حتى في الموت أرباحٌ وخسائر..

الراحلون يربحون، اذ يغادرون هذه الحياة الزائلة.. صوب ربهم الذي خلق، وبرأ، وصور.. بعد ان يتركوا آثار خطوهم على دروبها، وهي نفس الخطوات التي تقود دروبهم الى الآخرة، الأكثر بقاءا وانقى..

الباقون يخسرون..

هم الأحبة الذين افردوا مساحات واسعة في قلوبهم لمن غادروا.

لكن الام والأب، هما الأكثر حزنا وانكسارا من كل الذين أحبوا.

حياة كاملة، والاف الاحلام، هكذا تختفي فجأة برحيل احد ابنائهما، وكأن الموت يقتطع جزءا كبيرا من قلبهما، ويترك الباقي بارداً، موحشاً، كئيباً، لا تمر عليهما لحظة دون استذكار مفجع لذلك الجزء المقتطع منهما..

لا شيء يعادل لحظة انكسار أب او حزن أم على ولد اختطفه الموت في لحظة من عمر كان يشي بالكثير..

هذه السطور محاولة خجولة للاقتراب من لحظات انكسار وحزن والديْ الراحل السيد محمد جواد الشيرازي..

(1)

ربما هي سنوات خبّأها عن عيون أمه وأبيه.

ربما هي أحلام ما أراد لعيون أصحابه ان تراها.

ربما هي نذور كان يهيؤها لأيام قادمة.. لكنها أحلي.

او ربما هي امنيات برسم التأجيل.. قاب قوسين من تحقيقها.. لكنه ارتقى..

..................................

(2)

يا لتلك العيون.. ترمقه بحنان وهو يخطو على عتبات العمر

سنة أولى:

وفرحة أبيه لحظة الولادة لا تفارق شفتيه.. تمتمات شكر للخالق.. وامتنان.

سنة ثانية:

يا قلب أمه يردد (اسم الله) اذ يترنح وهو يقطع خطواته الأولى.

سنة رابعة:

ويد أخيه تمتد اليه يزهو برفقته..

يغار؟ لكن العين تغار من دمعتها..

..............................................

(3)

صورة؟ قطعة منه؟ ملامح الوجه؟

ربما

استدارة العينين؟ ضحكة الشفاه؟ تورد الوجنتين؟ وقار الصمت والسمت؟ بعض منه؟ كله؟

لا فرق.. فلذة من كبده..

..............................................

(4)

يا لهفة ابيه..

يراه يحبو.. يقف.. يتعثر... يسير.. يسقط... ينهض..

يمد يداه اليه..

يشعر بالأمان..

الاب خيمة أبنائه..

ياحضن العالم.. ها انا افرد جناحيّ.. فاحتويني..

......................................

(5)

يالهفة أمه.. ذهب يسابق ظله..

عاد.. ترتمي من فرح فوق احداقه..

....................................

(6)

وإذ يمرض.. ويرتجف جسده بحرارة الحمى..

تغطيه أمه – يا وجع أمه – بهدب العين..

ينام مطمئنا..

تبرّد حمى جسده انفاس أمه..

.........................................

(7)

علّمني يا ابي مما تعلمت..

أخاف عليك..

ما الذي يخيف في العلم؟

تعثر على نفسك.. لكنك تتعثّر في العالم..

تصبح غريبا.. حزينا.. وحيدا.....

لكنه يا ابي.. وخيمتي

ثمن بخس، فانا حينها اعثر على نفسي.. وانكرها..

..................................

(8)

بلغ ولدي مبلغ الرجال

تقيم امه عرساً له وتزفّه في قلبها..

تشعر بالزهو..

ربما تسقط دمعتان..

حنانيك يا أمي...

.........................

(9)

استطال كالرمح..

واستعار عمامة أبيه..

استطال اكثر.. وارتدى عمامة جده..

يتسامى.. يتعالى.. ففيه بعض خصال ابيه وجده..

ينكسر الرمح..

يسّاقط صبران في قلب ابيه:

صبر لفراق موجع.. وصبر لانتظار اللقاء..

..........................

(10)

يغيّبه الموت..

هكذا يرحل فجأة دون توديع لأحبته..

هنا.. مكان جلوسه.. كان....... مكان جلوسه..

تلك أوراقه، وكتبه مرتبة كما تعوّد ان تكون عليه...

تلك ثيابه.. تخبئ رائحته..

من يلقي ثوبا يهدّيء من هذا الوجع الطافر بين الضلوع؟

ياوجع أمه..

هكذا فجأة دون ان اقبل الضحكة في عينيه؟

وانكسار ابيه..

هكذا فجأة دون ان يقبل يديه ويستأذن لرحلته..

ياذخري.. وما أدخرته للايام القادمة..

من يحمل نعشي؟

من يتلو على قبري قرآن جده؟

يافلذة كبدي..

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي