حصاد الحسد والنفاق: ثمن الارتماء في فخ المقدس الزائف
محمد الكعبي
2025-11-13 01:58
يطل علينا القرآن الكريم بقصة تحاكي واقعنا رغم انها حدث في الازمان الغابرة لكننا نعيشها في كل يوم، كما ان سرديتها وطريقة علاجها نموذج حي يحتاج منا التمعن والتدبر والبصيرة للأنقع فريسة الزيف بالمظاهر والخطابات الرنانة، فيقص علينا القران نموذج الخداع الدينية والتحايل العبادي ولو كان معبدا او ديرا بل حتى لو كان مسجدا فمسجد ضرار الذي شيد في المدينة نموذج حي متحرك لواقع الفساد والتدين المخادع الذي يلبس الوان تنسجم مع المتغير وفق معطيات المصالح والتي يصعب على اغلب الناس كشفها الا من خلال البصيرة .
مسجد بناه المنافقون في المدينة بإيعاز من ابو عامر الراهب الذي أراد أن يستخدمه كمقر للتآمر على الإسلام وكان أبو عامر يتعبد لله يظهر نفسه ناسكا متعبدا كثير الايمان وامثاله اليوم ما اكثرهم كما أنه كان يبشر بالنبي من ولد إسماعيل الذي يظهر في جزيرة العرب ويتكلم عن سماته وشمائله.
لكن ما أن ظهر النبي الخاتم صلى الله عليه واله وهاجر إلى المدينة وشاهد التفاف الناس اليه غلبه الحسد، فذهب إلى قيصر الروم واخبرهم بما يكون من هذا النبي ومن دعوته وانتشارها وأثرها على ملك الروم فاتفقوا على ارسال جيش لمحاربة النبي، تزامنا مع تهيئة الحواضن الداخلية للانقضاض على المدينة بانقلاب داخلي من خلال تحريك قواعدهم الجماهيرية.
لذا كان مشروع بناء مسجد لما له من رمزية وقدسية عند الناس افضل وسيلة لاجتماعاتهم ويكون مقرا للمنافقين والمتآمرين يحركهم في الوقت المحدد فكانت تلك المجاميع المنحرفة تقوم بعدت ادوار منها بش الفرقة بين الناس ومحاربة الله والرسول، اي محاربة الدين بالدين وهو سلاح فتاك قتال لا يبقي ولا يذر فيتحرك المنافقون من مسجد (ضرار) لكن النبي (صلى الله عليه واله) تنبه إلى هذا المشروع التآمري وافشل هذا الانقلاب باستخدام عدت خطوات ومنها:
اولا: ابقاء الامام علي (ع) في المدينة، فابقائه في المدينة بث الرعب في نفوس المنافقين بما يمتلك من مؤهلات وثقل في عالم الحرب والحكمة مما أدى إلى إفشال الحركة الانقلابية.
ثانيا: كشفهم وفضحهم عند رجوعه صلى الله عليه وآله .
ثالثا: ارسال مجموعة من المسلمين بأمر الله تعالى لحرق المسجد ويرمي فيه النفايات.
الدروس المستفادة من القصة:
الدرس الاول: أن لا ننغر بالأشخاص والمسميات فأبو عامر صاحب القصة كان والد الشهيد الخالد حنظلة غسيل الملائكة.
فالتدين لباس يلبسه كل انسان لكن الله تعالى أراد الايمان والعمل الصالح قال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة- آية (82)
الدرس الثاني: الإخلاص في العمل، بأن تكون أعمالنا كلها لله وحده، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18 – الجن).
الدرس الثالث: إنّ الحسد مرض قاتل، يردي صاحبه ويورده المهالك، ويحرق إيمانه، كما تحرق النار الحطب، وفي الآيات وما ورد في نزولها نجد نموذجين جليين لمخاطر الحسد وعواقبه الوخيمة:
1- النموذج الأول: هو أبو عامر الراهب، والذي كان زاهداً متنسكاً، ولما بعث الله محمداً رسولاً كان يفترض به أن يكون من أوائل من يدخل الدين الجديد، لكنه رفض الإسلام وامتلأ قلبه حسدا وحقدا.
2- النموذج الثاني: هم جماعة المنافقين الذين دفعهم حسدهم ونفاقهم وخبث سرائرهم لبناء مسجد يحاربوا الله من خلاله.
الدرس الرابع: ضرورة الحذر، وعدم الاغترار بالمظاهر المخادعة، فإنّ أعداء الإسلام والمنافقين يعملون بدهاء في سعيهم لتخريب الدين عن طريق الدين، فأبو عامر والمنافقون لم يبنوا لهم مركزاً مفضوحاً، وإنما بنوا مسجداً ليخدعوا الضعفاء والبسطاء، وليشكل ذلك غطاءً جيداً لاعمالهم كما في زماننا هذا نجد أنّ بعض اعداء الدين و الطامحين إلى السلطة يستغلون الشعارات الدينية ويمنحون هذا وذاك صفت المقدس لكي يتمكنوا من استغفال البسطاء والاطاحة بهم وكمْ حورب الدين باسم الدين!
الدرس الخامس: أنّ الترهّب والزهد قد يكون خداعا وكذباً ولأغراض دنيوية فكم ابو عامر الراهب عندنا اليوم باسم المقدس والمبجل والزعيم ولكن لما لم يحصلوا على الدنيا من أسبابها المباشرة إذا بهم يأتونها عن طريق الدين، فيتخذونه مطية لأهدافهم.
ولهذا فلا نغتر بكل من لبس لباس أهل الدين، فقد يكون منافقاً، أو متاجراً باسم الدين، وعلينا أن لا ننخدع بظاهر هؤلاء، وإنما نختبر أمثال هؤلاء من خلال سلوكهم وورعهم وتقواهم، لا من خلال مظاهرهم.