فريضة الحج وعالمية الإسلام
باسم حسين الزيدي
2019-08-11 12:35
الدين الإسلامي دين عالمي، لا يقتصر على جماعة دون أخرى، ولا يميز بين الغني والفقير او الأسود والأبيض او الوضيع والرفيع، فالكل سواسية امام خالقهم، وهذا ما دلت عليه الكثير من الفرائض والتعاليم والشعائر التي امتاز بها الإسلام دون غيره، اما الحج فهو المظهر الأكثر وضوحاً وتأثيراً ودلالةً على عالمية الإسلام.
يقول تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)(الحج: الآية 27 – 28)، وفي هذه الآية الكريمة عدة اشارت جميلة نذكر بعضها:
1. اعلان موسم الحج في زمان محدد ووقت معلوم:
فالأذان هو الاعلان او الاشاعة للحج، ولا تكون الا في وقت معلوم (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:203)، يتم فيها المراسيم الخاصة والدقيقة للحج بكل تفاصيله، وقد جعلها الله (عز وجل) مواقيت دقيقة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة:189) يعرف من خلالها الانسان والفرد المسلم احترام الوقت وكيفية التعامل معه في أداء ما كلف به من عمل او واجب من دون تهاون او تقصير، يقول الإمام الشيرازي: "إن الحج ملتقى سنوي عام يرتبط فيه الإنسان بربه وبأفراد أمته بأوثق رباط، فهو فرصة كبرى لكل المسلمين، فبمقدورهم أن يتبادلوا فيها شؤونهم وشجونهم الدينية والدنيوية"
2. صيغة الجمع والاجتماع وعدم محدوديتها العددية:
وهي من أجمل مظاهر الحج واروعها، اذ تجد كل الالسن والاعراق قد اجتمعت في مكان واحد وفي زمان محدد لتوحيد خالق السماوات والأرض، ولو حاول غير الإسلام جمع هذه الاعداد الهائلة لصرف الثروات الطائلة وما استطاع تحقيق معشار هذا الانسجام المذهل.
يقول المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي: "أكدت الشريعة على الاجتماع، وخير نموذج لذلك هو شعائر الحج، وصلاة الجماعة، والروايات التي تبين استحباب السفر مع الآخرين، وغيرها من الموارد التي تحث على الاجتماع أو الاشتراك مع الجماعة المؤمنة، وليس هذا مقتصراً على الإنسان فحسب، بل يبدو واضحاً في السلوك الجمعي لدى الحيوانات أيضاً، إذ إن الهجرة الجماعيّة للطيور مثلاً، مسألة تمثل نموذجاً عالي الانسجام من نماذج الفعالية الجمعية، ونجد الأمر نفسه في تجمعات النمل والنحل وغيرها، وكل ذلك برهان عقلي على أهمية الحياة الاجتماعية وضرورتها، فمسألة الاجتماع من أساسيات بقاء ودوام المخلوقات وعلى رأسها الإنسان، والحج يمثل أرقى وأشرف تجمع للإنسانية لما يتضمنه من فوائد ومنافع روحية، وهذا ما صرحت به الآية الكريمة (ويذكروا اسم الله)، وهذا الذكر ينمّي في الإنسان روح التعاون والمحبة".
3. شمول الجميع فيها ومن دون استثناء للون او عرق او لغة:
عندما تشاهد كل اللهجات والألوان والاعراق والقوميات والثقافات قد اجتمعت في مكان وزمان واحد ولهدف واحد حتماً ستصاب بالدهشة والذهول، وسوف تطرح الكثير من الأسئلة (لماذا، كيف، من، متى) عن هذه الظاهرة التي ستعرف المجتمعات الإنسانية الأخرى بعالمية الاسلام وستغير الكثير من المفاهيم المغلوطة عن المسلمين وطبيعة دينهم، وستصنع رأي عام عالمي منصف على حد قول السيد محمد الشيرازي: "تعريف الغرب بالصورة الحقيقية المشرقة للإسلام والمسلمين، حتى لا يزعموا أنهم أمة القتل والجهل والسباب والتوحش، كما يتصور كثير منهم الآن، وكما يصوره لهم المغرضون من المنظمات المعادية للإسلام، وبذلك يمكن صنع رأي عام عالمي لحماية المسلمين من القتل والإيذاء".
4. تحصيل المنافع بشقيها الدنيوية والاخروية.
من المعلوم ان تحصيل المنافع الدنيوية والاخروية في موسم الحج العالمي لا تعد ولا تحصى، فهي ليست مضيعة للوقت او هدراً للأموال بل على العكس من ذلك تماماً، يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): "مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع ولجميع من في شرق الأرض وغربها ومن في البر والبحر، وممن يحج وممن لم يحج، من بين تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين ومكارٍ وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع، الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه"، وقد حدد السيد الشيرازي ثلاث فوائد دنيوية جامعة للحج:
1. الفوائد الاجتماعية
2. الفوائد الاقتصادية
3. الفوائد النفسية.
وقد أشار اليها بالقول: "منافع الحج الدنيوية، وهي التي تتقدم بها حياة الإنسان الاجتماعية، ويصفو بها العيش، وترفع بها الحوائج المتنوعة، وتكمل بها النواقص المختلفة، ومن تلك المنافع ما يتعلق بالتجارة والسياسة والولاية والتدبير والتعاضدات الاجتماعية".
اما المنافع الاخروية فهي أكثر من ان تحصى في هذه العجالة، ويمكن الرجوع فيها الى آيات القران الكريم وأحاديث الرسول محمد (صل الله عليه واله) والعترة الطاهرة (عليهم السلام)، وهي بدورها تنقسم الى ثلاثة مكاسب:
1. التقرب إلى الله تعالى
2. كسب الثواب الإلهي
3. غفران الذنوب
رسالة عالمية
يقول الإمام الشيرازي: "الحج أقوى مظهر إسلامي، ومن خلاله يوصل المسلمون أفكارهم وآراءهم حول الكون والحياة، وكل ما يتعلق بعقيدتهم إلى كل بقاع العالم، والحج من أعظم الوسائل التي يستطيع من خلالها المسلمون إظهار القوة والعزة والمنعة، والعودة إلى الإسلام والإيمان الحقيقي، الذي هو الطريق الوحيد الذي يوصل المسلمين إلى منابع القوة والهيبة، ويجعلهم أمة عزيزة كريمة، تستطيع مواجهة الأعداء، وإفشال مؤامراتهم وكيدهم، فالحج عبادة تعبئ المسلم، وترفده وتزيده قوة، فلا يخشى أية قوة مهما تجبرت وطغت، وكيف يخشى المسلم تلك القوى وهو مؤمن بأنها أمام قوة الله تعالى ليست شيئاً مذكوراً".
وبذلك يكون الحج من اقوى الرسائل العالمية التي يمكن ايصالها الى كل الأطراف، لكن في حال حسن استغلال هذه الشعيرة، كطريقة جامعة غير مفرقة، أساسها الثقة وحسن الظن والاخوة والمحبة، فإنها ستحقق كامل أهدافها التي رسمها الله (عز وجل) للمسلمين، وستعطيهم القوة والمنعة والهيبة امام الجميع، وستذوب الخلافات والتشرذم والتفرقة، "فإذا اجتمعت أقوام وشعوب المسلمين من مختلف بقاع الأرض وأصقاعها، على ما بينهم من اختلاف في الأنساب والألوان والسنن والآداب، ثم تعارفوا بينهم على كلمة واحدة هي كلمة الحق، وإله واحد هو الله سبحانه، ووجهة واحدة، وهي الكعبة المشرفة. حينئذ يكون أداء شعائر الحج موصلاً إلى حالة اتحاد المشاعر والأحاسيس الدينية، وبذلك تتحد القلوب، وتتوافق الأقوال والأفعال، ويعيش الكل حالة الأمة الواحدة، ويحملون همّاً واحداً، بعد أن تخمد النعرات، وتذوب الاختلافات في بحر من الانسجام والاجتماع".