أيهما تختار الضوء أم نقيضه؟
فهيمة رضا
2017-04-18 08:27
الصراع بين الخير والشر لا يتوقف، تلك هي طبيعة التكوين البشري، لذا قد تغير لحظة واحدة مسار حياتنا إلى الأبد، وتجعل الخير ماثلا في بؤرة تركيزنا، عندها تتوهج في قلوبنا اليقظة وتنفتح بصائرنا وعقولنا على وسعها، لنرى الأمور بوضوح أكبر وأدق، ثم نجد أنفسنا في موقف غاية في التعقيد والصعوبة، لذلك علينا الرجوع إلى جادة الصواب دائما، وربما نعضّ على أصابعنا ندماً، لأننا أهدرنا كل تلك الأوقات التي مضت من دون أن نفكر بما ينبغي علينا فعله حقاً، ولكن يبقى دائما ثمة بصيص للأمل يجذبنا إلى بر الأمان ويهدينا إلى سبيل الرشد والنجاح.
سعيد ذلك الإنسان الذي يجد في عتمة حياته نجمة ترشده إلى الطريق الصحيح، والأسعد هو الذي يدرك خطأه، فيغيّر دروب حياته في الفكر والسلوك، لكي يبني مستقبلاً رائعاً يختلف عن ماضيه كبعد الأرض عن السماء ويصبح قادرا على إرشاد الآخرين إلى الصلاح، بعد أن توهّجت أعماقه بمصابيح الخير.
تاجر الموت ميت !
ألفرد نوبل مهندس ومخترع وكيميائي سويدي اخترع الديناميت في سنة 1867ومن ثم أوصى بمعظم ثروته التي جناها من هذا الاختراع إلى جائزة نوبل التي سُميت باسمه، في عام 1888توفي لودفيج شقيق ألفرد أثناء زيارة لمدينة (كانْ) وقامت صحيفة فرنسية بنشر نعي لألفرد نوبل عن طريق الخطأ، وتم التنديد به لاختراعه الديناميت وقيل أنه نجم عن ذلك اتخاذه لقرار بترك أفضل ميراث بعد وفاته، وتمت كتابة النعي بجملة "تاجر الموت ميت"، وأضافت الصحيفة الفرنسية: "الدكتور ألفرد نوبل، الذي أصبح غنيا من خلال إيجاد طرق لقتل المزيد من الناس أسرع من أي وقت مضى، توفي بالأمس".
شعر نوبل بخيبة أمل مما قرأه وانتابه القلق بشأن ذكراه بعد موته بنظر الناس، ولكن تلك العبارة كانت أبلغ من جميع العبارات وأيقظته وانتقلت به إلى الرشد والصلاح كي تبقى ذكراه متميزة وخالدة وجميلة في قاموس الدهر، في 27نوفمبر1895، وقع نوبل وصيته الأخيرة لدى النادي السويدي النرويجي في باريس، مكرسا الجزء الأكبر من شركته لتأسيس جوائز نوبل التي تمنح سنويا دون تمييز لجنسية الفائز. وبعد الضرائب والوصايا للأفراد، قام نوبل بتخصيص 94% بقيمة إجمالية 31,225,000 كرونة سويدية لإنشاء خمس جوائز نوبل، وكان المبلغ يعادل 1,687,837 جنيه إسترليني آنذاك. وفي عام 2012، بلغ رأس مال جوائز نوبل حوالي (472 مليون دولار أمريكي أو 337 مليون يورو) أي ضعف مبلغ رأس المال الأول تقريبا، مع الأخذ بعين الاعتبار التضخم في العملات.
زعيم الكوفة الحر الرياحي!
الحر الرياحي، أحد زعماء أهل الكوفة وسادتها، وكان شريفاً في قومه جاهليةً وإسلاماً، وقد أرسله عبيد الله بن زياد ليساير الحسين ويراقب حركته، وعرف الحر بشدة الانضباط والالتزام بالأوامر التي تصدرها السلطة، تأثر الحر بموقف الحسين عليه السلام عندما رشف جيش أعدائه، ولما رأى منطق الحسين وما سمعه من خطب وكلام للإمام خلال تلك الايام، قرر ترك جبهة الباطل والالتحاق بركب الحسين.
حاول المعسكر أن يمنعه من ذلك وقال له أحدهم إنّ أمرك لمُريب، والله! ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عَدَوْتُكَ، فما هذا الذي أرى منك؟ فقال الحرّ: إنّي والله أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنّار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعْتُ وحُرِّقْتُ، ثمّ ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين ويده على رأسه وهو يقول:
(اللّهمّ إليك أنَبْتُ فتُبْ عَلَيّ، فقد أرْعَبْتُ قلوب أوليائك وأولاد بنتِ نبيّك!! جُعلتُ فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حَبستك عن الرّجوع وسايَرْتُك في الطّريق وجَعْجَعْتُ بك في هذا المكان، وما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضْتَه عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علِمْتُ أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركِبْتُ منك الذي ركِبْتُ وإنّي تائبٌ إلى الله ممّا صنعْتُ فترى لي ذلك توبةً؟ فقال له الحسين (ع): نعم يتوب الله عليك، أنت الحر في الدنيا والآخرة). واستيقظ في اللحظات الأخيرة من نومه العميق مما رأى من لطف سيد الشهداء. فالتحق بركب الحسين، واستشهد معه بكربلاء سنة 61 هـ؛ ومن هنا نال منزلة خاصة عند الحسين.
لحظة اليقظة والخلود
اليقظة تقضي على الغفلة إن وجدت الأرضية الملائمة لها، وقد تأتي وترحل مرارا وتكراراً وأنت غافل عنها، المثاليون هم الذين يختارون الخير في حياتهم وبعد مماتهم حتى وإن أدركوا ذلك متأخراً، فلندقق النظر في مواقفنا، ونبحث عن سبل الحق، ربما يجب علينا تغيير مسار حياتنا الى الضد مما نحن عليه، فالصحيح قد يكون في الجهة الأخرى، وهذا ما يدل على دخول العديد من أصحاب الأديان الأخرى الى الاسلام، وكذلك يحدث من ذوي المذاهب الأخرى عندما يتشيعون بعد معرفتهم لفكر آل البيت عليهم السلام، فالخيار بأيدينا، إذ يمكننا أن نكون عتمة، ويمكننا أيضا أن نكون نجمة يُهتدى بها؟.
إذاً توجد شعرة فاضلة بين الخير والشر، ومن يختار الخير في أية لحظة، سوف تتغير حياته، ويلمس نتائج هذا التغيير بيديه، وقد يصل الأمر الى درجة تخليد الإنسان بسبب موقف واحد، اتخذه حيال قضية ما، فنقله ذلك الموقف من الظلام الى النور، ومن الضلال الى الهدى، وقد ضجّ التاريخ بنماذج عظيمة اختارت في لحظة فاصلة وحرجة، موقف الخير وقدَّمته على موقف الشر، فصار الخلود من نصيبهم، كما سبق القول عن موقف الحر بن يزيد الرياحي، ففي لحظة حاسمة تغيّر تفكيره ووعيه بطريقة مضادة مئة بالمئة، ليكون مع الخير الذي جعله من الخالدين الى الأبد.