امرأة على قارعة الطريق
زهراء وحيدي
2016-03-22 11:39
تجاعيد وجهها تفصح عن عقودها السبعة، ولهاث انفاسها يشي يتعب شديد، وآلام لا حصر لها من ضنك العيش وبؤس الحياة، تجسُ بأصابعها المرتعشة عرقها المترقرق على جبينها وتحبس أنفاسها التعبة حتى لا يسمع لهاثها المارة، انها تكافح كي تتجاوز مراحل الإرهاق بأي ثمن، تحاورُ العبيد بلغة العطف.. علَّهم يرأفون بحالها.. ويساعدونها بنقل أغراضها إلى بيتها الذي يبعد عن مكة مسافة أميال.
تحاول معهم وتنزل إلى مستوى التوسل كونها عاجزة عن اداء هذه المهمة... ولكن، لا فائدة.
بعدما غلبها اليأس جلست على دكةِ عطارٍ في نهاية السوق لتزيح تعبها، تنتظر رحمة الانسان بها، ولكن كلما نظرت إلى الأغراض التي لا تستطيع حملها، ازدادت بؤسا.. فالآلام التي تكومت على روحها تهيج براكين الدموع في عينيها وتجعلها تسيل بحرارة على تجاعيد خديها...
تنظر إلى المارة بملامح امرأة مكسورة الجناح كي تستدر عطفهم وتجلب لها اهتمامهم... ولكن في مجتمع قاسي، لا احد يعطف على عجوز أنهكها التعب، ضعف الصحة وكبر العمر، وشدة الوهن وضعف البصر، ضاعف من معاناتها....
لا شيء منهم سوى أحاديثهم المزركشة، احاديث فيها من النفاق الكثير، تسمع بعضهم يتحدثون عن محمد؟؟ وتسمعهم وهم يرددون:
(إنه ساحر مجنون يدعي النبوة... ولكنه لا شيء سوى منافق وشاعر).... يزداد قلبها غيضا على محمد وكأنها تريد أن تفجّر بركان همها به.......
ملامح الحقد والكره تجاه محمد تبزغ على وجهها، كأن هذا الكره الشديد ما هو إلا انعكاس للتعب والعذاب والحرمان الذي حاصرها، الناس ينطقون لسانا وهي تؤيدهم بقلبها، فلسانها من التعب لا قدرة له على نطق حروف الشتم، انها تؤيدهم بالإيماء وبحركة من رأسها دلالة الموافقة، ان الغيظ يملأ قلبها على محمد الذي لم تره بعينيها حتى الآن.
لا زالت تحدق بالمارة ببؤس شديد بعدما أوشك التعب والسهاد أن يخطفها من تلابيب الصحو، وفي لحظة خارجة عن المألوف في هذا المجتمع، اقترب منها رجل وقال:
ــ هل تريدين المساعدة يا أماه؟.
انتفضت العجوز من الدهشة.... وبوجهٍ يهلل سعادةً نطقت:
ــ نعم يا ولدي، فـأنا امرأة عجوز، طاعنة في السن، ولا قدرة لي على حمل هذه الأغراض.
ابتسم الرجل وحمل الأغراض على أكتافه، ومضى معها سيرا على الأقدام إلى خارج مكة، استغربت هذه المرأة من إنسانية هذا الرجل التي لم تعهدها هنا، وعلى الرغم من طول الطريق وثقل الأغراض لكنه لم يشتكِ من شيء وكانت البسمة لم تفارق محياه، كان يحمل أشياءها برحابة صدر ورضا نفسي واضح، وهو يسألها إن كانت ترغب بأية مساعدة، فهو مستعد لمساعدتها، كان يتصرف معها بإنسانية عالية لم ترها من قبل هنا وتجدها عند رجال مكة، هذه المدينة التي يضيع فيها الضعيف وينتهي الى الاهمال والموت.
بعد وصولهما إلى البيت نظرت العجوز إلى الرجل بنظرة شكر وامتنان وقالت له:
ــ يا ولدي... لا املك من المال شيئا كي أكافئك به، ولكن سأسديك نصيحة ثمينة...
فردَّ عليها قائلا:
ــ تفضلي يا أمة الله...
فــردت قائلة له:
_ هنالك رجل في مكة اسمه محمد يدعي النبوة والرسالة ولكنه ساحر كذاب فكن حذرا منه.
فردَّ عليها بابتسامة لطيفة:
ــ وما بالك لو كنت أنـا محمد!!!.....
فـ شهقت العجوز بعنف من هول المفاجأة وأكلها الخجل والحياء وتمتمت تردد بصوت عال:
ــ (أَشْهَدُ أَنَّ لَا الَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَدً رَسُولُ الله).