المكر والطيبة: صراع الأقنعة وصفاء النوايا
د. سؤدد يوسف الحميري
2025-11-13 02:06
هل الإنسان مخيّر بين أن يكون ثعلباً ماكراً أو حمامة وديعة؟ سؤال طالما شغل بالي وأرتايت ان ابحث عن إجابة له من أرض الواقع ضمن العلاقات الإنسانية لا من القصص الأدبية الخيالية، وهنا كان لابد من معرفة وتحديد الألفاظ الدالة على المكر وهي: (الخبث، والخداع، والتخطيط السري) كـقناع يرتديه الماكر المخادع بهدف السيطرة أو النجاة من ضحيته أو لنقل فريسته كون فعله الذي يمارسه فعل لا إنساني، في مقابل ذلك كان لزاما علينا إيراد الألفاظ الدالة على الطيبة وهي: (النقاء، والعفوية، وحسن الظن) كـنوايا صافية تعكس الفطرة الإنسانية التي فطر الله بها الإنسان؛ لنوازن بين كفتي الصراع عند الحديث عنهما وإصدار الحكم بناء على معايير وأدلة محددة بينهما.
وتأتي أهمية هذا الموضوع من خلال الإشارة إلى أن هذا الصراع الذي يشكّل محوراً مهماً من محاور العلاقات الإنسانية والنجاح الاجتماعي والشخصي. وان طبيعة المكر والأقنعة وتغيرها، يتطلب منا تشريح هذا القناع، الذي يعدّه الماكر آلية دفاعية أو هجومية، يتناول فيها الماكر المخادع "تكتيكات" مثل التملق، وإخفاء النوايا الحقيقية، واستخدام الذكاء السلبي، والنجاح الزائف.
وهنا لابد من وقفة لنبين كيف أن المكر قد يحقق مكاسب سريعة للماكر المخادع إلا أن هذا النجاح هو نجاح قصير المدى، لكنه بالتالي يؤدي إلى فقدان الثقة والعزلة على المدى الطويل، هذا من ناحية، إما من الناحية النفسية، فكان لابد من تسليط الضوء على أن العيش بوجهين بالنسبة للماكر المخادع يستهلك منه طاقة كبيرة ويقوده إلى الاغتراب عن الذات الحقيقية.
في مقابل ذلك كان لابد لنا من وقفة لمعرفة وتحديد جوهر الطيبة المتمثلة بصفاء النوايا وثمن البراءة وقوة النقاء، المتجسدة بالطيبة كقوة كامنة وليست ضعفا. والتركيز على العفوية والشفافية كشكل من أشكال الشجاعة الأخلاقية. والوقوف أمام متلازمة "السذاجة" (الضعف في الذكاء الاجتماعي) ومناقشة كيف يُنظر إلى الشخص الطيب النقي أحياناً على أنه ساذج أو ضعيف، ما يجعله عرضة للاستغلال و الخداع. وبيان القوة الأخلاقية له من خلال التأكيد على أن الطيبة والنوايا الصافية هي الأساس للسعادة الحقيقية والسلام النفسي، وجذب العلاقات الإنسانية المستدامة والموثوقة دائما.
وهنا لابد من إحداث التوازن رغم صعوبته واليقظة دون خبث، فما بين الطيبة والسذاجة ما هو إلا خيط رفيع، وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال لابد من الإجابة عنه وهو : كيف يمكن الحفاظ على النقاء دون السقوط في فخ السذاجة؟ (الفطنة مقابل الغباء ( هنا نصل إلى الموازنة العملية من خلال الدعوة إلى تبني الطيبة الواعية (أو الذكاء القلبي)، أي أن تكون طيباً ونقي السريرة، ولكن في الوقت نفسه يقظاً وواعياً لأساليب الخداع المحتملة (الاحتراس دون مكر). ومن خلال الاستشهاد بقصص القران مثل قصة "براءة الذئب" تتجسد لنا حكمة نبي الله يعقوب (عليه السلام) في إظهار أن الفطنة (قدرة يعقوب على كشف كذب أبنائه) هي التي تحمي النقاء، وليس المكر.
وفي الختام نخلص إلى القول: ان التحلي بالطيبة والبراءة والنقاء هي الانتصار الحقيقي والدائم والتأكيد على أن المكر هو نجاح مؤقت وهش، بينما النقاء هو انتصار دائم وقيمة إنسانية راسخة. وهذه المقالة دعوة للقارئ إلى نزع الأقنعة وتغليب صفاء النوايا؛ لأن الإنسانية تحتاج إلى النقاء والعالم يحتاج إلى الشفافية أكثر من حاجته إلى المكر والخداع والبراعة الخبيثة، وهذا يذكرنا بقول الشاعر:
لا خيــــرَ في ودِّ امـرئٍ مُتمـلِّـقٍ *** حُـلـــوِ اللسـانِ وقلــــبـهُ يتلـهَّـبُ
يلقــاكَ يحـــلفُ أنـه بـكَ واثـــقٌ *** وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العــقرَبُ
يُعطيكَ من طَرْفِ اللِّسانِ حلاوةً *** ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـب