الكلام كالريش المتطاير لا يمكن تجميعه
سمعة المؤمن خط أحمر لا نقترب منها
فهيمة رضا
2018-09-10 04:00
يُحكى أن أحد الأشخاص ذهب إلى أحد الحكماء كي يجد حلا لذنب أو مشكلة ارتكبها ليستطيع أن يريح ضميره، وبعد أن شرح الشخص للحكيم ما فعله في حق أخيه المؤمن، وأنه يشعر بالأسف الشديد حيال ذلك، قال له الحكيم:
ابحث واجلب لي وسادة من ريش الطيور، فرح الرجل وذهب ليشتري وسادة الريش، وبينما كان يمشي باحثا عن مبتغاه، كان يردد مع نفسه: ما اسهل هذا العمل.
اشترى الوسادة حسب المواصفات التي أمره الحكيم بها، وعاد إلى محل إقامة الحكيم، وبعد أن وصل وفي الخطوة الثانية طلب الحكيم منه أن يفتح الوسادة ويتمشى في أحد أزقة المدينة، استغرب الرجل من طلب الحكيم لكنه التزم وفعل ما طلب منه، بعد ذلك عاد إلى الحكيم وقال له: لقد نفّذت ما أمرتني به هل انتهى كل شيء؟
لكن الحكيم أخبره بأنه لا زالت هناك خطوة ثالثة عليه أن يقوم بها، فقال الرجل برحابة صدر: ما هي الخطوة الثالثة؟
قال الحكيم له: اجمع الريش الذي تطاير من وسادتك.
استغرب الرجل من كلام الحكيم وغضب جداً، وقال له: هل تجدني أضحوكة أمامك أم ترغب في أن تلعب معي؟
قال له الحكيم: لا أنوي ذلك أبداً ولكن الكلام الذي خرج من فمك انتشر بسرعة في بيوت الآخرين كالريش المتطاير، اذا استطعت أن تقوم بجمع الريش فإنك تستطيع أن تغير ما فعلت، فكلامك انتشر بسرعة ودخل في بيوت الآخرين والجميع أصبح يتكلم بالضد من أخيك المؤمن الذي قمت بتخريب سمعته، ربما صدر ذلك سهواً منك، ولكن لا أحد يعرف ذلك والجميع بدأوا يتكلمون بسوء عن أخيك المؤمن بسبب كلامك!.
هذه الحكاية تمثل ما تعرّض له الكثير من الضحايا الذين فقدوا سمعتهم أو انتقصوا بسبب كلام السوء في حقهم، أو نتيجة لحقد الآخرين عليهم، كان الناس في الزمن القديم ينقلون الكلام من أفواهم إلى أذان الآخرين، وينتشر في زقاق المدينة من بيت إلى بيت، ولكن في الزمن الحديث ومع تطور التكنولوجيا أصبحت النميمة ونقل الكلام بين الناس أسرع من ذي قبل بأضعاف المرات وتلبُّس الحق بالباطل والباطل بالحق أجمل وأنظف من ذي قبل، حيث لا يشعر المرء بسوء الموضوع أو لعب الآخرين في عقله حسب إرادتهم.
لذلك ما علينا فعله هو عدم تصديق الأخبار بسهولة إلا بعد التحقيق، فهناك جهات مغرضة تدس السم في العسل وتقدمها للآخرين دون وعيهم، وعلى الإنسان أن لا يصدّق كل ما يسمع إلا بعد أن يتوثّق بنفسه من صدق الكلام ودقته.
وهناك حادثة حدثت قبل أيام، فقد راسلتني صديقتي وهي مصدومة مما حصل لها، حيث أن أحد الأصدقاء على الانستغرام تكلم معها وهي لم تجاوب عليه سوى أجوبه بسيطة وطلبت منه أن لا يكلمها على الخاص، ومن ثم اختفى الشخص وعاد مرة أخرى بعد أيام وبدأ يتكلم معها، وهي قامت بحضر اسم ذلك الشخص وكل ظنها أن الموضوع قد انتهى، ولكن كان ظنها هذا هو بداية المأساة، حين سمعت بعد أيام من إحدى صديقاتها بأن والدة ذلك الشخص ذهبت إلى إحدى الجلسات النسائية وتكلمت عنها بسوء، حيث قالت للجالسات أن هذه البنت عديمة الحياء وقليلة الأدب لأنها تكلمت مع ولدي وطلبت منه بعض الأشياء!!...
انتشر الكلام بسرعة البرق وبدأ الجميع ينظر للبنت نظرات غير لائقة ومؤذية، وهكذا انقلبت حياتها رأساً على عقب بسبب أقوال لا صحة لها لكن أفوه الناس وتناقل الكلام المسيء أسرع من نقل الكلام الجيد.
تُرى ما هو ذنب هذه البنت؟
وهل فعلا ذلك الاسم كان يعود لها هي بالتحديد؟
لأن هذا الفعل سهل جداً، حيث يمكن أن يقوم أي شخص بتقليد الاسم الآخر ويستخدم نفس الصورة التي استخدمتها صاحبة الاسم المعين ويراسل الآخرين بسهولة، حيث يستطيع أن يأخذ صور من محادثته مع من يشاء ويختار ويقول لمن حوله إنها تكلمت معي! في محاولة لتشويه سمعة الآخرين.
سوف تُهدم البيوت بسبب تشويه السمعة، وتبقى البنت إلى آخر عمرها عازبة بسبب تشويه السمعة، وقد يبقى الولد عازباً وعاطلاً عن العمل بسبب تشويه السمعة التي قد تلحق به كذبا وزورا ورهتانا.
ديننا دين الحق والجمال، دين يحافظ على كرامة الإنسان، ويعزز مكانته ولا يقبل الإهانة للمؤمنين، وهناك أحاديث كثيرة تحثنا على احترام الآخرين والحفاظ على شرفهم وسريرتهم، وتنهى عن اللعب بسمعة الناس.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنما يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيه، ومن هتك حجاب أخيه انتهكت عورات بيته بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
"حسبي الله ونعم الوكيل" يعني ملف القضية رُفع إلى رب السماء، أحكم الحاكمين، علينا أن نخطوا خطواتنا بدقة، فالحاكم دقيق لا يضيع عنده مثقال ذرة خيراً كان أو شراً!.