كيف تتقن فن الصمت؟

فهيمة رضا

2018-04-04 05:29

يقال الصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخون أبدا.. والصمت من أروع الفنون الذي ربما يتقنه الإنسان، يقول وليم هنري: "الصمت فنّ من فنون الكلام". ويُعرّف الصمت بكونه مدى وعي الشخص ونضجه لذلك يقول أمير الكلام الإمام عي عليه السلام:

(المرء مخبوء تحت لسانه تكلموا تُعرفوا).

فالكلام يكشف الغطاء عن طريقة تفكير الشخص وأسلوبه وأدبه الذي كبر عليه، لذلك كلما كان الشخص ناضجاً وواعياً أكثر تمهل في الكلام كي يتجنب الوقوع في الفتن، لأن الصمت يمد الإنسان بطاقة قوية يستطيع من خلاله كسب المعلومات عن محيطه وعن الأشخاص الذين يجب أن يجاورهم، والقرآن الكريم يضع قوانين للكلام حيث يشرح بأن لا خير في الكلام إلا في مواقع عدة: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.

فقد وردت أحاديث كثيرة تحذر الإنسان من الكلام الزائد وتحث على التمسك بالصمت لأن الكلام الزائد مضيعة للوقت، والوقت رأسمال الإنسان في هذه الحياة وعن طريق تنظيم الوقت يصل الإنسان إلى ما يريد وجنات الخلد.

الصمت علامة المتقِّين

عن الإمام علي عليه السلام في صفات المتقين: إن صمت لم يغمه صمت وإن ضحك لم يعل صوته) *1وعنه أيضا في صفة المؤمن:(كثير صمته مشغول وقته أول العبادة)*2

ومن مواعظ النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر وهو يعظه: (أربع لا يصيبهن إلا مؤمن الصمت وهو أول العبادة)*3

نجاة المؤمن

الصمت سبب نجاة الإنسان من المهالك لأنه في هذه الحالة لا يستطيع أي شخص أن يتذمر ويأخذ أي إستدلال ضد الإنسان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (نجاة المؤمن في حفظ لسانه) *4وعنه صلوات الله عليه:(من صمت نجا)*5

الصمت هو الذهب

عن الإمام الصادق عليه السلام: (قال لقمان الحكيم لإبنه يا بني إن كنت زعمت إن الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب)*6 وكم من كلام كسر قلوب الأحبة ولم يستطع أن يرجع الماء إلى مجراه الطبيعي فإختيار الكلام المناسب دليل على حسن تربية الشخص واختيار الصمت في الوقت المناسب يبعد الإنسان عن الوقوع في الخطأ لذلك يقرب القلوب إلى بعضها البعض.

قال الإمام الرضا عليه السلام: (إن الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير )*7

من علامات الفقه

من يصمت أكثر يتعلم أكثر من غيره لأنه ليس منشغلاً بأمور كثيرة ويجعل تركيزه على حسن الإستماع وبالتالي يتعلم أفضل من الذي يتكلم على الدوام، قال الإمام الرضا عليه السلام: (من علامات الفقه والحلم والعلم والصمت)*8

والصمت نجاة من النار ومفتاح الجنة، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله أحد الأشخاص ويقول له: (ألا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة؟ فقال بلى يا رسول الله فاصمت لسانك إلا من خير أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة)*9

ثمرة العقل وعلامة النبل

قال الإمام علي عليه السلام: (الصمت آية النبل وثمرة العقل )*10ويقول أيضا(الصمت يكسبك الوقار ويكفيك سلامة الإعتذار)*11 وعن الإمام الحسن عليه السلام: (قد أكثر من الهيبة الصامت)*12

فطوبى لمن كان صامتاً، إذ قال عيسى بن مريم (طوبى لمن كان صمته فكراً ونظره عبراً ووسعه بيته وبكى على خطيئته وسلم الناس من يديه ولسانه)*13، إن للكلام مواضع ومواطن وهناك فوائد كثيرة للصمت كما ورد في كتاب إحذروا نار جهنم لزكي جعفر الفيلي حيث يعدد آثار الصمت:

الصمت يمنح طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجابتك يجعلك تسيطر على من أمامك من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقة تجعلهم حائرين في تفسيرها، المصحوب ببعض الحركات والإيماءات يرغم من أمامك على البوح بما داخله فيقول أكثر مما يريد فعلاً.

يولد لدى الآخرين شعوراً بالغيظ الشديد لأنهم يعتبرونه هجوماً مستتراً فتكون الأقوى من دون كلام وتعب، وهو الحل الأفضل أمام المشاكل التافهة في المواقف الصعبة يولد الإحترام بعكس الصراع والجدل الذي يولد التنافر والحقد، يدمر اسلحة من تتشاجر معهم ويجردهم من القدرة على مواصلة الكلام.

يعلمك حسن الاستماع

الصمت فن، حاول إتقانه ولن تفشل أبدا في تحقيق ماتريد في أي وقت وفي أي موقف، والصمت مفتاح كل راحة الدنيا والأخرى وفيه رضى الله، والصمت نعم العون لك ويسلمك من العثرات و يكسب المحبة، الصمت يساعد الانسان أن يسمع لغة الطيور و شكوى الأمواج و نمو الأغصان، وهو يجعل الإنسان يسمع صوت الحبة التي تسقط من يد النملة يجعل الإطار على تلك الأقحوانة التي تكبر في خجل، الصمت يدفع الإنسان إلى عالم رائع يفوق هذالعالم الذي يملأه الدمار والضجيج.

يا ترى ما الأهم، أن نتعلم لغة الكلام، أو لغة الصمت؟ أو نتقن لغة الحب؟ أما أنا فأختار لغة الحب لأنها أوسع وأم اللغات حيث تضع جميع اللغات تحت سيطرته ليثور العالم بجميع ما لديه من لغات - الكلام أو الصمت- ويتغير كل شيء نحو الأفضل، أختار لغة الحب لأمسح أخطاء التي ارتكبته الحرب، كي يسلك المحبين الطريق نحو الجنة ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
‎1-نهج البلاغة خطبة 193
‎2-نهج البلاغة حكمة 333
‎3-مكارم الأخلاق 377/2
‎4-أصول الكافي 114/2
‎5-البداية في الأخلاق العملية92
‎6-أصول الكافي 114/2
‎7-الكافي 113/2ح1
‎8-بحار الأنوار247/68
‎9-الكافي 113/2ح5
‎10-غرر الحكم1343
‎11-البحار19/297/71
‎12-البحار 7/113/78
‎13-الاختصاص ص232

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي