باب الخصوصية

سهى بطرس قوجا

2015-03-01 12:09

هيكل الإنسان عبارة عن صندوق مغلق يُرمى فيه ما يُرمى، ويُرمى منه ما يُرمى من خلال الإنسان ذاته، لا يجوز لغيره أن يمليّ عليه رغباته أو يفرض عليه ما لا يريد، كما لا يجوز تخطي الخط الأحمر الموجود في حياة الموجود مهما كانت درجة التجاوز مسموحة. ولكن في مجتمعنا الذي فيه الكثير من اللامبالاة والتناقضات نجد هذا مسموح وبشدة عند البعض الذين يتقربون من باب لا يخصهم ويدخلون ويتدخلون فيما لا يعنيهم ويبحثون عن ما لا صلة لهم به، فقط من أجل إرضاء ما في نفوسهم المقلق تجاه مشاكل البشر التي هي أساسًا آتية من خلال هكذا ممارسات!

التدخل في شؤون الغير والنبش في الخصوصيات يعتبر دواء لهكذا نفوس ضعيفة وجائعة، لا تشبع ألا حينما تقتات على معرفة ما تحمل حياة الآخرين من أحداث ومستجدات وخصوصًا السلبية، من أجل البحث عنها وفيها وتوسيعها وإعطاء حجم ووزن أكبر لها وانتظار النتيجة من أجل البدء بجديد أخر هادم!

هكذا هو مجتمعنا لا يراعي خصوصية الغير ولا يحترمها، دائما هو من الساعين خلف تفاصيل هالكة، مضيعًا وقته وجهده الفكري والذهني وأجمل لحظاته في الفضول الذي يمارسه على غيره، وكأنه لا يوجد في الحياة أشياء تلهيه غير هذه الأمور التي تنمّ عن التفكير المتذبذب والعقلية المتأرجحة!

ـــ لا نعرف ماذا يستفيد من يدخل نفسه في دوامة القيل والقال وسباق نقل الأخبار؟!

ـــ لا نفهم لماذا الإنسان غالبًا يحاول أن يصنع طريقا مخالفًا لكل الطرق الطبيعية؟!

ـــ لا نعلم متى يتعلم الإنسان الاتعاظ واحترام ذاته؟!

محير هو الإنسان حينما لا يدرك كيف يواجه ذاته، ويكون محير أكثر حينما لا يأخذ احتياطه من نتيجة سلوكه؟!

يبقى كل واحد كما هو في مكانه لا يتغير ما لم يكن هنالك تغيير من الداخل وقبول الواقع على حقيقته والإنسان على طبيعته. كثيرين يتركون حياتهم ومسؤولياتهم من أجل البحث عن خصوصيات الغير التي لا تخصهم! وأكيد من يمارس هذه العادة السيئة، هو في غير وعيه وشعوره وغير مهتم بما سيطاله، لأن من يحافظ على صورة حياته من دون أن يمسها أي خدش أو تشويه، من المستحيل أن يرضى لغيره بذلك ألا من كان عكس هذا النموذج الذي يعاني منه الناس ولا يعرفون التصرف حياله. أمثال هؤلاء يعطون الحق لأنفسهم في ترصد الآخرين والتدخل في خصوصياتهم والطرق على بابها دون أدنى مسؤولية!

والأغرب في الموضوع من يتقرب ويفعل ذلك بحكم الصداقة أو القرابة والجيرة! يأخذون من هنا وينقلون لهؤلاء وينثرون الحكايات ويؤلفون القصص ويبدعون في إخراج فلم سينمائي أو مسلسل بحلقات متتابعة وحتى أغنية تتردد في الأفواه! غير مكترثين بمعاناة الغير وموقفهم الحرج من الإساءة التي تلحقهم بسبب اقحام هؤلاء أنفسهم في حياتهم الخاصة.

أمثال هؤلاء يخلقون حالة من الملل في الوسط الذي يتواجدون فيه، وحالة من التذمر منهم من قبل آخرين لا يستسيغون هذه العادات المروج لها. كثيرين لا يحبذون هذه السلوكيات التفكيكية، ويأملون في مجتمع سليم ذو فكر نير وواعي أكثر يهتم بما يرتقي بالإنسان ويحترمه. نعلم أن الكلام المنقول لا يأتي بأي نتيجة مُرضية ولكن مع ذلك يعمل له حساب وخصوصًا إذا كان الحديث يمس المرأة في منزلها، عملها، محيطها.

القليل يضيع ويشوه الكثير... كثير من المعاني الجميلة تضيع من الحياة بسبب هكذا تصرفات لا عقلانية وغير موزونة من قبل البعض ممن يعيشون الحياة بسطحية وغير استيعاب لكل ما يحتويها وبدون تقدير لأنفسهم وللآخر. ومن أجل تفكيك جميع هذه العادات المتشعبة في النفوس لابد أولا إصلاح ما في أعماق كل فرد وترميمه بين الحين والأخر، كون من الداخل تنبع هذه الأمور غير المستحبة وغير المقبولة، وحينما تجد لها قبولا من قبل الفرد فهذا يعطي المجال لأن توسع رقعة وجودها المؤذي.... ونأمل بعكس ذلك!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي