كيف تجعل الأشجار المدن صحية أكثر

بروجيكت سنديكيت

2016-11-05 06:26

باسكال ميترماير

 

واشنطن – في مايو الماضي ولسوء حظي قمت بزيارة مدينة مومباي الهندية خلال أكثر أشهر المدينة ارتفاعا في درجات الحرارة يتم تسجيله. وظلت درجات الحرارة أكثر من 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت) لأيام آنذاك. وكان الاختلاف بين الوقوف مستظلا بظل شجرة والوقوف في ضوء الشمس مثل الاختلاف بين الليل والنهار.

ولم تكن موجات ارتفاع درجات الحرارة تلك غير مريحة فقط فقد مثلت تهديدا صحيا خطيرا – تهديد كثيرا ما يتم التغاضي عنه عند التعامل مع الطقس القاسي.

في الحقيقة، فإن موجات ارتفاع درجات الحرارة مسؤولة عن وفيات أكثر من تلك المرتبطة بأي نوع آخر من الأحداث المرتبطة بالطقس حيث تودي بحياة أكثر من 12 ألف شخص في أنحاء العالم سنويا. ويكون الخطر أكبر في المدينة بشكل خاص حيث يتسبب تأثير "الجزر الحرارية الحضرية" في أن تكون درجات الحرارة أعلى 12 درجة مئوية عنها في المناطق القريبة الأقل تطورا. والمسألة لا تقتصر على المدن الاستوائية مثل مومباي. ففي أغسطس 2003 اجتاحت موجة حر شديدة مدمرة أوروبا وقتلت أكثر من 3000 شخص في باريس وحدها.

ومما جعل الأمور أسوأ أن المدن تميل إلى أن تكون معدلات تلوث الهواء بها أعلى وبشكل خاص الجسيمات التي تنتج عن احتراق الوقود الأحفوري والكتلة الحيوية التي تتسبب فيما يصل إلى ثلاثة ملايين حالة وفاة سنويا. وبالنسبة للعديد من قاطني المدن فإن أكبر تهديد للصحة والسلامة هو الهواء المحيط بهم.

وبالفعل تقدر منظمة الصحة العالمية أن 92 بالمئة من سكان العالم معرضين لخطر تلوث الهواء. ومع الأخذ في الاعتبار التوسع الحضري السريع – ما يصل إلى 70 بالمئة من الناس سيكونون من سكان المدن بحلول 2050 – فإن معدل التعرض لمستويات أعلى من التلوث يزيد بصورة سريعة.

لكن ليس بالضرورة أن يخلق التوسع الحضري أزمة صحية. وفي الحقيقة، يوجد قرار بسيط جميل يمكن لرؤساء البلديات اتخاذه لخفض كل من الإرتفاع الشديد في درجات الحرارة وتلوث الهواء ويتمثل هذا القرار في زراعة المزيد من الأشجار.

وتقوم الأشجار والنباتات الأخرى بتبريد الهواء المحيط بها بشكل طبيعي عن طريق تظليل الأسطح وإطلاق بخار الماء. والأكثر من ذلك فإن أوراقها تعمل وكأنها مرشحات تؤدي إلى خفض مستويات الجسيمات الدقيقة في الثلاثين مترا المحيطة (قرابة 100 قدم) بنسبة تصل إلى الربع ولها تأثير ملحوظ على العمل البيئي.

وقامت مؤسستي (ذا نيتشر كونسيرفنسي) للحفاظ على البيئة بدراسة اشتملت على 245 مدينة في أنحاء العالم يمكن أن تستفيد من مبادرات زرع الأشجار وقامت بتقدير العائد المحتمل لها على الاستثمار فيما يتعلق بكل من درجات الحرارة والجسيمات الدقيقة. ومع الأخذ في الاعتبار أن أكثر التأثيرات أهمية للأشجار محلية بصورة كبيرة فقد وجدنا أن المدن الكبرى ذات الكثافات السكانية العالية في الباكستان والهند وأجزاء أخرى في جنوب شرق آسيا ستستفيد بصورة أكبر.

وتعني التأثيرات المحلية الكبيرة للأشجار أن زراعتها يمكن أن توفر فوائد مستهدفة كبرى حتى في المدن التي يوجد بها وفرة من الفضاء الأخضر ظاهريا مثل لويزفيل وكنتاكي.

ومع متنزهاتها الوفيرة وأحيائها الظليلة فقد يبدو أن الأشياء المشتركة بينها وبين مومباي أو كراتشي قليلة إلا أن هناك أحياء في لويزفيل ذات غطاء شجري قليل مما يجعل المدينة من بين الجزر الحرارية الأسرع نموا في الولايات المتحدة مما حدا بمؤسسة الحفاظ على البيئة لإطلاق مبادرة تستهدف جهود زراعة الأشجار.

ويوجد عددا لا حصر له من الأحياء في أنحاء العالم يمكنها الاستفادة من المبادرات المماثلة. فالمناطق التي يعد سكانها معرضون للخطر – بالقرب من المدارس والمستشفيات على سبيل المثال – مرشحة على نحو جيد لمثل هذه الجهود. ويمكن أيضا استخدام الأشجار كشاشة طبيعية ضد التلوث من الطرق السريعة أو المناطق الصناعية.

وفي أنحاء العالم، فإن استثمارا سنويا بقيمة 100 مليون دولار في مبادرات زراعة الأشجار يمكن أن يؤدي إلى تخفيضات كبرى في مستوى الجسيمات الدقيقة لدى 68 مليون شخص كما تخفض درجة حرارة الهواء بدرجة مئوية واحدة بالنسبة لسبعة وسبعين مليون شخص. ويمكن لاستثمار يساوي أربعة دولارات للفرد أن ينقذ حياة ما بين 11 ألف و36 ألف شخص سنويا ويمكن أن يخفض تأثيرات الصحة السلبية لعشرات الملايين من الأشخاص.

ويقارن العائد من هذا الاستثمار بالتقديرات للاستراتيجيات الأخرى مثل أجهزة تنقية الهواء وفرض قيود على حركة مرور السيارات واستخدام مواد بناء ذات ألوان فاتحة تمتص درجة حرارة أقل. وجميع هذه الاستراتيجيات لديها دور تقوم به، فالأشجار بمفردها لن تحل جميع قضايا ارتفاع درجة الحرارة الخاصة بنا وقضايا جودة الهواء. لكن زراعة الأشجار هي فقط هي التي تعالج كلا من ارتفاع درجة الحرارة حضريا وتلوث الهواء.

كما تقدم الأشجار أيضا مجموعة من الفوائد الأخرى للمدن فهي توفر موئلا للحياة البرية وتخفض جريان مياه العواصف وتعزل الكربون عن الغلاف الجوي مما يساعد في التخفيف من التغير المناخي كما يتزايد أعداد الأبحاث التي توضح أن التعرض للأشجار والنباتات الأخرى له تأثير إيجابي على الصحة العقلية وخاصة للأطفال. وتناقش جميع هذه الفوائد حكمة المزيد من الاستثمار في الأشجار والبنية التحتية الخضراء الحضرية مثل المتنزهات والحدائق المطرية.

وحددت أهداف التنمية المستدامة -التي تشتمل على هدف مخصص للمدن المستدامة- درجات الحرارة المرتفعة وجودة هواء الحضر كقضايا عالمية ملحة. وسيتم مناقشة القضيتين على نطاق واسع في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ السنوي والذي سيبدأ الأسبوع المقبل في مراكش بالمغرب. لكن هذه أيضا قضايا محلية تعاني منها كل مدينة بصورة مختلفة عن الأخرى وحتى الأحياء يختلف كل حي عن الآخر.

وبينما يمضي العمل العالمي المتعلق بالتغير المناخي والإستدامة قدما فإن رؤساء البلديات يمكنهم اتخاذ خطواتهم الخاصة بالبدء باستراتيجية مستهدفة محلية لتكرار زراعة الأشجار التي تحسن الصحة ورفاهية السكان. لقد حان الوقت للزراعة.

* باسكال ميترماير، المدير الإداري العالمي للمدن لصون الطبيعة

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي