قمة باريس للمناخ.. هل ستردع التغير المناخي والنزاعات العالمية؟
مروة الاسدي
2015-11-30 07:00
يشكل التغير المناخي أحد أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين، ويقصد به الاختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والمتساقطات التي تميز كل منطقة على الأرض، فعندما نتحدث عن تغير المناخ على صعيد الكرة الأرضية نعني تغيرات في مناخ الأرض بصورة عامة، وتؤدي وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية.
كذلك المجتمعات البشرية ستبدأ قريبا في مواجهة آثار سلبية ناجمة عن التغير المناخي بفعل الإنسان، فقد توصل العلم إلى أدلة قاطعة على أن البشر هم سبب ارتفاع حرارة الأرض، وقد بدأت بالفعل التغيرات تصبح ملحوظة، فأربعة عشر سنة من أشد السنين الخمسة عشر حرارةً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة قبل 130 عاما تم تسجيلها منذ بداية القرن الحالي (2000-2015).
لذا استحوذت قضية تغير المناخ بقوة على اهتمام العالم خلال هذا العام وانعكس ذلك في بذل جهود دولية حثيثة للاتفاق على إجراءات فعالة تحد من انبعاث الغازات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض والآثار المترتبة عليه، وبالرغم من أن الدول النامية (الأشد فقرا) الأقل إنتاجا لهذه الغازات لكنها سوف تكون الأكثر تعرضا وتأثرا بنتائج التغير المناخي، لكونها تفتقر لسبل المكافحة والوقاية منه.
ونظرا لذلك احتضنت باريس "قمة الأمم المتحدة للمناخ 2015" في دورتها 21، والتي يحضرها أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة، بينهم الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إضافة إلى نحو 20 ألف مشارك من مندوبين وخبراء وصحافيين وممثلي منظمات غير حكومية، وعلى مدار 12 يوما، سيحاول المشاركون في هذه القمة التي ستعقد في ضاحية لوبورجيه، شمال باريس، إعطاء نفس جديد لمكافحة ظاهرة التغير المناخي، وسيتحدثون عن الأمن الغذائي والمياه، لما يشكلان من تهديد للبنى التحتية والنشاطات الاقتصادية في مختلف دول العالم، لاسيما البلدان الفقيرة.
ويمثل تغيّر المناخ نتيجة "لتجربة" ضخمة غير مخطَّط لها، تتمثل في انبعاث كميات كبيرة من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي وهذه الغازات هي المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن جانبهم يحاول العلماء فهم هذه الظاهرة، وهم يبحثون عن التأثيرات الارتجاعية المحتملة التي قد تقلّل ظاهرة الاحترار العالمي أو تزيدها سوءا، وهذه الحالة المعقدة من عدم القدرة على التنبؤ، هي ما يجعل من تغيّر المناخ علما ملتبسا على نحو خاص، وتشمل تأثيرات تغير المناخ المجتمعات، والاقتصادات، والأفراد على نطاق واسع، وبالقدر نفسه من الضخامة، نجد التعديلات التي يتوجب إجراؤها على أنظمتنا للطاقة والنقل، وعلى الاقتصادات والمجتمعات، إذا أردنا تخفيف حدة تغيّر المناخ.
وتشير بعض المصادر إلى إن تغير المناخ يؤدي بحياة 150 ألف شخص سنويا، وسبق ان حكم على 20% من الأنواع الحية البرية بالانقراض مع حلول العام 2050، سبق ان بدأ يكبد صناعات العالم خسارات بمليارات الدولارات كالصناعات الزراعية إضافة إلى تكاليف التنظيف جراء ظروف مناخية قصوى، لكن ما حدث ويحدث ليس بهول ما قد يأتي في المستقبل، فإذا تقاعسنا عن التحرك لكبح سرعة عواقب التغير المناخي يتفاقم عدد البشر المهددين وترتفع نسبة الأنواع المعرضة للانقراض من 20% إلى الثلث بينما من المتوقع أن تؤدي العواقب المالية للتغير المناخي إلى تجاوز إجمالي الناتج المحلي في العالم اجمع مع حلول العام 2080، ولكن لدينا الفرصة لوقف هذه الكارثة إذا تحركنا على الفور.
قمة دولية للمناخ في باريس
في سياق متصل تتحول باريس من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 11 كانون الأول/ديسمبر إلى عاصمة عالمية للمناخ من خلال احتضانها قمة الأمم المتحدة في دورتها 21، والتي يحضرها أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة، وتسعى القمة إلى التوصل لاتفاق دولي لمكافحة التغير المناخي الذي يشكل أحد أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين. بحسب فرانس برس.
بحضور أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة بينهم الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إضافة إلى نحو 20 ألف مشارك من مندوبين وخبراء وصحافيين وممثلي منظمات غير حكومية، وعلى مدار 12 يوما، سيحاول المشاركون في هذه القمة التي ستعقد في ضاحية لوبورجيه، شمال باريس، إعطاء نفس جديد لمكافحة ظاهرة التغير المناخي، وسيتحدثون عن الأمن الغذائي والمياه، لما يشكلان من تهديد للبنى التحتية والنشاطات الاقتصادية في مختلف دول العالم، لاسيما البلدان الفقيرة.
سلسلة بشرية في فرنسا للتنديد ب "حالة الطوارىء المناخية" ويريد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والذي قام بحملة دبلوماسية كبيرة من أجل إنجاح هذه القمة، التوصل لاتفاق دولي يوقعه 195 بلدا في ختام أعمال القمة في 11 كانون الأول/ديسمبر، وذلك بعد ست سنوات من مؤتمر كوبنهاغن الذي كانت نتائجه مخيبة، ومن المتوقع أن يحل الاتفاق الجديد محل "بروتوكول كيوتو" في العام 2020، علما أن هذا الأخير لا يشمل سوى 15% من الانبعاثات العالمية ولم تصادق عليه الولايات المتحدة، كما أنه لا يعني البلدان الناشئة.
قمة وسط إجراءات أمنية مشددة، وخلافا لقمة كوبنهاغن 2009، باتت الولايات المتحدة والصين، المسؤولتان عن 40% من الانبعاثات، مهتمتان بالتوصل إلى اتفاق في هذا الخصوص، وبالإضافة إلى التزامات البلدان بتخفيض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة التي تعد السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، من المرتقب أن يرسم الاتفاق المقبل إطارا عاما ملزما للسنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة، وتجري قمة المناخ 2015 وسط تعزيزات أمنية مشددة فرضتها حالة الطوارئ المعمول بها في فرنسا منذ اعتداءات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر التي قتل فيها 130 شخصا، والتي تسببت بإلغاء بعض الفعاليات التي كان من المفترض إجراؤها على هامش القمة.
ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية
على صعيد اخر ينذر استمرار تسارع ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية بزيادة كبيرة في كمية المياه العذبة في المحيط الاطلسي الشمالي، ما قد يؤدي على المدى الطويل الى اختلال في آلية تشكل "المياه العميقة" التي تعتبر مرجعا حقيقيا لقياس حدة التغير المناخي العالمي، بحسب تحذيرات الاخصائي في علم المحيطات روجيه فرنسوا. بحسب فرانس برس.
هذا الباحث البلجيكي الذي يشغل مهام رئيس بعثة علمية على متن كاسحة الجليد البحثية الكندية اموندسن يدرس حاليا تاريخ الكوكب عبر كشف اسرار محيطاته، مثل المحيط المتجمد الشمالي حيث يقود خلال الخريف الحالي بعثة تضم حوالى اربعين عالما متخصصا في التغير المناخي، ويرفض روجيه فرنسوا الافراط في التشاؤم موضحا لوكالة فرانس برس أن الدورات المناخية "الشديدة" تتعاقب منذ مليوني سنة بوتيرة مرة كل مئة الف عام مع "تشكل مسطحات جليدية على القارة الشمالية تتبعها مرحلة ذوبان سريع للغاية" تمتد على خمسة الاف سنة.
وقد حصل اخر احترار مناخي قبل 20 الى 15 الف سنة خلت ما ادى الى ارتفاع في مستوى مياه البحار بمعدل 130 مترا، ويقول فرنسوا "هذا هو الاتجاه السائد مع ذوبان الجليد في غرينلاند والمنطقة القطبية الجنوبية اما الفارق الاكبر مع ما يحصل اليوم هو الوتيرة الزمنية اذ ان الامر لم يكن يوما بهذه السرعة".
وتتسم كل دورة مناخية بتغير مستوى الكربون في الغلاف الجوي، فخلال اخر موجة احترار مناخي، ارتفع معدل غاز ثاني اكسيد الكربون (ابرز انواع الغازات المسببة لمفعول الدفيئة) في الهواء من 180 جزءا في المليون الى 280 جزءا في المليون خلال خمسة الاف سنة، وحتى الثورة الصناعية، بقي المستوى عند 280 الى ان شهد منذ ذاك الحين ارتفاعا مطردا حتى بلغ عتبة 400 جزء في المليون سنة 2015، بحسب هذا العالم.
ويحذر فرنسوا من أنه "في حال بقينا على هذا النحو، وهو ما يبدو أنه حاصل، سنشهد بحلول نهاية القرن الحالي مستويات غير مسبوقة منذ عصر الديناصورات في الحقبة الوسطى"، مع معدل الف جزء في المليون، "ردات فعل" مناخية ، آخر موجات ذوبان للجليد تبعها "استقرار مناخي اكبر بكثير" سمح للانسان العاقل بتنمية قدراته. ويلخص الاستاذ في جامعة بريتيش كولومبيا في فانكوفر الوضع قائلا إن "حضارتنا كما نعرفها تمثل نتيجة مباشرة لتطور المناخ".
وتحتل المياه العميقة التي تنشأ في المحيط الاطلسي الشمالي قبالة غرينلاند موقعا اساسيا في صلب هذا المناخ المناسب للحضارة البشرية، فهذه المياه الموجودة في اعماق المحيطات وفق مسار محدد بدقة تراكم كميات من ثاني اكسيد الكربون المتأتي من الغلاف الجوي بالاضافة الى تشكيل "آلية كبرى لنقل الحرارة من خط الاستواء الى القطبين"، بحسب روجيه فرنسوا.
وفي ظل ذوبان الانهار الجليدية، يؤدي انهيار الجبال الجليدية المؤلفة من مياه عذبة في البحر الى "تخفيض الملوحة ما يجعل تشكل المياه العميقة اكثر صعوبة"، ومن شأن توقف انتقال الحرارة بين الاستواء والقطبين بسبب انهيار آلية تنظيم الحرارة التي تشكلها المياه العميقة أن يجعل "المرتفعات العالية اكثر برودة".
وقد حصل سيناريو مشابه خلال اخر احترار مناخي في العالم، ويشير اخصائي علم المحيطات الى ان "مستوى البرودة كان اعلى في بداية مرحلة ذوبان الجليد مقارنة بالمستوى الاقصى المسجل في العصر الجليدي خصوصا في شمال اوروبا"، ويمثل التبدل الحاصل على صعيد تشكل المياه العميقة احدى "ردات الفعل" الناجمة عن الاحترار المناخي، اذ ان سببا ما يولد اثرا معينا وهذا الاخير يعزز السبب ويفاقم الوضع في كثير من الاحيان.
ويقول روجيه فرنسوا "لا علم لنا بمجمل ردات الفعل المشاركة في الاحترار وهنا مكمن القلق"، مضيفا "النظام برمته شديد التعقيد وهذا الامر ليس قابلا للتجربة، يمكن الحديث عن عملية تحصل على مستوى الكوكب ومجرد الاغفال عن تفصيل صغير قد يؤدي الى خلاصات مختلفة".
ذوبان الجبال الجليدية في القطب الجنوبي
في حين أظهرت دراسات استندت أساسا على بيانات وكالة "ناسا" الأمريكية أن قاعدة أحد الجبال الجليدية في غرينلاند (القطب الشمالي) تذوب بسرعة بسبب الاحتكاك مع المياه الدافئة في المحيط، كما وحذر العلماء من انهيار "غير قابل للتصحيح" لمناخ القطب الجنوبي في حال ذابت جباله الجليدية الكبرى. بحسب فرانس برس.
يسجل جبل جليدي ضخم في شمال شرق غرينلاند، بالقطب الشمالي، وتيرة ذوبان متسارعة في السنوات الأخيرة بسبب الاحترار المناخي تقلق العلماء من إمكانية التأثير على غطاء جليدي مجاور، علما أن ذوبان هذا الجبل بالكامل قد يؤدي إلى رفع منسوب البحار نصف متر، وكان هذا الجبل الجليدي مستقرا حتى السنوات الأولى من القرن الحالي، لكنه منذ ذلك الحين صار يفقد خمسة مليارات طن من الجليد سنويا، ثم تضاعفت وتيرة انحسار الجزء العائم منه ثلاث مرات اعتبارا من 2012.
ذوبان الجليد من جبل لآخر!، وبين 2002 و2014، فقد الجزء العائم للجبل الجليدي 95 % من مساحته. ومن شأن هذا الانحسار السريع أن يؤثر على جبل جليدي آخر يقع إلى الشمال من هذا الجبل، ويقول جيريمي موغينو الباحث في قسم الجيوفيزياء في جامعة كاليفورنيا والمشرف على دراسة نشرت في مجلة ساينس العلمية الأمريكية "إنها المرة الأولى التي نشهد فيها جبلا جليديا ضخما في شمال غرينلاند البارد حيث لم نكن نسجل آثار للاحترار المناخي، يفقد كتلته بهذه الوتيرة المتسارعة".
ويضيف: "الجبل الجليدي يتفتت وتنفصل عنه جبال جليدية يؤدي ذوبانها إلى رفع منسوب البحار في العقود المقبلة"، وبحسب الباحث فإن الجبل فقد أربعين مليار طن من الجليد منذ 2003، بوتيرة خمسة ملايين طن سنويا، وهذه الوتيرة قد تتضاعف.
ارتفاع مقلق لمنسوب البحار!، هذه الكمية من الجليد الذائب تؤدي إلى ارتفاع في منسوب البحار 0,1 ميليمتر، لكن "في حال ذاب الجبلان اللذان تتناولهما الدراسة، فإن ذلك يشكل 12 % من مساحة جليد غرينلاند، معنى ذلك أن البحار قد ترتفع مترا واحدا، مع احتمال أن يستغرق ذلك قرونا عدة"، وأظهرت دراسات استندت إلى أعمال مراقبة جوية نفذتها وكالة الفضاء الأمريكية "الناسا" وغيرها من وكالات الفضاء، أن قاعدة الجبل الجليدي تذوب بسرعة بسبب الاحتكاك مع المياه الدافئة في المحيط، علما أن حرارة مياه المحيط ارتفعت أكثر من درجة مئوية بين 1997 و2010.
ويقول جيريمي موغينو: "لقد ساهم ارتفاع حرارة مياه المحيط بشكل كبير في ذوبان الغطاء الجليدي". ويضيف: "لكننا نحتاج إلى المزيد من أعمال المراقبة والقياس في هذه المناطق الحساسة من غرينلاند"، وبحسب أستاذ الجيوفيزياء في جامعة كاليفورنيا، إريك رينيو، أحد المشرفين على الدراسة "يذوب أعلى الجبل الجليدي تحت تأثير ارتفاع متواصل في حرارة الجو منذ عقود، أما أسفله فيذوب بسبب التيارات البحرية الدافئة".
وتظهر هذه الدراسة الجديدة أن التغير المناخي يذيب الجبال الجليدية بوتيرة متصاعدة في منطقة القطب الشمالي الأشد بردا. وإذا استمرت حرارة الأرض بالارتفاع، يمكن أن يبدأ الجليد في مناطق أكثر بردا على كوكب الأرض، مثل بعض مناطق القطب الجنوبي بالذوبان.
انهيار "غير قابل للتصحيح" لمناخ للقطب الجنوبي!، وقد يكون هذا الاحتمال أكثر إثارة للقلق، لأن القطب الجنوبي يحتوي على كميات أكبر من الجليد التي يمكن أن ترفع مياه البحار أمتارا عدة في حال ذوبانها خلال القرون المقبلة، وأشارت دراسة أخرى نشرت الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة إلى أن الجبال الجليدية الكبرى في القطب الجنوبي ستذوب إذا ما تأثرت جبال حوض "أموندسن" الأصغر حجما بالاحترار المناخي. وجاء في تلك الدراسة أن ذلك سيكون الحلقة الأولى من انهيار النظام المناخي في القطب الجنوبي بشكل غير قابل للتصحيح.
المجتمعات البشرية "ستتأثر بالتغير المناخي"
من جانب آخر حذر الخبير الاقتصادي البارز ريتشارد تول من أن المجتمعات البشرية ستبدأ قريبا في مواجهة آثار سلبية ناجمة عن التغير المناخي بفعل الإنسان، وتوقع البروفيسور تول أن تتجاوز سلبيات ظاهرة الاحتباس الحراري الإيجابيات مع وصول درجة حرارة الاحتباس إلى 1.1 درجة مئوية، والتي تحققت بالفعل تقريبا، ويصف العديد من المنظمات المدافعة عن البيئة البروفيسور تول بأنه "من المتشككين" إزاء قضايا تغير المناخ.
وكان تول قد سلط الضوء سابقا على الآثار الإيجابية لثاني أكسيد الكربون في تخصيب المحاصيل والغابات، ويستدل المشككون في حقيقة ظاهرة التغير المناخي بآراء البروفيسور تول في التأكيد على وجهة نظرهم، وقال البروفيسور تول لإذاعة بي بي سي: "معظم الناس سيؤكدون أن الاحتباس الحراري المحدود يكون على الأرجح مفيدا لرفاهية البشر بشكل عام، وهذا إذا قيست الأمور بالدولار (من الناحية المادية)، لكن زيادة الاحتباس الحراري بمستويات أعلى سيكون سلبيا تماما على الأرجح".
وردا على سؤال عما إذا كانت المجتمعات بدأت تشهد مرحلة تبدأ فيها التبعات تطغى على الفوائد، قال البروفيسور تول: "نعم، في الدوائر الأكاديمية، تمثل هذه بالفعل نتيجة غير قابلة للجدل"، لكن هذا الأمر مثير للجدل للمشككين في التغير المناخي، الذين يستدلون بأبحاث البروفيسور تول التي تؤكد على ضرورة عدم القلق بشأن الاحتباس الحراري.
إدارة النظم البيئية، وقال مات ريدلي الكاتب النافذ في علوم البيئة، إنه يعتقد أن العالم سيستفيد على الأرجح من ارتفاع درجات الحرارة لنحو درجتين مئويتين، وأضاف: "أعتقد أننا على الأرجح سنشهد وصول الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة، والمستوى الذي يرى فيه معظم الناس أن الأمر سيصبح فادحا هو درجتان مئويتان، وهذا ليس صحيحا. والمصادر واضحة جدا (في هذا الشأن)، إذ سنبدأ في التعرض للضرر حينما يصل الاحتباس الحراري إلى درجتين، وحتى ذلك الحين، فإننا نحقق فوائد".
وتابع: "أصبحنا جميعا أكثر وعيا بالأنظمة البيئة بسبب ثاني أكسيد الكربون، لدينا زيادة 11 في المئة من المساحات الخضراء على الكوكب مقارنة بالوضع قبل 30 عاما، ومعظم ذلك يعود إلى تأثير ثاني أكسيد الكربون على التخصيب"، ويعتقد ريتشارد تول وهو أستاذ بجامعة ساسكس أن النقاش حول تأثيرات ارتفاع درجة الحرارة إلى درجتين مئويتين غير مهم بشكل كبير لأن العالم على الأرجح سيشهد احترارا ما بين 3 إلى 5 درجات مئوية لأن السياسيين في قمة المناخ المقبلة في باريس لن يكون لديهم الرغبة أو القدرة على إجراء خفض في الانبعاثات بالمستويات المطلوبة للإبقاء على الارتفاع بأقل من درجتين مئويتين.
وأوضح أن الارتفاع حتى أربع درجات هو أمر غير مرغوب فيه، لكن يمكن أن تحتويه أوروبا والدول الأخرى الغنية التي لديها إمكانيات كافية لتوفير التكاليف الضرورية للتكيف مع هذا الأمر. والوسيلة المثلى لمكافحة التغير المناخي هو في تحقيق أكبر قدر من النمو الاقتصادي.
توقعات الاحتباس الحراري، وقال تيم لينتون أستاذ علوم أنظمة الأرض من جامعة اكستر لبي بي سي إن التوقعات التي تحدث عنها تول لارتفاع مستوى الاحتباس الحراري لأقل من أربع درجات مئوية لبي بي سي هي توقعات متفائلة بشكل كبير، وقال: "درجة حرارة سطح الأرض بوسط أوروبا سترتفع بواقع أربع درجات أخرى في المتوسط، وهو على الأرجح ما سيغير من نمط المواسم في أنحاء أوروبا."
وأضاف: "سنفقد الجليد البحري في القطب الشمالي في الصيف [و] سنشهد تقليصا في غطاء الجليد البحري بشكل هائل في فصل الشتاء"، وحذر جوهان روكستروم، مدير مركز "ريزيليانس" في جامعة ستوكهولم من أنه كلما انتقلنا إلى درجة أعلى من درجتين مئويتين، زادت مخاطر التعرض لآثار سلبية.
وقال: "الأمر الذي سيجعلنا نصل إلى (مستوى) 6 درجات ليس الانبعاثات الكربونية، لكن تجاوب المحيط الحيوي، هل سيكون بمقدورنا الحفاظ على امتصاص الكربون الطبيعي في الأراضي دائمة التجمد، وفي الغابات المطيرة وفي الغابات الشمالية، وفي الأراضي الرطبة والمناطق الساحلية؟ ذلك لأن هذه هي التي يتوفر فيها المخزون الكبير
"نحن تنبعث منها تسعة مليارات الأطنان من الكربون سنويا من وجهة نظرنا حرق الوقود الأحفوري، ولكن هناك 100 بليون طن الكذب فقط تحت التندرا سيبيريا، لقد كثير أضعاف المتاجر الكبرى من الكربون في التربة السطحية من التربة المدارية، أو تحت الجليد في في القطب الشمالي.
وتابع: "نخرج انبعاثات تصل إلى تسعة مليارات طن من الكربون سنويا من حرق الوقود الأحفوري، ولكن هناك 100 مليار طن تقع تماما أسفل (سهول) التندرا في سيبيريا، لدينا أضعاف كثيرة من مخزون الكربون في التربة السطحية من التربة المدارية، أو أسفل الجليد في القطب الشمالي"، واختتم بالقول: "إذا لم ننجح في إدارة النظم البيئية الحية بشكل جيد، فإنه من الممكن أن تباغتنا من الخلف".
الغازات الدفيئة وأبرز الدول المسؤولة عن انبعاثها
بينما تعتبر الغازات الدفيئة مسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وتحاول دول العالم في الوقت الحالي العمل على الحد منها، ويعول المدافعون عن البيئة على قمة باريس المقبلة للخروج بخلاصات عملية بهذا الشأن، في وقت أبدت أبرز الدول المسؤولة عن انبعاث هذه الغازات استعدادها العمل على التقليص منها. بحسب فرانس برس.
قبل أسبوع من قمة باريس الدولية للمناخ، قدمت 170 دولة خططها الرامية إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة المفترض تطبيقها على امتداد نحو عشر سنوات، لكن يبدو أن هذه التعهدات ما زالت دون المستوى المطلوب للحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى درجتين فقط، وفي حال التزمت الدول فعلا بتعهداتها هذه على أكمل وجه، لن يكون بالإمكان الحد من الارتفاع في حرارة الأرض عند مستوى درجتين مئويتين مقارنة مع ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، بل عند ثلاث درجات، وذلك بحلول العام 2100، أما إن لم تبذل الدول جهودا في هذا المجال وظلت الأمور على ما هي عليه، فإن الارتفاع قد يصل إلى أربع درجات أو خمس.
وتحدد الغازات الدفيئة كالتالي: غاز ثاني أكسيد الكربون، غاز الميثان، غاز الأوزون، وغاز الكلوروفلوركربون، الدول الأكثر تلويثا للبيئة في العالم، هناك 170 دولة مسؤولة عن أكثر من 90 % من انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، وترتيب الأكثر منها تلويثا للبيئة هو على الشكل التالي:
1- الصين، تعد الصين أكبر مصدر في العالم لانبعاثات الغازات الملوثة (ما يقارب ربع الانبعاثات على مستوى العالم). وقد تعهدت للمرة الأولى بأن تحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول العام 2030 بالحد الأقصى، بعدما ظلت تمانع تعهدا كهذا بداعي ضرورات التنمية فيها، والصين أكبر مستهلك للفحم في العالم، وهو أكثر مصادر الطاقة تلوثا، ولكنها في المقابل أكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة. وهي تنوي تخفيض انبعاثاتها من الكربون بنسبة تراوح بين 60 و65 % بحلول العام 2030 مقارنة مع ما كانت عليه في العام 2005.
2- الولايات المتحدة، تعد الولايات المتحدة ثاني مصدر للتلوث في العالم، وهي تعتزم تخفيض انبعاثاتها بما بين 26 و28 % بحلول العام 2025 مقارنة مع ما كان في العام 2005، وهو هدف أعلى من المساهمات الأمريكية السابقة، ولكنه أدنى من الأهداف الأوروبية في هذا المجال، وتقول جنيفر مورغان الباحثة في معهد "ورلد ريسورسز" إن "الولايات المتحدة باتت على الأقل تمتك خطة ذات مصداقية"، مشيرة إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما "هي الأولى التي تعنى بهذه القضية".
3- الاتحاد الأوروبي، في مطلع آذار/مارس، كان الاتحاد الأوروبي السباق في تقديم خطته التي تقضي بتقليص الانبعاثات بما لا يقل عن 40 % بحلول العام 2030 مقارنة مع ما كانت عليه في العام 1990. ودول الاتحاد الأوروبي مسؤولة عن 10 % من الانبعاثات العالمية وتقع في المرتبة الثالثة، وبحسب مؤسسة هولو "هذه التعهدات تشير إلى آلية إيجابية، لكن هذه الدول قادرة على زيادة مساهماتها" في الخطة العالمية لكبح التغير المناخي.
4- الهند، تعهدت الهند بتقليص انبعاثات الكربون بنسبة 35 % بحلول العام 2030 مقارنة مع ما كان في العام 2005، لكنها لم تحدد أهدافها حول التقليص الإجمالي للانبعاثات، وتنوي الهند الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء بنسبة 40 %، بحلول العام 2030، لكنها تقر بعدم قدرتها على التخلي عن الفحم.
5- روسيا، تعتزم روسيا تقليص انبعاثاتها بنسبة تراوح بين 25 و30 % بحلول العام 2030، مقارنة مع العام 2005، ويرى خبراء أن الغابات الروسية الشاسعة تساهم فعليا في جزء كبير من عملية الحد من الانبعاثات، أما تقليص الانبعاثات الصناعية فلن يتعدى 6 إلى 11 % فقط.
6- اليابان، تنوي اليابان تقليص الانبعاثات بنسبة 26 % بين العامين 2013 و2030، معتمدة على استئناف العمل بالطاقة النووية التي توقفت بعد حادثة محطة فوكوشيما، ويرى عدد من الخبراء أن الجهود اليابانية "ليست كافية"، ولاسيما لكون اليابان من كبار مستخدمي الفحم.
7- البرازيل، تقول البرازيل إنها تنوي تقليص انبعاثاتها بنسبة 43 % بحلول العام 2030 مقارنة مع 2005، معتمدة على تنويع مصادر الطاقة المتجددة، ولاقت الخطة البرازيلية ترحيبا كبيرا.
8- إيران، التزمت إيران بتقليص انبعاثاتها بنسبة 4 % بحلول 2030، وتقول طهران أن جهودا إضافية بهدف الوصول إلى عتبة 8 % قد تبذل في حال رفعت عنها العقوبات.
9- إندونيسيا، تقول إندونيسيا إنها ستقلص انبعاثاتها بنسبة 29 % في العام 2030، وإن هذه النسبة قد ترتفع إلى 41 % في حال حصولها على مساعدات مالية.
10- كندا، أعلنت الحكومة الكندية السابقة ذات التوجهات المحافظة تخفيض انبعاثاتها بنسبة 30 % في 2030، وهي نسبة وصفها خبراء بأنها "غير كافية" نظرا لحجم إنتاج الطاقة من الصخر القاري، لكن الحكومة الجديدة ذات التوجهات الليبرالية تعهدت بإعادة النظر بالخطة.
11- دول أخرى، قدمت كثير من الدول النامية خططا غالبا ما كانت مشروطة بالحصول على مساعدات. وكانت المكسيك أولى هذه الدول على مستوى العالم، والغابون الأولى في أفريقيا، ومن الدول القليلة التي اعتبرت مساهماتها "كافية" المغرب وإثيوبيا.