مصير إمدادات المياه العالمية معلق في الميزان
بروجيكت سنديكيت
2024-11-20 04:16
لندن- بينما كان انتباه العالم منصبا على الانتخابات الأميركية، كان العدد المتزايد من أحداث الطقس القاسية ــ من الفيضانات الكارثية في إسبانيا إلى أسوأ موجة جفاف في جنوب أفريقيا منذ قرن من الزمن ــ يسلط الضوء على الحاجة إلى التركيز على تغير المناخ، وخسارة التنوع البيولوجي، ودورة المياه المتغيرة.
هذه الأزمات مترابطة، والأعراض تزداد سوءا على سوء. عندما يقتل الجفاف المحاصيل، يعاني الملايين من البشر؛ وعندما تضرب الظواهر القاسية المرتبطة بالمياه (الأكثر أو الأقل مما ينبغي) المجتمعات المستضعفة، فقد تؤثر عمليات النزوح والهجرة والصراعات الناتجة عن ذلك على الجميع.
مع ذلك، لا أحد ينصت. فقد حظيت قمة التنوع البيولوجي الأخيرة في كالي بكولومبيا (مؤتمر الأطراف السادس عشر) باهتمام دولي ضئيل، وفشلت في إنتاج خريطة طريق لزيادة التمويل اللازم لحماية الأنواع. بدلا من ذلك، اكتفى المندوبون بالاحتفال بالقرار الذي توصلوا إليه والذي يقضي بفرض رسوم على الشركات الخاصة لاستخدام معلومات التنوع البيولوجي الجيني، وإنشاء مجموعة عمل جديدة معنية بالشعوب الأصلية.
على الرغم من أهمية هذه التطورات، فإنها هامشية فيما يتصل بمهمة وقف خسارة التنوع البيولوجي. الأسوأ من ذلك أنها قد تعمل كستار دخان للتقاعس العالمي، كما رأينا على مر السنين في مفاوضات المناخ العالمية، حيث حجبت الجلسات المطولة حول التجارة و"الخسائر والأضرار" الافتقار إلى العمل على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. وبرغم أن الإطار العالمي للتنوع البيولوجي ــ الذي اعتُـمِـد في مونتريال في عام 2022 ــ وضع أهدافا طموحة لحماية 30% من مساحة الكوكب بحلول عام 2030، فإن 158 دولة لم تقدم بعد خططا رسمية حول كيفية الاضطلاع بدورها.
هذا التقاعس من غير الممكن أن يستمر. ذلك أن الأنشطة البشرية تهدد استقرار المناخ والأنظمة الطبيعية التي تعتمد عليها رفاهة البشر. وقد أصبح الأمن الغذائي، والصحة البشرية، والاستقرار الاجتماعي على المحك. من المفترض أن تستمر مفاوضات مؤتمر الأطراف السادس عشر "في موعد لاحق"؛ لكن العالم لا يملك ترف مرور مؤتمر الأطراف السادس عشر دون إحراز تقدم كبير نحو حماية التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية على كوكبنا.
في غياب عمل جماعي عاجل وجهازي، سوف تشتد التأثيرات المترتبة على تغير المناخ وخسارة التنوع البيولوجي وأزمة المياه. يشكل التنوع البيولوجي والطبيعة عنصرين أساسيين في الحفاظ على أنماط المناخ المستقرة والدورة الهيدرولوجية (المائية). تعتمد الأراضي الرطبة والغابات، التي تخزن كميات هائلة من الكربون، على دورات المياه المستقرة والتنوع البيولوجي المزدهر لكي تعمل على نحو فَـعّـال.
على نحو مماثل، تمتص الأنظمة الإيكولوجية الأرضية حاليا 25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهذا يساعد على منع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من الارتفاع إلى ما يزيد عن 420 جزءا في المليون. ومع ذلك، أدت الأحداث الهيدرولوجية القاسية ــ الجفاف والفيضانات، مقترنة بالحرارة المرتفعة أثناء دورة "النينيو الفائقة" في عام 2023 ــ إلى تآكل بالوعة الكربون الضخمة هذه بدرجة كبيرة. كانت هذه علامة تحذير جادة. ذلك أن خسارة التنوع البيولوجي على نحو غير منضبط كفيلة وحدها بدفعنا إلى تجاوز هدف اتفاق باريس للمناخ المتمثل في الحد من زيادة درجات الحرارة الناجمة عن الانحباس الحراري الكوكبي بما لا يزيد على 1.5 درجة مئوية، وسوف تكون العواقب وخيمة على المجتمعات المستضعفة في مختلف أنحاء العالم.
في تقريرنا النهائي المقدم إلى اللجنة العالمية المعنية باقتصاديات المياه، نوضح كيف أن عالمنا مترابط ليس فقط من خلال المياه الزرقاء في أنهارنا وبحيراتنا، بل وأيضا من خلال "المياه الخضراء" المحمولة في رطوبة التربة. ونحن فضلا عن ذلك متصلون جميعا من خلال "أنهار جوية": الرطوبة التي تنتقل من التربة عبر النباتات والغابات إلى الغلاف الجوي، حيث تتدفق بين المناطق لتوفير الأمطار الأساسية.
تُــعَـد الحياة النباتية الموفورة الصحة العمود الفقري لهذه العملية، حيث يَـنـتَـح الماء من النباتات إلى الغلاف الجوي لتوليد السحب. وتستفيد بعض البلدان بشكل غير متناسب من هذه الأنهار الجوية، في حين تعد بلدان أخرى، مثل الهند والبرازيل، من كبار مصدري الرطوبة. يعتمد ما يقرب من نصف هطول الأمطار العالمي على استخدامات الأراضي المجاورة، وهذا يؤكد على أهمية الحفاظ على صحة الأنظمة البيئية في مختلف أنحاء العالم.
إن تكاليف التقاعس عن التحرك هائلة. ذلك أن الدورة الهيدرولوجية غير المستقرة تعني أضرارا اقتصادية بعيدة المدى. وتُـنذِر أنماط هطول الأمطار المتغيرة، ودرجات الحرارة المرتفعة، ومخزونات المياه المنخفضة، وتراجع القدرة على الوصول إلى المياه النظيفة بخسائر ضخمة في الناتج المحلي الإجمالي. وتواجه البلدان المرتفعة الدخل انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% بحلول عام 2050، وقد تعاني البلدان ذات الدخل الأدنى من انخفاض يصل إلى 15%. في الوقت ذاته، يتركز أكثر من نصف (55%) إنتاج الغذاء في العالم الآن في مناطق تعاني من نقص إمدادات المياه العذبة.
لا يزال بوسعنا تحويل مسار أزمة المياه العالمية، لكن هذا لن يتسنى لنا إلا بحماية واستعادة الأنظمة البيئية المتدهورة. وكما يشير تقرير اللجنة، تتمثل نقطة انطلاق جيدة في تبني الحكومات لمجموعة واضحة من السياسات الموجهة نحو تحقيق المهام "للحفاظ على، واستعادة، الموائل الطبيعية التي تشكل أهمية بالغة لحماية المياه الخضراء". الواقع أن السياسات الموجهة نحو تحقيق المهام والتي تعترف بالاتكالية المتبادلة بين المياه والتنوع البيولوجي ضرورية لتعزيز الاستجابات من جانب الحكومة بالكامل والاقتصاد بكل قطاعاته واللازمة لتحقيق الاستدامة الكوكبية.
على سبيل المثال، تتطلب مهمة "استعادة ما لا يقل عن 30% من أنظمة الغابات والمياه الداخلية الإيكولوجية المتدهورة على مستوى العالم بحلول عام 2030" التعاون من جانب قطاعات متنوعة مثل الزراعة، واستزراع الغابات، والبناء، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (على سبيل المثال لا الحصر). ولا تقتصر مهمة استعادة الغابات على وزارة البيئة، بل يجب أن تشمل أيضا وزارات المالية، والزراعة، والعلوم والتكنولوجيا، بين جهات أخرى.
الحق أن الحكومات لديها الفرصة لإظهار هذا المستوى من الطموح وإحراز تقدم ملموس عندما تستأنف مفاوضات مؤتمر الأطراف السادس عشر. أولا، يتعين عليها تقديم خطط رسمية حول كيفية تلبية أهداف الإطار العالمي للتنوع البيولوجي. ثانيا، يجب أن تُـدرِك الاستراتيجيات الوطنية المعنية بالتنوع البيولوجي وخطط العمل التي تحدد الأولويات وتدير تدفقات التمويل أهمية المياه الخضراء.
ثالثا، يتعين على الحكومات أن تبذل مزيدا من الجهد للاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية، التي تتولى إدارة ورعاية رُبع أراضي الكوكب ونحو 40% من الأراضي الطبيعية المتبقية في مختلف أنحاء العالم. على الرغم من اتفاق مندوبي مؤتمر الأطراف السادس عشر على أن الشركات يجب أن تعوض المجتمعات المحلية والأصلية عن استخدام المعلومات الجينية المستمدة من التنوع البيولوجي الذي تساعد في حمايته، فإن حدود التعويض يجب أن تكون أكثر طموحا.
الستار الدخاني الرمزي ليس دليلا على نجاح القمة. ونحن لا نملك تَـرَف تحمل خسارة عقد من الزمن من العمل على تعزيز التنوع البيولوجي. إن وصول العالم إلى المياه العذبة يعتمد على تحرك الحكومات لبذل مزيد من الجهد الآن.
........................................