الهندسة الجيولوجية الشمسية تشكل صرفا خطيرا للانتباه
بروجيكت سنديكيت
2024-04-04 06:32
لندن/جوهانسبرغ- خلال أحدث اجتماعات جمعية الأمم المتحدة للبيئة، التي انعقدت في نيروبي، اتخذت البلدان الأفريقية موقفاً قوياً إزاء التكنولوجيات الجديدة المحتملة، التي قد تفاقم حالة الفوضى التي يتسم بها المناخ بالفعل.
وقد ساعد زعماء القارة، بدعم من بلدان نامية أخرى، في إسقاط القرار الذي يدعو إلى إجراء المزيد من البحوث فيما يتعلق بفوائد تعديل الإشعاع الشمسي ومخاطره. وتُعرف عملية تعديل الإشعاع الشمسي أيضًا باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهي فكرة مثيرة للجدل مفادها أن التعديل المتعمد للغلاف الجوي لعكس بعض أشعة الشمس حتى تعود إلى الفضاء يمكن أن يساعد في خفض حرارة كوكب دافئ. ودعم صانعو السياسات الاتفاقية الدولية لعدم استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية، وشددوا على الحاجة إلى حلول مناخية فعّالة وعادلة.
وتشمل الهندسة الجيولوجية مجموعة من التقنيات التخمينية، بما فيها تقنية تعديل الإشعاع الشمسي، التي تهدف إلى معالجة تأثيرات تغير المناخ وليس أسبابه الجذرية. وقد اقتُرحت العديد من تقنيات الهندسة الجيولوجية الشمسية، ولكن أكثرها تداولا هي حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري، التي تتناول فرضية مفادها أن أساطيل من الطائرات ستحلق على ارتفاعات عالية، وستطلق على نحو مستمر كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت في الستراتوسفير، لتحاكي تأثير التبريد المؤقت الذي تحدثه الانفجارات البركانية.
وفي الواقع، من المرجح أن تؤدي مثل هذه التدابير إلى زعزعة استقرار المناخ الذي يعاني أصلا من اضطرابات شديدة. ضع في اعتبارك أن الانفجارات البركانية قد أثارت في الماضي أحداثا مناخية متطرفة ومجاعات. وفضلا على ذلك، لطالما أشارت النماذج المناخية إلى أن حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري يمكن أن يغير الرياح الموسمية الهندية، ويسبب المزيد من حالات الجفاف المتكررة والمستمرة في منطقة الساحل المضطربة. ووفقاً لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن الهندسة الجيولوجية الشمسية قد "تؤثر سلبا على قدرة الملايين وربما المليارات من البشر على التمتع بحقوقهم".
ويزعم بعض أنصار تعديل الإشعاع الشمسي أنه إذا لم يحقق رش الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير النتيجة المرجوة، فمن الممكن وقف هذه العملية. ولكن هذا يمكن أن يكون خطيرا: إذ سيختفي تأثير التخفيف الذي تُحدثه الجزيئات المحقونة، مما يسبب ارتفاعا سريعا في درجات الحرارة. وسيكون هذا السيناريو الذي يسمى بصدمة الإنهاء كابوسا.
ويرى الأفارقة كيف تُستخدم قارتهم كأرضية اختبار لهذه التقنيات الخطيرة. ويُدَّعى أن أفريقيا هي القارة الأكثر عرضة لتغير المناخ، لذا فهي ستحصل على أقصى قدر من الاستفادة من الهندسة الجيولوجية. والواقع هو أن الأفارقة هم أكبر الخاسرين جراء تكنولوجيات الهندسة الجيولوجية الفاشلة.
وفضلا على ذلك، يمكن للخلافات بخصوص استخدام تعديل الإشعاع الشمسي أن تؤدي إلى تفاقم الصراعات الجيوسياسية، بل إلى إشعال فتيل الحروب. ونظرا لأن جزءا كبيرا من تكنولوجيات الهندسة الجيولوجية تروِّج لها مصالح ومؤسسات مقرها الولايات المتحدة، ويمولها مليارديرات التكنولوجيا، فإن الدول الأفريقية لديها سبب وجيه لتقلق من أنه لن يكون لها أي رأي يذكر في القرارات المتعلقة بنشرها.
وبالإضافة إلى المخاوف بشأن الأمن والعدالة، تثير الهندسة الجيولوجية مسائل أخلاقية خطيرة. إن تعديل الإشعاع الشمسي وغيرها من التقنيات ذات الصلة تحظى بقبول أولئك الذين ينكرون الحاجة إلى التغيير المجتمعي السريع والتحويلي للحد من ظاهرة الانحباس الحراري العالمي. إن مجرد التفكير في هذا الأمر قد يعتبر صرفا خطيرا للانتباه، لاسيما وأنه يكتسب زخما متزايدا باعتباره مناورة للمماطلة في صناعة الوقود الأحفوري.
ولهذا السبب، عارضت الدول الأفريقيةـ بِمعية المكسيك، وكولومبيا، وفيجي، وفانواتو- بقوة قرار سويسرا بشأن الهندسة الجيولوجية الشمسية بجمعية الأمم المتحدة للبيئة، بحجة أن الأبحاث أثبتت بالفعل المخاطر الكارثية التي تنطوي عليها. ودعت هذه الدول جمعية الأمم المتحدة للبيئة إلى إعادة التأكيد على اتباع نهج احترازي في التعامل مع هذه التقنيات التخمينية، والاعتراف بدعوة المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة إلى إبرام اتفاقية عدم الاستخدام- وهو قرار رائد اتُخذ في أغسطس/آب 2023. ولكن الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، واليابان عارضت هذه الدعوة. ونظراً لعدم وجود توافق في الآراء، اضطرت سويسرا إلى سحب قرارها.
وقد سلطت المفاوضات الضوء على أهمية الدعوة إلى إبرام اتفاقية دولية لعدم استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهي المبادرة التي أقرها أكثر من خمسمائة باحث، ودعمها ما يقرب من ألفي مجموعة من منظمات المجتمع المدني. ويخلص الاتفاق إلى أنه نظرا لأن الهندسة الجيولوجية الشمسية تشكل مخاطر غير مقبولة، وأنه بحكم طبيعتها يتعذر السيطرة عليها، فيتعين على البلدان أن ترفض كل ما يتعلق بهذه التكنولوجيا بما في ذلك، إجراء تجارب خارجية، منح براءات اختراع، توفير تمويل عام، وأن تحظر نشرها.
ويتعين على المجتمع الدولي أن يفرض حظراً صارماً على الهندسة الجيولوجية الشمسية، كما فعل مع الاستنساخ البشري والأسلحة الكيميائية، ويتعين عليه أن يفعل ذلك قبل أن يُسوَّق لهذه التكنولوجيا. والواقع أن الحكومات وافقت على الوقف الفعلي للهندسة الجيولوجية بموجب اتفاقية التنوع البيولوجي، قبل أكثر من عقد من الزمان. ومن شأن اتفاقية عدم الاستخدام أن تعزز هذا الحظر بقدر أكبر.
ولكن لا يكفي مقاومة الانحرافات الخطيرة مثل تعديل الإشعاع الشمسي. وتتطلب معالجة أزمة المناخ التركيز الشديد على الحلول الحقيقية والتعاون بين بلدان الجنوب. وفي الآونة الاخيرة، حدد اثنان منا، بصفتنا عضوين في فريق الخبراء المستقل المعني بالتحول العادل والتنمية، كيف يمكن للبلدان الأفريقية أن تتبع أجندة فعّالة للمناخ والتنمية- وكيف يمكن لجهود مثل مبادرة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في البلدان الأقل نموا أن تدعم هذه الجهود. وعلى نحو مماثل، بدأت معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري المقترحة، وهي خطة ملزمة للتخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم بوتيرة سريعة وعلى نحو عادل، تكتسب زخماً. ونحن نتوقع أن تنضم قائمة أخرى من البلدان إلى كولومبيا، وفيجي، وفانواتو في مناصرة الاتفاقية الدولية لعدم استخدام تعديل الإشعاع الشمسي، ومعاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري في آن واحد. ونحن نرحب بهذه الخطوة.
وقد عبرت سوزانا محمد، وزيرة البيئة الكولومبية، عن هذا الأمر بإيجاز في بيانها الختامي القوي في جمعية الأمم المتحدة للبيئة، حيث قالت: "إن التلوث ليس هو الحل للتلوث". وقد حذر الزعماء الأفارقة من أن العالم لا ينبغي له أن ينخدع ويجد نفسه على منحدر زلق في اتجاه الهندسة الجيولوجية الكارثية. لقد حان الوقت أن يستمع المجتمع الدولي لآرائنا.