لماذا تُعد غابات الأمازون على هذا القدر من الأهمية في قضية تغير المناخ؟
موقع للعلم
2023-03-30 06:37
بقلم: إيما برايس
تبدو غابات الأمازون الواقعة في أمريكا اللاتينية، عند النظر إليها من أعلى، كما لو كانت دثارًا زمرديًّا كثيف الخضرة، وهي تُعد موطنًا لملايين الحيوانات ويجري على أرضها أكبر أنهار العالم من حيث الحجم، ويُضاف إلى ذلك أن هذه الغابات تؤدي دورًا محوريًّا في حماية كوكبنا الأرضي من التأثيرات الضارة الناجمة عن تغيُّر المناخ.
ولكن ما أسباب أهمية هذه الغابات؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتأثر المناخ العالمي باختفائها؟ تغطي غابات الأمازون مساحةً تقارب سبعة ملايين كيلو متر مربع، أي ما يعادل مساحة أستراليا، ونظرًا إلى ضخامة حجمها على هذا النحو، فإنها تؤدي دورًا بالغ الأهمية في قضية المناخ؛ فمع وجود هذا العدد الهائل من الأشجار التي تغطي تلك المساحة الضخمة من الأرض، فإن كل شيء يحدث لتلك الغابات يكون ضخمًا وعميق الأثر، وبعض خصائص غابات الأمازون فريدٌ من نوعه، فهي صانعة مناخها، إذ تُولِّد بعضًا من أمطارها وتحتفظ ببرودة الجو في أرجائها، في الوقت ذاته التي تحافظ فيه على ثبات درجات الحرارة واستقرارها في الإقليم، وإذا ما أضفنا إلى ذلك كتل غازات الدفيئة التي تخزنها الكتلة البيولوجية لتلك الغابات، فسيصبح لديك حارسٌ طبيعي للمناخ، لكننا لا نكف عن تفكيك تلك الغابات الثمينة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقُم تغير المناخ بطرقٍ عديدة لم يبدأ العلماء في فهمها إلا منذ وقتٍ قريب.
الإسفنج الكربوني العملاق
وجميع الغابات الموجودة على ظهر الكرة الأرضية تُؤثر في الغلاف الجوي؛ فالأشجار تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو عن طريق عملية التمثيل الضوئي، وتُخزِّن غازات الدفيئة في أوراق الشجر والجذوع والجذور والتربة المتاخمة لها، وهذا الحجم الهائل الذي تمتاز به غابات الأمازون يؤهلها لتكون من أكبر أحواض الكربون في العالم، يقول كارلوس نوبرى، اختصاصي النظم الأرضية في جامعة ساو باولو في البرازيل وأحد الباحثين ذوي الخبرة الطويلة في مجال المناخ والتأثيرات البيئية الناجمة عن إزالة الأشجار من غابات الأمازون: "اليوم، لا تزال غابات الأمازون تُخزِّن ما يزيد على 150 مليار طن [متري] من الكربون، رغم كل ما يحدث من اجتثاثٍ لأشجارها"، ونحو نصف المخزون الكربوني كامنٌ في التربة، أما النصف الآخر فيكمن في أشجارها التي تحتوي على نحو 20% من إجمالي الكربون الذي يحتجزه الغطاء النباتي في مختلِف أرجاء الكوكب.
لكن البشر حين يعمدون إلى قطع تلك الأشجار، تُطلِق الكتلة الحيوية الكربون المخزن فيها لتُعيده مرةً أخرى إلى الغلاف الجوي في صورة غاز ثاني أكسيد الكربون، مما يُسبِّب احترارًا، وعلى غرار غازات الدفيئة الأخرى، تمنع جزيئات غاز ثاني أكسيد الكربون الحرارة الموجودة على الأرض من التسرُّب عائدةً إلى الفضاء، ويقطع العاملون في مجالي الزراعة والتعدين على نحوٍ متواصل تلك الشبكة الكثيفة المؤلفة من 16 ألف نوع من الأشجار بغابات الأمازون، وإجمالًا، فإن عمليات اجتثاث الأشجار قد أزالت 17% من الغطاء الشجري في تلك الغابات المطيرة منذ عام 1970.
وغالبًا ما تعمل صناعات إزالة الغابات على تجريد منطقةٍ ما من الأشجار عبر إشعال الحرائق فيها، وسرعان ما يتسبَّب هذا في إطلاق الكربون المخزون في تلك الأشجار إلى الغلاف الجوي، أما الأشجار المقطوعة التي لم تلتهمها ألسنة اللهب فتتحلل بدورها، ومن ثم ينبعث الكربون منها أيضًا، وتساعد مثل هذه الحرائق على تفسير السبب وراء إطلاق مناطق من غابات الأمازون كميةً من غاز ثاني أكسيد الكربون تتجاوز الكمية التي تمتصها في الوقت الحالي، كما ينبعث من الحرائق أدخنةٌ متصاعدة من السخام، وتلك الأدخنة تحجب أشعة الشمس وتزيد من الاحترار.
الاحترار ومعدل هطول المطر
ينعكس احترارُ الغلاف الجوي على غابات الأمازون؛ فكلما ازداد الاحترار العالمي، ازداد معدل حدوث الظواهر الجوية المرتبطة بالجفاف ومدى شدتها على امتداد أمريكا اللاتينية، وفق قول نوبري، الذي يشغل أيضًا منصب الرئيس المشارك للجنة العلمية المعنية بغابات الأمازون، وهي اللجنة التي تدعم الأبحاث والمبادرات التي تهدف إلى إنقاذ تلك الغابات المطيرة، وتُخلِّف هذه التأثيرات وراءها فترات جفاف أطول أمدًا في الإقليم، كما تتسبَّب في تراجُع معدل هطول المطر، الأمر الذي يؤدي إلى هلاك الأشجار، ويُضاف إلى ذلك أن الجفاف وتدهور الغطاء الحرجي يُسفِر أيضًا عن زيادة مخاطر اندلاع الحرائق الطبيعية.
ويعتقد نوبرى أن ثمة تبعاتٍ أخرى تترتب على فقدان الأشجار؛ ففي أثناء موسم الجفاف، تتسبَّب شدة أشعة الشمس وكثافتها في ترشُّح كمياتٍ كبيرة من المياه التي اختزنتها الأشجار والتربة في الفترات المطيرة، ويوضح نوبري أن بخار الماء "يصل إلى الطبقة السفلى من الغلاف الجوي ويصير سُحبًا، ثم يمطر مرةً أخرى"، ويضيف قائلًا: "الجزيء الواحد من بخار الماء الذي يدخل غابات الأمازون يُعاد تدويره بمعدلٍ يتراوح بين خمس إلى ثماني مرات"، وبهذا يُسلِّط الضوء على أهمية هذا المحرك الهيدرولوجي (المتعلق بدورة المياه) في إعادة تغذية الأمطار الإقليمية، وإضافةً إلى ذلك، يعمل هطول المطر بغزارة على تبريد الجو، تمامًا مثلما يساعد التعرُّق في تبريد أجسامنا بعد أدائنا للتمرينات الرياضية.
وفي حال تناقُص الغطاء الشجري، سينخفض مخزون المياه، وبالتالي ستتقلص مساحة الغابة أكثر فأكثر، وقد أظهرت دراسةٌ بحثية سابقة أشرف عليها نوبري أن دورةً تتألف من الاحترار والجفاف وتقلُّص مساحة الغابة قد تزجُّ بمنطقة الأمازون نحو عتبة الحد الأدنى من الغطاء الشجري، وفي حال صارت غابات الأمازون دون عتبة الحد الأدنى، فإنها ستتدهور بشكلٍ لا رجعة فيه لتصير مجرد أرض عشبية بسيطة.
ماذا لو تلاشت غابات الأمازون؟
تتباين التقديرات بشأن الحد الأدنى الدقيق الذي ستختفي عنده غابات الأمازون، ويرى نوبري وآخرون أن تلك الغابات ستبلغ عتبة الحد الأدنى عند فقدانها نسبةً تتراوح بين 20 إلى 25% من غطائها الشجري قبل إزالة الغابات (مع الوضع في الاعتبار أن تلك الغابات فقدت بالفعل 17% من هذا الغطاء)، كما أن هناك أرقامًا متباينة حول الكيفية التي قد تتدهور بها تلك الغابات بسرعة فور تجاوُزها عتبة الحد الأدنى، لكن هناك مناطق في الجزء الجنوبي من غابات الأمازون بدأت تتحول بالفعل إلى ما يُطلِق عليه نوبري "النظم الإيكولوجية المتدهورة مفتوحة المظلة"، وتلك مساحةٌ طبيعية بغطاءٍ شجري ضئيل، تحوي "تنوعًا بيولوجيًّا شديد الانخفاض"، وتخزن نسبةً ضئيلةً من الكربون الذي تُخزنه غابةٌ مطيرة مصونة، وفق قول نوبري.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف سيتأثر المناخ العالمي إذا ما تلاشت الغابة، وأطلقت الأشجار ما بداخلها من مخزونٍ هائل من الكربون؟
يوضح نوبري أن غابات الأمازون تحوي مخزونًا كربونيًّا يُقدَّر بأكثر من 150 مليار طن، وهو ما يكافئ مقدار انبعاثات الوقود الحفري عالميًّا لمدة تزيد على 10 سنوات، ويتابع قائلًا: إنه في حال تدهورت تلك الغابات وصارت أرضًا مكشوفة تشبه السافانا، سيتناقص معدل هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 30%، وسيترتب على هذا الأمر عواقب يصل مداها إلى كولومبيا والأرجنتين، حيث تُسهِم الرطوبة المنبعثة من غابات الأمازون في تغذيةٍ جزئية لهطول المطر في كلا البلدين، وفي غياب تأثير التبريد السطحي الذي تُحدثه تلك الغابات، سترتفع درجات الحرارة في الإقليم بمقدار عدة درجات مئوية.
وفي حال فقدان غابات الأمازون، فإن ذلك سيكون له انعكاساتُه على العالم بأسره، تقول إلينا شيفلياكوفا، اختصاصية العلوم الفيزيائية في مختبر ديناميات الموائع الجيوفيزيائية التابع للإدارة الأمريكية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، والتي صمَّمت نموذجًا للتأثيرات المناخية المترتبة على فقدان غابات الأمازون: "إذا أطلقت [غاز ثاني أكسيد الكربون] في الجو، فسرعان ما سينتشر في جميع أرجاء العالم"، وتضيف شيفلياكوفا أنه عند إطلاق 120 مليار طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون، على سبيل المثال (وهو تقديرٌ أكثر تحفظًا للمخزونات الكربونية بغابات الأمازون) من جرَّاء اجتثاث أشجارها، فإن ذلك من شأنه أن يتسبَّب في رفع حرارة الأرض بنحو 0.25 درجة مئوية.
وحتى لو خفَّض العالم الانبعاثات التي يتسبَّب فيها الإنسان بالقدر الذي يكفي لمواكبة شروط اتفاق باريس للمناخ والوفاء بها، ونجح في الإبقاء على معدل ارتفاع درجات الحرارة عالميًّا في حدودٍ لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن فقدان غابات الأمازون ومخزونها الكربوني على نحوٍ مفاجئ من شأنه أن يجعل هذا الهدف بعيد المنال، تقول شيفلياكوفا: إن خفض الانبعاثات عالميًّا لا يبلغ حاليًّا المعدل المستهدف، وهو ما يثير المخاوف بشأن التأثيرات الناجمة عن تدهور غابات الأمازون.
ولحماية هذه الجوهرة الثمينة التي يزدان بها كوكبنا، يرى نوبري أن المجتمع الدولي بحاجةٍ ماسة إلى كبح جماح عمليات إزالة الغابات والحد من انبعاثات غازات الدفيئة، كما يحتاج بشدة إلى إعادة تشجير المناطق المتضررة، حيثما أمكنه ذلك، وإضافةً إلى هذا، فإن إنقاذ غابات الأمازون ذو صلةٍ وثيقة بحقوق السكان الأصليين؛ إذ تشير مجموعةٌ متزايدة من الأبحاث إلى أن الأراضي التي يُديرها السكان الأصليون ويتولون شؤونها تقل فيها معدلات إزالة الغابات، وتقول شيفلياكوفا إنه حتى وإن بدت تلك المنطقة الإحيائية النضرة عالمًا بعيدًا عنَّا، فإن كل فرد على ظهر البسيطة مرتبطٌ بمصيرها، وتضيف: "فقدان غابات الأمازون سيؤثر علينا جميعًا".