تهديدات قاسية تنذر بفقدان الغابات
موقع للعلم
2023-01-25 05:32
بقلم: محمود العيسوي
أكثر من ثلث معدلات فقدان الغابات يرتبط بحركة التصدير بشكل أساسي من روسيا وكندا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة Credit: ONE EARTH/KAN ET AL.
على الرغم من الدور الحيوي الذي تؤديه الغابات في تحسين حياة البشر، بما توفره من خدمات لتنظيم المناخ، والحفاظ على حرارة الكوكب عند مستويات قابلة للعيش، إضافة إلى ثرائها بالنظم البيئية، وتوفير المأوى للعديد من الكائنات الأخرى، وحفظ التنوع البيولوجي، إلا أن معدلات فقدان مساحات واسعة من تلك الغابات تزايدت بوتيرة متسارعة خلال الفترة الأخيرة.
وطوال السنوات الماضية، ألقى خبراء حماية الطبيعة باللوم على قطاع الزراعة، باعتباره السبب الرئيسي وراء فقدان الغابات، بغرض توفير مساحات إضافية للتوسع الزراعي.
لكن دراسة حديثة نشرتها دورية "وان إيرث" كشفت أن الزراعة ليست المتهم الوحيد وراء إزالة الغابات، التي أصبحت تواجه مجموعة تهديدات قاسية ومتنوعة، تنذر بفقدان الغطاء الأخضر لكوكب الأرض.
ووفق الدراسة، فإن "نسبةً تزيد على 60% من معدلات فقدان الغابات، المرتبطة بنمو الاقتصاد العالمي، خلال عام 2014، ترجع إلى تزايُد الاستهلاك النهائي لمنتجات غير زراعية مثل التعدين والسلع المرتبطة بالأخشاب التي يتم الحصول عليها عن طريق قطع الأشجار، إضافةً إلى الصناعات القائمة عليها".
يرى مؤلفو الدراسة، بقيادة بن تشين -زميل ما بعد الدكتوراة في قسم العلوم والهندسة البيئية بجامعة "فودان" الصينية- أنه "يجب مراعاة أسواق التجارة الدولية عند تصميم إستراتيجيات حفظ التنوع البيولوجي، نظرًا إلى أن التغييرات الجارية في استخدامات الأراضي أصبحت لا تقتصر فقط على الطلب المحلي، بل تتأثر تأثرًا غير مباشر بحركة الطلب في الأسواق الدولية، والاستهلاك المتزايد لموارد الأرض".
يوضح "تشين" -في تصريحات لـ"للعلم"- أن "الدراسة اعتمدت على ربط معدلات فقدان الغابات بحركة التجارة في العالم من خلال استخدام بيانات ومعلومات جغرافية من مصادر متعددة، وتحليلها ضمن نماذج اقتصادية، لتقييم الأسباب المباشرة وغير المباشرة وراء فقدان المسطحات الخضراء والغابات".
أظهرت النتائج أن "أكثر من ثلث معدلات فقدان الغابات يرتبط بحركة التصدير بشكل أساسي من مناطق روسيا وكندا والمناطق الاستوائية إلى البر الرئيسي للصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وأن نسبةً تتراوح بين 23 و49% من خسائر الغابات في مناطق أمريكا اللاتينية وأفريقيا الوسطى وكندا وروسيا وإندونيسيا مرتبطة بالتصدير، في حين ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 65 و78% بمناطق أستراليا وأوقيانوسيا وجنوب شرق آسيا".
ويشير البيان الصحفي المرافق للدراسة إلى أن "الدراسات السابقة ركزت على إزالة الغابات من خلال تقييم مستويات فقدان الغطاء الشجري بشكل كامل، أما الدراسة الحالية فقد ركزت على الغابات السليمة، ما أتاح للباحثين فرصة تسليط الضوء على التأثيرات السلبية الناتجة عن تدهور مناطق تلك الغابات وتفتُّتها، من خلال ربط ذلك بالنشاط الاقتصادي".
يقول "تشين": كثير من البلدان التي لديها خطط للحفاظ على ما لديها من مناطق خضراء تلجأ إلى استيراد احتياجاتها من المنتجات التي تعتمد على موارد الغابات من خلال سلاسل توريد عالمية، مما يؤدي إلى إزاحة التأثيرات البيئية الناجمة عن الضغط على استخدام الأراضي، إلى مناطق أخرى خارج حدودها قد تشهد فقدانًا متسارعًا في الغطاء الأخضر.
ويضرب "تشين" مثلًا لأهمية مراعاة أسواق التجارة الدولية عند وضع خطط حماية التنوع البيولوجي، مضيفًا: يمكن تحسين حملات المستهلكين الحالية، ومبادرات سلسلة التوريد، مثل تعزيز الاستخدام المستدام لمنتجات مثل زيت النخيل وفول الصويا، بما يضمن وضع معدلات فقدان الغطاء الطبيعي (IFL) عند اعتماد خطط إنشاء مناطق الغابات واستخداماتها.
ويؤكد مؤلفو الدراسة أهمية الحفاظ على الغابات السليمة بما تحويه من نظم طبيعية متنوعة، وقدرة على مقاومة الاضطرابات الطبيعية مثل الحرائق، بالإضافة إلى قدرتها على تخزين كميات أكبر من الانبعاثات الكربونية، محذرين من أن "مجرد إزالة مساحة ضيقة من الغابات يمكن أن يؤثر على هيكلها العام ومكوناتها الطبيعية".
يقول "تشين": إن الغابات الطبيعية السليمة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية -على سبيل المثال- يمكنها تخزين أكثر من ثلاثة أضعاف كمية الكربون لكل هكتار، مقارنةً بالغابات الأخرى التي أصابها الضرر نتيجة اضطرابات طبيعية أو أنشطة اقتصادية؛ إذ أظهرت دراسة سابقة لتقييم متوسط كثافة الكربون في مناطق الغابات الاستوائية أن نسبة تخزين الكربون في غابات أفريقيا تزيد بمقدار 3.7 مرات عن المناطق الأخرى، وبمقدار 3.4 مرات في أمريكا الجنوبية، وبنحو 1.7 مرة أعلى في جنوب شرق آسيا.