لا أمن بدون أمن المناخ
بروجيكت سنديكيت
2022-10-25 04:59
بقلم: آن ماري سلوتر
واشنطن- لقد أجرى مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في يوليو مقابلة مدتها 45 دقيقة في منتدى اسبن للأمن، وفقط في نهاية المقابلة وبعد توجيه أسئلة له عن الحرب الروسية-الأوكرانية والصين وتايوان وإيران وأفغانستان كان هناك سؤال عما يمكن لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن تفعله من أجل تحديد المكان الذي من المرجح أن يتسبب فيه تغير المناخ في اندلاع الصراعات.
لقد كان جواب بيرنز واضحًا ولا لبس فيه حيث لاحظ ان التغير المناخي هو " أولوية مهمة لوكالة المخابرات المركزية والمخابرات الأمريكية بشكل عام " وبعد ذلك أشار الى أنه ينظر الى الصين على اعتبار انها " التحدي الجيوسياسي الأكبر الذي تواجهه بلدنا في القرن الحادي والعشرين"، الا أنه ينظر أيضًا الى التغير المناخي "كأكبر تهديد وجودي" للولايات المتحدة الأمريكية.
ان الخطر الوجودي كما تحدده مبادرة ستانفورد للمخاطر الوجودية هو خطر "يمكن أن يتسبب في انهيار الحضارة البشرية أو حتى انقراض الجنس البشري." ربما ما كان يعنيه بيرنز هو شيء أقل حدةً بكثير - ربما كان يقصد حدث كارثي من شأنه إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه ويغير الحياة كما نعرفها. لكن مع ذلك وخلال هذا المنتدى الذي يستمر أسبوعًا والمخصص للمناقشات الأمنية الوطنية والدولية، لم تركّز أي لجنة بشكل خاص وكامل على تغير المناخ.
ان هذا ليس غريبًا وكما أشار بيرنز فإن تغير المناخ لا يتناسب مع التعريف التقليدي لتهديد الأمن القومي وعليه فإنه يقع ضمن اختصاص الإدارات الحكومية الأخرى.
ومع ذلك، إذا كان تغير المناخ يشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، فيجب على جهاز الدفاع الأمريكي المشاركة في القتال ضده، وتحت قيادة بيرنز أنشأت وكالة المخابرات المركزية مهمة تركّز على مساعدة "صناع السياسات في حكومة الولايات المتحدة على فهم عواقب تغير المناخ ضمن المجتمعات الهشة بالفعل". ان كلٍ من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والبنتاغون لديها جميعًا وحدات تركّز على النزاعات المتعلقة بتغير المناخ في الخارج. ومع ذلك ماذا عن التأثير المباشر لتغير المناخ على الولايات المتحدة الأمريكية؟ فالجنرالات عادة لا يتوقفون عن القتال عندما يمتد القتال من الخارج إلى الأراضي الأمريكية.
لا يواجه كتّاب الخيال العلمي أي مشكلة في استحضار المستقبل ووضعه في إطار الحاضر فعلى سبيل المثال تبدأ رواية "الحرب الأمريكية" للكاتب عمر العقاد لسنة 2017 بخارطة للولايات المتحدة في عام 2075 وطبقًا لتلك الخارطة فإن فلوريدا ونيو أورلينز ونيويورك سيتي ولونج آيلاند ولوس أنجلوس كلها تحت الماء كما تبدأ رواية كيم ستانلي روبنسون لعام 2020 "وزارة المستقبل" بموجة حارة في الهند تجتاح شبكة الطاقة وتقتل 20 مليون شخص.
طبقًا للسيناريو الذي يتخيله روبنسون تصل درجات الحرارة في ولاية أوتار براديش إلى "درجة حرارة مع رطوبة تبلغ 42 درجة مئوية". هل يعتبر ذلك سيناريو مبالغ فيه؟ ضع في اعتبارك أنه في موجة الحر الأخيرة في ولاية كاليفورنيا وصلت درجات الحرارة في منطقة الخليج ووادي ساكرامنتو إلى 46.6 درجة مئوية (115.9 درجة فهرنهايت) حيث استعدت كاليفورنيا لفرض قيود على استخدام الكهرباء أو انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل، ومع كسر مقياس الحرارة للأرقام القياسية لا يبدو ان احتمال وفاة مئات الآلاف من الأمريكيين في موجة حر ضرب من ضروب الخيال.
ربما تكمن المشكلة في أن "الخطر" الوجودي لم يصبح حتى الآن "تهديدًا" وجوديًا في حين أن الحرب في أوكرانيا والعسكرة الصينية والتطلعات النووية الإيرانية تتطلب اهتمامًا فوريًا. لكن هل هذا الطرح يقنع ضحايا الإعصار والحرائق والفيضانات الذين عانوا من عواقب الطقس الكارثي خلال العقد الماضي. يختفي الآن نهر كولورادو وبحيرة ميد وبحيرة سولت ليك الكبرى كما بدأ الناس يحسون بارتفاع مستوى سطح البحر بالفعل في نورفولك وميامي. أما المستقبل وكما يخبرنا العلماء باستمرار فلقد وصل بالفعل.
لكي نكون منصفين فإن الذي حققه الكونغرس والرئيس جو بايدن يتجاوز أي إدارة سابقة. إن تمرير بايدن لقانون الحد من التضخم يعني أنه تمكن من تحقيق انتصارًا تشريعيًا تاريخيًا سوف يمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من الوفاء بالتزاماتها الدولية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفي آخر مؤتمر للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، تفاوض المبعوث الرئاسي الخاص جون كيري على صفقة حاسمة مع الصينيين من أجل السماح للعالم بالمضي قدمًا فيما يختص بالتزاماته المتعلقة بالمناخ.
علاوة على ذلك، فإن مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين منشغلين بشكل تام. إن خطر استخدام روسيا لسلاح نووي في أوكرانيا هو خطر حقيقي ومتزايد وانتهاك المحرمات النووية يمكن أن يجر دول الناتو إلى حرب نووية بين الدول العظمى يمكن أن تقضي على البشرية جمعاء. سيكون الصراع النووي مع الصين مميتًا بنفس القدر كما أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيؤدي أيضًا إلى الانتشار النووي في جميع أنحاء الشرق الأوسط مما يؤدي فعليًا إلى تقويض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ويزيد بشكل كبير من خطر الحرب النووية والإرهاب النووي.
ومع ذلك فإن المقياس الحقيقي لمدى الأهمية التي توليها الحكومة الأمريكية لتهديد معين هو مقدار الوقت والمال الذي تستثمره في التصدي له وأشك في أن بايدن ومستشاريه يقضون أكثر من 10٪ من وقتهم في الاستعداد لتأثير التغير المناخي. إن القضية هنا هي قضية وجود منظور معين فمسؤولو الأمن القومي يعملون في عالم الجغرافيا السياسية والمنافسة والتعاون بين الدول فهم مدربون على ردع الحروب ومنعها وخوضها أو التفاوض على السلام مع الحكومات الأخرى وليس التعامل مع التهديدات العالمية التي تتجاوز الحدود الوطنية وكما يقول المثل عندما يكون كل ما لديك هو مطرقة فإن كل مشكلة تبدو وكأنها مسمار.
لقد فهم بيل بيرنز الأمر بشكل صحيح فتغير المناخ هو تهديد وجودي ويجب على إدارة بايدن ومؤسسة الأمن القومي الأمريكية التعامل معه على هذا النحو. سيتطلب القيام بذلك إعادة تخصيص مبالغ مالية كبيرة من الجيش للوكالات الحكومية التي تركّز على بناء المرونة المحلية والحماية المدنية كما سيتطلب الأمر كذلك إنشاء وكالات أمنية جديدة تكون مهمتها التصدي للتهديدات العالمية.
لن يكون التقليل من مخاطر تغير المناخ سهلاً، لكن ليس لدينا خيار، وإذا أعدنا صياغة جملة من مسلسل لعبة العروش فإنه يمكننا القول ان هناك صيف طويل وقاتل قادم الينا، وإذا لم نرتقي إلى مستوى التحدي، فلن ينجو العديد من الأمريكيين.