محاولة لفهم الفيضانات العنيفة في باكستان
موقع للعلم
2022-10-11 03:14
بقلم سميرتي مالاباتي، مجلة نيتشر
تتعرّض باكستان لأسوأ فيضاناتها في هذا القرن؛ إذ تفيض مياه الأنهار متعدِّيةً ضفافها، وتذوب البحيرات الجليدية وتتسارع السيول، لدرجة أن ثلث البلاد على الأقل مغمورٌ الآن تحت الماء، ويقول العلماء إنّ عددًا من العوامل قد تضافرت لتسمح لهذه الكارثة بالحدوث في النهاية، مسببةً نزوح ما يقرب من 33 مليون شخص ومقتل ما يزيد على 1200 آخرين.
ويرى بعض الباحثين أنّ هذه الكارثة ربّما تكون قد بدأت بالتزامُن مع موجات حرارة غير مسبوقة، إذ تجاوزت درجات الحرارة في شهري أبريل ومايو أربعين درجة مئوية، واستمر ذلك فتراتٍ طويلةً في كثيرٍ من الأماكن، بل تَخطّت درجة الحرارة حاجز 51 درجة مئوية -على سبيل المثال- في أحد أيّام القيظ في مدينة جاكوب آباد، ويقول مالك أمين أسلم، وزير باكستان السابق للتغيّر المناخي، والمقيم في إسلام آباد: "لم تكن هذه مجرد موجات حرّ عاديّة، بل كانت الأسوأ في العالم، وبعض مناطق باكستان كانت أشدّ بقاع الأرض حرًّا".
من المعروف أنه كلما زاد دفء الهواء استطاع حمل مزيد من الرطوبة، ولذلك حذّر علماء الأرصاد الجويّة، في وقتٍ مبكّرٍ من العام، من أنّ درجات الحرارة شديدة الارتفاع هذه ربما تؤدّي إلى مستويات «غير عاديّة» من هطول الأمطار في موسم الرياح الموسميّة، الذي يقع بين شهري يوليو وسبتمبر، على حدّ قول زيا هاشمي، مهندس الموارد المائية في مركز دراسات آثار التغيّر العالمي في إسلام آباد، والذي قال ذلك التصريح بصفته الشخصية لا الرسمية.
ذوبان الأنهار الجليديّة
كان ارتفاع درجات الحرارة سببًا لذوبان الأنهار الجليديّة في المناطق الجبليّة الشماليّة، ما أدى بدوره إلى زيادة في كمّيّة المياه المتدفّقة داخل الروافد التي تصبّ عند نهاية رحلتها في نهر السند، وفق ما يقول آذار حسين، عالِم المناخ في جامعة كومساتس في إسلام آباد.
يمتدّ نهر السند -أكبر أنهار باكستان- بطول البلاد من شمالها إلى جنوبها، مغذيًا القرى والمدن ومساحاتٍ شاسعةً من الأراضي الزراعيّة، ولكن ليس من الواضح بالتحديد مقدار الجليد الذي ذاب وتدفّق إلى الأنهار هذا العام، وللوقوف على حقيقة الأمر، زار هاشمي بعض المناطق الجليديّة شديدة الارتفاع في شهر يوليو، ولاحظ تدفقًا عاليًا ومساحات من مياه موحلة في نهر هونزا، أحد روافد نهر السند، ويقول هاشمي: إنّ وجود الوحل يشير إلى حدوث حالة سريعة من الذوبان، نظرًا إلى أن الماء الذي يتدفّق بسرعة يجرف الرواسب في اتّجاه مجرى النهر، وإضافةً إلى ذلك فقد انفجرت عدّة بحيرات جليديّة عبر سدود الجليد التي عادةً ما تكبح جماحها، ما أدّى في النهاية إلى اندفاع المياه على نحوٍ خطير.
وقد تزامنت موجات الحرّ مع حدثٍ آخر غير اعتيادي، وهو منخفضٌ جوّي، أو تجمُّع من الضغط الجوي المنخفض الشديد في بحر العرب، ما سبّب هطول أمطار غزيرة على الأقاليم الساحليّة الباكستانيّة بداية شهر يونيو، ويقول آذار حسين مُعلِّقًا: "نادرًا ما تصل منخفضات جويّة واسعة النطاق إلى تلك المنطقة بهذا الشكل".
وفي وقت مبكر، بحلول نهاية شهر يونيو، كانت تلك الظواهر غير المألوفة قد ازدادت سوءًا مع هبوب الرياح الموسميّة، لدرجة أنها أصبحت "ظاهرةً طقسيّةً شاملةً على مساحة شاسعة من الأرض لفترة طويلة جدًّا"، وفق وصف أندرو كينج، عالِم المناخ بجامعة ملبورن في أستراليا.
أدّت تلك العوامل كلها إلى تعرُّض باكستان لحوالي ثلاثة أضعاف متوسط المطر السنوي المعتاد خلال فترة الرياح الموسمية حتى الآن، لكنّ إقليمي السند وبلوشستان الجنوبيين تعرّضا منفردَين لأكثر من خمسة أضعاف الكميّة المعتادة من الأمطار، ويقول هاشمي: "اجتاحت السيول كلَّ مكان".
حين يبلغ المطر الأرضَ لا يجد سبيلًا ولا مخرجًا، ولذلك فقد تسبَّبت الأمطار في تدمير أكثر من 1.2 مليون منزل، و5 آلاف كيلومتر من الطرق، و240 من السدود، وتكوّنت بُحيرة كبيرة ممتدّة في السند، يبلغ عرضها عشرات الكيلومترات، ومن المتوقع أن يستمر تدفّق مياه الأمطار إليها، ويضيف أسلم أنّ "الأسوأ لم يأتِ بعد".
عوامل أخرى
تنبّأت بعض وكالات الأرصاد الجوية بأنّ ظاهرة «النينا» المناخيّة الراهنة، التي ترتبط بهبّات من الرياح الموسمية، أقوى من المعتاد، في الهند وباكستان، ستستمر حتى نهاية العام الجاري، ويقول كينج: "ليس هناك ارتباطٌ قويّ وواضح بين الأمطار وهذه الرياح، لكن من المحتمل أن يكون لها دورٌ في زيادة هطول الأمطار واستمرار ذلك مدةً أطول من المعتاد".
ويُحتمل أيضًا أن يكون للاحتباس الحراري العالمي الناتج عن الأنشطة البشرية أثرٌ في زيادة معدلات هطول الأمطار، إذ تشير نماذج المناخ -وفق ما يقول آذار حسين- إلى أنّ ارتفاع درجات الحرارة في العالم سوف يُسهم في زيادة هطول الأمطار وشدّتها، وآية ذلك أنّ درجات الحرارة في باكستان قد ارتفعت بين عامي 1986 و2015 بمقدار 0.3 درجة مئوية لكلّ عَشر سنوات، وهو معدل يزيد عن المتوسط العالمي.
وترى مجموعة من الباحثين والمسؤولين الحكوميين أنّ هناك عوامل أخرى فاقمت حجم الضرر الناتج، من بينها انعدام كفاءة نظام الإنذار المبكر، الذي يتولى رصد الفيضانات والتحذير منها، وكذلك سوء إدارة الكوارث، وما يحدث من اضطرابات سياسيّة، وتنمية حضريّة عشوائيّة، ويُضاف إلى ذلك غياب البنية التحتيّة اللازمة لتصريف المياه وتخزينها، وكذلك التكدّس السكاني في مناطق الفيضانات، ويُعلّق أسلم: "ترتبط هذه العوامل كلّها بالحوكمة الرشيدة، لكنّ تأثيرها لا يُذكر إذا نظرنا إلى حجم المأساة التي نعاينها اليوم".