الصعود الخَطِر للشوفينية البوذية
بروجيكت سنديكيت
2015-07-30 07:58
يوريكو كويكي
طوكيو ــ لا شك أن تراث بوذا، سيدهارتا جاوتاما، لم يحتو على أية أحاديث عن الكراهية الدينية أو العداوة العِرقية العنصرية. ورغم هذا فإن الشوفينية البوذية تهدد الآن العملية الديمقراطية في كل من ميانمار (بورما) وسريلانكا. والعجيب أن بعضاً من نفس الرهبان البوذيين الذين تحدوا المجلس العسكري الحاكم في ميانمار أثناء "ثورة الزعفران" في عام 2007 يحرضون اليوم على العنف ضد أعضاء أقلية الروهينجا المسلمة في البلاد. وفي سريلانكا، تستهزئ الشوفينية العِرقية التي يتبناها المنتمون إلى السنهالية البوذية، والتي أثارها الرئيس السابق العاقد العزم على استعادة السطلة، بالهدف المرجو من المصالحة مع التاميل الهندوس المهزومين.
في ميانمار، تكمن العنصرية البوذية في جذور حرب أهلية فعلية تدور رحاها في ولاية راخين، وهي تعمل على تأجيج أزمة إنسانية حيث فَر مئات الآلاف من الروهينجا المسلمين من بلادهم براً وبحرا. والأمر الأكثر شؤماً بالنسبة لمستقبل ميانمار، خاصة وأن عمليات الإبادة الجماعية ترتبط بسلوك رسمي، هو أن هذا العداء العِرقي والديني ليس عفوياً بأي حال من الأحوال. فقد تم بالفعل تجريد الروهينجا من جنسية ميانمار، هذا فضلاً عن مجموعة من التشريعات الجديدة والمقترحة التي من شأنها أن تزيد من تهميش الإسلام، والتي سوف تستفز المزيد من العنف بكل تأكيد.
فقانون الزواج الجديد على سبيل المثال يلزم كل راغبين في الزواج من دينين مختلفين بتسجيل اعتزامهما الزواج لدى السلطات المحلية، والتي تنشر إشعاراً عاماً عن الخطبة؛ وفقط إذا لم يعترض أي مواطن على الزواج ــ وهو أمر مستبعد تماماً في المناخ المتوتر الحالي ــ يُسمَح للزوجين بالزواج رسميا. ويقضي مشروع قانون آخر يُنظَر حالياً بمنع أي شخص تحت سن ثمانية عشر عاماً من التحول إلى دين آخر، كما يلزم البالغ الذي يسعى إلى تغيير ديانته بالحصول على تصريح ــ بعد إخضاعه لاستجواب متكرر ــ من المسؤولين المحليين.
ولعل مشروع القانون الأكثر إثارة للقلق والانزعاج، هو ذلك المقترح مؤخراً والذي يسمح بفرض تدابير تنظيم السكان على الطريقة الصينية على أي مجموعة سكانية يتجاوز معدل نموها متوسط المعدل الوطني. ومن الممكن إرغام النساء على الانتظار لثلاث سنوات على سبيل المثال بعد ولادة أي طفل لها قبل أن يُسمَح لها بإنجاب طفل آخر. وهنا أيضاً سوف يتم تخويل الحكومات الوطنية، وهي أكثر ميلاً إلى التحيزات الشعبية، سلطة تنفيذ قانون يبدو وكأنه يستهدف على وجه التحديد الروهينجا، بأسرهم الكبيرة.
الواقع أن هذه القوانين ربما لا ترقى بعد إلى نسخة مستحدثة من قوانين نورمبرج (التشريع المناهض لليهود والذي استنه النازيون في عام 1935)، ولكنها تعكس بكل تأكيد أجندة أولئك الذين يسعون إلى تأجيج مشاعر الاستياء البوذي من أجل إحباط التحول الديمقراطي في ميانمار. وقد اكتسب هذا الطموح الظلامي إلحاحاً متزايدا، لأن البلاد من المقرر أن تعقد أول انتخابات رئاسية ديمقراطية منذ بدأت الفترة الانتقالية في عام 2011.
والروهينجا هم بطبيعة الحال الهدف الرئيسي لهذه الاستراتيجية، ولكن هناك هدفاً آخر أيضا: أونج سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام وزعيمة المعارضة.
ففي الوقت الحالي، لا يجوز لسو كي الترشح لمنصب الرئاسة بسبب مادة دستورية هازئة تستبعد أي شخص يحمل زوجه أو طفل له جواز سفر أجنبي (يحمل ولدا سو كي من زوجها الإنجليزي الراحل جواز سفر بريطاني). ورغم هذا فإن النظام، الذي لا يزال يخشى شعبيتها الطاغية، يمارس لعبة العِرق والدين في محاولة لتشويه سمعتها وسمعة حزبها، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، الذي فاز بكل المقاعد البرلمانية التي نافس عليها، باستثناء مقعد واحد، في الانتخابات العامة الأخيرة (والذي اكتسح انتخابات عام 1990 الملغاة).
من خلال تأجيج أعمال العنف البوذي ضد الروهينجا، يهدف النظام إلى تدمير فرص سو كي والرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في الفوز بطريقتين. فإذا دافعت سو كي عن الروهينجا، فقد تتعرض شعبيتها بين البوذيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من المواطنين في ميانمار، للضرر بالقدر الكافي لإدامة قبضة الجيش على السلطة. وإذا لم تدافع عن الروهينجا، فإن هالة الزعامة الأخلاقية المحيطة بها قد تخفت وتتلاشى بين أنصارها، سواء في الداخل أو الخارج.
حتى الآن، تحاشت سو كي الوقوع في هذا الشرك الخداعي من خلال المراوغة اللفظية التي قد يتوقعها المرء من أي سياسي عادي، وليس من قِبَل شخص بشجاعتها ومكانتها. ولكن مع تنامي العنف واقتراب الانتخابات، سوف يضيق حيز المناورة المتاح لها بلا أدنى شك. وبدلاً من تسليط الضوء على الاحتياجات الحقيقية للبلاد ــ الإصلاح الزراعي الجاد، وحملة مكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من سيطرة القِلة ــ فإنها ربما تنجر إلى الدفاع عن أقلية غير شعبية.
وتكمن ضرورة سياسية مماثلة في صميم الشوفينية السنهالية التي عادت بشكل مفاجئ إلى الحياة العامة في سريلانكا. فقد جرى تشجيع المشاعر الدينية والعِرقية بين السنهاليين خلال الفصل الدموي الأخير الذي أنهى ربع قرن من الحرب الأهلية في سريلانكا مع نمور التاميل عام 2009. ولكن بدلاً من السعي إلى المصالحة مع التاميل بعد إلحاق الهزيمة بهم، واصل الرئيس ماهيندا راجاباكسا آنذاك اللعب على مشاعر الكراهية العِرقية في حين عمل على تخريب الديمقراطية في سريلانكا.
والحق أن هزيمة راجاباكسا غير المتوقعة في مواجهة ائتلاف الديمقراطيين والأحزاب السياسية التابعة للتاميل في انتخابات الرئاسة في يناير/كانون الثاني الماضي ــ وهي النتيجة التي سعى إلى إلغائها آنذاك ــ كان من الواجب أن تنهي حياته المهنية وسياسة الاضطهاد العنصري. ولكن الرئيس السابق يجهز الآن لعودة عنيفة وربما يفوز بالانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في السابع عشر من أغسطس/آب.
يرجع أحد الأسباب وراء فوز راجاباكسا المحتمل إلى جيوبه العميقة؛ وهناك سبب آخر يتمثل في إمكانية اعتماده على الدعم من قِبَل الصين، بعد أن سمح ببناء الموانئ وغير ذلك من المرافق لجيش التحرير الشعبي خلال فترة رئاسته. ولكن المفتاح لدعم فرصه في الفوز كان الجهود التي بذلها لتأجيج المخاوف من الأغلبية السنهالية.
وبالتالي فإن راجاباكسا يضع رئيس الوزراء رانيل ويكرميسينغ في نفس الموقف الصعب الذي تواجهه سو كي في ميانمار. وحتى الآن نجح ويكرميسينغ في الإيحاء بأن مخاوف السنهاليين من عودة راجاباكسا لابد أن تكون أعظم من خوفهم من الأقليات العِرقية في البلاد. ولكن لا ينبغي لأحد أن يستخف أبداً بالقوة التي تتمتع بها الكراهية في تقويض الديمقراطية من الداخل.