الدور المعاصر للتراث الزراعي

وكالات

2022-01-13 06:07

نظم إيكولوجية زراعية تسكنها مجتمعات محلية تعيش في علاقة معقدة مع أراضيها

بعد مرور عشر سنوات، هكذا حوّلت نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية النظم الزراعية والغذائية

تعدّ مصاطب إيفوغاو القديمة نظامًا زراعيًا رائعًا أنتج الأرزّ عضويًا لما يربو على 2000 سنة

إن فكرة "تحويل" نظمنا الغذائية من أجل عالم حديث –يواجه أكثر فأكثر التحدي المتمثل في تغير المناخ والزيادة المستمرة في عدد السكان- هي موضوع ساخن. لكن ما معنى ذلك تحديدًا؟ تعني هذه الفكرة أنه لا بدّ أن يكون في صميم هذا التحول تغير نظامي من نظم الإنتاج الزراعي والغذائي البعيدة كل البعد عن الاستدامة والمفرطة في استغلال الموارد الطبيعية إلى نظام يحمي البيئة ويزيد الأمن الغذائي والتغذية ويرفع دخل المزارعين وغيرهم في سلسلة القيمة.

ويمكن الاستفادة بشكل كبير من طرق الزراعة المجربة والموثوقة على غرار تلك المستخدمة في نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية. ويعترف برنامج نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية بنظم الزراعة الإيكولوجية التي تعيش فيها المجتمعات المحلية علاقة معقدة مع أراضيها. وهذه النظم الزراعية المتطورة قادرة على الصمود ومبنية على المعرفة التقليدية والقيم الثقافية التي لا تقدّر بثمن. ويدير المزارعون والرعاة وصيادو الأسماك وسكان الغابات التنوع البيولوجي الزراعي والمناظر الطبيعية في هذه المواقع إدارةً مستدامةً بطرق تسهم أيضًا في سبل عيشهم وأمنهم الغذائي.

وبعد مرور عشر سنوات على إطلاق مبادرة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، نورد في ما يلي كيف حولت تلك المبادرة النظم الزراعية والغذائية في خمسة بلدان:

إيفوغاو، الفلبين

إيفوغاو هو نظام لمصاطب الأرزّ المروية في جبال كورديليرا في الفلبين عمره 2000 سنة. وقد حفر أجداد سكان توالي الأصليين تلك المصاطب بأيديهم وهي تتبع منحنيات الجبال وتتميز بنظام ري متقن. ويعتبر إيفوغاو، الذي بُني من دون مساعدة الأدوات الحديثة، أعجوبة هندسية من العالم القديم. وكان سكان توالي الأصليون هم أول من اعتنى بتلك المصاطب التي تُظهر بروعة كيف تكيفت المجتمعات المحلية مع بيئاتها المحيطة.

وفي عام 2016، بعد خمس سنوات من تصنيف إيفوغاو ضمن نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، نفذت منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها مشروعًا من أجل إضفاء تحسينات على النظام وإيجاد توازن بين صون التنوع البيولوجي الزراعي في المنطقة واستغلاله المستدام. وقد ساعد المشروع المزارعين على زراعة محاصيل عالية القيمة مثل القلقاس واليام والبطاطا الحلوة والباذنجان والزنجبيل. وبمساعدة الآلات والمعدات التي وفرها المشروع، ينتج المزارعون اليوم الكعك وأصابع الحلوى والنبيذ ورقائق القلقاس وحلوى الزنجبيل وشاي الأعشاب، وجميعها ملصق عليها معلومات عن الموقع الإلكتروني لنظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية. وقد وفر هذا الإنتاج اللاحق للحصاد دخلًا أفضل للمزارعين وزاد فرص سبل كسب عيشهم.

شبه جزيرة نوتو، اليابان

تمثل شبه جزيرة نوتو عالمًا مصغّرًا عن المناطق الريفية التقليدية في اليابان، حيث تترابط الجبال والغابات والمناطق الساحلية في نظام زراعي رائع. وتتميز شبه الجزيرة بفسيفساء ساتوياما والنظم الإيكولوجية الأرضية والمائية ونظم ساتومي الإيكولوجية البحرية الساحلية. وقد حافظت الطرق التقليدية في الزراعة والصيد وإدارة الغابات والمياه على المناظر الطبيعية في المنطقة على نحو مستدام لعقود من الزمن.

وقد عزّزت شبه جزيرة نوتو إدارتها وحمايتها للمنطقة بعد أن جرى تصنيفها ضمن نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية قبل عشر سنوات من الآن. وتوجد اليوم لجنة تنفيذية تضم مدنًا محلية وولايات ومنظمات التجارة والصناعة والسياحة وتعاونيات تعمل يدًا بيد من أجل تعزيز التراث الزراعي للمنطقة وصونه.

واستثمرت ولاية إيشيكاوا، بالتعاون مع مؤسسات مالية، في تعزيز المنتجات الغذائية المحلية والسياحة. وساعدت على إنشاء نظام لإصدار الشهادات لضمان أصل المنتجات المحلية وتشجيع المنتجات الزراعية الصادرة عن إقليم نوتو، من أجل زيادة دخل المزارعين.

أوهان، الصين

يجمع نظام أوهان لزراعة الأراضي الجافة الواقع في شمال الصين بين الزراعة والحراجة وتربية الحيوانات. ويعود تاريخ بعض المحاصيل المتنوعة في الإقليم إلى ما يزيد عن 8000 سنة. وعلى هذا النحو، تناقلت الأجيال العادات والمهارات والخبرات في زراعة الأراضي الجافة الفريدة على مرّ السنين. وتُزرع تقليديًا محاصيل مختلفة مع بعضها، بالتناوب بين المحاصيل الزراعية والمحاصيل التي تصلح لتحسين التربة.

وقام نظام أوهان، منذ أن جرى تصنيفه ضمن نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، بالترويج للمحصول الأكثر شعبية في المنطقة، ألا وهو الدخن، عن طريق الإعلانات التلفزيونية والدعاية وعبر الشركات الكبيرة، ممّا زاد من المبيعات على نحو كبير.

جبال الأنديز، بيرو

إن ممرّ كوسكو بونو الذي يمتدّ على 350 كيلومترًا في جبال الأنديز الواقعة في بيرو هو موطن الآلاف من مزارعي الكيشوا والأيمار الأصليين الذين يديرون الأراضي باستخدام ممارسات زراعية تقليدية ومعرفة وطقوس ثقافية توارثوها عن أجدادهم. وقد أنشأت الأسر القاطنة في هذه المنطقة مصاطب ونظم ري محلية ونظمًا زراعية وحافظت عليها وكيفتها مع ارتفاعات مختلفة.

ومنذ أن جرى تصنيف هذا الممر ضمن نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، أصدرت وزارة الزراعة والري في بيرو مرسومًا حدّد "مناطق التنوع البيولوجي الزراعي" في مختلف أنحاء البلاد بهدف زيادة قيمة التنوع البيولوجي الزراعي والإقرار بأهمية الزراعة ومجتمعات الشعوب الأصلية التي تحافظ على الأنواع المحلية والأقارب البرية للذرة والبطاطا والكينوا والفاصولياء، على سبيل المثال لا الحصر. وتنفذ منظمة الأغذية والزراعة حاليًا مشروعًا ممولًا من مرفق البيئة العالمية كمتابعة لتصنيف نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، بهدف مساعدة المجتمعات المحلية على الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي عن طريق الإدارة المستدامة وفرص التسويق وسبل الصون.

سوف، الجزائر

جرى تصميم نظام واحات الغوت في إقليم سوف في جنوب شرق الجزائر في القرن الخامس عشر. وهو يقوم على زراعة نخيل التمور في حُفر شبيهة بفوهة البركان أو أحواض تسمى غوت. ويساعد الغوت نخيل التمور على الازدهار في بيئة صحراوية تصارع فيها معظم أنواع الحياة من أجل النمو. وتكون أشجار النخيل في هذا النظام محمية أيضًا من مخاطر المناخ، بفضل جدران الغوت المرتفعة. وليس هناك حاجة إلى نظام ري لأن الجذور تمتد عميقًا بحثًا عن الماء تحت الأرض.

وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عملت نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية مع الشركاء من أجل إنشاء أنشطة مدرّة للدخل لصالح المجتمعات المحلية في هذه المنطقة وحماية التنوع البيولوجي المحلي. وعلى سبيل المثال، استلم أحد المجتمعات المحلية أصنافًا من نخيل التمور كانت على وشك الموت في المنطقة وتولى مهمة إعادة زراعتها. وبالإضافة إلى ذلك، أُدخلت سلالة محلية محدّدة من طيور الحمام إلى المنطقة لتجنّب انقراضها.

وقد أنعش برنامج نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية على مدى السنوات العشر المنصرمة سبل العيش، وحمى التنوع البيولوجي وأشاد بطرق الزراعة التقليدية في العشرات من البلدان. وتزخر هذه الأراضي بمعارف لا حصر لها. وربما تكون الحلول الحديثة من أجل تحويل النظم الزراعية والغذائية هي في حقيقة الأمر حلولًا تقليدية.

نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية هي نظم إيكولوجية زراعية تسكنها مجتمعات محلية تعيش في علاقة معقدة مع أراضيها. وهذه المواقع التي تتطور باستمرار هي نظم تتمتع بالقدرة على الصمود وتتميز بتنوع بيولوجي زراعي رائع، ومعارف تقليدية، وثقافات ومناظر طبيعية لا تقدر بثمن، يتولى إدارتها المزارعون والرعاة وصيادو الأسماك وسكان الغابات على نحو مستدام وبطرق تسهم في ضمان سبل كسب عيشهم وأمنهم الغذائي. وقامت منظمة للأغذية والزراعة للأمم المتحدة، بفضل برنامج نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، بتحديد ما يزيد عن 60 موقعًا في العالم.

ذات صلة

الأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويدلماذا كل هذا الصمت؟لماذا يفضل البعض قلة الكلام؟ماذا يتوقع العالَـم من عودة دونالد ترمبلو كنت…