التبريد الصديق للمناخ لإبطاء الاحتباس الحراري

بروجيكت سنديكيت

2020-09-22 08:07

بقلم: دوروود زيلكي/ماريو مولينا

سانتا باربرا/سان ديغو – ان المفارقات المتعلقة بالتغير المناخي عادة ما تكون قاسية ففي عالمنا الذي ترتفع درجة الحرارة فيه فإن الطلب على أجهزة التكييف والتبريد زاد بشكل كبير وخاصة في البلدان النامية ولكن المزيد من أجهزة التكييف يؤدي الى المزيد من الاحتباس الحراري سواء من كيماويات التبريد التي تحتويها تلك الأجهزة او الكهرباء التي تستخدمها وعلى نطاق العالم فإن التبريد يمكن ان يشكل حوالي نصف ذروة الطلب على الكهرباء خلال فصل الصيف الحار والذي أصبح أطول واكثر حرارة.

يظهر التقرير الجديد لوكالة الطاقة الدولية والبرنامج البيئي للأمم المتحدة والمبني على أساس البيانات التي جمعها فريق شاركت في ترأسه ان الانتقال الى تبريد بطاقة ذات كفاءة وصديق للمناخ -باستخدام برادات تشكل تهديدا اقل بالنسبة للاحتباس الحراري- هو أمر ذو جدوى تقنية واقتصادية. ان تبني أفضل التقنيات المتوفرة حالية بالنسبة للمبردات وكفاءة الطاقة يمكن ان يزيل ما يعادل حوالي460 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول سنة 2060 وهي كمية تعادل ثماني سنوات من انبعاثات غاز الدفيئة العالمية كما يمكن بحلول سنة 2030 تجنب انبعاثات تعادل 1600 محطة طاقة متوسطة الحجم والتي تستخدم في حالة الذروة.

ان إزالة المبردات التي تعتبر مصدر عالي للتلوث والتي يطلق عليها اسم المركبات الهيدروفلوروكربونية (اتش اف سي) تعتبر امرا حيويا كما ان زيادة كفاءة الطاقة في أجهزة التبريد يعتبر أمرا حيويا كذلك وإلا فإن الانبعاثات من هذا القطاع فقط يمكن ان تستهلك ما تبقى من "ميزانية الكربون" من اجل وضع حد للاحتباس الحراري بحيث لا يتجاوز عتبة الأمان وهي 1،5 درجة مئوية مقارنة بأوقات ما قبل الصناعة.

ان أنجح معاهدة بيئية "بروتوكول مونتريال" هي مصدر للإلهام فالبروتوكول الذي تم الانتهاء منه سنة 1987 وتم إبرامه سنة 1989 تعامل بنجاح مع أول تهديد كبير عالمي للغلاف الجوي وهو المبردات الهيدروفلوروكربونية والغازات المرتبطة بها والتي كانت تدمّر طبقة الأوزون التي تحمي الأرض.

وفي الوقت نفسه فإن إنجازات بروتوكول مونتريال فيما يتعلق بتخفيف التهديد المناخي هي أكثر من أي اتفاقية أخرى أي تجنب الاحتباس الحراري بمقدار يعادل ذلك الذي تسببت به جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في القرن العشرين والتي تشكل نصف كامل الاحتباس الحراري. هذه الغازات المفلورة هي أيضًا غازات دفيئة قوية -أو ملوثات مناخية بشكل كبير- مع قوة احترار أكبر بآلاف المرات لكل جزيء من ثاني أكسيد الكربون وبإزالتها لم يضع بروتوكول مونتريال طبقة الأوزون على طريق التعافي فحسب، بل ساهم أيضًا في إبطاء تطور أزمة المناخ بشكل كبير.

لقد كان تعديل كيغالي لسنة 2016 هو آخر اجراء الزامي لبروتوكول مونتريال والذي يهدف الى التخلص التدريجي من المركبات الهيدروفلوروكربونية (اتش اف سي) والتي تستخدم بشكل أساسي كمبردات وتجنب حوالي 0،5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري بحلول سنة 2100. ان البرنامج الاولي للتعديل يتحقق من انجاز حوالي 90% من ذلك الهدف.

ان تعديل كيغالي يعني ان 200 طرف موقع على بروتوكول مونتريال ( بما في ذلك كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ) تقر كذلك بأهمية تحسين كفاءة الطاقة المتعلقة بوحدات التكييف وغيرها من أجهزة التبريد خلال التحول من المركبات الهيدروفلوروكربونية (اتش اف سي) الى مبردات صديقة للمناخ بشكل اكبر. ان مكتسبات الكفاءة يمكن ان تزيد من فوائد المناخ المذكورة في تعديل كيغالي بأكثر من الضعف بحلول منتصف القرن بينما تخفض من تكاليف توليد الطاقة والنقل بحوالي 3 تريليون دولار امريكي تقريبا كما ان تلك المكتسبات سوف تخفض من فواتير الكهرباء الشهرية للمستهلكين وتخلق الوظائف لموظفي التركيب والصيانة علما انه بتقليل تلوث الهواء فإن ذلك سيحمي الصحة العامة والإنتاجية الزراعية.

ان تقرير البرنامج البيئي للأمم المتحدة-وكالة الطاقة الدولية يسلط الضوء على عشر سياسات سوف تساعد في تحقيق تلك الفوائد وهي تشمل التصديق العالمي على تعديل كيغالي (لقد تم تحقيق الإنجاز المتمثل في تصديق 100 دولة على التعديل في يوليو الماضي) وخطط عمل وطنية للتبريد وإجراءات اثبتت جدواها مثل المعايير الدنيا المتعلقة بأداء الطاقة وقواعد البناء، وتجميع الطلب على التبريد المستدام من خلال نوادي المشترين والمشتريات بالجملة. سوف يساعد ذلك في تطوير سلاسل تبريد مستدامة لتقليل فقد الغذاء وضمان توزيع اللقاحات بشكل فعال. يعد تحسين الخدمة والصيانة أمرا ضروريا كذلك بالإضافة الى منع اغراق الدول النامية بوحدات التكييف غير الفعالة.

ان النمو الكبير في الطلب على التبريد يعني انه يتوجب علينا العمل بسرعة علما انه في عالمنا اليوم يتم استخدام ما يقدر بحوالي 3،6 مليار من أجهزة التكييف والبرادات والأجهزة ذات الصلة لتلبية احتياجات العالم من التبريد علما ان هذا الرقم سيتضاعف بأكثر من ثلاث مرات ليصل الى 14 مليار وحدة تبريد بحلول سنة 2050 .

ان القدرة على الوصول للتبريد قد اصبح بالفعل قضية بارزة ترتبط بالمناخ وبالعدالة الاجتماعية حول العالم وخاصة في العديد من الدول في اسيا وافريقيا وكوريا الجنوبية والتي أصبحت تتعرض بشكل متزايد لدرجات حرارة لا تطاق وهي بالفعل تعاني من الفقر ونقص المياه وغيرها من المشاكل ذات العلاقة فعلى سبيل المثال فقط 7-9% من المنازل الهندية لديها القدرة على الوصول لأجهزة التكييف اليوم مقارنة بنسبة 60% في الصين و 90% في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الهند لوحدها فإن الطلب على أجهزة التكييف سوف ينمو بأكثر من مليار وحدة خلال العقود القادمة وخلال هذا الوقت فإن جعل التبريد أقل تلويثا سيكون عاملا حاسما . ان تخفيض التكلفة كما عملت الهند من خلال برنامجها المبتكر للمشتريات بالجملة سيكون مفيدا كذلك..

يتوجب علينا جميعا ان نستلهم قصة نجاح بروتوكول مونتريال في اصلاح طبقة الأوزون وتخفيف المزيد من الاحتباس من غازات الدفيئة بشكل أكبر من أي إجراء آخر. يتوجب على جميع البلدان الان تبني مبادرات قائمة على المنطق السليم لجعل التبريد أكثر كفاءة وتقليل الانبعاثات الصادرة عنه وبأسعار معقولة للمستهلكين. ان الموضوع الأكثر الحاحا هو استيعاب التقييم الأخير لحساسية الأرض لاستمرار الانبعاثات والاقرار بانه من دون عمل سريع فإن منع التغير المناخي المنفلت سوف يصبح أصعب بكثير.

* دوروود زيلكي، رئيس معهد الحوكمة والتنمية المستدامة والمدير المشارك لبرنامج الحوكمة من أجل التنمية المستدامة في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا.
ماريو مولينا، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1995، أستاذ في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو والجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

كيف تتخلص من الفخ الدنيوي؟مركز آدم ناقش الحق في الخصوصية الجينيةماهي فدك ولماذا انتزعت من السيدة الزهراء (ع)؟أسباب فوز دونالد ترامب والتداعيات المحتملةتجربة المسفرين العراقيين وتجربة اللاجئين اللبنانيين