الإرهاب البيئي ومكافحته
د. ميثاق بيات ألضيفي
2018-11-22 05:46
الإرهاب البيئي هو إرهاب دقيق يمتاز بمجموعة كبيرة من الأشكال والوسائل وأساليب العمل وسعة المواضيع والأشياء، وبداية نرى من الضروري أن نبين ماهية الإرهاب البيئي، لذلك نوضح إن الإرهاب يعد إرهابًا بيئيًا إذا ما شكل خطرا على المواقع والاماكن والحاجات البيئية ويتمثل ذلك الخطر بدوره في العديد من الآثار والبصمات السيئة للمنشآت الكيميائية والبتروكيميائية والتكريرية والمعدنية والتقنية والصحية والمدنية إضافة إلى خطوط النفط والغاز والأمونيا وحتى جميع أنواع محطات الطاقة ومفاعل إنتاج الوقود النووي والذخائر النووية والمنشآت العسكرية التي تحتوي على مواد مشعة سامة.
تجدر الإشارة إلى أن معظم تلك المواقع المدمرة للبيئة عادة ما تقع في المناطق الصناعية قرب المدن وكذلك في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في المدن الكبيرة مما يؤدي إلى أيجاد وإبراز تهديدًا مستمرًا لظهور الكوارث البيئية المختلفة انطلاقاً فلذلك فإن قضية السيطرة السياسية والقانونية على الإرهاب البيئي حادة ومهمة للغاية، ومن أجل التصدي بفعالية للتهديدات الإرهابية يستوجب التركيز على توفير حماية حقيقية وفعلية وواسعة للبيئة كما ينبغي توسيع وتفعيل دور وكالات تطبيق القانون في منع وقمع الأعمال الإرهابية المحطمة للبيئة ومعالجة الأسباب والظروف التي تؤدي إلى حدوثها. ويجدر بنا مكافحته بشدة لأن الإرهاب البيئي هو الخطر الإرهابي الأكبر والافتك والأشد من جميع الأنواع الإرهابية الأخرى التي يبدو انه من الممكن إلى حد ما معالجة والتعامل مع أثارها وإضرارها، إلا إن إخطاره وأثاره فمن المستحيل التمكن من إصلاحها أو حتى معالجتها ولا كف إضرارها عن حياة السكان أنيا ومستقبليا لدرجة إن إخطارها تهدد الحياة البشرية بشكل عام، فنلمس يقينا صعوبة إزالة فواجع عواقب لا رجعة فيها والتي غالبا ما تكون عالمية التأثير لدرجة أنها تنتج بيئة غير صالحة للسكن لعدة آلاف من السنين.
وفي خضم تطرقنا نو التأكيد أن الإرهاب البيئي هو تهديد محتمل للنطاق الوطني والإقليمي وحتى العالمي ومن الضروري الانتباه إلى أن تعريفات ومصطلحات ماهية “الإرهاب البيئي” ليست موجودة ولا حتى متداولة في الصكوك والبنود والمواثيق القانونية الدولية ولا حتى في التشريعات الوطنية لذا يجب إدخال هذا المفهوم في التداول القانوني على كافة المستويات لأجل تحديد أهداف وغايات وسبل مكافحة فاجعة الإرهاب البيئي وبشكل أكثر وضوحًا وبيانا لتحديد ما الذي يجب مكافحته وكيفية إقصائه ولاسيما لاتصاف المرحلة الحالية لتطور المجتمع الدولي بتضاعف المخاطر والتهديد لأمنه العام لذا لابد من مكافحة الإرهاب والتكيف على مواجهته بجميع إشكاله الكبيرة المعروفة وكذلك إشكاله المستترة، ويعد الإرهاب البيئي إرهابا مستترا نراه ونظنه جميعا بسيطا ولا نتوجس بخطره كما نتوجس إخطار الإرهاب السياسي والإجرامي ولذلك فحتى في قوانين الدول المتقدمة لا نرى وجود لصيغ ومصطلحات الإرهاب البيئي إنما يشار إلى تلك الإخطار المحطمة للبيئة بمصطلح “كارثة إيكولوجية” والذي يشاع عقب كل عمل إرهابي في محاولة للملمة أثاره ومخلفاته.
ولزيادة طين غفلتنا بلة نذكر انه وبعد الاطلاع على اغلب الدساتير العالمية وجدنا إن جميعها لا تحتوي أبدا على ذكرا أو بيانا أو حتى تلميحا على وجود الحق الدستوري غير القابل للتصرف للمواطن والذي يمنحه الشروع في حماية بيئته المواتية مما يقوض الأمن البيئي وبالوقت ذاته يفسح المجال الواسع للإرهابيين البيئيين للتأثير تأثيراً مباشراً على حقوق المواطنين وحرياتهم وبيئتهم، مما يقوض كل أمل في تحقيق وبلورة ظروف صديقة للبيئة كما يسجل فشلا تاما بتوفير الحالة البيئية الملائمة، لذلك كله علينا كشعوب وحكومات ومنظمات وضع استراتيجيات حكومية ومدنية وعالمية لتحديد ووضع الاتجاهات الأساسية لنشاط الواجب بذله وتوفيره لضمان السلامة البيئية، ووفقا لهذه العقيدة فأن واحدة من المجالات الهامة المكافحة للإرهاب تتحدد بأحتواء خطورة الأنشطة الإرهابية المتسببة بالتدهور البيئي والحياتي وإيضاح إن هناك نوع جديد من الإرهاب لابد من مكافحته عبر التركيز على ذلك الإرهاب المستتر بيئيا.
ربما لم يكن الإرهاب البيئي قد انتشر على نطاق واسع بعد ، غير إن الفجور الكبير المتأصل في الانتهاكات إللا أخلاقية للإرهابيين البيئيين المعاصرين تتدهور بسرعة، وعلى النقيض من جميع مجاميع إشكال وعقليات الإرهابيين المتخلفة إلا أن الإرهابيين البيئيين هم محترفين ومدربين ينتهجون في تصرفاتهم غير القانونية وفي تحطيمهم للبيئة البشرية إنجازات حديثة في مجال العلوم والتكنولوجيا. لذا أرى وجوب أن نضع نظاما للحد ولايقاف ولمنع الإرهاب البيئي، كما ويجدر بنا تفعيل ذلك النظام فور وضعه وتطويره بصور متعددة المستويات وتأطيره بإطار تشريعي وقانوني كما ويجب احداث تغييرات مهمة في مجال إعادة التدريب المهني لأجهزة تطبيق وتنفيذ القوانين البيئية والتي تشكل عنصرا هاما مما ينبغي أن تشمل المتخصصين من سلطات الدولة والبلدية والعلماء ورؤساء شركات ومصانع حكومية واهلية ورجال الصحة والتعليم، والحركات الاجتماعية والأحزاب ورجال الدين، لبلورة نظاما فعالا وسليما لتحديد التدابير الفعالة لمنع “الإرهاب البيئي”. فلذلك كله يجب أن تستند إستراتيجيته على برنامج حكومي مدروس سياسياً واجتماعيا كما يجب أن يفي ذلك البرنامج بجميع المتطلبات العالمية من حيث القدرة في الاستجابة لظهور أنواع مختلفة من التهديدات الإرهابية ذات الطبيعة المختلفة ، وكذلك يتبرمج مع النطاقات الديناميكية.
في الختام وددت القول إن النجاح في الكفاح ضد “الإرهاب البيئي” ستحدده إلى حد كبير عمق الاختراقات في تفسير جوهر ظاهرته وتحليل الأسباب التي توجدها عبر فهم دوافعها ومنطقها، ومن المهم للغاية توفير التنبؤات بالأماكن والأوقات المحتملة للأعمال الإرهابية وتطوير الخيارات المناسبة لإنهاض جميع القوانين والأنشطة والهياكل المفترض والمستوجب توفيرها للسلامة البيئية، ولوضع تدابير حماية فعالة يفترض إن تكون كافية ووافية لمواجهة التهديدات المتغيرة، ولان “الإرهاب البيئي” هي اليوم مشكلة حادة للغاية بالنسبة للمجتمع الحديث لذا فمن الضروري تشريع التشريعات اللازمة لإدراج جريمة الإرهاب البيئي في القانون الجنائي الوطني والدولي لفرض عقوبات صارمة ضد مرتكبيها ومضاعفة عقوبتها لتصل إن تكررت إلى السجن مدى الحياة.