نفط العراق: بين مطرقة الأوبك وسندان الحكومة
إيهاب علي النواب
2016-10-25 08:33
يعاني العراق في الفترة الحالية من أزمة خانقة، فبعد فورة الفوائض المالية الناجمة عن ارتفاع اسعار النفط ، سرعان ماتغير الوضع بعد العام 2014، حيثفي تدهورت أسعار النفط العالمية، حتى وصلت الى سقف الـ 30 دولار للبرميل الواحد، وهذا ماانعكس سلباً على ايرادته المتحققة من هذا المورد الذي يشكل مايقارب الـ 97% من ايرادات الموازنة العامة، ولهذا السبب فأن العراق يطمح الى زيادة إنتاجه وتصديره من النفط الخام، بغية تقليل العجز في الميزانية العامة للدولة والايفاء بمتطلبات الانفاق العام خاصة الانفاق العسكري ومتطلبات الحرب ضد تنظيمات داعش الارهابية، وهو جعل وزير النفط جبار اللعيبي ان يصرح في بيان أصدرته وزارة النفط، ان الشركات المحلية والأجنبية العاملة في العراق تهدف إلى مواصلة العمل لزيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في عام 2017، وتأتي تصريحات اللعيبي في وقت تسعى فيه الدول الأعضاء في منظمة أوبك لتنفيذ اتفاق لكبح إنتاج النفط للمرة الأولى منذ الأزمة المالية في 2008 من أجل دعم أسعار الخام.
جاءت تصريحات عن اللعيبي هذه عقب اجتماع مع المسؤولين التنفيذيين بقطاع النفط في مدينة البصرة الجنوبية لاستعراض خطط الوزارة لتطوير حقول النفط، حيث لم يتطرق البيان لقرار أوبك في 28 سبتمبر أيلول بخفض الإنتاج إلى ما بين 32.50 و33 مليون برميل يوميا، وفي سبتمبر أيلول بلغ إنتاج أوبك 33.6 مليون برميل يوميا، حيث قدر إنتاج العراق عند 4.43 مليون برميل يوميا، وأضاف الوزير ان هناك حاجة ضرورية للمضي قدما في زيادة إنتاج النفط والغاز من خلال تعزيز الجهود المحلية وجهود الشركات الحاصلة على تراخيص في الفترة المتبقية من 2016 وأيضا في عام 2017، ويرى اللعيبي إنه يتعين على الشركات الأجنبية بلوغ مستويات الإنتاج المستهدفة خلال الفترات الزمنية المحددة، وتهدف الوزارة إلى رفع إنتاج الغاز المصاحب بإضافة ما بين 350 و450 مليون قدم مكعبة يوميا في 2017.
ويتوقع عضو أوبك بيع 3.75 مليون برميل يوميا من الخام بسعر 42 دولارا للبرميل حسبما ذكرت الحكومة في بيان، وتتوقع ميزانية 2017 تراجع الإنفاق إلى 90.224 تريليون دينار عراقي (77.51 مليار دولار)، كانت ميزانية 2016 تتوقع إنفاق 106.9 تريليون دينار بعجز قدره 23.5 تريليون بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط والإيرادات منذ 2014، وبلغ معدل صادرات النفط الخام الحكومية 3.23 مليون برميل يوميا في أغسطس آب ومتوسط سعر البيع 39.25 دولار للبرميل وفقا لوزارة النفط.
وقد ذكرت في وقت سابق مصادر مطلعة ان محافظ البنك المركزي علي العلاق صرح بإن احتياطيات البلد من النقد الأجنبي انخفضت إلى 50 مليار دولار مع استمرار مواجهة البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لعجز في الموازنة بسبب هبوط إيرادات النفط، وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي للعراق 59 مليار دولار في نهاية أكتوبر تشرين الأول 2015 وفقا لمذكرة حكومية موجهة لصندوق النقد الدولي في يناير كانون الثاني.
في الوقت نفسه اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي خططا لتقليص عجز الموازنة بنسبة 38 في المئة العام المقبل من خلال خفض الإنفاق وزيادة مستويات صادرات النفط وارتفاع أسعار الخام. وتستند التقديرات العراقية إلى توقعات بارتفاع أسعار النفط في المستقبل، من جهته فشلت خطط العراق لجمع ملياري دولار من أسواق الدين العالمية لسد فجوة الميزانية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط بعدما رفض الكونجرس الأمريكي أن يضمن نصف قيمة السندات، حيث كان المسعى هو اصدار سندات بقيمة مليار دولار تضمنها الولايات المتحدة بالكامل بهدف خفض تكاليف الدين قبل أن يصدر سندات أخرى بقيمة مليار دولار وذلك في إطار ميزانية عام 2017 التي تحظى بتأييد صندوق النقد الدولي.
وستكمل هذه الأموال اتفاقا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 5.34 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات والذي وافق الصندوق عليه في يوليو تموز مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية. وتأمل بغداد في أن يفتح الاتفاق الباب أمام الحصول على أكثر من 12 مليار دولار في صورة مساعدات إضافية من مصادر أخرى مثل البنك الدولي ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، ويقر الحلفاء الغربيون بأهمية الحاجة لحماية الاقتصاد الهش لواحد من أهم أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) من الانهيار وهو الأمر الذي قد يهدد بتقويض المكاسب العسكرية التي حققتها القوات العراقية والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على تنظيم داعش الارهابي.
وطلبت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يمنح الضمان في إطار "قرار ممتد" -وهو تشريع مؤقت يسمح للحكومة الأمريكية بمواصلة عملها لحين الموافقة على مزيد من القرارات الدائمة المتعلقة بالإنفاق- لكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب في الصيغة النهائية التي أقرها الكونجرس، حيث ذكر مشرعون إنهم سعوا لتنحية القضايا الجانبية خارج قانون الإنفاق لضمان سريانه قبل بداية العام المالي الجديد.
وقد ذكر مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والذي كان له دور وثيق في مسألة السندات ومصدر آخر مطلع على الأمر إن الجمهوريين في الكونجرس تسببوا في عدم منح الضمان للسندات لكن لم يذكرا مزيدا من التفاصيل، ويملك الجمهوريون الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ لكن لم يتضح ما إذا كان لديهم اعتراض محدد على ضخ مزيد الأموال للعراق الذي تلقى بالفعل مليارات الدولارات من واشنطن في صورة مساعدات عسكرية واقتصادية وإنسانية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين عام 2003.
ويشعر الكثير من أعضاء الكونجرس بالإحباط من الحكومة العراقية. ويخشى هؤلاء من أن تكون الولايات المتحدة أرسلت كثيرا من الأموال لبغداد دون تحقيق نتائج كافية بسبب الفساد وعدم الكفاءة ، ولا يزال ممكنا منح الضمان لسندات الدين العراقية في قانون إنفاق يجب إقراره ليتيح للحكومة حرية العمل بعد التاسع من ديسمبر كانون الأول وهو اليوم الذي ينتهي فيه سريان تطبيق قانون الإنفاق المؤقت، ويذكر احد مستشاري الحكومة إن من المرجح أن يرجئ العراق بيع سندات بملياري دولار في الأسواق العالمية حتى مطلع 2017 على الأقل أملا بأن يؤدي ارتفاع إيرادات النفط والانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية إلى تحسن المالية العامة للدولة، وكانت بغداد قد صرحت إنها ستصدر السندات التي تضمن الحكومة الأمريكية نصف قيمتها في الربع الأخير من 2016.
وتجد الحكومة التي تعتمد بالكامل تقريبا على إيرادات النفط صعوبة في سداد التزاماتها المالية منذ هوت أسعار النفط العالمية في عام 2014 وهو نفس العام الذي استولى فيه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث أراضي البلاد، واستردت القوات العراقية مدعومة بقوات تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة نحو ثلث تلك الأراضي وتستعد الآن للتحرك لاستعادة الموصل من أيدي الارهاب.
وأصدر العراق سندات دولية قيمتها 2.7 مليار دولار مستحقة في 2028 مع كوبون 5.8 بالمئة ويبلغ عائدها حاليا نحو تسعة بالمئة، واضاف مظهر محمد صالح إن الإنفاق العسكري في ميزانية 2017 سيظل عند نفس مستوى هذا العام ولكن قد يعاد تصنيفه خلال السنة المالية وفقا لتغير الاحتياجات، ولجأ العراق إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض من أجل تعويض ما خسره من إيرادات نفطية وهو ما من شأنه أن يشجع مقرضين آخرين على تقديم الدعم.
ويذكر ايضا إن العراق اتفق "مبدئيا" الشهر الماضي على قرض لأجل ثلاث سنوات بقيمة ثلاثة مليارات دولار من البنك الدولي لدعم موازنة بغداد. وسيكون هذا القرض أول دفعة من التمويل الإضافي اللازم للاتفاق مع صندوق النقد، وأضاف أن تفاصيل شروط دعم المؤسسات المالية العامة ومعاشات التقاعد في العراق لم تتضح بعد لكن الشريحة الأولى ستصرف في ديسمبر كانون الأول، وذكر أن مدة سداد القرض تبلغ 16 عاما مع فترة سماح ثلاث سنوات وفائدة نحو اثنين بالمئة.
وعلى صعيد متصل قامت إكزوتيك بارتنرز احدى الشركات المالية المعنية بالتصنيف الائتماني، بتعديل توصيتها لسندات عراقية إلى "احتفاظ" من "شراء" لأن ارتفاع السندات في الفترة الأخيرة قلل من إمكانية تحقيق مزيد من المكاسب، وذكرت إكزوتيك إن السندات الحكومية العراقية ارتفعت مع استقرار أسعار النفط وموافقة صندوق النقد الدولي على تقديم التمويل بعد تعهد الدولة عضو أوبك بخفض الإنفاق العام والسيطرة على ديونها. وقد اصدرت إكزوتيك توصية بالشراء لسندات العراق في مارس آذار، وجاء في تقرير الشركة إن هذه التطورات تبرر بما يكفي الارتفاع الذي شهدناه بالفعل لكنها قد تكون غير كافية لتبرير المزيد من الصعود لاحقا.
وأضاف نتيجة لهذا غيرنا توصيتنا لسندات 2028 من الشراء إلى الاحتفاظ، وعانت بغداد التي تعتمد بشكل شبه كامل علي عائدات النفط لسداد ديونها منذ انخفاض أسعار الخام العالمية في 2014، ومن جهة اخرى فمن المتوقع أن تحيي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجون غير أعضاء بالمنظمة اتفاقا على تثبيت الإنتاج للمرة الأولي في ثماني سنوات عندما يجتمعون في الجزائر في الفترة من 26 إلى 28 سبتمبر أيلول بعد انهيار مبادرة مماثلة في الدوحة في أبريل نيسان بسبب رفض إيران كبح إمداداتها، ورفع العراق - وكذلك السعودية وإيران وروسيا - إنتاجه إلى مستويات تاريخية على مدى العام الأخير في ظل صراع على الحصة السوقية مع المنتجين ذوى التكلفة العالية مثل الولايات المتحدة التي يتراجع فيها الإنتاج بسبب تدني أسعار النفط.
وينظر إلى العراق باعتباره واحدا من العقبات التي تقف في طريق التوصل لاتفاق على الإنتاج العالمي للنفط نظرا لأنه يريد مواصلة زيادة الإنتاج في العام المقبل في حين أن إيران وروسيا ربما بلغتا طاقتهما الإنتاجية القصوى فيما بلغ الإنتاج السعودية مستويات قياسية، لكن مندوب العراق لدى أوبك فلاح العامري إن بغداد لن تحبط الاتفاق. وأضاف أن بلاده لا تنوي إغراق السوق بل تعتزم دعمها ولن تشارك في أي إجراء من شأنه خفض الأسعار.
حيث افاد مسؤول بارز في قطاع النفط العراقي إن من المتوقع نمو إنتاج الخام وصادراته من البلاد بشكل مطرد خلال عام 2017 مقارنة مع المستويات الحالية مضيفا أن البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يدعم مبادرة عالمية لتثبيت إنتاج الخام إذا كانت ستسهم في استقرار السوق، وبلغ حجم إنتاج العراق من النفط 4.632 مليون برميل يوميا في يوليو تموز وهو أعلى مستوى منذ يناير كانون الثاني.
وترى الحكومة العراقية إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن الإيرادات فقد يجري تصدير النفط من كركوك على متن شاحنات عبر إيران، وصرح العامري إنه لا يوجد اتفاق في الوقت الحالي لكن قد تكون هناك فرصة في المستقبل، وتزيد تكلفة نقل النفط على متن الشاحنات كثيرا عن التصدير عبر خط الأنابيب الواصل إلى ميناء جيهان التركي وهو الأمر الذي قد يعقد مثل هذا الإجراء.
في ظل هذه التطورات الميدانية على الساحة السياسية والاقتصادية والأمنية، فأن التوقعات القادمة قد لاتختلف على ان الوضع الصعب الذي يمر فيه العراق قد لاينجلي في القادم من الايام، حيث مازالت تبدو الصورة ضبابية، وحتى في ظل استرداد الموصل وتوقف العمليات العسكرية، فمازال تواجة العراق مشكلة اعمار المدن والمناطق المدمرة، مع ضغوط اوبك في كبح انتاج النفط على الدول الاعضاء، ومن بينها العراق الذي قد تكون هذه الضغوط مصدر قلق له، خاصة وان النفط يمثل المصدر الوحيد لايرادته، حيث ان مسألة طرح السندات وبيعها قد لاتبدو انها ستكون الحل للخروج من الازمة في ظل مايعيشه من ظروف سيئة وتخلف في سوقه الماليه، وفشل مساعي الحكومة في تنويع مصادر الايرادات الحكومية وتحقيق الاصلاح الاقتصادي المطلوب وانشغالها بالحرب ضد داعش.