بعد النفط: الغاز بؤرة حروب الطاقة

ندى علي

2016-08-03 10:35

هناك قانون اقتصادي معروف لا يقبل الخطأ، وهو قانون العرض والطلب الذي يتضمن معادلة معروفة، فكلما زاد العرض قلّ الطلب وبالعكس أيضا، وهذا الأمر سبق أن تعرض له القطاع النفطي ولا يزال تأثير الوفرة في العرض واضحا على تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية.

لم يتوقف الأمر عند حدود النفط فيما يخص النفط، فقد التحق الغاز بالنفط في قضية تأثير العرض على الطلب، وها أن وكالة الطاقة الدولية تعلن عن حدوث في تباطؤ على طلب الغاز، وهو الأمر الذي طال قطاع النفط قبل سنتين تقريبا، وهبط بأسعاره من سقف الـ 100 دولار الى الثلث أو الربع، والحال نفسه يتكرر مع الغاز.

حيث تقول وكالة الطاقة الدولية إن نمو الطلب على الغاز الطبيعي سيتباطأ إلى متوسط 1.5 بالمئة سنويا حتى عام 2021 إذ سيؤدي الركود في أوروبا والشكوك بشأن الاستهلاك الصيني إلى تحييد التأثير الإيجابي للنمو القوي في الهند. وبعد نمو بنسبة 2.5 بالمئة خلال السنوات الست الماضية يواجه الغاز منافسة من الطاقة المتجددة والفحم الرخيص مما يعني أن سوق الغاز العالمية ستظل تعاني من وفرة بالإمدادات.

في بولندا يوجد غاز وفير، وهو ما قادها الى التنافس او (الصرع) مع روسيا ومجموعة (غازبروم)، بعد أن جربت بولندا التغريد (خارج السرب)، حيث تريد أن تخرج بعيدا عن طوق المجموعة السابق ذكرها وبعيدا عن سطوة روسيا في انتاج الغاز وبيعه، فمع وصول اول ناقلة الى مرفئها الجديد للغاز المسال، تطلق بولندا تحديا غير مسبوق لروسيا برغبتها في ان تستغني عن الاعتماد على مجموعة غازبروم وتصبح لاعبا اقليميا كبيرا في مجال الغاز ما يمكن ان يثير قلق موسكو.

وفي قبرص هناك تنافس شديد بين الشركات الكبرى التي تمتهن التنقيب عن الغاز، حيث تتنافس شركات اكسون موبيل و"ايني" وتوتال العملاقة للحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز تحت البحر قبالة الساحل الجنوبي لقبرص، بحسب ما اعلن مسؤولون. وتتنافس شركات من اوروبا والولايات المتحدة وقطر واسرائيل للفوز بمناقصة على ثلاثة تراخيص جديدة للتنقيب، بحسب ما صرح وزير الطاقة القبرصي جورج لاكوتريبيس للصحافيين.

ومن التأثيرات الجديدة للغاز انه قد يحسّن العلاقة بين الدول ويعيد التطبيع بينها كما يحدث بين تركيا واسرائيل، فقد قال مسؤول تركي بارز إنه ليس على علم باجتماع عقده اوردغان مع وزير اسرائيلي في اذار بأمريكا، وبشكل عام يرى مسؤولون إمكانية للتوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة بين الجانبين لتطبيع العلاقات، وهذا امر يتوقعه المراقبون.

وهناك من يرى أن الاقتصاد التركي يحتاج الى الطاقة كونه سريع النمو حيث يرى بعض المحللين يقولون إن اقتصاد تركيا السريع النمو لا يزال يستهلك 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويا ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على مدى السنوات السبع أو الثماني المقبلة. ومن ثم سيكون تنويع الإمدادات مهما. وعلى العموم قد يكون هناك طلب على الغاز لدولة ما، لكن واقع الحال ينبئ عن وجود وفرة في الانتاج العالمي من الغاز وهو ما يؤثر على نسبة النمو.

تباطؤ نمو الطلب العالمي على الغاز

في هذا السياق قالت وكالة الطاقة الدولية إن نمو الطلب على الغاز الطبيعي سيتباطأ إلى متوسط 1.5 بالمئة سنويا حتى عام 2021 إذ سيؤدي الركود في أوروبا والشكوك بشأن الاستهلاك الصيني إلى تحييد التأثير الإيجابي للنمو القوي في الهند. وبعد نمو بنسبة 2.5 بالمئة خلال السنوات الست الماضية يواجه الغاز منافسة من الطاقة المتجددة والفحم الرخيص مما يعني أن سوق الغاز العالمية ستظل تعاني من وفرة بالإمدادات.

وفي أوروبا، ستواجه شركة جازبروم التي تحتكر تصدير الغاز الروسي تحديا يتمثل في تخمة محتملة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال مع ارتفاع طاقة التصدير 45 بالمئة بحلول 2021 حتى مع انخفاض الطلب في أسواق رئيسية في اليابان وكوريا الجنوبية. وقالت وكالة الطاقة إن الهند ستقود نمو الطلب على الغاز بمتوسط ستة بالمئة سنويا في حين سينتعش الطلب الصيني على الأرجح بفضل التحول من الفحم إلى الغاز في محطات توليد الطاقة.

لكن الإمدادات الجديدة محدودة أيضا نظرا لانخفاض الإنتاج في أوروبا واستقرار إنتاج الغاز في الولايات المتحدة في العام المقبل حيث تسببت أسعار الغاز المنخفضة في انكماش الاستثمارات.

ومن المتوقع على مدى أطول أن يسهم قطاع النفط الصخري الأمريكي في إنعاش الإنتاج ليصل إلى 100 مليار متر مكعب بحلول عام 2021 أو ثلث الزيادة في المعروض العالمي خلال هذه الفترة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض أسعار شحن الغاز الطبيعي المسال من أمريكا إلى أوروبا عن أسعار الغاز الروسي المرتبطة بسعر النفط أو أسعار مراكز التوزيع الرئيسية "مما سيخلق تغيرا كبيرا في بيئة عمل جازبروم بحسب رويترز."

وعلى الرغم من أن صادراتها إلى أوروبا مقصورة على عقود التسلم أو دفع غرامة فقد توقعت الوكالة أن تحتاج جازبروم للفوز بما بين 15 و20 مليار متر مكعب إضافية للحفاظ على حصتها السوقية عند مستوى العام الماضي. وأضافت أن أسعار البيع الفورية الرخيصة ستؤدي لتوترات مع العملاء الأوروبيين بشأن العقود طويلة المدى وستجبرها على "تبني آليات تسعير أكثر تنافسية".

ودعمت الدول الآسيوية - التي تدخل السوق الفورية لبيع فائض الإمدادات بعد ضعف النمو أكثر مما كان متوقعا - اتجاه التسعير القائم على مراكز التوزيع الرئيسية. ونظرا لتخمة المعروض العالمي شككت وكالة الطاقة في الجوانب الاقتصادية لخطة جازبروم الرامية لتمديد خط الأنابيب نورد ستريم إلى ألمانيا متجنبا أوكرانيا وكذلك تبعات هذا على أمن الإمدادات الأوروبية.

وتضاعف الخطة المعاكسة لشبكة خطوط الأنابيب المتقاطعة عبر أوكرانيا الطاقة الاستيعابية لنورد ستريم إلى 110 ملايين متر مكعب عبر ممر واحد إلى ألمانيا. وبرغم فتور الطلب ترى وكالة الطاقة أن صافي الواردات إلى أوروبا سيزيد 40 مليار متر مكعب بحلول عام 2021.

بولندا قوة اقتصادية تهز مكانة غازبروم

ومع وصول اول ناقلة الى مرفئها الجديد للغاز المسال، تطلق بولندا تحديا غير مسبوق لروسيا برغبتها في ان تستغني عن الاعتماد على مجموعة غازبروم وتصبح لاعبا اقليميا كبيرا في مجال الغاز ما يمكن ان يثير قلق موسكو. ونقلت السفينة "النعمان" التي استأجرتها مجموعة قطرغاز شحنة تبلغ 206 آلاف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، اي ما يعادل 126 متر مكعب من الغاز غير المسال. وهي اول شحنة تجارية تصل الى محطة شفينويتشيه (شمال غرب) المخصصة لمجموعة الغاز البولندية (الشركة الوطنية البولندية للنفط والغاز).

وقال ياتسيك تسفيك كاربوفيش الخبير في الطاقة في المعهد البولندي للشؤون الخارجية "بالنسبة لبولندا يتلخص الامر باغراقها او عدم اغراقها بالغاز الروسي". واضاف "انها وسيلة ايضا لعرض قوتها ولاظهار ان هناك بدائل". ورأى الخبير نفسه ان "بولندا لديها فرصة لتصبح بوابة اوروبا الوسطى" للغاز.

ومرفأ شفينويتشيه واحد من اهم عناصر شبكة الطاقة التي وضعتها وارسو للتخلص من الشحنات الروسية في سلسلة مشاريع اطلق عليها اسم "بوابة الشمال" او "ممر الشمال". وقال "مركز تحليلات السياسة الاوروبية" الاميركي في تقرير خصص لاستراتيجية الطاقة التي تتبعها بولندا ان "المرفأ الجديد يشكل المنشأة الاهم في البنية التحتية الغازية لبولندا والبعيدة عن كل تدخل روسي" بحسب فرانس برس.

والمرفأ الذي بلغت كلفته 720 مليون يورو، ستصل قدرته السنوية للاستقبال الى خمسة مليارات متر مكعب ويمكن ان ترفع في وقت لاحق الى 7,5 مليارات متر مكعب، اي ما يعادل 50 % من استهلاك بولندا الحالي من الغاز. وحاليا تعتمد بولندا على روسيا في نحو 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز، فيما يأتي الثلث من مصادر محلية و20 بالمئة من آسيا.

وقامت بولندا التي تطمح الى الاستقلال في مجال الطاقة، بتحديث نظامها المرتبط بالغاز في السنوات الاخيرة وبنت مئات الكيلومترات من انابيب الغاز وخزانات كبيرة تحت الارض، الى جانب اتصالات مع الدول المجاورة.

وما زال لديها مشاريع اخرى. فالحكومة تفكر في بناء مرفأ ثان للغاز المسال، هذه المرة عائم بالقرب من دانسك (شمال) يشبه المحطة التي تعمل في ليتوانيا، او مد انبوب للغاز يسمى "انبوب البلطيق" يربط بين بولندا والدنمارك ويسمح لها باستيراد الغاز النروجي. وقد اعلنت وارسو وكوبنهاغن في نيسان/ابريل احياء هذا المشروع.

وقال المسؤول الحكومي البولندي في البنى التحتية للطاقة بيوتر نايمسكي "لا نعتقد اننا سنمدد عقد الغاز الطويل الامد +يامال+ (يحمل اسم الحق الروسي) بعد 2022. سنبحث عن حلول وعقود اخرى". وذكر بان بولندا تدفع ثمنا للغاز الروسي اكبر من سعر الغاز الاوروبي. ودفع الاعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الادلاء بتصريحات قاسية. وقال "الامر سيان بالنسبة لنا. على كل حال سنجد شاريا آخر. اذا لم نجد احدا في اوروبا فسنبحث عن اسواق اخرى".

وقال بيوتر ماتسياجيك الخبير المتخصص في البوابة الالكترونية "اينيرغيتيكا24.كوم" ان "تصريحات نايمسكي تهدف الى ارغام روسيا على اعادة النظر في اسعارها وجعلها بمستوى الاسعار في العالم". واضاف ان "مرفأ الغاز الطبيعي المسال ومبادرات اخرى في هذا المجال تسمح باعادة التوازن لمكانة غازبروم في المنطقة". واوضح ان "سلوفاكيا والجمهورية التشيكية والمجر لا بديل لديها عن غازبروم"، مشيرا الى ان براغ "عبرت عن اهتمامها بالشحنات المقبلة عن طريق بولندا".

تنافس الشركات الاميركية والاوروبية العملاقة

في سياق مقارب تتنافس شركات اكسون موبيل و"ايني" وتوتال العملاقة للحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز تحت البحر قبالة الساحل الجنوبي لقبرص، بحسب ما اعلن مسؤولون. وتتنافس شركات من اوروبا والولايات المتحدة وقطر واسرائيل للفوز بمناقصة على ثلاثة تراخيص جديدة للتنقيب، بحسب ما صرح وزير الطاقة القبرصي جورج لاكوتريبيس للصحافيين.

وقال الوزير ان "الحكومة راضية بشكل كبير عن نوعية الشركات المتقدمة للمناقصة وقد حققنا هدفنا". وتقدمت شركتا "ايني" الايطالية و"توتال" الفرنسية بطلب مشترك للتنقيب في حقلين من الحقول الثلاثة، فيما انضمت شركة اكسون موبيل الاميركية الى شركة قطر للبترول لمنافسة الشركتين الاوروبيتين.

وفي حال حصول الشركات على التراخيص ستتمكن من التنقيب في المياه القريبة من حقل زهر المصري الذي اكتشفت فيه شركة "ايني" "اكبر حقل غاز طبيعي" في المتوسط في اب/اغسطس الماضي. ويقدر مخزون حقل ظهر من الغاز بنحو 850 مليار متر مكعب.

وتأمل قبرص في بدء تصدير الغاز وربما النفط بحلول 2022 وتسعى الى ان تصبح من الدول الرئيسية في المنطقة في تصدير النفط والغاز. وخططت الجزيرة لبناء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي يتيح نقل الغاز عبر السفن الى اسيا واوروبا لكن احتياطاتها المؤكدة غير كافية حتى الان ليصبح ذلك مجديا بحسب فرانس برس.

شركات النفط والغاز تنقب في قبرص

وتبدي كبرى شركات الطاقة اهتماما بجولة ثالثة من منح التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في جنوب قبرص، وفق ما اعلنت الحكومة اثر لقاء بين الرئيس نيكوس اناستاسيادس وممثلين لشركة توتال الفرنسية. وكان الرئيس التقى ممثلين لشركة ايني الايطالية، علما ان مهلة التقدم للحصول على حقوق التنقيب تنتهي في 22 تموز/يوليو.

وقال المتحدث باسم الحكومة نيكوس خريستودوليدس للصحافيين "مضينا بجولة التراخيص الثالثة نظرا للاهتمام بالمنطقة ونرى ان قرار الحكومة اعطى نتيجة اذ لمسنا اهتماما". واضاف ان الرئيس بحث مع توتال كيف يمكن للعثور على الغاز في المنطقة ان يساعد في توفير امن الطاقة لاوروبا.

وحددت نيقوسيا ثلاث مناطق (6، 8، و10) للتنقيب بالقرب من المنطقة التي اكتشفت فيها ايني حقل ظهر المصري البحري العملاق الذي يعتقد انه يحتوي على 30 تريليون قدم مكعب (850 مليار متر مكعب) من الغاز. ويحاذي الحقل منطقة حصلت توتال الفرنسية على ترخيص للتنقيب فيها. وطلب مسؤولو توتال من الصحافيين التريث لدى سؤالهم ان كانت الشركة ستشارك في العطاء للحصول على ترخيص لاستكشاف احدى المناطق.

وحققت شركة نوبل انرجي الاميركية اول اكتشاف للغاز في جنوب شرق قبرص في 2011 في حقل افروديت (بلوك 12) المقدر انه يحتوي على 127 مليار متر مكعب من الغاز. وتملك شركتا ديليك وانفر الاسرائيليتان 30% من الشركة في حين باعت نوبل اكثر من 35% الى شركة الغاز البريطانية الدولية. ولم تحقق شركة ايني-كوغاز الايطالية الكورية الجنوبية اي اكتشاف بعد.

ولدى ايني تراخيص لاستكشاف مناطق 2 و3 و9 في المنطقة الاقتصادية الحصرية لقبرص والمحاذية لحقول النفط المصرية. وقال رئيس مجلس ادارة ايني كلاوديو دييكالزي الثلاثاء ان التنقيب سيبدأ السنة المقبلة. وتحتاج قبرص لاكتشاف مزيد من احتياطيات الغاز لتتمكن من انشاء منفذ بحري مجد اقتصاديا.

وخططت الجزيرة لبناء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي يتيح نقل الغاز عبر السفن الى اسيا واوروبا لكن احتياطاتها المؤكدة غير كافية حتى الان ليصبح ذلك مجديا.

وتأمل قبرص ومصر في نقل الغاز من حقل افروديت الى مصر عبر انبوب بحري وتامل قبرص في البدء بتصدير الغاز وربما النفط بحلول 2022. واستبعدت نيقوسيا بناء انبوب اسرائيلي الى تركيا عبر قبرص قبل تطبيع العلاقات مع تركيا التي تحتل القسم الشمالي من الجزيرة.

الغاز يحسن العلاقات بين إسرائيل وتركيا

وعلى هامش قمة للأمن النووي بواشنطن في مارس آذار عقد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اجتماعا مغلقا مع وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز. وكان هذا الاجتماع هو الاتصال الأعلى مستوى بين إسرائيل وتركيا منذ توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل سته أعوام عقب مداهمة قوات إسرائيلية لسفينة مساعدات تركية كانت متجهة إلى غزة بما أسفر عن مقتل عشرة نشطاء أتراك.

وناقش الاجتماع - الذي استمر بين 20 و30 دقيقة ولم يتم الكشف عن تفاصيله من قبل - عدة قضايا من بينها الحرب في سوريا والوجود الإيراني هناك والإرهاب والغاز الطبيعي. والغاز محرك رئيسي لجهود التقارب بين إسرائيل وتركيا وتوجد احتياطيات غاز على المحك تصل قيمتها لمئات المليارات من الدولارات تحت المياه الإسرائيلية والقبرصية.

وفي مقابلة في مكتبه بالقدس أكد شتاينتز عقد اجتماع واشنطن وقال "كانت الأجواء جيدة جدا. لا أريد أن أقول أكثر من ذلك... أنا من أشد مؤيدي هذه المساعي الرامية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا." ومنذ اجتماع واشنطن عقد مبعوثون رفيعو المستوى من تركيا وإسرائيل مباحثات مغلقة في جنيف ولندن لإبرام اتفاق على استئناف العلاقات بين الحليفين السابقين. وتعثرت المفاوضات في بعض الاحيان إذ تطالب إسرائيل تركيا بقطع علاقاتها مع ممثلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في تركيا بينما تريد أنقرة ضمانات بشأن تقديم مساعدات للفلسطينيين في غزة إلى جانب مطالب أخرى.

وقال مسؤول تركي بارز إنه ليس على علم بالاجتماع مضيفا أن لقاء رئيس مع وزير يمثل خروجا عن البروتوكول المعتاد. وبشكل عام يرى مسؤولون إسرائيليون إمكانية للتوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة. وقال شتاينتز "تجاوزنا ما بين 80 و90 في المئة من المصاعب - أو الفجوات - والآن يمكننا التوصل لاتفاق بشأن ما تبقى منها بقليل من النوايا الحسنة والمرونة من كلا الجانبين. أعتقد أننا اقتربنا كثيرا (من تطبيع العلاقات)."

وعلت بعض الأصوات الإيجابية في تركيا حيث صرح وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو في السابع من يونيو حزيران بأن أنقرة يفصلها "اجتماع أو اثنان" عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لكنه لم يحدد إطارا زمنيا لذلك بحسب رويترز.

وتقبع إسرائيل وقبرص - اللتان تربطهما علاقات وثيقة - فوق نحو 3450 مليار متر مكعب من الغاز المدفون في شرق المتوسط بحسب مسح جيولوجي أمريكي أجري في أواخر العقد الماضي. وتقدر قيمة هذه الاحتياطيات بنحو 700 مليار دولار وهو ما يكفي لتلبية احتياجات العالم بأسره من الغاز لمدة عام.

ولا يشمل هذا الرقم سوى الاحتياطيات المؤكدة. وذكر شتاينتز أن مسحا سيزميا أجرته شركة استشارات فرنسية في الآونة الأخيرة أظهر أن احتياطيات إسرائيل وحدها قد تزيد نحو ثلاث مرات عما كان يُعتقد من قبل. ولا تقتصر المشكلة على التكلفة المرتفعة للتنقيب عن الغاز بل تكمن أيضا في إيجاد طريق لتوصيله إلى العملاء. وسيوجه جزء من الغاز للاستهلاك المحلي إلا أن معظمه مخصص للتصدير. وما لم تبرم إسرائيل وقبرص عقود تصدير طويلة الأمد فلن تستطيعا تغطية تكاليف تطوير الحقول الكائنة في المياه العميقة وقد لا تستغل هذه الأصول الضخمة بالكامل أبدا.

وربما يكون الأردن الذي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل مشتريا طويل الأجل للغاز الإسرائيلي ولكن السوق الأردنية محدودة. ولا سبيل لتصدير الغاز إلى لبنان وسوريا وهما عدوان لدودان لإسرائيل. أما تركيا ومصر - اللتان يقطنهما 80 مليونا و93 مليون نسمة على الترتيب - فستزداد احتمالات استيرادهما للغاز بصفقات طويلة الأمد.

وكانت الخطة الأولية تهدف لبيع كميات من الغاز لمصر التي ترتبط بعقود بالفعل لشراء كميات صغيرة من الغاز من إسرائيل. ولكن خلال العام الأخير اكتشفت مصر غازا طبيعيا قبالة سواحلها وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن بلاده ستسرع الخطى في تطوير موارد الطاقة الخاصة بها.

ويقول شتاينتز إن الاتفاق مع مصر يظل خيارا. لكن إسرائيل تتجه أيضا لدارسة مد خط أنابيب إلى تركيا لاستخدامه سواء في إمداد المستهلكين هناك بالغاز أو في الوصول إلى أوروبا. وثمة خيار ثالث يتمثل في مسار إلى قبرص واليونان وأوروبا. ونتيجة لذلك فإن استئناف العلاقات مع أنقرة بات إحدى ركائز استراتيجية إسرائيل الرامية لاستغلال ثروتها من الغاز الطبيعي.

وبعد إلحاح على سؤال بخصوص استئناف العلاقات بين الجانبين ذكر الوزير الإسرائيلي "تطمح تركيا كثيرا إلى تنويع وارداتها من الطاقة ومواردها... لا تريد أن تعتمد على مصدر واحد أو مصدرين للطاقة."

وتستورد تركيا معظم احتياجاتها من الغاز من روسيا. ولكن علاقات أنقرة مع روسيا متوترة لاسيما بسبب الصراع في سوريا بعد أن أسقطت مقاتلة تركية طائرة روسية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي. وفي 2015 قلصت تركيا وارداتها من الغاز الروسي بواقع 300 مليون متر مكعب إلى نحو 27 مليار متر مكعب سنويا وهو ما أزعج موسكو.

غير أن بعض المحللين يقولون إن اقتصاد تركيا السريع النمو لا يزال يستهلك 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويا ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على مدى السنوات السبع أو الثماني المقبلة. ومن ثم سيكون تنويع الإمدادات مهما. وقال الوزير "يحتاجون موارد أخرى موارد يعتمد عليها من الغاز. نهتم بتصدير الغاز الإسرائيلي وأن يكون هناك خيارات للتصدير - وألا نعتمد اعتمادا كاملا علي دولة واحدة في صادراتنا. لذا فإنها فرصة جيدة جدا هنا."

وقالت مصادر في القطاع في تركيا إن زورلو إنرجي وكونسورتيوم يضم تركاس وانرجيسا تتفاوض مع إسرائيل على أسعار الغاز والمسار المحتمل لخط الأنابيب. وقال مصدر "ثمة احتمال لوجود نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز (سنويا) هناك وقد تشتري تركيا بين ثمانية مليارات وعشرة مليارات متر مكعب (سنويا)."

ورغم تفاؤل شتاينتز بإصلاح العلاقات مع تركيا لا يزال المحللون في المنطقة يشككون في حدوث طفرة في قطاع الغاز بمنطقة شرق البحر المتوسط في وقت قريب. ويقول مايكل لي من صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة وخبير اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط إنه يعتقد أن ثمة الكثير من العقبات السياسية والتجارية التي تحول أمام استخراج الغاز من قاع البحر ونقله إلى الأسواق.

وربما تأتي قبرص على رأس القضايا الشائكة. فمنذ 1974 انقسمت الجزيرة إلى شطرين الجمهورىة القبرصية في الجنوب والجمهورية التركية في شمال قبرص عقب غزو الأتراك للجزيرة إثر انقلاب عسكري ساندته اليونان. ولا توجد علاقات دبلوماسية بين الجنوب - وهو عضو في الاتحاد الاوروبي - وتركيا.

وتوجد كميات كبيرة من الغاز في المياه الإقليمية لجمهورية قبرص. ويقول محللون إنه في حالة وجود رغبة لتنسيق استراتيجية التصدير مع إسرائيل - وفي حالة الاعتماد على تركيا كأحد المسارات - ينبغي تجاوز الانقسامات في قبرص أولا. ذلك لأن جزءا علي الأقل من خط الأنابيب سيمر عبر المياه الإقليمية القبرصية إلى المياه الإقليمية التركية.

وقال مسؤول كبير شارك في المحادثات بشكل مباشر "نرى أن الأجواء باعثة على التفاؤل وأن هناك زخما من الجانبين... الاحتمالات أفضل بالتأكيد مما كانت عليه منذ وقت طويل ولكن لا نستطيع أن نقول إن ثمة اتفاقا حتى يتم تسوية جميع الأمور." وحتى في حالة التوصل لاتفاق فإن ذلك لا يعني تذليل جميع العقبات. وأشار لي من صندوق مارشال إلى أن اردوغان - وموقفه حيوي لحل المشكلة - لم يثبت على رأي في هذا الصدد.

وفيما يتعلق باستغلال احتياطيات الغاز أضاف لي "حل المشكلة القبرصية ضروري لكنه ليس كافيا - إذ يجب أن تكون هناك جدوى تجارية أيضا." ولي ليس مقتنعا بجدوى الاستثمار في شرق المتوسط في ظل تراجع أسعار الغاز وتكلفة استخراج الغاز وضخه إلى الأسواق.

استثمار 265 مليون دولار في بئر للغاز

من جهته وافق كونسورسيوم تقوده شركة نوبل الاميركية للطاقة على مشروع بقيمة 265 مليون دولار لحفر بئر جديد في حقل للغاز الطبيعي قبالة سواحل اسرائيل في البحر المتوسط، بحسب ما اعلن مسؤولون. واعلنت شركتا "ديليك" و"افنير" الاسرائيليتان، وهما شريكتان لنوبل عن التمويل لحقل تامار في البحر المتوسط.

وقالت الشركتان في بيان مشترك "قرر الشركاء في تامار الموافقة على ميزانية قدرها نحو 265 مليون دولار لحفر +تامار 8+ وايصاله بالبنى التحتية القائمة في حقل تامار". وقال البيان ان البئر الجديد سيسمح "بتزويد الحد الاقصى من حقل تامار خلال الاوقات التي تشهد ذروة في الطلب، بالنظر الى حجم الانتاج من تامار والطلب الحالي والمتوقع على الغاز الطبيعي من الحقل". واوضح ان "تامار 8" وهو البئر السادس للانتاج في الحقل سيكون على بعد نحو 100 كلم قبالة الساحل وسيكون بعمق 3,5 كيلومترات تحت قاع البحر.

ومن المتوقع البدء في الحفر في الربع الاخير من العام الجاري. واضاف البيان انه من المتوقع ان يستمر حفر البئر وربطه بشبكة الانابيب القائمة مدة اربعة اشهر. ويستثمر الكونسورسيوم منذ 2013 حقل الغاز البحري تامار الذي يبعد نحو ثمانين كلم عن شاطئ حيفا. وتقدر احتياطاته ب 238 مليار متر مكعب. ويستخدم انتاجه في الاستهلاك المحلي في اسرائيل.

كما تشترك نوبل وديليك في تطوير حقل ليفياتان الضخم الذي يفترض ان يبدأ استغلاله في آب/اغسطس 2019 عندما تبدأ احتياطات تامار في النضوب بحسب فرانس برس. وتأمل اسرائيل ان يسمح استغلال حقل ليفياتان بتصدير الغاز. وتقدر احتياطاته بما لايقل عن 535 مليار متر مكعب من الغاز.

بريطانيا تستورد 93% من الغاز

من جهتها قالت الشبكة الوطنية للغاز إن بريطانيا قد تعتمد على الدول الأخرى في الحصول على 93 بالمئة من احتياجاتها من الغاز بحلول عام 2040 إذا كان النمو الاقتصادي ضعيفا ولم تتوفر الأموال الكافية لدعم إنتاج الغاز محليا. وجاءت التوقعات بشأن الواردات في إطار سيناريو "التقدم البطيء" وهو أحد أربعة سيناريوهات محتملة تضمنها تقرير للشبكة بعنوان "سيناريوهات مستقبل الطاقة في بريطانيا".

وتصدر الشبكة الوطنية تقريرا سنويا عن السيناريوهات المستقبلية لمساعدتها على اتخاذ قرارات خاصة بالاستثمار في مشروعات البنية الأساسية الجديدة وتقديم معلومات للحكومة. وتستورد بريطانيا حاليا نحو نصف إمدادات الغاز التي تحتاجها لكن من المتوقع أن ترتفع وارداتها مع تراجع الإنتاج من الاحتياطيات المحلية.

وفي إطار السيناريو "الصديق للبيئة" الذي يتضمن صياغة سياسات وتخصيص استثمارات في قطاع الطاقة لخدمة الأهداف البيئية بعيدة المدى فإن من المتوقع أن ترتفع واردات الغاز إلى 90 بالمئة من الإمدادات بحلول عام 2040. أما سيناريو "لا تقدم" حيث تسير الأمور كالمعتاد فإن الواردات سترتفع إلى 75 بالمئة.

ولم تقدم الشبكة سوى سيناريو واحد تنخفض فيه واردات الغاز إلى 30 بالمئة بحلول 2040. وبموجب هذا السيناريو تركز سياسات الحكومة على تعزيز الإمدادات المحلية وتمهيد الطريق أمام الوسائل غير التقليدية لاستخراج الغاز مثل الغاز الصخري. كما بحثت الشبكة الوطنية التطور المحتمل لنظام الكهرباء في بريطانيا. وتوقع التقرير أن تلتزم الحكومة بتعهدها بإغلاق كل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2025 ما لم تصبح مجهزة بتكنولوجيا لاحتجاز وتخزين الانبعاثات.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي