نفط ذي قار ثروة عراقية ضخمة تقتنصها شيفرون باتفاق تاريخي

موقع الطاقة

2025-08-23 02:39

نفط ذي قار توقيع اتفاقية مبادئ بين وزارة النفط وشركة شيفرون الأميركية - الصورة من وزارة النفط العراقية

يشكّل نفط ذي قار أحد أبرز الموارد الإستراتيجية للعراق في الجنوب، ويمثّل محورًا مهمًا لجذب استثمارات الشركات العالمية في قطاع الطاقة. ومع توقيع اتفاق مبادئ بين وزارة النفط العراقية وشركة شيفرون الأميركية، برزت آمال جديدة في تحويل المحافظة إلى مركز إنتاج ضخم يعزّز الاقتصاد الوطني ويواكب خطط التنمية الحكومية.

ويأتي هذا الاتفاق بعد سنوات من محاولات التعاون بين الجانبَيْن، إذ طالما سعت بغداد إلى استثمار الرقع النفطية الواسعة في ذي قار بما يتناسب مع حجم احتياطياتها، فيما شكّلت بيئة الاستثمار المتقلبة عائقًا أمام المضي قدمًا.

واليوم، تشير الخطوة الجديدة إلى توجه جاد لاستقطاب التكنولوجيا الأميركية وتعزيز الشراكات طويلة الأمد، وفق تقديرات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

ووفقًا لتصريحات المدير العام لشركة نفط ذي قار المهندس سعيد شلاكة، في مقابلة إذاعية، فإن الاتفاق الأخير لا يقتصر على حقل واحد، بل يشمل 4 رقع استكشافية تحمل وعودًا بزيادة الإنتاج النفطي وتطوير صناعة الغاز المصاحب.

وتُعوّل الشركة على هذه الشراكة لإحداث نقلة نوعية في البنية التحتية، وإيجاد فرص عمل واسعة لأبناء المحافظة. غير أن هذه الخطوة تأتي في وقت لا يزال ملف الاستثمار النفطي بالعراق يواجه تحديات هيكلية تتعلّق بالبيروقراطية والبيئة الأمنية والانسحابات المتكررة لشركات عالمية كبرى، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة بغداد على الحفاظ على هذا الزخم واستثماره في تعزيز استقرار سوق الطاقة المحلية والدولية.

تفاصيل الاتفاق الجديد

أوضح المهندس سعيد شلاكة، أن الاتفاق مع شيفرون هو اتفاق مبادئ غير مُلزِم يشمل الرقع الاستكشافية الأربع: المربع A بين الناصرية وأريدو (بمسوحات ثنائية الأبعاد)، والمربع B بين الغراف والناصرية (بمسوحات ثلاثية الأبعاد)، والمربع D شمال حقل الصُبّة، والمربع E في مناطق الأهوار، مشيرًا إلى أن جميع هذه الرقع تحمل نتائج "هيدروكربونية واعدة عالية".

وأكد المدير العام لشركة نفط ذي قار، أن الاتفاق يمثّل انطلاقة جديدة في تطوير القطاع النفطي بالمحافظة، لافتًا إلى تخطيط الحكومة بالتوازي لاستثمار الغاز المصاحب عبر مشروعات قائمة بالتعاون مع "بيكر هيوز"، و"إيني" الإيطالية، بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا.

ومن المقرر أن يُستكمل جزء من هذه المشروعات بحلول الربع الأخير من عام 2027. وأضاف شلاكة، أن المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل لجان فنية واقتصادية لوضع آليات التعاقد النهائية، مشددًا على جدّية شركة نفط ذي قار في المضي سريعًا مع شيفرون، لإنجاز الاتفاق وتحويله إلى عقد نافذ يفتح الباب أمام استثمارات كبرى.

صفقة شيفرون مع العراق

تُعَدّ صفقة شيفرون مع العراق امتدادًا لمسار طويل من المفاوضات واللقاءات، ففي أغسطس/آب من عام 2020، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أن الشركة الأميركية أجرت محادثات مع الحكومة العراقية لتطوير حقل الناصرية، الذي تُقدّر احتياطاته بنحو 4.4 مليار برميل من النفط الخام. ورغم عدم نضوج الاتفاق حينها، شكّلت الخطوة إشارة إلى رغبة متبادلة في تعزيز التعاون.

وفي مارس/آذار من عام 2022، جدّد وزير النفط حينها إحسان عبدالجبار مباحثاته مع إدارة شيفرون خلال مؤتمر "سيراويك" للطاقة في هيوستن؛ إذ جرى تأكيد أهمية المشروع في إنعاش اقتصاد محافظة ذي قار وتنمية الاقتصاد الوطني.

وحينها، ركّزت النقاشات على بناء البنية التحتية اللازمة لإنتاج النفط والغاز، بما يهيّئ الأرضية للاتفاق الحالي. اليوم، ومع توقيع اتفاق المبادئ الجديد، يبدو أن المفاوضات التي بدأت قبل 5 سنوات قد وصلت إلى مرحلة أكثر جدية، ما يمنح بغداد فرصة لتثبيت حضورها أمام المستثمرين الدوليين بعد سنوات من فقدان الثقة.

انسحاب الشركات الأجنبية من العراق

تأتي أهمية دخول شيفرون على خط التطوير في وقت شهد فيه العراق انسحاب العديد من الشركات العالمية، مثل: "شل"، و"إكسون موبيل"، و"بي بي"، إذ واجهت هذه الشركات صعوبات في التعامل مع العقود النفطية العراقية، التي كانت تقتصر على عقود خدمة طويلة الأمد بهامش ربح محدود، دون اعتماد صيغة الشراكة والمخاطرة.

وبحسب مقال لوزير الكهرباء العراقي الأسبق الدكتور لؤي الخطيب، نشرته منصة الطاقة المتخصصة، في فبراير/شباط 2024، ذكر أن البيروقراطية المتشابكة، والتقلبات السياسية، والتدخلات غير الفنية في إدارة قطاع الطاقة، دفعت العديد من الشركات الغربية إلى إعادة النظر في استثماراتها. وقد ترك ذلك فراغًا ملأته الشركات الروسية والصينية، ما جعل بغداد تعتمد بصورة متزايدة على هذه القوى.

كما تعثرت مشروعات الغاز، وتباطأت خطط وقف حرق الغاز المصاحب، وهو ما أثر سلبًا في الاقتصاد وأدى إلى خسائر سنوية بعشرات المليارات من الدولارات. وفي ظل هذه الظروف، تُعد صفقة شيفرون مع العراق مؤشرًا على إمكان استعادة الثقة، شرط نجاح الحكومة في توفير بيئة استثمارية مستقرة.

مستقبل نفط ذي قار

يمتلك العراق ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية، ويشكّل نفط ذي قار جزءًا مهمًا من هذه الثروة. وتشير التقديرات إلى أن تطوير الرقع الأربع يمكن أن يرفع القدرة الإنتاجية للبلاد ويضيف مليارات الدولارات إلى الإيرادات العامة، فضلًا عن إسهامه في معالجة أزمة الغاز عبر استثمارات موازية. ومع ذلك، يظل مستقبل هذه المشروعات مرهونًا بقدرة بغداد على تجاوز أزماتها المزمنة، مثل غياب قانون موحد للنفط والغاز، وتعدد المرجعيات المؤسسية، والتدخلات السياسية والأمنية. كما أن التزامات العراق ضمن تحالف "أوبك+" تفرض قيودًا على حجم الزيادات الإنتاجية.

ورغم هذه التحديات، يتوقع المراقبون أن يشكّل الاتفاق مع شيفرون نقطة تحوّل تاريخية في مسيرة تطوير الحقول الجنوبية، بما يعزز مكانة العراق في أسواق الطاقة العالمية ويمكّنه من استثمار ثرواته بصورة أكثر استدامة.

ذات صلة

البرامج الانتخابية للكتل السياسية العراقية ٢٠٢٥نهاية يونامي في العراق: بين استرداد السيادة وفراغ الرقابةالإمام الحسن المجتبى (ع) راعي حقوق الشيعةالعبودية الفكرية.. ثقافة الخنوعالعدالة المفقودة في توزيع الثروات