نهاية ذروة الوقود الأحفوري بين الحقيقة والوهم
شبكة النبأ
2023-10-25 05:17
توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب العالمي على الوقود الأحفوري ذروته بحلول 2030 مع زيادة استخدام السيارات الكهربائية وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وتحوله نحو طاقة أنظف، مما يقوض الأساس المنطقي لأي زيادة في الاستثمار بهذا القطاع.
ويتناقض تقرير الوكالة، التي تقدم المشورة للدول الصناعية، مع وجهة نظر منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي تتوقع ارتفاع الطلب على النفط لفترة طويلة بعد 2030 وتدعو إلى استثمار تريليونات الدولارات فيه.
وفي تقريرها السنوي لتوقعات الطاقة العالمية، قالت وكالة الطاقة الدولية إن ذروة الطلب على النفط والغاز الطبيعي والفحم كانت واضحة هذا العقد في رؤيتها القائمة على السياسات الحالية للحكومات، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا.
وقال المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول "التحول إلى الطاقة النظيفة يحدث في جميع أنحاء العالم ولا يمكن إيقافه. إنها ليست مسألة إذا وإنما متى، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل لنا جميعا".
وأضاف "يتعين على الحكومات والشركات والمستثمرين أن يدعموا التحول في مجال الطاقة النظيفة بدلا من عرقلتها".
ومع ذلك، قالت وكالة الطاقة أيضا إنه إذا بقيت الأمور على حالها فمن المتوقع أن يظل الطلب على الوقود الأحفوري مرتفعا بدرجة يتعذر معها الوصول إلى هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل في قصر ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية عما قبل الصناعة.
وتتوقع الوكالة زيادة استخدام السيارات الكهربائية في جميع أنحاء العالم عشرة أضعاف بحلول 2030، وأشارت إلى السياسات الداعمة للطاقة النظيفة في الأسواق الرئيسية باعتبارها عامل تأثير سلبيا على الطلب على الوقود الأحفوري في المستقبل.
وفيما يتعلق بالصين، ترى وكالة الطاقة أنها ستكون مصدرا رئيسيا لتغير نمو الطلب على الطاقة.
وقال التقرير إنه في حين أن الصين شكلت في العقد الماضي ما يقرب من ثلثي الزيادة في استخدام النفط العالمي، فإن القوة الدافعة وراء نموها الاقتصادي تنحسر وأصبحت "قوة للطاقة النظيفة"، إذ مثلت أكثر من نصف مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم في 2022.
لا سند لها من الحقيقة
من جهتها قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إن التوقعات التي تقوم على أساس البيانات لا تدعم ولا تسير في نفس الاتجاه مع تنبؤات وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته أو أعلى نقطة في مساره في 2030.
وقالت أوبك في بيان إن ما يجعل هذه التوقعات "خطيرة للغاية" هو أنها تأتي في العادة برفقة دعوات لوقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز.
وقال الأمين العام لأوبك هيثم الغيص في البيان "مثل هذه التصريحات تؤهل نظام الطاقة العالمي لفشل مذهل... سيؤدي الأمر لفوضى في مجال الطاقة على نطاق يحتمل أن يكون غير مسبوق مع تبعات فادحة تؤثر على الاقتصادات ومليارات من البشر حول العالم".
وقالت أوبك إن مثل هذه التوقعات لا تأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل التقدم التكنولوجي الجاري في قطاع النفط والغاز لخفض الانبعاثات الضارة واعتماد 80 بالمئة من مزيج الطاقة العالمي حاليا على الوقود الأحفوري كما كان الحال قبل ثلاثة عقود.
وقال الغيص في بيان أوبك "إدراكا للتحديات التي يواجهها العالم للقضاء على فقر الطاقة والوفاء بالطلب المتنامي عليها وضمان بقاء التكلفة في المتناول خلال عملية خفض الانبعاثات، فلا تستبعد أوبك أي مصادر طاقة ولا تكنولوجيا وتعتقد أن كل الأطراف المعنية عليها أن تفعل المثل وتدرك حقائق مشهد الطاقة على المديين القصير والطويل".
أرامكو وإكسون موبيل
واعترض الرئيسان التنفيذيان لشركتي إنتاج النفط أرامكو السعودية وإكسون موبيل الأمريكية على توقعات وصول الطلب على النفط إلى ذروة، وقالا إن التحول في مجال الطاقة سيتطلب الاستمرار في ضخ استثمارات في مجالي النفط والغاز.
وفي حديثه خلال مؤتمر البترول العالمي في كالجاري، قال أمين الناصر الرئيس التنفيذي لأرامكو إن الحديث عن وصول الطلب على النفط إلى الذروة ليس وليد اللحظة.
وقال "عند الإمعان في هذه الفكرة نجد أنه لا وجود لها لأنها في الغالب مدفوعة بالسياسات وليس بالمزيج المؤكد من الأسواق والاقتصاد التنافسي والتكنولوجيا".
وقال الناصر إنه يتوقع نمو الطلب إلى حوالي 110 ملايين برميل يوميا بحلول 2030. والحجم الحال للطلب في حدود 100 مليون برميل يوميا.
منظمة البلدان المصدرة للبترول، التي رفضت أيضا تقديرات وكالة الطاقة الدولية بشأن وصول الطلب على النفط إلى ذروة، أكثر تفاؤلا حيال الطلب، إذ تتوقع نموا 2.44 مليون برميل يوميا هذا العام إلى 102.1 مليون برميل يوميا، مقارنة مع توقعات الوكالة لنمو 2.2 مليون برميل يوميا.
وخلال المؤتمر، انتقد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الوكالة، قائلا إنها انحرفت عن دورها.
وقال الأمير عبد العزيز "لقد انتقلت من دور توقع السوق وتقييمها إلى ممارسة التعبئة السياسية".
واحتجت جماعات معنية بالبيئة هذا الأسبوع خارج مقر انعقاد التجمع السنوي للشركات والدول المنتجة للنفط. وموضوع المؤتمر هذا العام هو تحول الطاقة.
وقالت جوليا ليفين المديرة المساعدة لبرنامج المناخ الوطني في منظمة (إنفايرومنتال ديفنس كندا) "الآن بعد أن أصبح الدليل أكثر وضوحا من أي وقت مضى على أن الطلب على الوقود الأحفوري سيصل إلى ذروته في العقد الحالي، سيفعل منتجو النفط الرئيسيين أي شيء لتأخير هذا التحول".
وقال الناصر إن رواية التحول الحالي في مجال الطاقة تستند إلى افتراضات وسيناريوهات "غير واقعية" وإن من المهم مواصلة الاستثمار في النفط والغاز لضمان أمن الطاقة على مستوى العالم والانتقال إلى مصادر أنظف للطاقة بأسعار ميسرة.
وتابع "نحن بحاجة إلى الاستثمار وإلا سنواجه أزمة أخرى تتراوح من المدى المتوسط إلى الطويل وسنعود إلى الوراء فيما يتعلق باستخدام المزيد والمزيد من الفحم والمنتجات الرخيصة الأخرى المتاحة في الوقت الراهن".
وقال دارين وودز الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل خلال الجلسة نفسها إنه سيكون من الصعب استبدال نظام الطاقة الحالي لأن النفط والغاز متاحان على نطاق واسع، مضيفا أن التحول سيستغرق وقتا.
وقال وودز "يبدو أن هناك أحلاما تراود البعض بالانتقال مما نحن فيه اليوم إلى ما سنكون عليه غدا بمجرد ضغطة زر".
وأضاف "بغض النظر عن مستقبل الطلب (على النفط)، إذا لم نحافظ على مستوى معين من الاستثمار، فسينتهي الأمر إلى نقص في المعروض مما سيؤدي لارتفاع الأسعار".
خفض الانبعاثات وليس الإنتاج
وقال أمين الناصر الرئيس التنفيذي لعملاقة النفط السعودية أرامكو إن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ هذا العام (كوب28) ينبغي أن يركز على خفض الانبعاثات من الوقود الأحفوري وليس خفض إنتاج هذا الوقود.
وقال الناصر "يجب أن يكون التركيز على الانبعاثات. التركيز اليوم لا ينصب على الانبعاثات فحسب، بل على أننا نحتاج إما إلى إيقاف (الطاقة) التقليدية أو إبطائها بشدة".
وأضاف أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها لا يمكنها تحمل عبء الطلب العالمي على الطاقة، مضيفا أن خفض إنتاج النفط والغاز سيؤدي إلى نقص الطاقة وارتفاع الأسعار.
وقال الناصر إن التركيز يجب أن ينصب على المزيد من احتجاز الكربون وتخزينه وتحسين كفاءة إنتاج المواد الهيدروكربونية لتقليل انبعاثاتها.
وقال وزراء مناخ في دول الاتحاد الأوروبي إنهم سيضغطون من أجل التوصل إلى أول اتفاق عالمي للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري الذي يسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مؤتمر كوب28.
ومع ذلك، فإن الدول بعيدة جدا عن سد الفجوة بين أولئك الذين يطالبون باتفاق للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وبين الدول التي تصر على الحفاظ على دور الفحم والنفط والغاز الطبيعي.
ويقول الخبراء إن العالم يحتاج إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنحو 43 بالمئة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2019 ليكون لديه أي فرصة لتحقيق هدف اتفاق باريس لعام 2015 المتمثل في إبقاء زيادة درجة الحرارة أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وطالبت دول لها ثقلها في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعدم إلحاق وصمة بقطاع النفط والغاز في محادثات تتعلق بمكافحة تغير المناخ وقالت إن هذا القطاع يلعب دورا ليكون التحول في مجال الطاقة سلسا.
وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي "يتحمل ثلاثتنا بوصفنا منتجين كبار للهيدروكربونات مسؤولية أمام العالم لتزويد المرحلة الانتقالية بموارد هيدروكربونية كافية للتأكد من أن عملية الانتقال تجري بطريقة تتسم بالمسؤولية فيما يتعلق بالأسعار".
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إنه لا ينبغي إلحاق وصمة بقطاع النفط والغاز وإن العالم لا يزال بحاجة إلى الهيدروكربونات.
أوبك ترفع توقعاتها للطلب
من جهتها رفعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) توقعاتها للطلب العالمي على النفط في الأجلين المتوسط والطويل في توقعات سنوية، قائلة إن هناك حاجة إلى استثمارات بقيمة 14 تريليون دولار لتلبية هذا الطلب حتى مع زيادة استخدام الوقود المتجدد وظهور المزيد من السيارات الكهربائية على الطرق.
ومن شأن استمرار الارتفاع في الاستهلاك لعقد آخر أو أكثر أن يشكل دفعة لأوبك، التي يعتمد أعضاؤها وعددهم 13 عضوا اعتمادا أساسيا على دخلهم من النفط. وتقول المجموعة إن النفط يجب أن يكون جزءا من التحول في مجال الطاقة مشيرة إلى القرارات التي اتخذتها بعض الحكومات والشركات لإبطاء الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
وكتب الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص في مقدمة التقرير "لقد دفعت التطورات الأخيرة فريق أوبك إلى إعادة تقييم ما يمكن أن يحققه (كل نوع من أنواع) الطاقة، مع التركيز على الخيارات والحلول العملية والواقعية".
وأضاف "الدعوات المطالبة بوقف الاستثمار في مشاريع نفطية جديدة مضللة ويمكن أن تؤدي إلى فوضى في مجال الطاقة والاقتصاد".
وقدر الغيص حجم الاستثمارات المطلوبة في قطاع النفط بنحو 14 تريليون دولار حتى عام 2045، ارتفاعا من 12.1 تريليون دولار المقدرة العام الماضي.
وتتوقع أوبك أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 116 مليون برميل يوميا بحلول عام 2045، أي أعلى بنحو ستة ملايين برميل يوميا مما كان متوقعا في تقرير العام الماضي، فيما ستقود الصين والهند ودول آسيوية أخرى ودول من أفريقيا والشرق الأوسط هذه الزيادة.
وذكرت وكالة الطاقة في عام 2021 أن على المستثمرين وقف الاستثمارات النفطية الجديدة إذا كان العالم يريد الوصول إلى صفر انبعاثات بحلول منتصف القرن.
وأضاف الغيص "هناك للأسف من يواصلون الترويج للحديث الخطير للغاية عن استبعاد النفط بالقول إن الطلب على النفط سينخفض 25 مليون برميل يوميا بحلول عام 2030".
ورفعت أوبك في التقرير أيضا توقعاتها للطلب على المدى المتوسط حتى عام 2028، وأرجعت هذا إلى الطلب القوي هذا العام رغم الظروف الاقتصادية المعاكسة مثل ارتفاع أسعار الفائدة.
وقالت أوبك إن الطلب العالمي في عام 2028 سيصل إلى 110.2 مليون برميل يوميا ارتفاعا من 102 مليون برميل يوميا في 2023. وتوقعت أن يصل استخدام النفط في عام 2027 إلى 109 ملايين برميل يوميا ارتفاعا من 106.9 مليون برميل يوميا في 2022.
وتبنت أوبك تحولا في عام 2020 عندما أضرت جائحة كوفيد-19 بالطلب على النفط، إذ قالت إن الاستهلاك سيتباطأ في نهاية المطاف بعد توقعات على مدى سنوات بأن الاستخدام سيظل في زيادة. وبدأت بعد ذلك رفع التوقعات مرة أخرى مع تعافي استخدام النفط.
وفي حين توقعت أوبك في تقرير عام 2022 أن يصل الطلب العالمي إلى مستوى مستقر بعد عام 2035، ترى المنظمة في أحدث تقرير أن استخدام النفط سيرتفع 1.6 مليون برميل يوميا أخرى في آخر عشر سنوات من فترة التوقعات. وتتوقع أوبك الآن أن يكون الطلب أعلى مما توقعته في عام 2019 قبل الجائحة.
وتتوقع أوبك وجود 2.6 مليار مركبة على الطرق حول العالم بحلول عام 2045. وقالت في التقرير إن أكثر من 72 بالمئة منها ستعمل بمحرك احتراق رغم أن السيارات الكهربائية هي القطاع الأسرع نموا.
وتقوم أوبك وحلفاؤها، في التحالف المعروف بأوبك+، بخفض الإمدادات مجددا لدعم أسعار الخام. وتوقعت المنظمة في التقرير أن حصتها الإجمالية في سوق النفط سترتفع إلى 40 بالمئة في عام 2045 من 34 بالمئة في 2022 مع بدء تراجع الإنتاج من دول خارج أوبك اعتبارا من أوائل ثلاثينيات القرن الحالي.
ليس واقعيا
من جهته قال مبعوث المناخ الصيني إن التخلص التام من الوقود الأحفوري ليس أمرا واقعيا، مضيفا أن أنواع الوقود المسببة للاحتباس الحراري يجب أن تستمر في أداء دور حيوي في الحفاظ على أمن الطاقة العالمي.
والصين هي أكبر مستهلك للوقود الأحفوري في العالم بما في ذلك الفحم والنفط.
وقال شيه الذي سيمثل الصين في كوب28 "من غير الواقعي التخلص الكامل من الطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري".
بدوره قال مسؤول إندونيسي إن الدول الغربية ليست مستعدة لتمويل الإغلاق المبكر لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم وذلك بناء على مناقشات أجريت مع دول في برنامج شراكة التحول العادل للطاقة.
وأصبحت إندونيسيا في نوفمبر تشرين الثاني الماضي الدولة الثانية التي تدخل في برنامج شراكة التحول العادل للطاقة الذي سيقدم لها 20 مليار دولار من تحالف الدول المتقدمة للمساعدة في تقليل اعتمادها على الوقود الإحفوري، لكن إعلانها عن خطط الاستثمار تأخر.
وقال سبتيان هاريو سيتو نائب رئيس تنسيق الاستثمار والتعدين في إندونيسيا لرويترز على هامش مؤتمر كول ترانس "خلال النقاش كان من الواضح للغاية أنهم ليسوا متحمسين لتوفير التمويل للإغلاق المبكر (للمحطات)".
وأضاف أن التخلص من استخدام الفحم سيتطلب تقديم أموال بشروط ميسرة من الدول المتقدمة.