طاقة مجانية أبدية: هذا ما يجب أن تعرفه عن معجزة الاندماج النووي

مروة الاسدي

2022-12-18 05:15

بعد عقود من التجارب وسنوات من التقدم، نجح علماء أميركيون في الوصول إلى مرحلة متقدمة من توظيف الاندماج النووي في إنتاج الطاقة، فما هو؟ تقول شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية إن علماء في منشأة الاشعال في مختبر لورانسليفر مور في كاليفورنيا صنعوا التاريخ، بعدما نجحوا في توليد الطاقة عن طريق الاندماج النووي، وتضيف أن الاختراق الجديد يمكن أن يقود في نهاية المطاف إلى إنتاج الكهرباء التي تضيء منازلنا.

وتنتج المفاعلات النووية حاليا الطاقة عن طريق الانشطار النووي، وعلى الرغم من أن انبعاثاتها تبلغ صفرا، إلا أنها تنتج نفايات سامة، في حين أن الطاقة الناتجة عن الاندماج لا تؤدي إلى هذه النتيجة.

الاندماج النووي عملية من صنع الانسان تكرر نموذج الطاقة التي تغذي الشمس، يحدث الاندماج النووي عندما يتم دمج ذرتين أو أكثر في واحدة أكبر منها، وهذه العملية تؤدي إلى توليد كمية كبيرة من الطاقة والحرارة.

لقد درس العلماء حول العالم الاندماج النووي منذ عقود، في خطوة أملوا منها إعادة إنتاج الطاقة النووية، بما يوفر مصدرا جديدا للطاقة غير محدود ويخلو من الكربون، أي أن تكون الطاقة مختلفة عن تلك التي تنتجها المفاعلات الحالية وتتميز بإنتاج مخلفات نووية خطيرة.

يستعمل العلماء في الاندماج النووي عنصري الديوتيريوم والتريتيوم، وهما من نظائر الهيدروجين، وبوسع كمية من الديوتيريوم تملأ كوب ماء مع قليل من التريتيوم تزويد منزل بالطاقة لمدة عام، المشكلة هي أن التريتيوم نادر ومن الصعوبة الحصول عليه، على الرغم من أنه يمكن تصنيعه.

قال جوليو فريدمان، كبير العلماء في إدارة الكربون والمسؤول السابق في مختبر ليفرمور إنه بخلاف الفحم، فأنت تحتاج فقط إلى كمية صغيرة من الهيدروجين، وهي أكثر الأشياء وفرة في الكون، أضاف: "الهيدروجين موجود في الماء، لذا فإن المادة التي تؤدي إلى توليد الطاقة غير محدودة إلى حد كبير وهي نظيفة".

كيف يختلف الاندماج النووي عن الانشطار النووي؟ عندما يفكر الناس في الطاقة النووية، يخطر في بالهم في البداية أبراج التبريد والسحب الذي تتخذ شكل الفطر، لكن الاندماج النووي مختلف تماما.

الاندماج النووي يحدث عندما تجتمع ذرتين أو أكثر معا، لكن الانشطار النووي شيء آخر، فهو انشطار ذرة أكبر إلى ذرتين أو أكثر أصغر حجما، والانشطار النووي هو نوع الطاقة الذي تشغل المفاعلات النووية في عالمنا اليوم.

الطاقة النووية عديمة الانبعاثات، بحسب وزارة الطاقة النووية، لكنها تنتج نفايات مشعة تحمل مخاطر تتعلق بالسلامة، ورغم أن الحوادث في المنشآت النووية قليلة، لكنها عندما وقعت كانت النتائج مميتة وواسعة النطاق، كما حدث في تشرنوبيل وفوكوشيما، لا يحمل الاندماج النووي نفس المخاطر، والمواد المستخدمة فيه عمرها نصف عمر المواد المستخدمة في الانشطار.

كيف يمكن لهذا الاختراع أن يفيدنا؟ هناك طريقان رئيسيان لإنتاج الطاقة عن طريق الاندماج، لكنهما يؤديان إلى النتيجة نفسها.

إن اندماج ذرتين يؤدي إلى توليد كمية هائلة من الحرارة، وهذا هو مفتاح إنتاج الطاقة، ويمكن استخدام هذه الحرارة في تسخين المياه، وتوليد البخار، وتحويل التوربينات لتوليد الطاقة، تماما مثل توليد الطاقة عن طريق الانشطار النووي للطاقة.

التحدي الأهم في تسخير الاندماج النووي هو المحافظة على الطاقة لفترة كافية بحيث يمكن تشغيل شبكات الكهرباء وأنظمة الطاقة حول العالم.

ما هي الخطوات التالية؟ يحتاج العلماء والخبراء الآن إلى معرفة كيفية إنتاج المزيد من الطاقة من الاندماج النووي على نطاق أوسع بكثير، في الوقت نفسه، يحتاجون إلى معرفة كيفية تقليل تكلفة الاندماج النووي في نهاية المطاف بحيث يمكن استخدامه تجاريا.

سيحتاج العلماء أيضا إلى حصاد الطاقة الناتجة عن الاندماج ونقلها إلى شبكة الطاقة ككهرباء. سيستغرق الاندماج سنوات، وربما عقودا، قبل أن يتمكن الاندماج من إنتاج كميات غير محدودة من الطاقة النظيفة، والعلماء في سباق مع الزمن لمكافحة تغير المناخ.

أفضل اختراع بشري منذ اكتشاف النار

عزز كشف حديث في مجال الطاقة من قبل علماء أميركيين آمال العالم في الطاقة النظيفة، إذ سيوفر ما يعرف بـ "صافي اكتساب الطاقة" وهي التكنولوجيا التي تمكن العلماء من الوصول إليها، إلى توفير بديل وفير وخال من الكربون لإنتاج الطاقة.

يأتي هذا، بعدما حقق علماء في مختبرات الحكومة الأميركية انفراجة في السعي وراء طاقة غير محدودة وخالية من الكربون من خلال تحقيق مكاسب صافية من الطاقة في تفاعل الاندماج النووي لأول مرة، وفقاً لما نقلته "فايننشال تايمز"، وسعى الفيزيائيون منذ خمسينيات القرن الماضي إلى تسخير تفاعل الاندماج الذي يمد الشمس بالطاقة، ولكن لم تكن أي مجموعة قادرة على إنتاج طاقة من التفاعل أكثر مما تستهلكه - وهو ما يعرف باسم "صافي اكتساب الطاقة"، والتي من شأنها أن تساعد في توفير بديل موثوق به وفير للوقود الأحفوري والطاقة النووية التقليدية.

تعمل محطات الطاقة النووية الحالية من خلال الانشطار – وهو تقسيم الذرات الثقيلة لتوليد الطاقة. وخلال الانشطار، يصطدم النيوترون بذرة يورانيوم ثقيلة، ويقسمها إلى ذرات أخف وبالتالي ينتج الكثير من الحرارة والطاقة في نفس الوقت.

من ناحية أخرى، يعمل الاندماج في الاتجاه المعاكس - فهو يتم عبر دمج ذرتين (غالبا ذرتي هيدروجين) معا لإنشاء عنصر جديد (والذي يكون غالبا الهيليوم) بنفس الطريقة التي تولد بها النجوم الطاقة.

وفي هذه العملية، تفقد ذرتا الهيدروجين كمية صغيرة من الكتلة، والتي يتم تحويلها إلى طاقة، ونظرا لأن سرعة الضوء التي تجري بها العملية كبيرة جدا، فحتى كمية صغيرة من الكتلة المفقودة يمكن أن تؤدي إلى كم كبير من الطاقة.

وقالت مصادر "فايننشال تايمز"، إن مختبر "لورانس ليفرمور" الوطني الفيدرالي في كاليفورنيا، قد حقق مكاسب صافية في الطاقة في تجربة الاندماج في الأسبوعين الماضيين. وعلى الرغم من أن العديد من العلماء يعتقدون أن محطات الطاقة الاندماجية لا تزال على بعد عقود، إلا أنه من الصعب تجاهل إمكانات التكنولوجيا.

لا تصدر تفاعلات الاندماج أي انبعاثات كربون، ولا تنتج أي نفايات مشعة طويلة العمر، ويمكن نظرياً لكوب صغير من وقود الهيدروجين تزويد المنزل بالطاقة لمئات السنينويأتي اختراق الولايات المتحدة في الوقت الذي يتصارع فيه العالم مع ارتفاع أسعار الطاقة والحاجة إلى الابتعاد بسرعة عن حرق الوقود الأحفوري لوقف ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى مستويات خطيرة.

ومن خلال قانون الحد من التضخم، ستخصص إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن ما يقرب من 370 مليار دولار في إعانات جديدة للطاقة منخفضة الكربون في محاولة لخفض الانبعاثات والفوز بسباق عالمي للجيل التالي من التكنولوجيا النظيفة.

وقالت مصادر مطلعة على النتائج إن تفاعل الاندماج في منشأة الحكومة الأميركية أنتج حوالي 2.5 ميغا جول من الطاقة، مقارنة باستهلاك طاقة تقدّر بـ 2.1 ميغا جول، فيما لا تزال البيانات قيد التحليل.

بدورها، قالت وزارة الطاقة الأميركية في بيان أمس الثلاثاء: " سيوفر هذا الإنجاز التاريخي والأول من نوعه قدرة غير مسبوقة لدعم برنامج الإشراف على المخزونات NNSA وسيوفر رؤى لا تقدر بثمن حول آفاق طاقة الاندماج النظيفة، والتي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة للجهود المبذولة لتحقيق هدف صافي انبعاثات كربونية صفرية".

بدورها، قالت وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم: "كان لدينا فهم نظري للاندماج لأكثر من قرن، لكن الرحلة من المعرفة إلى الفعل يمكن أن تكون طويلة وشاقة".

ومع ذلك، أوضحت مصادر "فايننشال تايمز"، أنه لا يزال تحديد العائد الدقيق بعيد ولا يمكن تأكيد أنه تجاوز الحد الأدنى في هذا الوقت. وأشارت المصادر، إلى أن إنتاج الطاقة خلال الاختبار كان أكبر من المتوقع، مما أدى إلى إتلاف بعض معدات التشخيص، والذي يعقد التحليل.

تم تصميم منشأة لورانس ليفرمور، بتكلفة 3.5 مليار دولار بشكل أساسي لاختبار الأسلحة النووية عن طريق محاكاة الانفجارات، ولكنها استخدمت فيما بعد لتعزيز أبحاث طاقة الاندماج.

عند إطلاق استراتيجية الطاقة الاندماجية الجديدة في البيت الأبيض هذا العام، وصف عضو الكونغرس دون باير، رئيس تجمع طاقة الاندماج من الحزبين، التكنولوجيا بأنها "الكأس المقدسة" للطاقة النظيفة، مضيفاً: "نجاح تجربة الاندماج سيكون له القدرة على انتشال الكثير من المواطنين من الفقر أكثر من أي شيء آخر منذ اختراع النار".

في الوقت الحالي، يمكن للباحثين إجراء تفاعل الاندماج مرة واحدة فقط في اليوم، حتى يتثنى للجهاز الذي ينتج شعاع الليزر بأن يبرد، واستبدال الذرات المندمجة بذرات هيدروجين جديدة غير مندمجة.

ولكي تكون العملية ناجحة تجاريا يجب أن يستطيع العلماء القيام بالعملية عدة مرات في الثانية الواحدة، وتضغط أشعة الليزر ذرات الهيدروجين إلى حوالي 100 ضعف كثافة الرصاص وتسخنها إلى حوالي 100 مليون درجة مئوية، وهذه الحرارة أكثر من 6 مرات حرارة لب الشمس.

فتح في عصر الطاقة

ولفهم مدى أهمية هذا الإنجاز، فإنه لو قررنا وضع كمية من الوقود الذي يشعل الاندماج النووي بشاحنة صغيرة، فإنها ستولد قدرا من الطاقة يساوي ما تقدمه 10 ملايين برميل من النفط!

يُطلِق الاندماج النووي ما يقرب من 4 ملايين ضِعْف الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية التي تحدث أثناء احتراق الفحم أو النفط أو الغاز، و4 أضعاف الطاقة الناتجة من تفاعلات الانشطار النووي.

أضف إلى ذلك أن وقود الاندماج النووي يتوفر على نطاق واسع ولا ينضب تقريبا، لأنه يمكن تقطير الديوتيريوم من جميع أشكال الماء (ماء البحر مثلا)، لذلك قد يؤدي استخدام طاقة الاندماج النووي إلى خفض أسعار الكهرباء عالميا انخفاضا ملحوظا.

ولا يسمح هذا النوع من التفاعلات بوقوع حوادث تسريب نووية مثلما حدث في حالة مفاعل "فوكوشيما" في اليابان (حادثة التسريب عام 2011) أو حالة تشرنوبل في الاتحاد السوفياتي السابق (حادثة انفجار المفاعل 1986)، من جانب آخر لا تُنتج مفاعلات الاندماج النووي نشاطا عاليا ونفايات نووية طويلة العمر.

إلى جانب ذلك، فإن التفاعلات الاندماجية لا تنفث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الأمر الذي يتسبب في احترار الكوكب. المنتج الثانوي الرئيسي للاندماج النووي هو الهيليوم، وهو غاز خامل وغير سام.

وفي كل الأحوال فإن ما أنجزه العلماء في مختبر لورانس ليفرمور الوطني ليس إلا خطوة مهمة على طريق طويل لإنشاء أول مفاعل نووي اندماجي في تاريخ البشر، ويتطلب الأمر مزيدا من البحث لتثبيت تلك العينات إلى فترة أطول وابتكار هندسة آمنة تحتويها. ويُعتقد أنه بحلول عام 2040 ستبدأ بعض دول العالم في استغلال طاقة الاندماج النووي لتوريد الكهرباء إلى مُدنها.

يأتي ذلك في سياق مهم، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية التابعة للأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050 سيزداد استخدام الطاقة الكهربائية بين الضعف والضعفين على مستويات اليوم، مع ضرورة الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

حسابات جديدة قد تجعل طاقة الاندماج النووي واقعاً

من الثابت علمياً ان الاندماج النووي الذي منه تستمد الشمس طاقتها يمكن ان يفتح الطريق الى طاقة نظيفة غير محدودة هنا في الأرض. ولكن من أكبر التحديات التي تواجه العلم الحديث هو تطويع التفاعل الاندماجي بحيث ينتج من الطاقة أكثر مما يستهلك. واعلنت دراسة جديدة انها وجدت طريقة لتحقيق هذا الهدف.

إذ جرب فريق من الفيزيائيين انواعاً جديدة من المفاعلات بدلا من البحث عن طرق مثلى لتشغيل مفاعلات الاندماج المتعارف عليها. واكتشفوا ان تصميماً كروياً غريباً قد يكون المفتاح لتحقيق اندماج نووي ذي محصلة ايجابية لأنه يمكن ان يولد طاقة بكمية أكبر من الطاقة التي يستهلكها.

والفارق الأساسي، الى جانب شكل المفاعل الغريب، انه يدمج الهيدورجين والبورون بدلا من دمج نظائر للهيدروجين مثل الديوتريوم والتريتيوم. وهو يستخدم أشعة الليزر لتسخين النواة بحيث تزيد حرارتها 200 مرة على الحرارة في مركز الشمس.

وإذا كانت حسابات فريق العلماء صحيحة فان مفاعل الهيدروجين والبورون يمكن ان يُبنى ويولد طاقة أكثر مما يستهلك قبل إكمال أي مفاعل من المفاعلات التقليدية التي تُختبر حالياً، والأكثر من ذلك ان مفاعل الهيدروجين والبورون لا ينتج نيوترونات وبالتالي لا يسبب نفايات مشعة كناتج عرضي لعمله.

وقالت رئيسة فريق الباحثين في جامعة نيو ساوث ويلز الاسترالية هنريك هورا ان التجارب الأخيرة التي اجراها فريقها أكدت هذه التفاعلات. واضافت "ان هذا يجعل طريقتنا متقدمة على جميع تكنولوجيات الطاقة الاندماجية الأخرى".

والمعروف ان تفاعلات الاندماج النووي نقيض تفاعلات الانشطار النووي المعتمدة لتوليد الطاقة النووية اليوم. وبدلا من انشطار الذرات فانها تلتحم أو تندمج مع بعضها البعض ، على غرار التفاعلات التي تولد طاقة الشمس عندما تندمج النويات الخفيفة لبناء نويات أثقل بمساعدة درجات حرارة وضغط فائقة.

ولكن تطبيق هذه النظرية في الممارسة أمر بالغ الصعوبة. وشهد العامان الماضيان رقماً قياسياً من المفاعلات الاندماجية بما في ذلك تشغيل المانيا لمفاعلها الشهير فينديلشتاين 7 ـ أكس.

ولكن رغم كل الانجازات العلمية لم يتمكن الباحثون من إحداث اندماج نووي يولد طاقة ايجابية في المحصلة النهائية لأن هذه المفاعلات تستهلك من الطاقة كمية أكبر مما تولده.

ولكن فريق العلماء الاستراليين يعملون منذ سنوات على تصاميم بديلة لهذه المفاعلات واختبروا تصميمهم الجديد تجريبياً ومن خلال المحاكاة.

يعمل مفاعل الهيدروجين والبورون الجديد باطلاق تفاعل اندماجي "جارف" من حزمة ليزر تولد اربعة ترليونات واط في جزء من ترليون جزء من الثانية.

وإذا لم تكشف الابحاث التالية عن أي عقبات هندسية كبيرة في هذا التصميم فان العلماء يتوقعون بناء أول مفاعل على اساسه في غضون عشر سنوات.

وفي حين ان تحديات كبيرة ما زالت تواجه اطلاق تفاعلات اندماجية مثلى وابقائها مستقرة بما فيه الكفاية لتوليد طاقة كهربائية فان الفوائد ستكون هائلة إذا نجحت التكنولوجيا الجديدة لاحداث الاندماج النووي.

وقال وارن مكنزي مدير شركة اتش بي 11 التي تملك براءة اختراع التكنولوجيا الجديدة "ان الوقود والنفايات أمينة والمفاعل لن يحتاج الى جهاز لتبادل الحرارة ومولد توربيني بخاري واشعة الليزر التي نحتاجها متوفرة بسهولة".

الاندماج النووي لم يعد خيالًا علميًا

منذ ظهور الطاقة النووية أول مرة قبل 70 عامًا، ظلت الخطوة اللاحقة المتمثلة بالاندماج النووي بعيدةً عن متناول أيدينا. مع المحاولات الواعدة، يعد الوقت المتوقع للوصول إلى التقنية اللازمة لبناء اندماج نووي فعال بعيدًا جدًا.

وفقًا لبيان صحفي صدر حديثًا، ادعت شركة TAE للتكنولوجيا أنها حققت إنجازًا مهمًا في تطوير تقنية قد تولد الطاقة على نطاق تجاري باستخدام قدرة جديدة لإنتاج بلازما مستقرة عند درجات حرارة تتجاوز 50 مليون درجةً مئويةً (تفوق درجة الحرارة هذه ضعف حرارة مركز الشمس).

هل يمكن الوصول إلى درجة حرارة كافية للاندماج النووي؟ منذ أن اكتشف العلماء أول مرةً قوة الذرة والطاقة النووية، كان مفهوم توفير الطاقة اللازمة للاندماج أقرب ما يكون إلى قصص الخيال العلمي. لكن العديد من الشركات حول العالم تقترب من إدخال تقنية -الخيال العلمي- في العمود الفقري لبنية التجارة في العالم الحقيقي.

افتخرت شركة TAE خاصةً بإنجازها لأنه يشكل تكريمًا لأحد مؤسسي الشركة «نورمان روستوكر» الذي كرس حياته لتطوير أبحاث طاقة الاندماج، لكنه للأسف لم يعش ليرى تحقق الحلم الذي عمل ليجعله ممكنًا.

قال الرئيس التنفيذي للشركة ميتشل بيندرباور في بيان صحفي: «هذا حدث مهم جدًا، ويعد مكافأةً لروح معلمي الراحل نورمان روستوكر. كتبت أنا ونورمان في التسعينيات من القرن الماضي مقالًا نشرح فيه عن بلازما معينة تهيمن عليها جزيئات ذات طاقة عالية يجب أن يزيد استقرارها مع ارتفاع درجات الحرارة.

الاندماج النووي لم يعد خيالًا علميًا - الوقت المتوقع للوصول إلى التقنية اللازمة لبناء اندماج نووي فعال بعيدًا جدًا - درجة الحرارة الكافية للاندماج النووي.

تمكنا الآن من إثبات سلوك البلازما الذي تحدثنا عنه بأدلة دامغة. يؤكد ذلك صحة عملنا طوال العقود الثلاثة الماضية، ويعد حدثًا بالغ الأهمية لشركة TAE يثبت أن قوانين الفيزياء في صالحنا».

يأتي هذا بعد ست سنوات من إثبات الشركة أن تصميم مفاعلها النووي يستطيع المحافظة على البلازما إلى أجل غير مسمى، ما يعني أن تفاعل الاندماج يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى فور بدئه.

مكّن هذا الإنجاز شركة TAE من جمع تمويل يقارب 280 مليون دولار، ليصبح إجمالي تمويل الشركة 880 مليون دولار، وهو من أكثر مساعي الاندماج النووي تمويلًا على وجه الأرض.

بعد التفعيل الأولي لآلة نورمان في صيف 2017، وظفت الشركة تقنيات الذكاء الاصطناعي من شركة جوجل، إضافةً إلى قوة الحوسبة من وزارة الطاقة الأمريكية لإثبات معادلات روستوكر للطاقة النووية.

مع ذلك، لم تولد الشركة الطاقة فعليًا حتى الآن. قال بيندرباور في تقرير لصحيفة تيك كرانش: «تعد الطاقة صغيرةً جدًا، إنها غير مادية، مثل إبرة في كومة قش، لكن يمكن استخدامها للتشخيص». لذا فإن الخطوة التالية للشركة هي تطوير التقنية اللازمة لتهيئة الظروف الكافية لتوليد طاقة مفاعل الاندماج.

يوجد مشروع اندماج نووي آخر قيد الإنشاء في فرنسا يسمى ITER، وهو مفاعل عملاق تزيد قيمته عن 25 مليار دولار، يهدف إلى تحقيق أول حرق مستمر للبلازما في موعد لا يتجاوز عام 2035. فور الانتهاء من ذلك، يُتوقع أن يمر عقد آخر قبل الكشف عن محطة تجريبية لتوليد الكهرباء للعالم.

يظن بعض المسؤولين التنفيذيين لشركات الاندماج النووي، مثل ميشيل ديلاج رئيس القسم التقني في شركة جينيرال فيوجن، أن الوعود المتعلقة بالاندماج النووي تملك أهميةً أكبر في الوقت الحالي. قال في تقرير لمجلة فيزيكس توداي: «أظن أن الأمر مختلف هذه المرة، فالقدرة على التنبؤ ومحاكاة كيفية تصرف البلازما تطورت كثيرًا، ومع الاستثمارات المتزايدة في مشاريع الاندماج النووي الخاصة، قد تكون التوقعات ببناء مفاعل اندماج نووي فعال واقعيةً خلال العقود القادمة».

في الواقع توجد جوانب سلبية لكل إنجاز علمي. قال المدير السابق لمختبر برينستون لفيزياء البلازما دانيال جيسبي: «ينتج عن مفاعلات الاندماج المرتبطة بالأرض التي تحرق النظائر الغنية بالنيوترونات منتجات ثانويةً لا يمكن إهمال أضرارها». يرى جيسبي أن بعض المشكلات التي تواجهها الطاقة النووية القائمة على الانشطار يمكن أن تنتقل إلى طاقة الاندماج.

في حين أن الاندماج النووي لم يعد خيالًا علميًا، فإنه سيواجه العديد من التحديات في العقود القادمة، لكن سواء اعتمدنا طاقة الاندماج النووي في الشبكات الكهربائية في العالم الحقيقي أم لا، فإن التقنية الناشئة تمتلك الكثير من التعهدات لتحسمها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي