التعليم العالي العراقي: التخطيط والمناهج وسوق العمل
د. علي عبد داود الزكي
2016-09-08 08:45
ان النمو السكاني الكبير الذي حصل بالعراق خلال الثلاثة عقود الاخيرة والحروب العبثية للنظام السابق وتدخلات الخارجية السلبية في سياسة عراق ما بعد سقوط الصنم من قبل الدول الداعمة للإرهاب لغرض تدمير الاقتصاد وبنية المجتمع العراقي، ونمو الفساد واستنزاف الموارد ورهن واستهلاك مقدرات المستقبل، كل هذه الاسباب ادت الى تراجع كبير في الخدمات وتراجع التعليم والثقافة وظهور بطالة مرعبة وبطالة مقنعة كبيرة امام عجز حكومي عن ايجاد حلول واقعية وعملية صالحة.
وخصوصا وان الحكومة مثقلة بأعباء مواجهة الارهاب وتحرير الارض ومعاناتها من التناقض والتناحر السياسي وازماته وما سببه من فساد وتبديد للثروات الوطنية. انحسرت فرص العمل وتراجع مستوى التعليم وتراجعت التنمية مع تنامي اعداد الخريجين بشكل كبير جدا خلال العقود الاخيرة بشكل اكبر بكثير من ان يستوعبهم القطاع العام والخاص العراقي، كل ذلك ينبأ بأهوال ومصائب قادمة ما لم يتم تدارك الامر وعلاجه بالسرعة الممكنة.
ان بعض النقاط التي يجب الانتباه لها والتي تتعلق بواقع الحال لخريجي التعليم العالي والمناهج وسوق العمل وهي:
1. عدم قدرة الخريجين على الخوض في العمل الميداني في حقول العمل المختلفة ما لم يتلقوا تدريب على ذلك في مؤسسة العمل. وهنا يمكن تاشير اهمية عملية تدريب الطلبة في العطلة الصيفية في مؤسسات الدولة ومتابعة ذلك بشكل جدي من قبل المؤسسة التعليمية قبل التخرج ومنحهم شهادة خبرة رسمية بهذا الخصوص من قبل هذه المؤسسات.
2. ان اغلب الخريجين يمارسون اعمالا في مجال تخصصهم لا علاقة لها بما درسوه في قاعات الدرس الاكاديمي.
3. تشغيل اعداد كبيرة من الخريجين ليس على اساس الشهادة والتخصص (بطالة نوعية).
4. لا يوجد اي توافق بين سوق العمل والاحتياج الفعلي للتخصص مع مواصفات الخريجين وتخصصاتهم وما تلقوه علميا.
5. حصل توسع كبير جدا في الدراسات الانسانية على حساب التخصصات العلمية خلال العقود الاخيرة.
6. منذ عام 1986 ظهر عدم التكافؤ بين عدد الخريجين والحاجة المجتمعية الفعلية لهم مؤشرا الى زيادة البطالة للخريجين باستثناء التخصصات الطبية. واخذ عدم التكافؤ هذا بالازدياد بشكل كبير جدا في فترة ما بعد سقوط الصنم.
لغرض النهوض باقتصاد البلد وتنميته وتوفير فرص العمل وتحديث المناهج وزيادة كفاءة الخريجين ومهاراتهم: يجب ان يكون هناك دراسة وحوارات تكاملية بين وزارة التخطيط ووزارة العلوم والتكنلوجيا ووزارة الصناعة ووزارة التعليم العالي بشكل اولي. فان عمل هذه الوزرات بشكل منفصل وغير منسجم سيزيد من السوء والتراجع. كما ان عملية رصد الأموال لهذه الوزارات يجب ان يكون بإشراف خبراء مقتدرين من وزارة التخطيط واستشاريين من التعليم العالي لكي يتم الحصول على توافق وموائمة ما بين الحاجات وما يمكن توفيره من قبل الجامعات والمؤسسات الصناعية والتكنلوجية وان تحدد نقاط النجاح المرجوة وكيفية الوصول لها.
لا يمكن ان ينهض التعليم بإرسال البعثات بالآلاف الى خارج العراق، وحتى لو تم جلب كل علماء العالم لوزارة التعليم العالي في العراق فسوف لن يكون هناك تقدم حقيقي للمخرجات ولن يكون هناك تقدم وتطوير كبير ومهم للتكنلوجيا في البلد. ان تطوير المؤسسات التكنلوجية والصناعية ومؤسساتها البحثية والتطويرية المحلية بالاتفاق والتنسيق والتعاون مع وزارة التعليم العالي سيكون لها الاثر الايجابي الكبير لتطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وزيادة كفاءة الخريجين وبنفس الوقت تطوير التكنلوجيا في البلد. يجب ان يتم الاستفادة من طلبة التعليم العالي وخصوصا التخصصات العلمية للعمل في مؤسسات العلوم والتكنلوجيا في العطلة الصيفية لغرض ان يكسبوا مهارات فنية وعملية لكي يكونوا قادرين بعد التخرج للخوض في غمار العمل في اي مؤسسة من مؤسسات الدولة.
ان النهوض باقتصاد البلد وتنميته وتطوير الامكانات الصناعية والزراعية والحرفية وتفعيل سوق العمل وخلق فرص عمل جديدة سيعتمد اساسا الى حسن التخطيط وبعد النظر في استيعاب المستجدات وكل هذا يجب ان يستند الى بيانات حقيقة وواقعية ليتم دراستها من قبل الخبراء والاستشاريين المقتدرين لكي يحددوا الامكانات والاحتياجات وما هو متوفر وما هو فائض محليا والنظر في كيفية استثمار الفائض من امكانات مادية وبشرية وتحديد المعوقات وكيفية معالجتها وتجاوزها. يجب ان تكون هناك استراتيجية في تفعيل دور البناء والتطوير للمؤسسات الانتاجية والتنموية المربحة التي تنهض باقتصاد البلد لتدفع عجلة التقدم. كما يجب ان تكون هناك عناية كبيرة في حسن التخطيط وفقا للمعطيات المتوفرة لغرض الاصلاح والنهوض والتنمية الصحيحة.
هناك عدة تساؤلات يمكن طرحها هنا فيما يخص سوق العمل واحتياجاته من الايدي العاملة والمهارات والتخصصات المختلفة وهي كما يلي:
ما هي مجالات العمل الحقيقة المتوفرة محليا؟ وكيف نخلق فرص عمل جديدة؟ ما هي حاجاتها الفعلية للشهادات الاولية والعليا وباي التخصصات؟؟ ما هو الكم الفائض من الامكانات البشرية مصنفة حسب المهارة والتخصص والشهادة؟ وما هي الامكانيات المادية المتوفرة وما هي الحوافز والرواتب التي ممكن ان تمنح للعاملين او الذين سيحصلون على عمل؟ وهل الامكانيات الفنية والعلمية والتربوية التي يحتاجها سوق العمل يمكن ان يتم اعدادها في جامعاتنا الحكومية او الاهلية؟ وهل ان عدد الطلبة وفقا للتخصصات والشهادات منسجم مع ما يحتاجه البلد ام ان هناك فائض كبير في الامكانات البشرية من حملة الشهادات؟!
وما هي امكانات البلد المتوفرة كميزانية لإنشاء مشاريع استثمارية يمكن ان تستوعب أكبر عدد من الخريجين والعاطلين عن العمل؟ وهل الصحيح ان تقوم الدولة بتشغيل جميع العاطلين عن العمل وتوفر لهم فرص العمل في القطاع العام ؟! هل تستطيع الدولة ان تدعم القطاع الخاص لغرض توفير فرص عمل للخريجين والعاطلين عن العمل وحماية العاملين في القطاع الخاص بقوانين منصفة؟! وما هي متطلبات البناء والاحتياجات للعمالة غير الماهرة؟ ايهم أقدس العمل والاستقرار العائلي ام أقدس الشهادة بلا استقرار عائلي ولا وظيفة؟! خريج التعليم العالي كم يكلف الدولة من اموالا منذ دخوله المعهد او الجامعة الى ان يحصل على شهادة التخرج؟ ما الجدوى من تخريج اعداد هائلة من حملة الشهادات دون حاجة فعليه لهم؟ الا يعتبر هذا تبديدا لامول الدولة؟! هل تستطيع وزارة التخطيط الاجابة عن هذا التساؤلات؟!
يجب على وزارة التخطيط ان تفعل دورها الكبير بإجراء استبيان لحاجة كل مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص من امكانات علمية وتربوية وتكنلوجية وزراعية وحرفية بما ينسجم مع المعايير العالمية وحفظ حقوق وكرامة الانسان والحفاظ على البيئة. وبنفس الوقت تعمل على توفير احصائيات حقيقية وواقعية لما متوفر من امكانات مادية وبشرية وما تستطيع ان تقدمه الجامعة من خريجين وبتخصصات علمية وانسانية مختلفة.
ان الجامعات والكليات ما هي الا مؤسسات علمية وثقافية عملها ينصب باتجاه بناء نخبة مجتمعية ذات ثقافة علمية واسعة وبناء شخصية الطلبة واعدادهم وتهيئتهم للدخول الى ميادين العمل. لذا لكي تنجح الجامعات في مهمتها ودورها يجب ان يكون هناك تسويق لمخرجاتها من الخريجين وتدفع بهم الى سوق العمل. لذا فان الجامعات بحاجة كبيرة الى ان تعمل على اعداد مناهج علمية وتربوية صحيحة لتأهيل ملاكات قادرة على الخوض في سوق العمل بناءا على توصيات وزارة التخطيط .
لم نسهب في الطرح لضرورة النشر الالكتروني .. ونتطلع لحوارات ايجابية هادفة للاستشراف على واقع الحال وتشخيص الخلل لإيجاد الحلول الواقعية والعملية..