جدلية تطبيق نظام التعليم المتنوع في وزارة التربية
الاحيائي والتطبيقي
احمد كنعان الجعفري
2016-09-04 10:44
بعض من الدول تطبق نظام التعليم العام المتنوع والذي يتكون من دراسة عامة لجميع العلوم الاساسية والاحيائية والتطبيقية والانسانية في حزمة واحدة بدلاً من اللجوء الى تجزئة العلوم حسب التخصص. اي بمعنى اخر، ان التعليم المتنوع العام يزود الطلبة بكم هائل وغير محدد من المعلومات وهذا مايرتكز علية التعليم الحديث. كما ان مفهوم التنوع في التعليم العام يتبع اسلوب نظام الفصلي الدراسي (السمسترات) وليس النظام السنوي من اجل توفير اكبر قدر ممكن من المعلومات للطلبة من المناهج المتعددة مع اتباع اسلوبي التدريس المباشر وغير المباشر. وهذا ما يفتقده نظام التعليم العام في العراق في بعض جوانبه.
بجانب التعليم المهني في مدارس الاعدادية الصناعية والتجارية والتمريض، وبخطوه اصلاحية اعلنت وزارة التربية العراقية في العام الماضي عن تطبيق نظام (التعليم المتنوع) في المراحل العلمية من المرحلة الاعدادية والذي يُقسم الى نوعين هما: الفرع الاحيائي والفرع التطبيقي. وهنا لابد من الاشارة الى مفهوم (التطبيقي). وفقاً فلسفة نظام التعليم المهني كلمة (تطبيقي) تعني تطبيق ما يتعلمه الافراد من مهارات وجوانب معرفية تخصصية من خلال الاحتكاك بالتقنيات والتدريب والزيارات الميدانية لورش العمل والمختبرات وغير ذلك من التقنيات التعليمية. وهذا مما يثير تسأولات عن هل ان هذا الاسلوب الجديد في التعليم هل هو فعلاً تعليم عام متنوع ام تعليم تطبيقي متخصص؟
يعد التعليم التطبيقي المتخصص مجالاً لكسب المعرفة والخبرة العلمية والعملية في العديد من المجالات الحرفية والمهنية. كما يمكن للطلبة بعد فترة من الدراسة تترواح مابين سنة واحدة الى اربع سنوات (كما هو في التعليم العام والتعليم الجامعي) من الولوج الى سوق العمل (حسب طبيعة التخصص ومدى اهميتة في سوق العمل). بعكس التعليم العام، يوفر التعليم التطبيقي مجالاين مهمين وهما النظري والتطبيقي وذلك مما يساعد على إمكانية اكتساب المعلومة من الجانب النظري من جهة ومن ثم نقل وتطبيق تلك المعلومة في بيئة مادية والتأكد من صحتها من جهة اخرى. من اهم ملامح التعليم التطبيقي هو ان يوفر المعلومات بشكل محدد تقتصر على مجالات الحرفة والمهنة المحددة ضمن النطاق الدراسي الذي يتواجد فيه الطلبة. وبناءاً على ذلك، يمكن ان اقول ان النظام المتبع حالياً هو ليس نظام تعليم عام متنوع كما تدعي وزارة التربية، بل هو نظام تعليم متخصص يدفع الطلبة بالولوج نحو معلومات محددة من حيث الكم والنوع حسب النطاق المهني الذي حددته وزارة التربية لكل طالب وطالبة من جهة ومن جهة اخرى ان هذا النظام يوفر حزمة اقل من الافكار والمعلومات التي يحتاجها الطلبة في هذه المرحلة العمرية مقارنةً بالتعليم العام المتنوع.
هناك بعض الانتقادات طالت هذا النظام لعل من ابرزها يدور حول المعايير التي في ضوئها يتم تحديد الفرع الذي يُدرس فية الطلبة. هل هناك امتحانات معيارية يتم في ضوئها تحديد قابلية كل طالب وطالبة للدراسة في الفرع الاحيائي والتطبيقي؟ ام يعتمد على رغبة الطلبة؟ لاسيما نحن نعلم ان مرحلة الرابع العلمي هي مرحلة تدرس فيها المناهج العامة وليست تخصصية كما هو الحال في الخامس العلمي والسادس العلمي. كذلك ان تطبيق هذا النظام سيضع طلبتنا الذين يرغبون بالدراسة خارج البلد امام معوقات حقيقية اهمها عدم القدرة على منافسة الطلبة الاخرين الذين درسوا في التعليم العام في بلدناهم وذلك بسبب محدودية معلومات طلبتنا. وماذا ايضاً عن الاختبارت الدولية والتي عادةً تقيس المعلومات العامة والمتنوعة للطلبة اكثر من المعلومات المحددة؟. هل هذا النظام قادر على توفير تلك المعلومات العامة التي يحتاجها الطلبة في الجامعات العالمية والاختبارت الدولية؟
اما من حيث المناهج المدرسية، فان الفرع الاحيائي يتضمن العلوم الاساسية واخرى احيائية وكذلك الحال بالنسبة للفرع التطبيقي والذي هو الاخر يتضمن العلوم الاساسية والعلوم التطبيقية وهذه ميزة جيده للنظام الجديد. ولكن هل فعلاً هذا النظام يحتوي على مناهج تعليمية تتطابق من حيث المحتوى على اقل تقدير مع مناهج التعليم العالي؟ وهل المناهج هذه تلبي احتياجات الجامعات من حيث اثراء الطلبة بمعلومات تتلائم بشكل او بأخر مع مناهج كليات الطب مثلا؟ او هل يعني فعلاً تتفق تماماً مع المجتمع واحتياجاته؟
يتطلب تطبيق نظام التعليم التطبيقي والاحيائي فلسفة معينة تختلف عن فلسفة التعليم العام في العراق، فمثلاً في التعليم العام في العراق يكون التعليم متمركز حول المعلم او المدرس والذي يقوم بدوره بطرح الحقائق والقوانين والنتائج العلمية للطلبة (نقل المعرفة) وهو مايعرف بالتعليم المباشر، اما في التعليم التطبيقي، التعليم يتمحور حول الطلبة من حيث اعطائهم الفرص بتعلم مهارات جديدة بأنفسهم وحثهم على تطوير المهارات المعرفية من خلال التطبيق والعمل الجماعي وحل المشكلات ومتابعة تطور العمليات وغير ذلك، وهو مايعرف بالتعليم غير المباشر.
اما من حيث اليات تطبيق مثل هكذا نظام، فان الية تطبيق نظام التعليم التطبيقي والاحيائي يتطلب منهجان. اولهما هو ان يكون التدريس النظري والتطبيقي داخل المدارس مع توفر قدرات لوجستية كالمختبرات والاجهزة الحديثة وورش العمل. على سبيل المثال، على الرغم من ان امريكا تعتمد نظام التعليم المتنوع العام في مدارسها العامة، وجدت عند زيارتي لإحدى المدارس في ولاية نيويورك مختبرات حديثة مجهزة بتقنيات تعليمية متطورة وحديثة.
ومما اثار ذهولي وجدت طلبة في مرحلة الخامس اعدادي يقومون بعملية تحليل الحامض النووي (دي ان اي). وهنا يبرز السؤال: هل مدارسنا تحتوي على هكذا مختبرات وتقنيات التي تساعد الطلبة على اجراء مثل هكذا اختبارات في المدارس؟ وهل هذا النظام سيحث الطلبة على اجراء اختبارات مثل ما يجريه اقرانهم في مدارس الاعدادية في البلدان الاخرى؟ الجواب يعتليه الوضوح لكل المتابعين والمهتمين بالشأن التربوي ان هذه الامكانيات غير متوفرة في مدارسنا. وهذا يقودنا الى جواب السؤال الاخر المطروح سابقاً بان هذا النظام غير فعال في حث الطلبة على اجراء عمليات تطبيقية وبحثية لعدم توفر الامكانيات.
اما المنهج الثاني هو ان يكون التدريس النظري في المدارس والتطبيق يكون في مؤسسات لديها تلك الامكانيات التي يحتاجها الطلبة كما هو الحال في كليات الطب في الجامعات العراقية. وهنا يمكن ان نطرح سؤالاً اخر : هل يوجد هكذا نهج في وزارة التربية؟ بمعنى اخر هل يوجد نوع من التعاون بين وزارة التربية والمستشفيات في هذا المجال؟ هل يوجد تعاون بين وزارة التربية ووزارات الصناعة والبلديات وغيرهم من الوزارات التي يمكن ان تُستخدم مختبراتها ومرافقها من قبل الطلبة؟. بالتأكيد لايوجد مثل هكذا نوع من التعاون. يقول جابر بن حيان " ان كمال الصنعة العمل والتجربة، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء ابدا". ومن هنا اود ان اقول اذا لم يكن لدينا تلك الامكانيات والقدرات التي تساعد الطلبة تطبيق مايتعلموه، فكيف يمكن ان يُدرس الطلبة الكيمياء الصناعية؟ وكيف يمكن ان يتعلم ويتقن الطلبة طريقة استخدام التقنيات الاحيائية؟ هل سيتعلمون ويطبقون على الورق والسبورة فقط؟ اذا لم يكن هناك مثل هكذا قدرات التي تساعد الطلبة على تطبيق ما يتعلموه في مدارسنا وعدم وجود تعاون مع مؤسسات اخرى فلماذا نطبق اسلوب الدراسة الاحيائية والتطبيقة في مدارسنا؟ اذا كان هذا النظام يركز على الجانب النظري فقط كما هو في التعليم العام، فلماذا نسميه الفرع التطبيقي او الاحيائي؟ ما الفرق بين النظام السابق والنظام الحالي؟ كلاهما دراسة نظرية حسب وجهة نظري.
اما من حيث نظام القبول الجامعي لخريجي الفروع الاحيائية والتطبيقية، فقد ألزمت وزارة التربية من خلال هذا النظام وزارة التعليم العالي العراقية بضرورة قبول خريجي الفرع الاحيائي في كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والطب البيطري وكلية العلوم لقسمي (علوم الحياة والتقنيات الأحيائية) وكلية التمريض والمعاهد الطبية. اما كليات الهندسة وأقسام الجامعة التكنولوجية والعلوم والزراعة والادارة والاقتصاد والتربية والتربية الأساسية والجامعات التقنية والمعاهد التقنية والتكنولوجية ومعاهد الادارة تستقبل خريجي الفرع التطبيقي، وهذا مايبدو غريباً نوعاً ما. حيث لطالما الجامعات العراقية كانت تعاني من نوعية الطلبة الداخلين اليها من نظام التعليم العام السابق والذي يمكن وصفه على اقل تقدير بانه يتسم بتنوع المعلومات، فكيف يمكن للجامعات ان تستقبل طلبة من خريجي نظام جديد يعتمد على محدودية المعلومات؟ كيف سوف تتم عمليات القبول المركزي من قبل وزارة التعليم العالي لاسيما ان نظام القبول المركزي يعتمد على الحدود الدنيا لمعدلات القبول طبقاً لكل كلية وتخصص، على سبيل المثال ان الكليات التي حددتها وزارة التربية لقبول خريجي الفرع الاحيائي تقبل طلبة تترواح معدلاتهم مابين 80% الى 100% في نظام القبول المركزي، بعد تطبيق هذا النظام هل سيتم تخفيض الحدود الدنيا للقبول من قبل وزارة التعليم العالي على اعتبار ان الطلبة (حسب وجهة نظر وزارة التربية) من مخرجات النظام الحالي هم مؤهلين ومدربين بشكل جيد مما يؤهلهم من دخول هكذا صنف من الكليات من دون قيد او شرط؟ وهل ان استبعاد بعض الطلبة الى الجانب التطبيقي وحصر منافسة دخول كليات المجموعة الطبية بعدد قليل من الطلبة سيزيد من جودة مدخلات كليات الطب؟.
اذا كان كذلك فما هو البرهان والدليل؟. من جهة اخرى، وبحكم ثقافة المجتمع العراقي، ان الأسر العراقية غالباً ماتحث ابنائها على دخول كليات الطب والهندسة على اعتبار انهما من أفضل المهن في المجتمع، فماذا لو ان احد طلبة في الفرع الاحيائي تحصل على معدل يؤهله الدخول في كلية الهندسة بينما هو سيقُبل في كلية التمريض وهو غير راغب في ذلك؟ وكذلك الحال بالنسبة للفرع التطبيقي فان معدلات القبول في كليات الهندسة تترواح مابين 85% الى 93%. مرة اخرى ماذا سيحصل لو ان احد من الطلبة تحصل على معدل 100% في الفرع التطبيقي بينما نظيره في الفرع الاحيائي الحاصل على نفس المعدل يمكن ان يقُبل في كلية الطب. ماذا سيكون الشعور النفسي لهؤلاء الطلبة؟
من خلال ماتقدم، على مايبدو ان وزارة التربية لم تُدرك ان هناك نظريات للدافعية والحافز قد سُحقت بفعل هذا النظام الذي ثبط دافعية الطلبة نحو التعلم والتعليم خصوصاً بعدما حددت وزارة التربية مقدماً مهنة كل طالب وطالبة والذين قد يجدون أنفسهم احياناً بدراسة تخصص هم غير راغبين فيه على الاطلاق. كما انها لم تدرك ان هناك نظرية الهدف ونظرية العدالة والمساواة ونظرية الانجاز اللاتي يؤدين دور مهم في عمليات تحفيز الطلبة جميعها قد ذهبت الى الجحيم بسبب تطبيق هذا النظام الذي يقتل روح المنافسة بين الطلبة بسبب عدم التوافق بين طموح الطلبة من جهة وواقعهم الدراسي الذي يجدون أنفسهم مرغمين فيه من جهة اخرى.
على مايبدو ايضاً ان وزارة التربية لم تشرك خبراء ومسؤولي التعليم العالي في تشكيل ملامح هذا النظام، وهذا بات واضحاً في تصريح السيد وزير التعليم العالي د. عبد الرزاق العيسى والذي طالب بضرورة ايقاف تطبيق هذا النظام الجديد في التعليم.