مركز ادم يناقش العلاقة بين الأمن الغذائي وحق التعليم العراق إنموذجاً
مروة الاسدي
2016-02-13 08:16
قدم مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وضمن نشاطه الشهري ورقة في ملتقى النبأ الاسبوعي، يحمل عنوان (العلاقة بين الأمن الغذائي وحق التعليم العراق إنموذجاً)، تم فيه مناقشة كل ما يتعلق بالموضوع بحضور ومشاركة مجموعة من الباحثين الأكاديميين والقانونيين في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.
أدار الحلقة النقاشية الحقوقي الباحث القانوني الدكتور علاء الحسيني، واستهل بقراءته ابرز ما جاء في الورقة بالقول "للأمن الغذائي معنى محدد هو قدرة البلد على توفير احتياجات الأفراد من الغذاء لاسيما الأساسي بالاعتماد على الإنتاج المحلي أو الاستيراد في جميع الظروف العادية والاستثنائية وبغض النظر عن الأسعار في السوق العالمية، وتقع على كاهل السلطات العامة في العراق مهمة توفير المواد الغذائية وإيصالها إلى المواطن بمختلف السبل كما إنها مطالبة بمراقبة أسعارها ومنع احتكارها أو التلاعب بكمياتها واقيامها من قبل التجار وغيرهم، ليتسنى للجميع الحصول على الغذاء الصحي وبشكل كافي وملائم، وكمثال على ذلك أخذ بعض المؤسسات الصحية على عاتقها توفير أغذية لبعض الفئات كالمرضى أو النساء الحوامل بغية التعويض عن نقص بعض العناصر الغذائية، وهو الأمر الذي يتفاوت من شخص لأخر بحسب الجنس والمرحلة العمرية بحسب المختصين بالشأن الطبي.
أما الحق في التعليم فهو نشاط من شأنه نقل المعارف والمهارات والخبرات إلى الغير، بعبارة أخرى هو مجموعة من الفعاليات التي يراد منها صقل شخصية المتعلم وفق قوالب معرفية وقيمية معينة، ويتضمن التعليم أيضاً انتقال القيم الحضارية التي تتصل بالجوانب الاجتماعية والثقافية من جيل لأخر، والعملية التعليمية تقوم على مقومات مادية كالأبنية المدرسية وأخرى بشرية، وتمتزج هذه المقومات مع بعضها البعض لتأتي أكلها بيد إن الملاحظ إنها لن تأتي ثمارها ما لم تتضافر عدة عوامل أسرية واجتماعية ورسمية وحتى خارجية أو دولية، هذا ويلعب الأمن الغذائي الدور الأبرز في نجاح العملية التعليمية في البلد فهو المؤثر الأهم لعدة أسباب أهمها ما يأتي:-
أولاً// فقدان الأمن الغذائي عامل رئيس في ارتفاع معدلات رسوب الطلبة في المؤسسات التعليمية نتيجة التأثيرات السلبية التي يتركها على جسد ودماغ الطالب لاسيما طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة (التعليم الأساسي).
ثانياً// شيوع ظاهرة الفقر نتيجة انعدام الأمن الغذائي يرفع معدلات التسرب من الدراسة إلى مستويات خطيرة جداً تهدد التعليم في بعض المناطق الفقيرة وترفع من مستوى الأمية إلى حد خطير وهو ما سينعكس بالمحصلة على ارتفاع معدلات الجريمة و.....الخ.
ثالثاً// تدني قيمة العملة وانهيار القدرة الشرائية سيتسبب بشيوع ظواهر الفساد الإداري والمالي في المؤسسات التعليمية وجنوح المدرسين والمعلمين إلى أساليب ملتوية لتوفير الأمن الغذائي لعوائلهم وهو ما لوحظ بشكل جلي في العراق في تسعينيات القرن الماضي بصيغة الدروس الخصوصية واخذ الرشى وغيرها من الطلبة.
رابعاً// فقدان الأمن الغذائي سيحمل بين طياته مخاطر على القطاعات الأخرى كالصحة مثلاً بالنظر لزيادة الطلب على العلاج والرقود بالمستشفيات نتيجة تفشي الأمراض والأوبئة التي يخلفها اهتزاز النظام الغذائي للأفراد.
بعد إتمام قراءة الورقة البحثية طرح مدير الجلسة سؤالان لمناقشة ما تضمنتها هذه الورقة.
السؤال الأول: ما هي الوسائل اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي والتعليمي في العراق؟
وبعبارة أخرى ما هي الآليات واجبة الإتباع من قبل الحكومة العراقية أولاً ومؤسسات المجتمع المدني والجهات ذات العلاقة ومنها المؤسسة الدينية لتحقيق الأمن التعليمي والغذائي في ظل الزحف على المناطق الزراعية وتحويلها إلى سكنية في وفي خضم التغيرات المناخية وما استتبعها من ارتفاع درجات الحرارة عموما والتصحر بنحو خاص وللقضاء على الأمية في العراق بشكل نهائي وبلا رجعة؟.
وجاء المداخلات بالنحو الآتي:
د. حيدر حسين آل طعمة باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: استهل بقوله "إن الأمن الغذائي جزء من الأمن الاقتصادي والمقصود به كيف يمكن للبلد أن يحقق اكتفاء ذاتي من موارده الطبيعية في الداخل؟ فعلى سبيل المثال إذا كان البلد ميسور ولديه مستويات دخل عالية (بلد نفطي) تأتيه مستويات دخل عالية، بحيث إن جميع الأفراد لكل شخص منهم يكون مستوى دخل 5 آلاف دولار أو 10 آلاف دولار، وبالتالي إذا كان الدخل عالي ستكون القدرة الاستهلاكية عالية، ويكون يعتمد الاعتماد على الاستيراد بهذه الحالة، وهو ما ينعكس على المستوى الصحي والسعرات الحرارية من الغذاء للطلبة في المدارس، وأضاف آل طعمة قائلاً: "إذا أردنا القول ما هي الوسائل التي يجب أن تحقق الأمن الغذائي فهذه تعتمد على تنشيط الزراعة وكذلك الصناعة وغيرها".
من جهته قال الأستاذ احمد علي عمران المسعودي باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: "إن المستوى المعاشي ذا أهمية بالغة جدا في رفع مستوى التعليم أو العكس، فكلما زاد المستوى المعاشي للأفراد كلما اقبل الآخرين نحو التعلم وهذه في مجتمعاتنا نحن، واستطرد بحديثه قائلاً "أود ان اذكر في تلك الأبعاد الستراتيجية التي أوردها الإمام علي (ع) من بعض خطبة وبعض كلماته المباركات "لو كان الفقر رجلا لقتلته" إذن هذه المقولة تذكرنا بما ورد اليوم في هذا الملتقى الفكري، وتحسسنا هذه المقولة بمدى تأثير وضغط هذا العامل الاقتصادي على تطلعات الأفراد وطموحاتهم ومدى خطورته أيضا على بناء الدولة وبناء المجتمع، ونحن اليوم نلحظ إن الفقر أو المستوى المعاشي أو حتى الأمن الغذائي على حسب اختلاف المصطلحات قد دخل ليعبث في كل شيء".
من جانبه قال الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية "اعتقد القضية مرتبطة بثقافة شعب فإذا أخذنا الشعب العراقي نموذجا فهي ليست مرتبطة بقضية سياسات وإدارة فقط، ففي أيام الوفرة المالية إن صح التعبير في السنوات السابقة التي كانت بها لدينا ميزانيات انفجارية، وأوضح الصالحي قائلاً "بالطبع نحن لا نعتمد اعتماد كلي على الحكومة هي فاهمة او غير فاهمة نحن كشعب الآن نحن الجالسين من كان لديه سياسة أن يضع صندوق الادخار أو صندوق الأزمة كما نسميه، ومن كان لديه إستراتيجية استقراية المبالغ المستقبلية او استقرارية الصرف المعيشي اليومي لموازنة سواء أتاه مبلغ او لم يأتيه، جميعنا يعتمد على موازنة ما يؤتى يصرف، بالنتيجة لا يوجد ثقافة الحسابات المستقبلية وهذه الثقافة عند الشعوب هي التي خلقت التعليم والحكومات والحكومة نتيجة ثقافة لم تأتي معلبة من الخارج ووضعت بل هي نتيجة ثقافة بمقدار ما موجود بالشعب من ثقافة انتخب هذه الناس".
بدوره أجاب الأستاذ علي الطالقاني مدير إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام على السؤال قائلاً: "إذا أردنا الحصول على امن غذائي في الوقت الراهن علينا مواكبة الحركة العلمي والزراعية للدول المتقدمة، بالتالي هذا الأمر سينعكس ايجابيا على تطور التعليم وتوفير معدات زراعية غير مكلفة للدولة"، وأضاف الطالقاني "أما بالنسبة إلى للهجرة من الريف إلى المدينة، أدى توظيف المهاجرين من الريف الى المدنية الى ترك الزراعة من اجل الوظائف".
على صعيد ذي صلة رأى حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث "انه في السابق كانت المجتمعات معظمها من الطبقة المتوسطة، ليس هناك علاقة بين مستوى المعاشي والتعليم، أما في الوقت الراهن التفاوت والتعليم الخاص يمكن ان يكون علاقة بين المستوى المعاشي أو الأمن الغذائي مع التعليم".
من جهة أخرى يقول الدكتور قحطان الحسيني "انه نظرا لما يعيشه بلدنا من أزمات لا يمكن التعويل على الدولة وحكومة في توفير الوسائل التي تتعلق في الأمن الغذائي، نحتاج إلى بناء ثقافة اجتماعية جديدة، وأضاف الحسيني "هذه الثقافة مرتبطة بدور المؤسسات المجتمع المدني أو حتى الأفراد أو حتى الشركات، ممكن نُعَول على هذه الجهات للنهوض بدور أكثر تطور وأكثر علمي في بناء مصانع غذائية، تنشيط القطاع الزراعي، اختراع وسائل جديدة، التجارة مع الدول الأخرى".
من جانب آخر قال الأستاذ هاني مالك طالب ماجستير "على الحكومة العراقية تفعيل القطاعات الاقتصادية بشكل مباشر في زيادة الدخل القومي واستقراره، لأنه إذا كانت اختلال في الدخل القومي، وهذا ما ينعكس على مستوى المعيشة وعلى مؤشرات التنمية الاقتصادية في البلد".
في السياق ذاته قال الأستاذ باسم عبد عون باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية "نحتاج سلسلة حلقات بإنتاج نخبة اقتصادية تقود البلد وكذلك نحتاج ثقافة شعبية تدعم المشاريع التنموية في البلاد الرغم من انه مشغول بالأزمة الأمنية والسياسية في العراق الراهن لذلك اعتقد إن تطبيق الوسائل اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي والتعليمي في العراق صعبة المنال على المدى القريب".
على الصعيد نفسه قال محمد الصافي معاون مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث "اعتقد المشكلة هي الاعتماد على الثقافة الريعية أي إن الدولة هي التي توفر كل مستلزمات والوسائل لتحقيق الأمن الغذائي من خلال الزراعة، هذه الثقافة جاءت بنتائج سلبية نتيجة الاضطراب الدائم الذي يعشه البلاد، أما من جانب آخر ولكوني اعمل مدرس في احد مدارس العراق، من خلال معايشة الطلبة وجدت إن الطلبة في المناطق الريفية لديهم امن غذائي ومستوى معاشي، افضل من الطلبة الذي يقطنون المدنية".
إلى ذلك يرى الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "إن الأمن الغذائي يرتبط بالجوع، ولا اعتقد إن آثاره مرتبطة بالتعليم، لكن هناك جدلية، انه هل الأمن الغذائي يؤثر على سوء التعليم؟، أم سوء التعليم يؤثر على الأمن الغذائي، فحسب المعالجات في قضايا التنمية البشرية في العالم الثالث، هو كيف يؤثر التعليم في تحسين المستوى المعاشي؟، أو حتى في تحقيق الأمن الغذائي، لذلك أرى انه لابد أن يكون التعليم قائم على المهارات، وأضاف معاش "إن أهم القطاعات التي يمكن أن استثمارها العراق في تطوير بنيته الاقتصادي هما قطاعي الخدمات والزراعة، وما يحتاجه العراق حاليا هو القيام بصناعة الزراعية والصناعة الخدماتية".
السؤال الثاني: كيف يمكن استثمار رأس المال البشري في العراق بنحو ايجابي للنهوض بالبلد على كل الصعد وبوجه خاص في الميدان الاقتصادي والتعليمي لتحقيق الأمن الغذائي والتعليمي؟
د. حيدر حسين آل طعمة "يرى إمكانية تنشيط رأس المال البشري في تنشيط القطاع الخاص لأنه أداة لصقل المواهب ولرفع مستويات الإنتاجية عكس القطاع الحكومي المحدود، لذا فان تنمية رأس المال البشري من خلال ما يعرف بمصانع التعليم إلى جانب تحفيز الاستثمار، وهو الأساس في تفعيل القطاع الخاص".
من جهته رأى د. قحطان الحسيني انه يمكن استثمار رأس المال البشري في العراق بنحو ايجابي من خلال تعزيز ثقافة التنمية واستثمار أصحاب المشاريع الخاصة بغض النظر على طبيعة مؤهله العلمي، فلدينا الكثير من أصحاب المشاريع الناجحين في العراق لا يملكون المؤهل العلمين لكنهم يملكون الخبرة العملية، بشرط أن يكون ولائه للوطن.
من جانبه قال الشيخ مرتضى معاش "استثمار رأس المال البشري في العراق بنحو ايجابي، يعتمد على نقطتين رئيسيتين أولاً على العقلية والتفكير الاقتصادي وثانيا اسلوب الإدارة المتبع، إلى جانب ذلك استثمار التعليم القائم على زرع المهارات وتنمية الأفراد بحيث يكون كل فرد قدر على تحسين مستواه المعاشي، فضلا عن بناء نظام إداري سلس قادر على تحريك البلاد اقتصاديا".
في الختام قدم مدير الجلسة الأستاذ احمد جويد مدير مركز ادم ومن وجهة نظر صاحب الورقة قائلاً: "إن التحرك الحكومي لمواجهة المخاطر التي تتهدد الأمن الغذائي وحق التعليم لا تزال خجولة جداً والخطوات المتخذة لا تسمن ولا تغني من جوع ونقترح على ذوي العلاقة بعض الحلول التي ربما تسهم في حلحلة الواقع وكما يأتي" :-
أولاً// السير بخطين متوازيين الأول التنمية الزراعية والصناعية، والتنمية التعليمية المستدامة وفق أسس علمية ووسائل تقنية متطورة والسعي الجاد إلى رفع الوعي الغذائي لجميع أفراد المجتمع وتوضيح مخاطر بعض الأطعمة والعادات الغذائية السلبية وفي الوقت ذاته تبيان فوائد الأطعمة التي من شأنها تنمية القوى الذهنية والفكرية لدى الأفراد لتحقيق الرقي العلمي في المجتمع العراقي.
ثانياً// لابد من تعديل قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 وتضمينه عقوبات صارمة بحق المتسبب بالإضرار بالبيئة لاسيما البيئة الطبيعية في الأهوار تنفيذاً لمعاهدة "رامسار" التي صادق عليها العراق بمقتضى القانون رقم (7) لسنة 2007.
ثالثاً// العودة إلى نظام التغذية المدرسية المتبع في العراق لغاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي لما له من اهمية في بناء جسم التلميذ في المدارس الابتدائية وما يحققه من فوائد متعددة تتمثل في زيادة تعلق التلميذ بالمدرسة واندفاعه نحو التميز في دراسته بدل من تطبيق قانون منحة التلاميذ والطلبة في المدارس الحكومية رقم (3) لسنة 2014 المعطل.
رابعاً// تحديد مسببات تسرب الطلبة عن المدارس ومعالجتها جذرياً وفق خطة وطنية شاملة للقضاء على الفقر وانعدام الأمن الغذائي في العراق.
خامساً// تفعيل دور مراكز الرعاية الصحية الاولية التابعة لوزارة الصحة بإعداد قاعدة بيانات تتضمن اسماء النساء المتزوجات ولكل منها سجل طبي يتضمن زياراتها للمؤسسة الصحية وما كانت تعانيه من امراض وتطور حالتها الصحية وتشجيع النساء لاسيما الريفيات على ان تكون لهن زيارة منتظمة للمؤسسة الصحية لمتابعة تطور وضعها الصحي، وتنظيم حملات جوالة إلى منازل النساء الحوامل لغرض المتابعة الصحية، لما لذلك من اثر واضح في مستقبل الجنين ولعل المقولة المعروفة خير دليل على ذلك (العقل السليم في الجسم السليم).
الجدير بالذكر ان مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...