المناهج الدراسية في العراق: هل نستنسخ أم نبتكر؟
عزيز ملا هذال
2025-07-30 12:36
تنفق البلدان الحية ميزانيات كبيرة على قطاعي التربية والتعليم، لإيمانها ووعيها بأن التعليم هو من يرفع من البلدان إن أحسن التعامل معه، أو يُحط من تلك البلدان إن ساء التعامل معه. لكننا في العراق لا نعطي للتعليم أهمية كبيرة ونتعامل معه بعدم مبالاة أحيانًا، وبعدم جدية أحيانًا أخرى، فينتج من ذلك عدة أخطاء بل كوارث تولّد كوارث على مستوى النتاجات. ومن هذه الأخطاء هي تدني مستويات المناهج أو سوئها وعدم ملاءمتها لدواعي التعليم في عصرنا. فما هي أهم الأسباب، وما هي تداعيات ذلك على العمليتين التربوية والتعليمية؟
ولأنني من المنتمين للمؤسسة التعليمية ومتابع للتعليم في البلدان المجاورة وغيرها، ولملاحظتي للقصور الكبير والتأخر في مناهجنا الدراسية، رأيت من الضروري أن نسلط الضوء على هذه النقطة أملًا في أن تصل إلى المتصدين، وبالتالي قد يسعون إلى معالجة هذه المشكلة، وبالتالي نضمن مواكبة ركب التعليم العالمي أو التعليم في البلدان المجاورة على أقل تقدير.
من الأخطاء الكارثية التي تقع فيها الجهات المسؤولة عن التعليم أنها تدرب الكوادر التربوية سنويًا من أجل إتقان تدريس أو تعليمها للطلبة، لكنها تغفل أو ربما تتغافل أن المنهج غير ملبٍ لحاجات التعليم في الأساس، وبالتالي لا طائل من التدريب عليه لكون المشكلة فيه أساسًا. وهذا ما يجب الالتفات إليه قبل أن يموت التعليم فعليًا بعد أن مات سريريًا منذ سنوات طوال.
ما هي تداعيات سوء المناهج التعليمية في العراق؟
من سوء المناهج التعليمية تنتج عدة تداعيات على نتاجات التعليم، نذكر أهمها:
أولى التداعيات هي نشوء جيل غير مؤمن بأن العملية التربوية عملية كفؤة، وبالتالي يبقى يلاحقه الشعور بالقصور، سيما إذا كان من المطلعين على بيئات تعليمية أخرى. وهذا الشعور سيجعله يبحث عن شهادة فقط تؤمن له فرصة يتعاش عليها، لذا تلاحظ أغلب الخريجين لا يبحثون عن التطوير والتجديد بعد التعيين أو إيجاد فرص العمل.
كما أن من التداعيات هو نشوء جيل يبحث عن النجاح وليس التعلم. ولعل من مساوئ التعليم العراقي أنه حوّل المتعلم إلى ذاكرة لنقل المعلومات من الكتاب أو المنهج إلى ورقة الامتحان، وبذا غاب التفكير الإبداعي للمتعلم وغابت معه عملية إنتاج الأفكار.
ومن التداعيات لسوء النتائج هي عدم ملاءمة المناهج لمتطلبات الطلبة النفسية وعدم ملاءمتها لمتطلبات سوق العمل بسبب عدم واقعيتها؛ لكون أغلب المناهج تم استنساخها من مناهج عالمية أخرى. فحتى لو كانت مناهج جيدة وغير قاصرة، إلا أنها لا ترتبط إلى بيئتنا، مما يجعلها غير نافعة وغير مفيدة لطلبتنا نظرًا لاختلاف قيمنا وعاداتنا والتي يفترض أن تخرج مناهجنا من رحمها.
ما هي أسباب سوء المناهج الدراسية؟
لعدة أسباب واقعية تتصف المناهج التي تُطبق في مدارسنا بالسوء، ومن أهم هذه الأسباب هي:
السبب التاريخي المتمثل باستيراد المناهج من تجارب أخرى لا تمت لواقعنا بصلة، مما يُحدث شرخًا كبيرًا بين واقعنا وواقع مصدري المناهج. وهم ليس لهم ذنب في ذلك، بل الذنب ذنبنا لأننا نرغب في الحصول على الأشياء الجاهزة من دون بذل جهد.
السبب الثاني هو أن حتى لو صُممت بعض المناهج في العراق، تبقى قاصرة وسيئة؛ لأن واضعي ومصممي المناهج غير أكفاء، علاوة على عدم وجود وضوح في مجال سياسة الدولة للمناهج الدراسية، مما يجعلها تتغير باستمرار. وهذا التغير المستمر تتخلله العشوائية والتخبط والارتجال.
ما يجب
ما يجب فعله لترصين المناهج في العراق هو الابتعاد عن استيراد المناهج الجاهزة، فبالإمكان الإفادة من الأخرى لكن دون استنساخها حرفيًا لاختلاف البيئات. ومن ثم، على الجهات المعنية بشؤون التربية والتعليم اختيار الأكفاء في اختصاصات تصميم المناهج بعيدًا عن المحسوبيات والمجاملات، لأن ذلك يخص مستقبل البلاد والعباد ولا مجال للتهاون فيه، وحينها ستتحسن المناهج.