العمر مجرد رقم: قصة نجاح الحاج كاظم طراد بالعودة للدراسة بعد 34 عامًا

أوس ستار الغانمي

2024-08-03 06:09

في العصر الحديث، أصبح من الواضح أن العمر لا يمثل عائقاً للإنسان في تحقيق أحلامه وتحقيق أهدافه، فالإبداع والنجاح لا يعتمدان على العمر بل على الإصرار والعزيمة التي يمتلكها الفرد. وفي العراق، شهدنا حالات كثيرة تبرز هذه الحقيقة، حيث رأينا أشخاصاً بأعمار متقدمة يحققون نجاحات كبيرة بفضل إصرارهم وتفانيهم في العمل.

ومن بين هذه الحالات، جاءت قصة نجاح ملهمة قبل أيام قليلة في محافظة بابل، حيث رجل كبير بالعمر استطاع أن يبدع ونجح في دراسته بعد تركه لمدة 34 عامًا. هذه القصة تبرز أهمية الإصرار والعزيمة في تحقيق النجاح، بغض النظر عن العمر أو الظروف.

إن العمر لا يمكن أن يكون عائقاً أمام تحقيق الإبداع والنجاح، فالإرادة القوية والعزيمة الصلبة هي التي تمكن الإنسان من تحقيق أحلامه وتحقيق أهدافه بغض النظر عن الظروف التي يمر بها. ولذلك، يجب علينا أن نستلهم من هذه القصص الناجحة ونؤمن بأن العمر لا يمكن أن يكون حاجزاً أمام تحقيق النجاح والتميز.

رجل بلغ من العمر 53 عامًا يدعى الحاج كاظم طراد. هذا الرجل الذي عاد إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع دام 34 عامًا، تمكن من تحقيق إنجاز كبير بحصوله على معدل 80% في الامتحانات الوزارية لإعدادية الزراعة المهنية. حينما تلقى كاظم النتيجة، غمره شعور بالفرح لم يعهده من قبل، وكأنه عاد شابًا في ريعان العمر، مما جعله يشعر بسعادة غامرة تفوق شعور أي طالب عادي.

الظروف القاسية والتحديات

تعود القصة إلى سنوات الطفولة حيث كانت الحياة مليئة بالتحديات. كان كاظم يقطع يوميًا ستة كيلومترات للوصول إلى مدرسته الابتدائية، وكان ذلك في السبعينيات حيث كانت الدراسة أكثر صعوبة وتحديًا من الآن. لم يكن هناك دورات تقوية أو مدرسين خصوصيين كما هو الحال في الوقت الحاضر. في عام 1989، وبعد رسوبه في الصف السادس العلمي، قرر ترك الدراسة. وفي نهاية عام 1990، التحق بالجيش العراقي وشارك في حرب الكويت، واستمر في الخدمة حتى نهاية عام 1994.

بعد خروجه من الجيش، قررت أسرته تزويجه، وقد كان عمره آنذاك 22 عامًا. تزوج كاظم وأصبح أبًا، وانشغل بتربية أبنائه الذين دخلوا المدارس وتخرجوا من الجامعات. ورغم انشغالاته، لم يتخل كاظم عن حلمه القديم بإكمال تعليمه، وكان يشعر بالغيرة من أبنائه الذين كانوا يتابعون دراستهم الجامعية.

العودة إلى الدراسة

بدعم من أبنائه وتشجيعهم، قرر كاظم العودة إلى الدراسة. وفي يوم التسجيل، قامت عائلته بتحضير جدول دراسي وتنظيم واجباته اليومية، مما ساعده على التفرغ للدراسة ليلاً بسبب انشغالاته النهارية. درس كاظم ثماني مواد، وكان يشعر بالخجل من الفشل أمام أبنائه الذين يعتبرونه قدوة لهم.

رغم أن اللغة الإنجليزية كانت تشكل له تحديًا كبيرًا، إلا أن ابنته ساعدته في هذه المادة وجعلتها تبدو سهلة بالنسبة له. كان كاظم يذكر الأيام القديمة عندما كانت القيم والتقاليد مختلفة، وكيف كانت الفتيات يتجنبن الطرق التي يسلكها الشباب. هذه التربية الصارمة شكلت جزءًا من شخصيته وعزيمته في مواجهة الصعوبات.

النجاح والاعتراف

بعد اجتياز الامتحانات بنجاح، لم يحتفل كاظم بسبب تزامن النجاح مع شهر محرم الحرام، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام). كان يشعر بالامتنان لدعاء أمه الذي ساهم في إتمامه المرحلة الثانوية. حلم كاظم الآن هو الالتحاق بكلية الزراعة التقنية في المسيب التابعة لجامعة الفرات الأوسط التقنية.

في مقابلة تلفزيونية مع إحدى المذيعات، وعد كاظم بأنه سيتصل بها بعد تخرجه من الكلية ليخبرها بأخباره السعيدة. بعد ظهوره على القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي، نشر الحساب الرسمي لجامعة الفرات الأوسط التقنية خبرًا عن استقبال رئيسها الأستاذ الدكتور حسن الزبيدي للحاج كاظم، وتلبية طموحه بإكمال دراسته الجامعية، ومنحه مقعدًا في الدراسة المسائية في كلية التقنية المسيب بتخصص تقنيات الإنتاج النباتي.

تحديات الدراسة والعمل

لم تكن طريق كاظم إلى النجاح سهلة. كان عليه الموازنة بين الدراسة والعمل وتلبية احتياجات أسرته. كانت الأيام تمر ثقيلة، وكان يشعر بالإرهاق من كثرة الواجبات والمسؤوليات، ولكنه لم يستسلم. كان يقرأ دروسه ويكتب ملاحظاته بجد واجتهاد، مستخدمًا كل لحظة فراغ في التحضير والدراسة.

رغم أن مواده الدراسية كانت متعددة، إلا أن مشكلته الكبرى كانت مع اللغة الإنجليزية. هذه المادة كانت تمثل له عائقًا كبيرًا، لكنه تجاوز هذا العائق بمساعدة ابنته التي كانت تشرح له الدروس وتدربه على المهارات اللازمة. تدريجيًا، بدأ يشعر بتحسن وثقة أكبر في قدرته على اجتياز الامتحانات.

تأثير النجاح على حياته

النجاح الأكاديمي الذي حققه كاظم لم يكن له تأثير فقط على حياته الشخصية، بل أثر أيضًا على حياة من حوله. أصبح مصدر إلهام لأبنائه وأفراد مجتمعه. بات الجميع ينظرون إليه بإعجاب وتقدير، ورأوا فيه مثالًا حيًا على الإصرار والعزيمة.

بدأ كاظم يشارك في فعاليات مجتمعية، ويتحدث عن تجربته. كان يهدف من خلال مشاركاته إلى تشجيع الشباب والكبار على السواء على مواصلة التعليم وعدم اليأس أمام الصعوبات. كان يؤكد دائمًا أن التعليم لا يعرف عمرًا محددًا، وأنه يمكن تحقيق الأحلام في أي وقت من الحياة.

دعم الأسرة والمجتمع

كانت عائلة كاظم هي الداعم الأكبر له في رحلته التعليمية. كانوا يقدمون له الدعم المعنوي والمادي، ويساندونه في كل خطوة. كان هذا الدعم العائلي أساسًا في تحقيق النجاح الذي حققه كاظم. كما أن المجتمع الذي يعيش فيه بدأ ينظر إليه كرمز للإصرار والعزيمة.

قصة الحاج كاظم طراد هي مثال حي على أن التعليم ليس له عمر، وأن الإرادة القوية تستطيع تجاوز أي عقبة. في كل مرة ينظر فيها كاظم إلى شهادته، يتذكر الطريق الطويل الذي قطعه، ويشعر بالفخر لإنجازه الذي لم يكن ليحدث لولا الدعم العائلي والصبر والإصرار. هذه القصة ليست فقط عن النجاح الأكاديمي، بل هي أيضًا عن التفاني والعزيمة التي يمكن أن تحول الحلم إلى حقيقة.

إن تجربة كاظم تثبت أن الأحلام يمكن تحقيقها مهما كانت الظروف صعبة، وأن الأمل يمكن أن يضيء الطريق حتى في أحلك اللحظات. بات كاظم الآن نموذجًا يحتذى به، ليس فقط في مجتمعه، بل في كل مكان يسمع فيه قصته. هو الحاج الذي عاد إلى المدرسة بعد 34 عامًا، وحقق النجاح بإصراره وإرادته القوية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي