المدارس الاهلية في العراق: التجارة المربحة

مصطفى ملا هذال

2023-09-20 07:44

أكثر من مليون دينار عراقي هو المبلغ الذي يجب على أولياء الأمور دفعه لإدارات المدارس الاهلية شهريا بعد التسجيل فيها ابتداء من المرحلة الابتدائية صعودا الى المراحل المتقدمة، وقد يزداد هذا المبلغ او ينخفض بحسب سياسية المدرسة المالية، بالطبع ليس مهم بالنسبة للمشرفين عليها، بل الأهم من ذلك ان المبالغ تستحصل بصورة مستمرة ما يشكل انتزاع حقيقي للراحة الاسرية.

الذهاب والتسجيل في المدارس الاهلية عادة ما يكون لحاجة فعلية وليس ذهابا عبثيا او كماليا، فمن يطلع على أوضاع المدارس الحكومية وكيفية جلوس الطلبة واعدادهم في الصف الواحد، لا يجازف في زج ابناءه وسط هذه البيئة المليئة بالامراض وغيرها من الجوانب السلبية.

وقد أدركت الأهالي بصورة عامة الخلل الواضح والكبير في المنظومة التربوية الحكومية، واضطرت الى تحمل الاكتواء بنيران الأجور الدراسية المرتفعة، لكنها تتشبث بأمل التدخل الحكومي والتخفيف من احمالها المادية المتزايدة بصورة دائمة، مع ثبات دخل الافراد العاملين في القطاعين الخاص والعام.

يمكن للحكومة ان تتدخل بشكل مباشر عبر تحديد رسوم الدراسة، الى جانب فرض رقابة فعلية من خلال لجان تشكلها وزارة التربية مهمتها الأساسية رصد المخالفات التي تقع فيها إدارات المدارس، مثلا فرض مبالغ دون مراعاة الحالة الاقتصادية للطبقة العامة من الشعب.

ضعف الحالة الاقتصادية وانخفاض مستوى الدخل لدى الكثير من الاسر جعل الذهاب الى المدارس الاهلية مقتصرا على الاسر الميسورة وصاحبة الدخل المرتفع، ما يعني ان أبناء الأولى، (الاسر ذات الدخل المنخفض)، محرومين من تلقي المواد الدراسية بصورة مغايرة عما يتلقونه في المدارس الحكومية.

ومن المؤكد ان التدخل الحكومي بهذا الخصوص سيقلل من الفوارق بين الطبقتين او الطبقات الاجتماعية بصورة عامة، فمن الممكن ان تلزم وزارة التربية إدارات المدارس الاهلية على تسديد المبلغ بطريقة التقسيط المريح بما يتناسب مع الدخل الشهري لكل اسرة.

ومن صور المساندة الحكومية لهذه الاسر هي تحمل جزء من النفقات الطلابية، لتعكس صورة إيجابية عن مدى اهتمامها في العملية التربوية، وتغيير وجهة النظر العامة تجاهها، ان تبعت هذا الأسلوب الترقيعي او المرحلي، كخطوة تمهيدية للشروع ببناء المدارس وإدخال المتطلبات العلمية اليها.

بهذه الطريقة تعم الاريحية بين الأوساط المجتمعية ونكون قد ضمنا عدم الوقوع في شباك الديون العامة، ومن الطبيعي ان لكل اسرة طالب او طالبين وربما أكثر من ذلك، وهؤلاء بحاجة الى مصروفات إضافية الى جانب رسوم الدراسة، وقد يضطر بعض الأهالي الى تفضيل ترك مقاعد الدراسة والبحث عن عمل في سوق العمل الحر لأبنائهم.

لماذا الاستمرار في ارتفاع أسعار الأجور الدراسية؟

السؤال ذاته يخطر في اذهان الملايين من ارباب الاسر، مع ملاحظة او معرفة ان تكاليف بناء المدارس وعلى الرغم من ارتفاعها، لكنها تستحصل في السنوات الأولى بعد الافتتاح، وبذلك يتضاعف الربح فيما بعد ليشمل الجزء الاكبر من الأجور، وهنا يبرز الجشع المتبع من قبل المستثمرين.

بذلك يكون المستثمر قد سلب من المؤسسات التربوية وظيفتها في رفد المجتمع بالطاقات الشبابية، وتكوين رأس المال البشري، ومن غير الصحيح ان تذهب بتجاه المادية بعيدا عن البناء المعنوي للأفراد، اذ يتطلب التركيز على بناء شخصية الفرد وكيفية النهوض بمستوى مخرجاتها بعيدا عن التعسف الشديد في استحصال المبالغ المنهكة لشريحة عريضة من المجتمع.

ذات صلة

مستقبل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وآثارهاالتعليم العالي: المشهد المحذوفضرورة الشراكة العراقية التركيةالخواطر النفسانية والوساوس الشيطانيةالسياسية الامريكية في المنطقة فقاعة ضارة