العراق يتجه نحو الأمية وليس محوها
مصطفى ملا هذال
2022-11-22 04:54
تخيل حجم الانزعاج لو بقيت مغمض عينيك لدقيقة او لبضع دقائق، فكيف لو عشت حياتك بصرف النظر عن طولها او قصرها على هذا الحال؟، هكذا يعيش من لم يتنعم بنعمة العلم والمعرفة، وبقي قابع تحت سطوة الامية التي اخذت بالازدياد في العراق بنسبة كبيرة، ولهذه الزيادة جملة من الأسباب سنتطرق لها في السطور القادمة.
فمن الأمور المساعدة على تفشي ظاهرة الامية بمختلف اشكالها وتحولها الى آفة اجتماعية، هي انعدام المحاسبة الحكومية لمن يتخلف عن الالتحاق بالمدارس، ففي كثير من الأحيان تجد بعض الأهالي يمعنون الأبناء من الانخراط في المقاعد الدراسية، وتفضيل الاعمال اليومية على الشهادة.
ويحدث ذلك في العراق على الرغم من الانفتاح الكبير الذي تعيشه البلاد بعد تغيير النظام الشمولي، ولا يزال يوجد من يحرم ابناءه من الولوج الى عالم النور ومغادرة مناطق الجهل والظلام التي تجعل الافراد يموتون وهم على قيد الحياة، فمن ليس لديه تحصيل دراسي او علمي، فهو في عداد الموتى مهما كانت مكانته الاجتماعية او الاقتصادية.
ارتفاع نسبة الامية في العراق تعود في جزء كبير منها الى كمية الحروب التي خاضتها الشعوب على امتداد الحقب الزمنية الماضية، فقد عاشت حالة من عدم الاستقرار والحرمان من الذهاب الى الدراسة او الاستمرار فيها، ذلك لاستمرار دوران رحى الحرب بطحن الشباب، فالحرب كالنار تحتاج الى وقود لديمومة اشتعالها، وقد وقعت أجيال ضحية المؤامرة الكبرى التي حاكتها الأنظمة الظالمة الدموية لتبقى على رأس السلطة.
وليس فقط الحروب من حرمت ملايين الافراد من الذهاب الى المدارس، فكان الفقر هو الشريك وأحد الاسباب الرئيس في ذلك، وببساطة لو تحاول معرفة الحالات التي اُجبرت البعض على ترك مقاعد الدراسة بسبب العوز المدقع، للاحظت الكثير من الامثلة لا تعد ولا تحصى، ذهبت نحو معسكر الجهل بغير إرداتها.
وتشير التقارير المحلية والدولية الى ارتفاع نسبة الامية في العراق بصورة خطيرة، حيث قال الجهاز التنفيذي لمحو الأمية التابع لوزارة التربية، ان "العراق يتجه نحو الأمية وليس محوها"، اذ تجاوزت الاعداد الــــ 11 مليون امي في عموم البلاد، لافتا الى عدم وجود أي تخصيصات مالية للتقليل من هذه الظاهرة.
وتبقى هذه الأرقام غير حقيقة طالما لا يوجد تعداد سكاني في البلاد منذ عام 1997، وقد ترتفع او تنخفض، لكنها تشير الى وجود مشكلة في الهيكل المعرفي والمعلوماتي للمجتمع، ومن الممكن ان يقود الى نتائج غير حميدة على المستوى الفردي وفي المنظور العام.
ومن مظاهر تشعب الامية وارتفاع نسبتها في العراق، هي ارتفاع حالات الجرائم وظهور حالات غير اعتيادية ومألوفة بالنسبة للمجتمع العراقي، فقد ازدادت في الآونة الأخيرة نسبة قتل الزوجات لأزواجهم، والصاحب لصاحبه وغيرها من هذه النماذج الاجرامية المروعة.
عادة ما تحصل مثل هذه الأفعال غير الإنسانية، حيث ينتشر الجهل وعدم المعرفة، فالشخص المتعلم، لا يمكن ان يركن الى العدوانية والتعامل الدموي مهما اشتدت الأمور تعقيدا، بينما يلجأ الى القوة والجريمة من يفتقد الى الرصيد المعرفي، ويعيش بحالة من الامية المتراكمة دون العمل على قلع جذورها المتشبثة في داخله ليتحول الى انسان بمعنى الكلمة.
ومن الآثار الواضحة على تفشي الامية والتي أدت الى ما نسميه بالأمية السلوكية في المجتمع العراقي، هي عدم الاعتراف او احترام القوانين التي تحافظ على السياق العام في المدن، فتجد السائق غير ملتزم بالإشارة المرورية، والطبيب غير منضبط في عمله، والمدرس لا يعطي المادة العلمية حقها في الشرح والتوضيح.
ويبقى الاهتمام الحكومي بهذا الجانب غير مفرح، ففي مسعاها للحد من الأمية والعمل على معالجتها، سن البرلمان العراقي قانون محو الأمية رقم 23 لسنة 2011، حيث شُكلت هيئة عليا لمحو الأمية، مع استحداث جهاز تنفيذ ضمن وزارة التربية للإشراف على تطبيق القانون من خلال مدارس محو الأمية التي تستقبل الفئات العمرية لمن هم في سن 15 عاما وأكثر.
ووفقا للمتحدث باسم وزارة التربية ان أولى البوادر العاملة على الحد من هذه الظاهرة انطلقت في حملات محو الأمية يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، إذ افتتحت وزارة التربية 6 آلاف مركز لمحو الأمية، وقد تكون هذه الجهود جاءت بعد استشراء مرض الجهل وعدم تمكنها من محاصرة الفيروس والقضاء عليه.
الامية بحد ذاتها آفة خطيرة اخذت تتوغل في احشاء المجتمع العراقي، وقد يأتي اليوم الذي لا ينفع شيء ونضطر الى الكي آخر العلاجات، اما في المرحلة الحالية من الممكن ان تأخذ الجهات الرسمية بزمام الأمور وتضع في مقدمة اهتماماتها الخروج بحلول جذرية لهذه الظاهرة المدمرة لكل مجتمع تتسرب اليه.