أزمة تعليم تتهدّد مستقبل الأطفال في السودان

وكالات

2022-10-22 05:33

مع بدء العام الدراسي في السودان أُجبرت زهرة حسين البالغة تسع سنوات على البقاء في البيت للمساعدة في الأعمال المنزلية، فهي اضطرت للتوقف عن التعلّم بسبب الشح المتزايد للموارد المالية الضئيلة لعائلتها، وتوقفت زهرة عن ارتياد المدرسة قبل عام وكانت قد بدأت للتو حضور حصص الصف الثالث، في مدرسة ذات مبنى متداع وصفوف قديمة، جدرانها متشققة ومقاعدها مكسّرة ومراحيضها تفتقر للمياه، قبل ذلك كانت زهرة ترتاد المدرسة بانتظام وتتفوق في امتحاناتها ومؤخرا كانت طليعة صفها. بحسب فرانس برس.

وفي قريتها عد موسى بولاية كسلا الواقعة في شرق السودان، قالت زهرة لوكالة فرانس برس "كان ترتيبي الثالثة في الصف الأول"، وأضافت "أبي ما عنده قروش وعشان كده تركت المدرسة"، وقالت "سوف ارجع الى المدرسة فورا لو حصلنا على قروش لشراء الوجبة والكراسات"، وزهرة هي واحدة من سبعة ملايين طفل في السودان توقفوا عن ارتياد المدرسة، وهي ضحية واقع تصفه وكالات إغاثة بأنه "كارثة جيلية".

والسودان واحد من أفقر بلدان العالم ويعاني من انعدام للاستقرار السياسي وموجات جفاف وتتهدّده المجاعة ويشهد نزاعا، وبحسب البنك الدولي يقتصر معدّل الإلمام بالقراة والكتابة في صفوف البالغين فيه على نحو 60 بالمئة.

ومنذ سنوات يعاني أطفال السودان من صعوبات في تلقي التعليم المناسب، خصوصا في المناطق الريفية، وأخرجت الأسر التي تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة أطفالها من المدارس في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد ثلاثة عقود وأطيح في نيسان/أبريل 2019، وتشهد البلاد اضطرابات منذ الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان العام الماضي وأخرج العملية الانتقالية عن مسارها، وفاقمت الأزمات السياسية والاقتصادية المتزايدة والنزاعات الاتنية المتجددة والإغلاق المطوّل للمدارس إبان جائحة كوفيد-19، الأزمة التعليمية، وينظّم مئات المدرّسين إضرابات متكررة احتجاجا على تريد الأوضاع المعيشية، كما أن الفيضانات التي ضربت مناطق مختلفة هذا العام ألحقت أضرارا بأكثر من 600 مدرسة، ما تسبب في إرجاء موعد انطلاق العام الدراسي الذي يبدأ عادة في تموز/يوليو ويمتد حتى تشرين الأول/أكتوبر.

لا مدرسة ولا وجبات

في هذا العام صُنّف السودان في المرتبة الثانية، بعد أفغانستان، من ضمن أكثر مئة دولة نظامها التعليمي عرضة للمخاطر وفق "مؤشر مخاطر التعليم 2022"، وقال ارشاد مالك مدير مكتب منظمة "سيف ذا تشيلدرن" في السودان في تصريح لفرانس برس إن "النظام التعليمي في السودان هش للغاية لعدة عوامل من البنية التحتية الى جودة التعليم"، وأوضح أن "من أصل 12,4 مليون طفل يرتادون المدرسة، 70 بالمئة من الأطفال البالغين عشر سنوات غير قادرين على قراءة جملة بسيطة وفهمها"، وعلى الرغم من ان النظام التعليمي متهالك إلا أنه لا يزال يمنح أطفالا على غرار زهرة سبيلا للمضي قدما في الحياة.

وكانت المدارس في بعض المناطق الريفية تقدّم وجبات طعام مجانية للتلاميذ، لتشجيع العائلات التي تعاني من ضائقة مالية على إرسال أولادهم إلى المدرسة، ولكثر من هؤلاء الأولاد، هذه الوجبات المدرسية التي تتألف من العدس والخضار والبسكويت هي كل ما يتناولونه من طعام طوال اليوم.

ويعاني السودان من نقص في المواد الغذائية، ما يعرّض 15 مليون شخص، أي نحو ثلث السكان، لخطر "الانعدام الحاد للأمن الغذائي"، وبحسب المدرّس محمد طه الذي يعمل في مدرسة قرية ود شريفي القريبة من كسلا، المدارس متوقفة منذ عامين عن تقديم الوجبات، ما أثر بشكل كبير على حضور التلاميذ.

وشدّد عثمان أبوبكر وهو عامل مياوم لديه تسعة أولاد على أنه لم يعد قادرا على تحمّل نفقات الطعام والنقل واللوازم المدرسية لكل أولاده، وقال أبوبكر الذي لم يعد يرتاد المدرسة سوى اثنين من أولاده "لو أن الوجبات لا تزال متوفرة في المدرسة... لكان ذلك عاملا مساعدا"، وأشار إلى أن الأولاد باتوا يساعدون في تأمين المدخول.

حاجة ماسة

يملك عبد الله ابراهيم مقهى في قرية قلسا ولديه سبعة أولاد، يعمل بعضهم معه فيما يعمل البقية في بيع المثلجات أو في مخبز، أما اوهاج سليمان وهو عامل مياوم يبلغ 43 عاما فيقول إن ذهاب الأطفال إلى العمل "ليس أمرا جيدا... لكننا مجبرون"، وحذّر تقرير أصدرته منظمتا الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و"سيف ذا تشيلدرن" الشهر الماضي من أن الفتيات هن الأكثر ضعفا، وفي هذه الأوضاع تزداد احتمالات تزويجهن بسن مبكرة أو إخراجهن من المدرسة للمساعدة في الأعمال المنزلية، وفق مالك، وقال مالك إن نحو أربع من كل عشر فتيات تركن المدرسة في السودان، مقابل ثلاثة من كل عشرة فتيان، وحذّر مالك من أن عدم التحرّك سيؤدي إلى "مزيد من الفقر وعدم المساواة"، والعائلات التي أخرجت أولادها من المدرسة يساورها القلق بسبب الضبابية التي تخيّم على مستقبلهم، وقال ابو بكر "أدرك أن ترك الأطفال من دون تعليم هو أكبر كارثة"، مضيفا "لكننا في حاجة ماسة".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا