التزام الحكومة العراقية بضمان التعليم في الظروف الاستثنائية
د. علاء إبراهيم محمود الحسيني
2020-05-21 04:55
مع تفشي وباء كورونا في العراق والعالم برزت تحديات غير مسبوقة للحق في التعليم، فمن البديهي إن الفرد في العراق والعالم ينبغي أن يضمن حقه في التعليم لاسيما الأساسي وصولاً إلى التعليم الجامعي، وفي ظل توصيات منظمة الصحة العالمية وخلية الأزمة في العراق واللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية نجد إن هنالك جزء لم يتم تسليط الضوء عليه، إلا وهو الحق في التعليم أو استمرار التعليم فقد تزامن انتشار الجائحة مع منتصف العام الدراسي وكان بالإمكان الانتقال السلس والتام للتعليم الإليكتروني لضمان حق الأجيال في التعليم، فالدستور العراقي للعام 2005 نص صراحة في المادة (34) على مبادئ غاية بالأهمية تمثل التزامات قانونية وأخلاقية ومهنية للحكومة تتمثل بـ"
1- التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع.
2- التعليم حق تكفله الدولة.
3- يكون التعليم إلزاميا في المرحلة الابتدائية.
4- تكفل الدولة مكافحة الأمية.
5- التعليم المجاني حق للعراقيين في مختلف مراحله.
6- تشجع الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية.
7- ترعى الدولة التفوق والإبداع، والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ."
وفي ضوء المبادئ المتقدمة التي تعد منهج ملزم للحكومة العراقية الحالية أو السابقة التي انتهت أعمالها قبل بضع أيام نتساءل هل وفقت الحكومة في احترام حق الإنسان العراقي بالتعليم؟ الجواب على ما تقدم لا يزال مبكراً، بيد أن المتابع يلحظ العديد من الإشكاليات التي تتهدد هذا الحق الأساسي والتي نعرض لها بشكل نقاط:
أولاً/ التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع:
وهذا المبدأ الراسخ يعبر عن حقيقة ان المجتمعات إنما تنمو وتزدهر بالتعليم والعلم فقد استطاع العلم ان يحمي مجتمعات كبيرة في العالم من خطر وباء كورونا لننظر مثلاً إلى كوريا الجنوبية أو ماليزيا، وإلى حد ما كل من السويد أو كندا وبعض البلدان الأخرى، بينما كانت بعض البلدان رغم تطورها العلمي فريسة لهذا الفايروس القاتل ما تسبب في مأساة إنسانية، ولعل ما تقدم سببه العلم أيضاً فقد استهانت الكثير من الحكومات بالمرض ولم تبادر إلى إطلاع الرأي العام على الحقائق، أو تتخذ من الإجراءات الاحترازية المناسبة لمنع التفشي، وعلى الأقل إعلام الرأي العام بمعلومات حقيقية حول المرض وطرق الإصابة أو الوقاية>
فتقدم المجتمع العراقي لا يكون بالجهل أو المجاملة وما لاحظناه إن الجهات الرسمية أسهمت في التوعية ولكن بشكل متأخر بعد أن سمحت للشائعات والخرافات أن تتسلل إلى الأسر والأفراد حول طرق الوقاية البدائية، ولو إن الجهات العلمية أخذت دورها الطبيعي في التوعية المبكرة لكانت النتائج اليوم مختلفة حتماً، بدل أن تستغل اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية لتكون منبرا للكسب السياسي فقد أضيف إليها أشخاص لا علاقة لهم بالوضع الصحي ولا يهمهم سوى حب الظهور فكانت بعض القرارات مبعثرة وغير سليمة وتسببت بالتفشي بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ طالعتنا اللجنة يوم ما على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تستعد لعقد مؤتمر صحفي في حين هي لم تتفق على أهم المقررات والإجراءات واجبة الإتباع في العراق، ما يعني إن الارتجال رافق العمل فلن يكون عملها وسيلة لتقدم المجتمع، وهذه دعوة إرجاع الحق لأهله بأن تتشكل هذه اللجنة من أطباء من ذوي الاختصاص ويسندهم بعض المختصين بالجانب الاقتصادي والاجتماعي ليشكلوا لجنة أزمة تنظم محاضر ترفع أصوليا لمجلس الوزراء ليتم إعلانها والعمل بها.
ثانياً/ التعليم حق تكفله الدولة:
فالتعليم من أقدس حقوق الفرد في العراق والعالم أشارت إليه المواثيق العالمية والوطنية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (26) والعهدين الدوليين الصادرين في العام 1966بالمواد (18)(13) منهما، فهل تمكنت الحكومة العراقية من كفالة الحق في التعليم خلال جائحة كورونا؟ هل جعلت خدمة الأنترنيت مجانية أو برسوم مخفضة لضمان التحاق جميع الطلبة بصفوف افتراضية تمكنهم من الاستمرار بالتعلم ومواصلة الدرس؟ هل خصصت الحكومة منصات لتلقي الشكاوى ضد الشركات المحتكرة للاتصالات في العراق التي اعتادت على تقديم أسوء الخدمات بأعلى الأسعار؟ هل تم منح المؤسسات التعليمية كالجامعات منصات إليكترونية وسعات اتصال أنترنيت وغيرها للتواصل بين المدرس والطالب؟ هل كلفت نفسها وزارة التربية لتخصيص فرق متخصصة لمساعدة التلاميذ على التواصل مع أساليب التعليم المنزلي وتمكينهم من مواصلة دروسهم واستغلال أوقات الفراغ التي خلفتها الجائحة؟ هل كانت هنالك برامج هادفة لتمكين الفئات العمرية الصغيرة من فهم الجائحة وطرق التعامل الصحيحة معها لتجنب الإصابة أو التعامل مع المصابين؟ أم أن العبء الأكبر يقع على الطلبة المثقل كاهل أسرهم أصلاً بتكاليف المعيشة في ظل الحظر المفروض على التجول والتباعد الاجتماعي؟
ثالثاً/ يكون التعليم إلزاميا في المرحلة الابتدائية:
يفترض بالتعليم الأساسي أن يكون إلزاميا وهذا ما أشار إليه الدستور العراقي وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966 في المادة (13) التي أشارت إلى "جعل التعليم الابتدائي إلزامي ومتاح للجميع" والتعليم في العراق نعم مجاني لكن هل هو متاح للجميع؟ الجواب كلاً والسبب إن السلطات العامة التشريعية والتنفيذية خلال السنوات السبعة عشر الماضية أثبتت فشلاً ذريعاً في الإحاطة بأسباب التسرب من المدارس وعلى رأسها الأسباب الآتية (الإرهاب، التهجير، النزوح، الفقر، العادات الاجتماعية المتخلفة) وغير ما تقدم من أسباب شكلت عوامل تسرب من التعليم ويطالعنا يوميا العديد من الأطفال ممن اضطروا للعمل في سن مبكرة لما تعانيه عوائلهم من فقر مدقع وإهمال حكومي متعمد ومزمن، والأخطر إن هذه الظاهرة ستستفحل لا محالة بعد أزمة جائحة كورونا.
رابعاً/ تكفل الدولة مكافحة الأمية:
ومكافحة الأمية تفترض قيام الدولة وفق آليات وبرامج محددة بحملات منظمة للقضاء على أمية القراءة والكتابة التي باتت تهدد الأجيال القادمة، على أن ترافقها إستراتيجية حقيقية لمكافحة الأمية بمعناها الواسع على جميع الأصعدة كالأمية الثقافية والمجتمعية وحتى الاقتصادية بالعمل النهوض بهمم الأفراد للبدء بالعمل في القطاع الخاص وفق آليات المشاريع الصغيرة لتقليل الاتكال على الدولة والوظائف الحكومية، أضف لما تقدم كثير من الموظفين والعمال يعد أمياً بآليات العمل من المنزل الذي تتطلبه ظروف تفشي الوباء، فما الحلول الحكومية لهذه المشكلة؟.
خامساً/ التعليم المجاني حق للعراقيين في مختلف مراحله:
وهذا الالتزام أشار إليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 في المادة (26) والتي نصت على الآتي (لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية) وما تقدم يتطلب الوقوف على مدى استعداد الهيئات التعليمية والتربوية للنهوض بواجباتها المهنية إزاء التلاميذ والطلبة، ويتبادر إلى الذهن سؤال هل استطاعت الحكومة توفير الماء الصالح للشرب في المدارس أصلاً؟، وهل نجحت وزارة التربية بحل مشكلة توفير الصرف الصحي في المدارس؟ أو تأهيل الأبنية المدرسية لتستوعب ذوي الاحتياجات الخاصة؟، هل تمكنت الوزارة المختصة من استبدال مدارس الطين أو الصفيح بمدارس عصرية تتوافر فيها ما يجذب الطالب للدراسة؟، والأمر ذاته بالنسبة للجامعات فلا تقل أبنيتها سوءً عن المدارس حيث لا تتوافر أدنى مقومات طرق وأساليب التعليم الحديث ويحشر الطلبة كالأفواج في قاعات واسعة وكبيرة تفتقد لوسائل التعليم ويستحيل فيها التواصل الإنساني بين الطالب والأستاذ، فهل هذا المقصود من المجانية في التعليم بالطريقة العراقية أي تقديم خدمات سيئة فيضطر الأمر الكثير من الأسر إلى تسجيل أبناءهم في المدارس الخاصة أو الأهلية فتنتفي صفة المجانية في التعليم تماماً، وجائحة كورونا لما اضطرت الجميع للجلوس بالبيت شكلت فرصة تاريخية لتصحيح المسارات أعلاه، بزيادة الكوادر البشرية والإمكانيات المادية لغرض ضمان مخرجات مؤهلة للقيام بالمهام الموكلة إليها في المستقبل بدل تخريج بعض الأفراد المعوقين علمياً وتدريبياً.
سادساً/ تشجع الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية:
والهدف المتقدم إنساني بامتياز ونحن بأمس الحاجة اليوم للعلماء العراقيين وغيرهم لتطوير اللقاحات والعلاجات وتفعيل طرق الوقاية والسلامة من وباء كورونا، والإسهام في تحريك عجلة الاقتصاد من بوابة تفعيل المصانع والمعامل، ونعتقد جازمين إن التفاعل العلمي بين الجانب العلمي والتطبيقي عبر مذكرات تفاهم تسهم في استثمار نتاج العلماء من المبتكرات وبراءات الاختراع بالمعامل أو المصانع ونقل المشاكل التي تواجه أي مفصل للجامعة ومراكز البحث والتطوير لإيجاد الحلول، إلا أن ما يدعو إلى القلق إن نتاج العلماء العراقيين يتسرب إلى الخارج بكل بساطة لان وزارتي التعليم والتربية اشترطت على الباحثين العراقيين نشر نتاجهم العلمي بمجلات أجنبية وأهملت المجلات العلمية الوطنية دون النظر لأهمية النهوض بالثروة العلمية الوطنية فحقوق الملكية الفكرية للعالم العراقي ستكون في مهب الريح والمعالجات العلمية سيستفيد منها الغير إذ أحد الإحصاءات تشير إلى نشر الباحثين العراقيين ما يقرب الخمسين ألف دراسة علمية في المجلات الأجنبية.
سابعاً/ ترعى الدولة التفوق والإبداع، والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ:
إذ يفترض بالعراق أن يرق إلى مصاف الدول المتقدمة والتي تحوز مؤسساتها التعليمية المراكز المتقدمة حول العالم بإعادة النظر بنظام التعليم التقليدي والتوسع بخطط طموحة من خلال برامج اكتشاف وتنشئة المواهب بكل القطاعات وبالخصوص من يملك موهبة علمية لضمان النفع العام،وهذا ما أشارت إليه المادة (13) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في العام 1966، تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية، والحس بكرامتها، والى توطيد احترام حقوق الإنسان، وهي متفقة أيضاً على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمعه حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم..
مما تقدم نجد لزاماً علينا الدعوة إلى تضافر الجهود الحكومية والتشريعية من أجل إيجاد الحلول السريعة بما يكفل للعراقي حقه الكامل في التعليم بكل الظروف الطبيعية منها أو الاستثنائية.