حذارِ من داء الغرور
الشهادات الدراسية لا تمنحنا الموهبة والإبداع
فهيمة رضا
2017-07-26 04:30
يحكى أنّ هنالك نهرا كبيرا لم يكن باستطاعة احد أن يبني فوقه جسرا، لذلك أحد الرجال كان يمتلك قاربا صغيرا فيقوم بنقل المسافرين من هناك إلى الضفة الأخرى وبالعكس، ويستلم مبلغا ضئيلا من المال حيال هذا العمل الشاق، في إحدى المرات جاء رجل فيلسوف كان يُمضي معظم وقته في طلب العلم وركب معه، تأمل الفيلسوف حركة القارب والعبور وصعود الناس ونزولهم وضرب صاحب الزورق للماء بالمجذاف ثم سأل صاحب القارب: هل أنت متعلم؟. ثم أضاف قائلا: لا أظن أنك تعرف شيئا عن العلم والمدرسة. وراح يستهزئ بصاحب القارب الذي أجابه وعلى وجهه تكمن علامات الحزن: لم أدخل المدرسة يوما!. فقال له الفيلسوف: لقد ذهب نصف عمرك هباء.
فجأة تغيرت الأجواء وكأن الماء أصيب بالحزن أيضا بسبب كلام هذا لفيلسوف الذي لم يضفِ العلم الذي تعلمه ذرة الى ذوقه وتصرفه، فما فائدة العلم الذي تعلمه وهو لا يعرف كيف يتكلم مع من هم دونه علما وثقافة.
غضب الجميع من كلام الفيلسوف غير المدروس ولا المقبول، ثم بدأت أمواج التيارات المائية تتصارع فيما بينها، وسقط الفيلسوف وصاحب الزورق كلاهما في دوّامة المياه العارمة، ثم بدأ الفيلسوف يصرخ ويطلب النجدة كي يتم إنقاذه من غرق محقق، وفي تلك الأثناء سأله صاحب القارب:
- ألم تعرف السباحة؟.
فقال:
- كلا!.
استغرب صاحب الزورق من هذه الإجابة، وارتسمت على ثغره نصف ابتسامة فظهرت في وجه صاحب الزورق وقال للفيلسوف:
- لقد ذهب عمرك كله هباء.
إنه الغرور كما قال بعضهم يمكنه أن يحوّل الملائكة إلى شياطين.. وإنه التّواضع الذي يمكنه أن يحول الناس إلى ملائكة. فمهما علا شأن الإنسان لا يحق له أن يستهزئ بالآخرين في حين ينظر الى نفسه بعين استثنائية، فربما الذي يقف أمامك لم يعرف شيئا عن الرياضيات والهندسة ولكنه قد يعرف جميع سطور الإنسانية ويتقن أخلاقياتها ويعمل بالقيم التي تحفظ للناس مكانتهم وتضاعف شعورهم بالكرامة.
فربما بعضهم لا يعرف البيولوجيا ولا علم الأحياء أو الفيزياء أو العلوم الأخرى، ولكنه يتقن قواعد الأدب مع الآخرين ويعرف حدوده ويتقن كيفية التكلم مع الآخرين بلطف وذوق ويراعي مشاعرهم ويحترم أشخاصهم، ويشعرهم بمكانة عالية واحترام يجعلهم يشعرون بالثقة والاعتداد بالنفس، فالإنسان الذي يحترمه الآخرون سوف يكون مبدعا منتجا متوازنا ومفيدا لنفسه وللآخرين، وهكذا حين تضع الغرور جانبا وتحترم الناس فإنك تساعد في بناء مجتمع محترم تسوده قيم التعاون.
وعلينا أن نعترف بأن الشهادات الجامعية والمواظبة على الحضور في المداس لا تعني إن الشخص المتعلم أصبح من العظماء والناجحين وتعلم أصول التعاملات الإنسانية، والعكس صحيح فربما يسعى الفرد الى تعليم نفسه بنفسه وتطلعاته تجاه العالم، لذلك نجد أن هناك عددا هائلا من العظماء والناجحين أجبرتهم الظروف على ترك صفوف الدراسة ولم يكملوا دراستهم ولم يحصلوا على شهادة جامعية ولكنهم تحدوا العالم كي يصلوا الى ما يبتغون من أهداف، وتحدوا الظروف حتى يعرف العالم أجمع بأنهم أقوياء ولا يمكن أن يطولهم الاستسلام، ومن هؤلاء:
الأخوان رايت:
وهما صاحبا أهم وأعظم الاختراعات في التاريخ الإنساني، فقد كانوا من بين أهم مائة شخصية حول العالم، حيث قاما بصنع طائرة رغبة منهما باستخدامها لأغراض السلم فقط بعيدًا عن الحروب، وتم صنع أول طائرة حربية مع وزارة الدفاع الأمريكية وكانوا مهتمين بالميكانيكا منذ الصغر والتحقوا بالمدرسة حتى التعليم الثانوي ولم يحصلوا على أية شهادات تذكر.
جريجور مندل
وهو مؤسس علم الوراثة حيث تم نشر ابحاثة منذ عام 1866 التحق بمعهد أولموك للفلسفة ولكنه لم يكمل الدراسة التحق بالنمسا واصبح قسا وتخصص في اوقات الفراغ لدراسة العلوم الطبيعية قادته تجاربه التي كان يعكف عليها في حديقة الدير لتأسيس علم الوراثة لكنه لم ينل ذلك اللقب إلا بعد وفاته.
مايكل ديل
مؤسس شركة ديل وهو من بين افضل 500 شركة على مستوى العالم، التحق بجامعة تكساس في بادي الامر ولكن طموحه تجاوز الجامعة فأسس شركة ديل للكمبيوتر برأس مال لا يتجاوز الالف دولار ولكن الآن وصلت إيراداتها الى نحو 95 مليار دولار.
أجاثا كريستي
بطلة رواية الجريمة بالعالم هي من أكثر الكتاب قراءة على مستوى العالم بعد وليم شكسبير حيث تم بيع ما يقرب من ملياري نسخة من كتبها، لم تلتقي أجاثا بأي مدرسة حيث تلقت التعليم بالمنزل على يد والدتها حيث كان لها الفضل الأول في تعليمها الكتابة والتأليف وهي في سن صغير حيث كانت البداية بعيدًا عن أبواب المدارس والجامعات.
لذلك مهما بلغنا من المراتب في العلم والمال والنجاح.. يجب أن لا نضيع في متاهة التكبر والغرور لان هناك من هم أفضل منا على الدوام، ربما يكون أحدهم صغيراً في الأرض ولكن يلمع بين أهل السماء:
ولا تمشِ فوقَ الأرضِ إلا تَواضُعاً ... فكم تحتَها قومٌ همُ منك أرفع
فإِن كنتَ في عزٍ وخيرٍ ومــــــــــــنعةٍ ... فكم ماتَ من قومٍ منك أمنعُ.