المعلم العراقي حزين في عيده
اسعد عبد الله عبد علي
2017-03-05 08:02
اتصل بي صديقي محمد وهو معلم في أحد مدارس أطراف بغداد، يحدثني عن مصاعب الحياة، والتي ازدادت ضغوطها في السنوات الثلاث الاخيرة، وتكلم بحرقة عن رواتب المدرسة التي تتأخر كل شهر، مما يجعل باب الاستدانة مفتوح، حدثني عن حقده كبير للطبقية التي أسسها النظام الحاكم، عبر تشريع رواتب متفاوتة بين موظفي الدولة، فئة تستلم الملايين وفئات تستلم "الفتافيت"، كأن المشرع تقصد ذلك، كي تشيع الفتنة وينتشر الفساد، تحت عنوان الحاجة وضغط الظروف، حاولت تذكيره بأهمية الصبر، وان يضع ثقته بالله، فلا املك الا الكلمات والدعاء.
المعلم العراقي يعاني كثيرا ومنذ سنوات، نتيجة الإهمال مقصود من قبل السلطة التشريعية والتنفيذية لمهنة التعليم، وعدم مبالاتها بما يحصل لمهنة التعليم، فان الفوضى التي أسسها نظام الحكم، كانت السبب في تضييع حقوق العراقيين، فان شرائح عديدة من المجتمع سلبت حقوقها منها المعلم، وهذا الأمر هو السبب في الأزمات الخانقة، التي تعاني منها الدولة العراقية.
أحاول هنا أن افكك الأسباب الرئيسية لمشاكل المعلم اليومية، مع البحث عن حلول ممكنة التنفيذ.
● رواتب بائسة بفعل فاعل
دول العالم المتحضر تقوم بدعم المعلم، وتعطيه رواتب مناسبة، كي تجعل عطائه مستمر، ولكي تحميه من ذل الحاجة، لكن في العراق يتم عكس المفروض، فيعطى المعلم راتب بائس، بالكاد يسدد به بعض التزاماته، مع أن الحكومة والسلطة التشريعية تشرع وتعطي رواتب خيالية، لموظفي البرلمان وأمانة رئاسة الوزراء والنفط والسفارات، مع أن ما يقدمه المعلم أهم واكبر من تلك الفئات ذات الحظوة، فقط لان المعلم بعيد عن السلطة وتلك الفئات قريبة من السلطة، فالفيصل في عطاء الحكومة القرب والبعد.
الرواتب التي لا تكفي، تخلق مشكلة للمعلم ولمهنة التعليم، حيث تدفع المعلم الى أن يبحث عن مصادر رزق أخرى، على حساب وقته كمعلم، فالبعض يتحول الى سائق أجرة، وأخر يصبح مصور، ومعلم أخر يعمل حلاقا، هذا على حساب راحته ووقته فيقل عطائه، والبعض يلجأ الى أسلوب خاطئ، وهو اعتماده على إعطاء الدروس الخصوصية مقابل الأجرة، فيتعمد عدم الشرح الكامل للمادة الدراسية كي يلجأ اليه الطلاب، أي أن الحكومة عمدت الى تخريب التعليم عبر تعسير حال المعلمين.
● ماذا يحتاج المعلم؟
المعلم العراقي يحتاج للكثير، بعد أن عسرت عليه الحكومات المتعاقبة، ولإنقاذ التعليم من واقعه السيء، يجب توفير هذه الأمور للمعلم وللبيئة التعليمية، كي تنجح أي سياسات أو خطط جديدة ستوضع من قبل الباحثين عن الإصلاح الحقيقي للتعليم في العراق، والأمور المقترحة لدعم المعلم والتعليم هي:
أولا: رفع راتب المعلم بحيث يوازي رواتب موظفي أمانة رئاسة الوزراء والبرلمان، ويتم هذا عبر تخصيص نفس مخصصات أمانة رئاسة الوزراء والبرلمان.
عندها ستحصل قفزة في نواحي عديدة، أولا رفع الدخل لشريحة اجتماعية واسعة، وتقليل الفوارق الطبقية التي خلقها النظام الفاسد، وتفريغ المعلم للعطاء، حيث يصبح وقته فقط لوظيفته كمعلم.
ثانيا: توزيع قطعة ارض لكل معلم، بغض النظر عن امتلاكه عقار، مما يسهل على الكثيرين ممن يسكنون في بيوت الإيجار، وبالتالي التأثير الايجابي على سوق العقارات، مما يعود بالانفراج على الشعب العراقي ككل.
ثالثا: توفير دورات تطويرية على مستوى عال للمعلمين، فتكون الايفادات دورية بين المعلمين، بدل صرف أموال الايفادات على طبقة الفاسدين، والذين ضيعوا أموال العراق طيلة السنوات السابقة.
رابعا: التغيير المستمر لإدارات المدارس، لان خلل المدارس ينبع من الادارات الفاشلة أو الفاسدة، فالبيئة التعليمية لكي تنهض تحتاج لعملية تغيير الادارات، خلال سقف زمني مع التقييم والمحاسبة المستمرة.
● الرقابة ثم المحاسبة ثم الرقابة
مقابل هذا العطاء المطلوب للمعلم والمدرسة، يجب أن يكون هناك نظام رقابي فعال ومنتج وحقيقي، باستخدام التكنولوجيا من منظومة معلوماتية وأساليب إحصائية للتقييم، فيكون تقييم حقيقي للمعلم، وعلى أساسها الاستمرار أو الإبعاد، مع زيارات دورية ومفاجئة لفرق التفتيش، بالاضافة لاستجواب سري للطلاب للتأكد من علاقة المعلم مع الطلاب ومدى اهتمامه بمهنته، مع فرض وضع كاميرات في قاعات التدريس، ويتم مراقبة يومية من الإدارة وفرق التفتيش، بالاضافة لفرض غرامات كبيرة وعقوبات شديدة، على كل معلم يعطي دروس خصوصية، باعتباره احد أسباب تدهور التعليم.
فعبر الرقابة والمحاسبة والتقييم، تنهض مهنة التعليم، وتعود للعراق مكانته المرموقة السابقة، والتي كانت مضرب المثل.
● الثمرة
هذا الأمر ان تم، بعد شرط توفير ما يحتاجه المعلم، فانه سيحقق طفرة غير مسبوقة في التعليم، ويحصل الحلم الذي انتظره العراقيون طويلا، ونحصل على أجيال متطورة وواعية، فهل يأتي ذلك يوم قريبا، وهل تستجيب السلطة التشريعية والتنفيذية لمطالب المعلم المشروعة، وهل تنصفه بعد ليالي الظلم الطويلة؟ الأيام القادمة هي من ستجيبنا.