أوبك بين الفروقات السعرية للنفط وزيادة الانتاج الصخري
إيهاب علي النواب
2017-02-25 05:10
كلنا نعلم ان قرار أوبك بالتخفيض كان خطوة مهمة في رفع اسعار النفط، ولكن هل سيصمد لوقت طويل، لاسيما وان البيانات تظهر ان التخمة من المعروض النفطي لاتزال مستمرة وقوية لحد اللحظة، اذ صرح محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك إن المنظمة والمنتجين من خارجها بما في ذلك روسيا سيعززون الالتزام بتخفيضات إنتاج النفط التي تم الاتفاق عليها للتخلص من تخمة الإمدادات التي أثرت سلبا على الأسعار، اذ ارتفعت أسعار النفط بعد التصريحات ليجرى تداوله فوق 57 دولارا للبرميل في لندن، ورغم ارتفاع الخام من مستويات منخفضة قرب 30 دولارا للبرميل فإنه مازال يقل عن نصف مستوياته منتصف 2014 بسبب استمرار تخمة المعروض، وتقلص منظمة البلدان المصدرة للبترول إنتاجها بواقع 1.2 مليون برميل يوميا وهو أول خفض للإنتاج في ثمانية أعوام، ووافقت روسيا وعشرة منتجون آخرون من خارج أوبك على خفض الإنتاج أيضا بنحو نصف تلك الكمية.
تحسن التزام غير الأعضاء بتخفيضات إنتاج النفط
بينت مصادر في أوبك إن الأحد عشر منتجا للنفط الذين انضموا إلى اتفاق عالمي لخفض الإنتاج بهدف تعزيز الأسعار قد حققوا 60 بالمئة على الأقل من التخفيضات التي تعهدوا بها وهو ما يفوق التقديرات الأولية، وتمت مراجعة أرقام الالتزام خلال اجتماع في فيينا حضره مسؤولون من الدول المكلفة بمراقبة مدى الامتثال لمستويات الإنتاج المتفق عليها وهي الكويت وفنزويلا والجزائر من أوبك إضافة إلى روسيا وسلطنة عمان من غير الأعضاء، وحضرت أيضا السعودية بصفتها الرئيس الحالي للمنظمة.
وناقش الاجتماع أيضا التزام أوبك نفسها الذي أشارت تقديرات من مؤسسات حكومية وشركات استشارية ووسائل إعلام القطاع إلى أنه يتجاوز التسعين بالمئة وهو مستوى قياسي وفقا لوكالة الطاقة الدولية، ويرجع انخفاض مستوى التزام الدول غير الأعضاء حتى الآن إلى أسباب منها أن روسيا تطبق الاتفاق بشكل تدريجي وهي أكبر منتج غير عضو يتعاون مع أوبك، وأوضحت روسيا إنها ستتدرج في تطبيق حصتها من الخفض بدلا من تنفيذها في الشهر الأول من الاتفاق وقد عمدت في يناير كانون الثاني إلى خفض المعروض 100 ألف برميل يوميا، وتعهدت موسكو في الاتفاق بخفض الإنتاج 300 ألف برميل يوميا.
إنتاج النفط الصخري الأمريكي يكبح ارتفاع الأسعار
ذكر بوب دادلي الرئيس التنفيذي لشركة بي.بي إن من المرجح أن يكبح إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة أي ارتفاعات في أسعار النفط في المستقبل وأن الشركة ترى أن 55 إلى 60 دولارا للبرميل هو سعر جيد للخام، وأضاف أن سعرا يتحرك إلى 55 دولارا أو يحوم حول 60 دولارا مناسب وإن السعر الجيد بين 55 و60 دولارا.
لكن ما يقوض جهود أوبك في تخفيض الانتاج هو زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة حيث أدت زيادة أنشطة الحفر وبصفة خاصة من جانب منتجي النفط الصخري إلى ارتفاع إجمالي الإنتاج إلى 8.98 مليون برميل يوميا، وحذرت بي.بي من أنه بينما تفضل الدول المستهلكة أسعارا منخفضة للمنتجات النفطية فإن ذلك ليس جيدا بالضرورة لتوازن الأسواق العالمية.
الصين تلجأ للنفط الأمريكي بعد خفض أوبك إنتاج الخام الثقيل
تلجأ شركات التكرير المستقلة في الصين إلى جلب شحنات نادرة من خام أمريكا الشمالية الثقيل في تدفقات جديدة قادمة من مسافات طويلة يقول التجار إنها باتت ممكنة فقط بسبب تخفيضات إنتاج أوبك ووفرة الإمدادات في كندا والولايات المتحدة، وأفادت مصادر تجارية وملاحية إنه ما لا يقل عن مليون برميل من خام مارس الثقيل جرى ضخها من خليج المكسيك الأمريكي ومن المتوقع أن تصل إلى إقليم شاندونغ الصيني نيسان بالإضافة إلى كمية حجمها مليون برميل من خام ثقيل لم يتم تحديده ستصل إلى الصين.
ويأتي ذلك بعد وصول 600 ألف برميل من مزيج الخليج الأمريكي وهو خام ثقيل مكون من مزيج أنواع مختلفة من الخامات الأمريكية والكندية جرى تحميلها على متن سفن على ساحل الخليج الأمريكي، والخام الثقيل أكثر كثافة ولزوجة من أنواع الخام الأخرى. وتقدر شركات التكرير التي تضم منشآت تستطيع معالجة هذه الأنواع من النفط أهمية الخام الثقيل لانخفاض ثمنه الذي يحقق لها هوامش ربح أعلى عند إنتاج الوقود من هذه الخامات.
واستهدفت تخفيضات الإنتاج التي أجرتها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الخام الثقيل ومن بين من خفضوا إنتاجهم من الخام الثقيل المملكة العربية السعودية وفنزويلا، وأدى ذلك إلى زيادة أسعار خامات الشرق الأوسط للتسليم في آسيا وهو ما جعل شحن الخام من روسيا وحوض الأطلسي والولايات المتحدة إلى آسيا اقتصاديا للتجار، ومنذ أواخر العام الماضي زادت الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم وارداتها من أمريكا الشمالية وهي واحدة من المناطق القليلة التي ينمو فيها إنتاج النفط.
زيادة الارباح بسبب أسعار الشحن الرخيصة في آسيا
زاد تجار النفط من أنحاء العالم ومن دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والبرازيل مبيعاتهم إلى آسيا لثلاثة أمثالها مستفيدين من فجوة المعروض الناجمة عن تخفيضات الإنتاج بقيادة أوبك التي أعلنت أواخر العام الماضي، وتظهر البيانات الخاصة وتوقعات النفط أن حوالي 30 ناقلة عملاقة قامت برحلات طويلة لشحن الخام من الأمريكتين وبحر الشمال وحوض المتوسط إلى مصافي التكرير في أنحاء آسيا المستهلك الأكبر والأسرع نموا في العالم.
وتأتي التحركات غير المعتادة بعد قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين آخرين من بينهم روسيا أواخر العام الماضي خفض الإنتاج نحو 1.8 مليون برميل يوميا في النصف الأول من العام الحالي في مسعى لكبح تخمة المعروض العالمي ورفع الأسعار، وذكرت المصادر تجارية إن من الشركات الأكثر انخراطا في صفقات الشحنات البعيدة كبار منتجي النفط مثل بي.بي ورويال داتش شل وشركات تجارة السلع الخاصة مثل ترافيجورا وفيتول ومركوريا وشركة التكرير الصينية يونيبك، وثمة مشاركات أيضا من عملاق التعدين جلينكور وشركة النفط الوطنية الأذربيجانية سوكار وبتروبراس البرازيلية.
ويستطيع التجار التربح من نقص المعروض في منطقة ووفرته في أخرى مستغلين تكاليف الشحن المنخفضة نسبيا وفروق أسعار النفط الخام بين المناطق المختلفة، فعلى سبيل المثال يبلغ سعر التداول الحالي للعقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 54.50 دولار للبرميل في حين يتكلف خام القياس العالمي برنت 56.90 دولار لتبلغ علاوة برنت فوق خام غرب تكساس الوسيط 2.40 دولار للبرميل بعد أن كانا متعادلين تقريبا أواخر نوفمبر تشرين الثاني قبل أن تعلن أوبك تخفيضاتها.
وتعكس التخفيضات اتجاه سياسة أوبك بعد عامين من ضخ النفط بأقصى طاقة لإبقاء الأسعار منخفضة مع سعي المنظمة لإخراج المصدرين المنافسين من السوق، ولسد الفجوة التي تركتها أوبك قفزت شحنات الخام إلى آسيا من الولايات المتحدة وبريطانيا والبرازيل وحتى من ليبيا التي تعاني من ويلات الحرب إلى أكثر من 35 مليون برميل شباط بما يعادل 1.26 مليون برميل يوميا من 10.4 مليون برميل أو 336 ألف برميل يوميا، ويعني ذلك بالنسبة لأوبك التي تلبي تقليديا نحو 70 بالمئة من الطلب الآسيوي على النفط فقدان خمسة بالمئة من حصتها السوقية.
ورغم أن علاقات أوبك مع العملاء في آسيا جيدة في معظم الأحيان فإن شركات التكرير بمراكز شمال آسيا في اليابان والصين وكوريا الجنوبية تقول إنها مستعدة للشراء من موردين آخرين لتلبية حاجاتها، وتظهر جداول التحميل ارتفاع صادرات الخام الأمريكية إلى آسيا لأكثر من 3.5 مليون برميل متضمنة أول شحنة نفط أمريكية تسلم إلى الهند من أقل من مليون، وقفزت الشحنات البريطانية إلى أكثر من 10.5 مليون برميل من 1.6 مليون برميل فحسب، وبلغت الشحنات المتجهة إلى آسيا من البرازيل مستوى قياسيا عند 16.7 مليون برميل ارتفاعا من 6.9 مليون في أكتوبر وتضاعفت شحنات ليبيا عضو أوبك المستثنى من التخفيضات إلى مليوني برميل.
وجاءت واحدة من أوائل الشحنات الطويلة الرئيسية المتجهة إلى آسيا خلال جولة تجارة فروق الأسعار هذه من بي.بي التي استخدمت أواخر العام الماضي أكثر من خمس ناقلات لشحن نحو ثلاثة ملايين برميل من الخام الأمريكي لمسافات وصلت إلى 30 ألف كيلومتر إلى أستراليا وتايلاند واليابان، وفي صفقات مماثلة شحنت يونيبك وترافيجورا النفط الأمريكي من خليج المكسيك إلى الصين، ومن بين شاحني خام بحر الشمال إلى آسيا فيتول ومركوريا وترافيجورا وجلينكور وشل ويونيبك وسوكار، حيث كان المصدر الرئيسي من البرازيل هو شركة بتروبراس المملوكة للدولة حسبما تظهره بيانات الشحن ويذكر المتعاملون إن خامها حل محل نفط من أنجولا عضو أوبك، وتبلغ أسعار الشحن القياسية من الشرق الأوسط إلى اليابان للناقلات العملاقة 71 نقطة على ما يسمى بمعدل القياس العالمي الذي تبلغ قيمته الأساسية 100 وذلك مقارنة مع معدل طويل الأجل يبلغ نحو 76 للسنوات العشر الأخيرة.
هل ينصف المستقبل أوبك؟
أستطاعت أوبك وبعد جهد مضني من الحفاظ على ماء وجهها من خلال التخفيض في انتاج الدول المنضوية تحت لوائها، الا ان ذلك فتح امامها عقبات كثيرة منها تحول الطلب نحو النفط الصخري، فضلاً عن بروز التهريب والسوق السوداء، وهذا ماقد يشكل عقبة أمام أوبك وتحقيقها لأهدافها المتمثلة بالوصول الى سعر قياسي للنفط، ومن ناحية أخرى يرى محللون أن أوبك لن تنجح في قرارها هذا حتى وأن حقق جميع الاعضاء التزاماتهم بهذا الخصوص، لاسيما وأن التوجه الحالي نحو تقليل الاستهلاك من النفط والاتجاه نحو المصادر البديلة، حتى وان كان هذا الاخير قد يأخذ وقتاً طويلاً، الا أنه مازال يمثل تهديداً لأوبك وأعضاءها، وفي هذا الاتجاه يرى محللون أخرون وأن كانت تحليلاتهم متطرفة بعض الشيء، وهو أنه في المستقبل قد تختفي أوبك وتنتهي سطوتها وتتفكك بشكل نهائي.