بريطانيا بعد البريكست: الدخول في مرحلة الإنكماش الاقتصادي
إيهاب علي النواب
2016-12-04 07:41
كما هو معلوم لدى الجميع، ان جزء كبير من الاقتصاد يتحرك وفقاً للتوقعات السائدة في المجتمع سواء في الداخل او على مستوى ما يحصل في العالم، وبما أن الرأسمالية الحالية هي رأسمالية مالية، تحركها حركة الأسهم والسندات والتحويلات بين المصارف والشركات فيما يتعلق بالفوائد والاستثمارات المالية، وبما أن هذه تحركها في الغالب التوقعات، فعليه تؤثر التوقعات بشكل كبير في مجريات الاحداث.
وما حصل بعد انفصال بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ترك موجة من التوقعات تسود الاقتصاد حول مستقبل بريطانيا فيما يتعلف بالنمو والانتاج والتصدير وغيرها، حيث ذكر فيليب هاموند وزير المالية البريطاني إن بلاده خفضت توقعاتها الرسمية للنمو الاقتصادي للعامين المقبلين، جاء ذلك بعد إلقاء هاموند أول بيان لميزانية بلاده منذ صوت الناخبون على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وترك ضعف المالية العامة مجالا محدودا أمام هاموند لزيادة الإنفاق العام أو إجراء تخفيضات كبيرة على الضرائب، وأفاد هاموند إن صافي دين القطاع العام من المتوقع أن يرتفع إلى أعلى مستوى له عند 90.2 في المئة في 2017-2018 وذلك من تقديرات بنسبة 81.3 في المئة في مارس آذار.
في حين صرح مكتب مسؤولية الموازنة الذي يصدر توقعات مستقلة عن الميزانية البريطانية إن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بنسبة 1.4 في المئة في 2017 انخفاضا من توقعات عند 2.2 في المئة في مارس آذار قبل أن يقرر الناخبون الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبين هاموند أيضا إن مكتب مسؤولية الميزانية يتوقع نموا يبلغ1.7 في المئة في 2018 مقارنة مع توقعات مارس آذار البالغة 2.1 في المئة، وإن الحكومة البريطانية ستقترض 122 مليار استرليني إضافية على مدى السنوات الخمس المقبلة مقارنة بما توقعته قبل تصويت البلاد على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأضاف هاموند أنه سوف يطلق صندوقا لاستثمار 23 مليار استرليني (28.58 مليار دولار) في السكك الحديدية والاتصالات والبنية التحتية للإسكان على مدى السنوات الخمس المقبلة.
الحكومة البريطانية والمخاوف الاقتصادية بعد الانفصال
ومن أجل الحد من جو المخاوف السائد، تطرقت تريزا ماي لخطط تتضمن وضع قواعد جديدة لحوكمة الشركات من شأنها الدفع بالنمو الاقتصادي، وتحاول رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي التخفيف من حدة مخاوف مؤسسات الأعمال حيال التغيرات المفاجئة المحتملة في أوضاعهم عندما تنفصل بريطانيا رسميا عن الاتحاد الأوروبي.
وتعهدت ماي، أثناء حديثها في مؤتمر انعقد بمعهد كونفرانس بورد للأبحاث الاقتصادية، بأن تتوصل بلادها مع الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مبكر حول الوضع القانوني لوجود البريطانيين في دول الاتحاد، وكذا الوضع القانوني لإقامة الاوروبيين من دول الاتحاد في بريطانيا.
وصرحت رئيسة الوزراء إن "الناس لا يريدون أن يشعروا أنهم على حافة الهاوية، لكنهم ينتظرون يتأكدوا بشكل دقيق كيف ستسير الأمور بعد الانفصال."
وتضغط مجموعات أعمال عدة في اتجاه عقد اتفاق انتقالي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تسير بموجبه الأمور على صعيد الأعمال بالطريقة نفسها، التي كانت تسير بها قبل خروج بريطانيا من الاتحاد، وأكدت ماي أنها تتفهم مخاوف الشركات والمستثمرين، وأنها تعلم جيدا أن "هناك مشكلات تحتاج إلى المناقشة."
وأضافت"سوف يكون ذلك جزءا من عملنا في إطار المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي".
وتعهدت أيضا بأن تتسم خطط الحكومة البريطانية بأكبر قدر ممكن من الوضوح، لكنها لن تصدر تصريحات "عن كل الجوانب التفصيلية التي ستتطرق إليها المفاوضات."
ورفضت الحكومة البريطانية التعليق على ما إذا كان التعبير الذي استخدمته ماي، "حافة الهاوية"، يشير ضمنيا إلى أنها تسعى إلى اتفاق انتقالي يغطي الفترة ما بين انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، حتى بداية العمل باتفاقية التجارة الجديدة.
وركزت رئيسة وزراء بريطانيا أثناء حديثها في مؤتمر معهد كونفرانسبورد، على عدة نقاط أساسية، تضمنت استثمار ملياري جنيه إسترليني في البحث العلمي بحلول عام 2020، وإطلاق استراتيجية أنشطة اقتصادية تستهدف نشر النمو الاقتصادي في جميع أنحاء بريطانيا.
كما تطرقت إلى ضرورة اختبار قدرة الشركات على الابتكار الذي يمكنها من الدخول في استثمارات طويلة الأجل.
وتؤكد ماي أنها بصدد اتخاذ إجراءات من شأنها دعم النمو الاقتصادي في جميع أنحاء بريطانيا
وأشارت أيضا إلى إطلاق مبادرة بحثية لمؤسسات الأعمال الصغيرة، لتحديد مستوى ما تملكه الشركات من قدرات ابتكارية تساعدها على الانطلاق نحو مشروعات جديدة.
وأكدت أن الحكومة سوف تبحث خططا لإصلاح نظم حوكمة الشركات، بما في ذلك رواتب المسؤولين التنفيذيين ومسائلة حاملي الأسهم، وأضافت أنها لا زالت تفضل تمثيل العمال في مجالس الإدارة، نافية تفسير البعض لتصريحاتها على أنها عرضا لنهج جديد يستهدف غياب هذا التمثيل.
كما بالعمل على دفع معدلات الإنتاج، وخفض الضرائب على الشركات، مقابل تعامل مؤسسات الأعمال مع قضايا مثل رواتب التنفيذيين ومسائلة حاملي الأسهم.
حيث ترى أنه على الحكومة أن تقدم المزيد من الدعم للشركات التي تتمتع بقدرات ابتكارية في شكل حوافز ضريبية يتبناها النزام الضريبي البريطاني، مؤكدة أنها تسعى لأن تكون ضريبة الشركات هي الأقل على الإطلاق بين المستويات المطبقة في دول مجموعة العشرين.
وتُخفض ضريبة الشركات من 20 في المئة إلى 17 في المئة بحلول عان 2020 ، وفقا لخطة الحكومة وفي ضوء خطة الموازنة العامة.
تيريزا ماي تطمأن رجال الأعمال حول مستقبل بريطانيا بعد البريكست
وبسبب البريكست (الانفصال) عن الاتحاد الاوربي وكمحاولة لتخفيف الاثار الناجمة عن ذلك، تسعى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لطمأنة رجال الاعمال المتخوفين من بريكست في خطاب ألقته أمام ارباب العمل، ولكن من دون أن تقدم ردا واضحا حول مسالتين محوريتين هما التجارة والهجرة.
وأضافت ماي امام مئات من رؤساء الشركات جمعهم اتحاد الصناعة البريطانية، الجمعية الرئيسية لأرباب العمل في البلاد، إن "النهج المجدي يتطلب منا الا نتسرع قبل الشروع في الجزء الأساسي من المهمة، وأخذ الوقت لتوضيح موقفنا قبل الانطلاق".
وكان معظم أعضاء الاتحاد يتمنون أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الاوروبي غير ان البريطانيين قرروا خلافا لذلك في الاستفتاء الذي نظم في 23 حزيران/يونيو، ويحض العديد من الشركات منذ ذلك الحين الحكومة المحافظة على الشروع في عملية الخروج على اساس واضح، لتبديد الغموض الذي يثير قلق اوساط الاعمال.
ورددت ماي انها لا تنوي "التعليق على كل مرحلة" من المفاوضات التي ستبدأ بين لندن وبروكسل بعدما تفعل الحكومة البريطانية المادة 50 من اتفاقية لشبونة، وهو ما تعتزم الحكومة القيام به قبل نهاية اذار/مارس.
اما بالنسبة لمضمون العملية، فلم تقدم اي رد على سؤالين أساسيين تطرحهما الشركات: هل سيكون بوسعها توظيف عمالة اوروبية يمكنها الاقامة والعمل في بريطانيا بحرية؟ وهل ستحتفظ بإمكانية الوصول بحرية وبدون عقبات الى السوق الأوروبية؟
اذ اكتفت تيريزا ماي باعطاء بعض المؤشرات عن الاعلانات التي سيصدرها وزير المال فيليب هاموند في الميزانية المنقحة البريطانية، وهي ستكون اول ميزانية تصدرها الحكومة منذ نتيجة الاستفتاء.
ومن المقرر أن تستثمر السلطات العامة مبلغا اضافيا قدره ملياري جنيه (2,3 مليار يورو) في السنة حتى نهاية الولاية التشريعية الحالية عام 2020، على البحث والتطوير، في وقت تسعى لندن لتعزيز موقعها كعاصمة أوروبية للتكنولوجيا المتطورة.
وشددت رئيسة الوزراء على أن حكومتها تريد بناء نظام ضريبي "مراع بشدة للابتكار"، مذكرة بعزمها على خفض نسبة الضرائب على الشركات إلى أدنى مستوى بين جميع الدول الغنية والناشئة في مجموعة العشرين. وبذلك ستنخفض الضريبة من 20% حاليا الى 17% بحلول 2020.
الا ان الميزانية المنقحة قد لا تتضمن خطة كبرى لدعم الاقتصاد، في وقت قد يتم تخفيض التوقعات للعائدات الضريبية جراء تخفيض مرتقب لآفاق النمو.
وقد تطرح الحكومة خطة استثمار بقيمة 1,3 مليار جنيه (1,5 مليار يورو) لتحديث الطرق، وهي من الاجراءات الكبرى التي سيتم اقرارها، ولو ان قيمتها تعتبر متواضعة.
من جهة أخرى بين رئيس مجلس إدارة رويال بنك أوف سكوتلند إنه ما لم تبرم بريطانيا اتفاقا انتقاليا مع الاتحاد الأوروبي فسيتضرر اقتصادها وقطاعها المالي.
ويضغط القطاع المالي لتوقيع اتفاق يغطي الفجوة الزمنية بين استكمال بريطانيا محادثات خروجها من الاتحاد الأوروبي وإبرام اتفاق تجارة جديد مع الاتحاد لتفادي حدوث أي اضطرابات.
وأضاف أنه يعتقد أن من الممكن أن توقع بريطانيا اتفاقا انتقاليا لأن الدول الأخرى السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تدرك أن شركاتها قد تتضرر أيضا من عدم القدرة على جمع التمويل في لندن إذا حدث انفصال غير سلس عن الاتحاد.
وبهذا فأن التوقعات التي تحرك كل شيء قد لاتصب في مصلحة بريطانيا بعد الخروج، الا ام ما يعزز موقفها هذا على الاقل سياسياً هو فوز ترامب في الانتخابات الاميركية ودعوته لالغاء العديد من الاتفاقيات السابقة، وهذا مايصب في مصلحة بريطانيا في كون ان اقوى اقتصاد في العالم يحذو حذوها الان، وهذا ماقد يرفع من سقف التوقعات نحو الافضل بالنسبة للطرفين، لاسيما بريطانيا، التي يبدو انها بحاجة الى ان تستغل هذه الموجه بشكل جيد حتى لايكون عامل خروجها من الاتحاد سلبياً عليها في القادم من الايام كما تنذر التوقعات.