اقتصاد بريطانيا وصدمة الانفصال من الاتحاد الاوروبي
توقعات ضبابية تهز ثقة المستثمرين
إيهاب علي النواب
2016-10-31 06:31
لم يتوقع احد في يوم ما ان يصوت البريطانيون على خروج بلدهم من الاتحاد الاوروبي، حيث شكل هذا الانسحاب او الانفصال صدمة للكثيرين، على الاقل صدمة لرئيس وزراء بريطانيا جيمس كاميرون الذي قدم استقالته مباشرة بعد نتيجة التصويت على الانفصال، حيث يهدد هذا الانفصال الكثير من الاتفاقيات والبرامج المشتركة، الامر الذي قد ينعكس على الوضع الاقتصادي والمالي لبريطانيا، وهذا ماحصل فعلا عقب قرار الانفصال، حيث يواجه الاقتصاد البريطاني نموا ضعيفا "لفترة ممتدة" نظرا لتراجع إنفاق المستهلكين، وإحجام الشركات عن الاستثمارات الجديدة، وفقا لتقرير صادر عن المركز البحثي "إي آي أيتم كلب".
ورغم أن المركز يتنبأ بأن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.9 في المئة العام الحالي، فإنه يتوقع أن يتراجع هذا الأداء مع ارتفاع معدل التضخم، واضاف إن استقرار الاقتصاد عقب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "خادع"، في غضون ذلك، وذكر أحد كبار المسؤولين في بنك إنجلترا ( البنك المركزي) إن معدل التضخم قد يتجاوز الحد المستهدف وهو 2.00 في المئة، وأضاف بن برودبنت، نائب رئيس البنك، أن هبوط قيمة الجنيه الإسترليني سوف يزيد من ارتفاع معدل تضخم الأسعار، لكن التحكم في الأسعار، واتباع سياسة نقدية تقييدية قد يضران بالنمو الاقتصادي وبمعدل التوظيف، وتوقع أن التضخم سوف يرتفع إلى 2.6 في المئة العام المقبل قبل أن يعاود الهبوط إلى 1.8 في المئة في 2018، ما قد يهبط بإنفاق المستهلك بواقع 0.5 في المئة في 2017، و0.9 في المئة في العام التالي، وهذا ما سيودي الى تراجع في الاستثمارات في مجال الأعمال نظرا للضبابية التي تحيط بمستقبل العلاقات التجارية بين بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن الاستثمارات قد تتراجع بواقع 1.5 في المئة نهاية العام الجاري، و2 في المئة بنهاية العام المقبل، وسيؤدي تأثير التراجع في إنفاق المستهلك وهبوط معدل الاستثمارات في الأعمال إلى انخفاض حاد في الناتج المجلي الإجمالي ليصل إلى 0.8 في المئة العام المقبل، قبل أن يرتفع بنهاية 2018 إلى 1.4 في المئة، ويرى بيتر سبنسر، كبير خبراء الاقتصاد لدى مركز أيتم كلاب، أن "الأداء غير المستقر للجنيه الإسترليني يلقي الضوء على أن هناك تحديات تنتظر الاقتصاد في المستقبل. وبعد عودة التضخم للارتفاع مرة أخرى ببداية فصل الشتاء، سوف تزداد الضغوط التي يتعرض لها دخل وإنفاق الأسر".
وعليه يبدو أن الاقتصاد البريطاني قد يفقد قوته الدافعة مع مسح للشركات الكبرى يظهر تباطؤا ملحوظا في قطاع الخدمات وانزعاج مجالس إدارات الشركات بفعل شكوك حول المستقبل عقب تصويت البلاد لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبينما أدى الاقتصاد بأفضل مما توقعه معظم الاقتصاديين منذ التصويت علي مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في يونيو حزيران وذلك بفضل تفاؤل المستهلكين إلا أن نتائج المسوح المعلنة ستزيد المخاوف بشأن التوقعات على الأجل الطويل.
وقال اتحاد غرف التجارة البريطانية في مسحه الاقتصادي الفصلي الذي يشمل سبعة آلاف شركة والذي يعد الأكبر من نوعه إن المقاييس الرئيسية لاستثمارات الشركات والثقة في الأعمال بلغت أدني مستوى لها في أربعة أعوام في الربع الثالث.
وبشكل منفصل أفاد المديرون الماليون في شركات بريطانية كبرى بحدوث انتعاش جزئي فقط في معنويات الشركات بعد انخفاض حاد في المعنويات عقب استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وفق شركة ديلويت للمحاسبة، وبات المستثمرون يشعرون بقلق متزايد من أن بريطانيا ستفقد الكثير من شروط التجارة التفضيلية مع الاتحاد الأوروبي فيما يطلق عليه "الانفصال الصعب" مما دفع الجنيه الإسترليني للانخفاض إلي أدني مستوى في 31 عاما مقابل الدولار الأسبوع الماضي.
من جهته دعا اتحاد الصناعات البريطانية وغيره من الجماعات الحكومة يوم السبت لاستبعاد أسوأ الخيارات الفعلية المتعلقة بالتجارة لتحرير استثمارات معطلة بسبب مخاوف من أن الحكومة سوف تضع أهدافا أخرى كأولوية في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي حين أظهر مسح غرف التجارة البريطانية بعض إشارات على أن انخفاض الجنيه الإسترليني عزز صادرات الصناعة إلا أنه أشار إلي تباطؤ ملحوظ بين شركات الخدمات التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد القطاع الخاص البريطاني.
وافاد آدم مارشال القائم بأعمال المدير العام لاتحاد غرف التجارة البريطانية التباطؤ في الخدمات أمر مقلق لأن من الواضح أنه القطاع المهيمن في الاقتصاد البريطاني، لقد تباطأ إلي مستويات لم نشهدها في عدة سنوات، وأضاف أنه من المهم ألا نبالغ في تفسير بيانات ربع واحد من العام مشيرا إلى أن النمو بدا متباطئا قبل الاستفتاء، وبات المستثمرون أكثر شكا في أن بنك إنجلترا سيخفض أسعار الفائدة مرة أخري هذا العام نظرا لقوة إنفاق المستهلكين وتجدد انخفاض الإسترليني، واشار اتحاد غرف التجارة البريطانية إن مسحه الأخير - الذي أجري في الفترة بين 22 أغسطس آب و12 سبتمبر أيلول - يتماشى مع التوقعات بأن النمو الاقتصادي في 2017 سيصل إلي واحد بالمئة فقط ما يمثل نصف متوسط معدل النمو منذ الركود الاقتصادي بين عامي 2008 و2009.
وجاء في هذا المسح أن التوقعات الخاصة بالإنفاق الرأسمالي والتوظيف تحسنت في الربع الثالث مقارنة مع استطلاعها السابق للمديرين الماليين الذي أجري في أعقاب التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث ان نحو 40 في المئة من المديرين الماليين إنهم يتوقعون خفض استثماراتهم على مدى السنوات الثلاث القادمة وذلك انخفاضا من 58 بالمئة بعد الاستفتاء بينما توقع 46 في المئة تباطؤ التوظيف انخفاضا من 66 في المئة سابقا.
بريطانيا وتداعيات الخروج من الاتحاد الاوروبي
قامت مجموعتان تضمان كبريات الشركات في بريطانيا بكتابة رسالة مفتوحة للحكومة البريطانية تحذرها من الخروج "الصعب" من الاتحاد الأوروبي، وتحثها على الإبقاء على حرية التجارة مع أوروبا، وجاء في مضمون الرسالة التي وقعتها قيادات مجموعتي CBI التجارية و EEF الصناعية، إن الطريقة التي ستخرج بها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وشروطها مهمة للوظائف والاستثمار في بريطانيا، وأشارت إلى أن التعثر في الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية سيجعل 90 بالمئة من البضائع البريطانية المصدرة للاتحاد الأوروبي عرضة لرسوم جديدة، وذكرت الرسالة إن ذلك يعني 20 بالمئة زيادة في كلفة صناعة الغذاء والشراب، و10 بالمئة في صناعة السيارات.
وأضافت إن هذه الزيادات الكبيرة ستؤثر على المصدرين والمستوردين البريطانيين، وكتبت المجموعتان:" إننا نحترم نتيجة الاستفتاء، ولكن على الحكومة التيقن من أن شروط اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي تضمن الاستقرار والازدهار وتحسين مستويات المعيشة، وإن كل دراسة تتمتع بالمصداقية انتهت إلى أن منظمة التجارة العالمية ستلحق أضرارا جسيمة ودائمة بالاقتصاد البريطاني واقتصاد شركائنا التجاريين." ودعت الرسالة الحكومة إلى العمل على تجنب حدوث ذلك.
وذكرت الرسالة أيضا إن هناك مؤشرات على أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لن تنتهي في غضون عامين كما تنص المادة 50، وكانت رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي قد أعلنت مؤخرا أنها سوف تبدأ رسميا عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنهاية مارس/ آذار 2017.
ويعني إعلان رئيسة الوزراء موعد تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، والتي تحدد على أرض الواقع عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أن بريطانيا يمكن أن تكمل الانسحاب بحلول صيف عام 2019.
كما وعدت ماي "بمشروع قانون الإلغاء الكبير" في خطاب الملكة المقبل، والذي سوف يلغي جميع سلطات قانون الاتحاد الأوروبي في بريطانيا بعد الخروج، وسوف تزيل بريطانيا قانون المجتمعات الأوروبية لعام 1972 من سجل النظام الأساسي للبلاد، ولن يتم تفعيل إلغاء قانون 1972 حتى خروج بريطانيا فعليا بموجب المادة 50 من معاهدة لشبونة.
صندوق النقد الدولي وتحذيرات من ضربة للاقتصاد البريطاني
اذ خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني للعام المقبل وحذر من أن "نمو الاقتصاد العالمي سيبقى ضعيفاً وطفيفاً"، وكان صندوق النقد رفع توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني لهذا العام إلى 1.8 في المئة، إلا أنه عمد إلى خفضها للعام المقبل إلى 1.1 في المئة، وترتكز توقعات صندوق النقد على الإجراءات التي تتخذ بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وزيادة العقبات الاقتصادية، وأبقي الصندوق على توقعاته لإجمالي النمو العالمي من دون تغيير عند 3.1 في المئة.
وصرح كبير الاقتصاديين موريس أوبتيسفيلد إنه " من دون اتخاذ خطوات لدفع الاقتصاد على المدى القصير والطويل، فإن هناك خطر على نمو الاقتصاد العالمي"، وأوضح صندوق النقد أن "النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة انخفض إلى 1.6 في المئة عن توقعات العام الماضي التي قدرت بـ 2.2 في المئة"، في الوقت ذاته انتقدت مجموعة من الاقتصاديين الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صندوق النقد الدولي، بسبب توقعاته بعد خروج بريطانيا من دول الاتحاد، مؤكدين أن كافة توقعات الصندوق الدولي خاطئة، وترى المجموعة نمو الاقتصاد في بريطانيا إلى 2.6 في المئة هذا العام والعام المقبل، أي دون تغيير عن توقعات ما قبل الاستفتاء.
تكاليف الانفصال الصعب الباهظة
ذكر تقرير صادر عن مجموعة مالية إن القطاع المالي البريطاني قد يخسر إيرادات تصل إلى 38 مليار جنيه إسترليني (48.34 مليار دولار) إذا حدث ما يوصف "بالانفصال الصعب" الذي سيقيد حرية دخول شركات القطاع إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وافادت شركة أوليفر وايمان للاستشارات إنه حال خسارة الشركات المالية الحق في بيع خدماتها بحرية في شتى أنحاء أوروبا فإن 75 ألف فرصة عمل قد تختفي كما ستخسر الحكومة ما يصل إلى عشرة مليارات جنيه إسترليني في شكل إيرادات ضريبية، والدراسة هي واحدة من أولي الدراسات التي تحدد تأثير تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو حزيران على قطاع الخدمات المالية.
وذكرت مصادر مطلعة على المحادثات إن النتائج التي خلصت إليها الدراسة عٌرضت على وزارة الخزانة البريطانية وغيرها من الدوائر الحكومية، وثمة هناك تكهنات متزايدة بأن القطاع المالي والذي يشمل بنوك التجزئة ومديري الأصول وشركات التأمين وبنوك الاستثمار سيخسر حق الدخول إلى السوق الموحدة حين تتفاوض الحكومة البريطانية على خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وسيكون مستقبل لندن كمركز مالي لأوروبا نقطة تفاوضية رئيسية في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأن القطاع المالي هو أكبر قطاع تصديري في بريطانيا وأكبر مصدر للإيرادات الضريبية، وذكر التقرير إن قطاع الخدمات المالية البريطاني يحقق إيرادات تتراوح بين 190 مليارا و205 مليارات جنيه إسترليني سنويا ويوظف نحو 1.1 مليون شخص. وتسدد الصناعة نحو 60 إلى 67 مليار جنيه إسترليني في شكل ضرائب، حيث اوضح التقرير إنه حسب أسوأ السيناريوهات الموضوعة والذي أطلق عليه اسم "الانفصال الصعب " فإن البنوك العالمية العاملة في بريطانيا ستفقد بالكامل قدرتها على دخول السوق الموحدة ما قد يؤدي لانخفاض الإيرادات بين 32 إلى 38 مليار جنيه إسترليني ويضع 65 ألفا إلى 75 ألف وظيفة في خطر.
أما إذا استطاعت بريطانيا الاحتفاظ بقدرتها على الدخول إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية بشروط مماثلة لما يوجد حاليا فإن 4000 وظيفة فقط قد تختفي وستخسر بريطانيا إيرادات بنحو ملياري جنيه إسترليني، وافاد ريتشارد تايس المستثمر بالعقارات ورئيس مجموعة ضغط جديدة تدفع الحكومة لقطيعة كاملة مع الاتحاد الأوروبي إن التقرير مبالغ فيه وأن العواصم الأوروبية الأخرى تفتقر إلى البنية التحتية أو المهارات اللازمة لكي تستقطب أنشطة الخدمات المالية من بريطانيا.
وعلى صعيد متصل دعا كبار رجال الاعمال الحكومة البريطانية الى تجنب خروج قاس من الاتحاد الاوروبي مذكرين بان عدم اتضاح شروط بريكست يؤثر على القرارات المتعلقة بالاستثمار، وصرحت المديرة العامة لكونفدرالية رجال الاعمال البريطانية (سي بي آي)، وهي اكبر مجموعة لرجال الاعمال في المملكة المتحدة، كارولين فيربيرن "ما نرغب به هو تجنب الخيارات الأسوأ، واوضحت موقفها في رسالة مفتوحة الى الحكومة وقعها كذلك رؤساء جمعية الصناعيين وغرفة التجارة الدولية البريطانية وجمعية شركات التكنولوجيا، حذرت الرسالة من خروج بريطانيا من السوق الاوروبية المشتركة قبل توقيع اتفاق تجاري جديد لان ذلك يعني انها ستخضع لشروط منظمة التجارة العالمية.
وافادت فيربيرن ان الخضوع لشروط منظمة التجارة العالمية خلال 29 شهرا فقط من الان، وفق الجدول الزمني المتوقع، يعني ان 90% من البضائع ستكون خاضعة للرسوم، واضافت ان تجنب بعض هذه الخيارات السلبية حقا سيساعد في طمأنة المستثمرين الى ان المملكة المتحدة لا تزال توفر بيئة جيدة للاستثمار، وتدعو الرسالة الى مواصلة تامين حرية الوصول الى السوق الاوروبية الموحدة ولا سيما للخدمات المالية ولاتفاق انتقالي يوفر الاستقرار للشركات الى حين توقيع اتفاق جديد مع الاتحاد الاوروبي، وتاتي الرسالة بعد اسبوع من التقلبات التي سادت الاسواق بشأن بريكست وصلت ذروتها مع التراجع الخاطف للجنيه الى ادنى مستوى منذ 31 عاما امام الدولار، رغم ان وزير المال فيليب هاموند عزاه الى "عوامل فنية".
الجنيه الاسترليني ومخاوف من الهبوط اكثر
فقد هبط الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى له في 31 عاما بفعل مخاوف من خروج "صعب" لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتعليقات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بشأن أثر السياسة النقدية المتساهلة فيما رآه البعض هجوما مستترا على بنك إنجلترا المركزي، وفي كلمة أمام مندوبين عن حزب المحافظين أثارت ماي قضية الآثار الجانبية لأسعار الفائدة المتدنية للغاية وطباعة النقود، وعلى الرغم من أن المتحدث باسمها قلل في وقت لاحق من أهمية الحديث عن أنها كانت تشير إلى تغييرات قادمة في السياسة النقدية فإن تصريحات ماي قادت إلى التكهن بأن الحكومة تعارض المزيد من الخفض في أسعار الفائدة نظرا للتأثير السلبي لذلك على المدخرات والمعاشات.
وانخفض الجنيه الاسترليني واحدا بالمئة إلى 1.2622 وهناك من يتوقع مزيدا من التراجع في قيمة العملة البريطانية التي هبطت 2.5 بالمئة هذا الأسبوع متأثرة بإعلان ماي يوم الأحد بأن عملية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي ستبدأ رسميا بنهاية مارس آذار، وأظهرت الاستطلاعات أن الجنيه الاسترليني سيهبط خلال الأشهر المقبلة إلى مستويات جديدة هي الأدنى في عدة عقود مع استمرار نزول العملة بفعل المخاوف من أن تكون إجراءات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي صعبة وأن تترك البلاد خارج السوق الأوروبية الموحدة.
ويشير متوسط التوقعات في الاستطلاعات إلى أن الاسترليني سينخفض إلى 1.24 دولار قبل بدء رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي رسميا في إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي التي تستغرق عامين، وصرحت ماي إنها ستبدأ إجراءات الانفصال بنهاية مارس آذار وهو ما أثر سلبا على العملة بسبب المخاوف من أن تعطي بريطانيا أولوية للحد من الهجرة على تعزيز التجارة وتخرج من السوق الأوروبية الموحدة.
ومما يبرز حالة الضبابية في السوق بشأن كيفية سير إجراءت الانفصال تراوحت توقعات سعر الاسترليني في فترة العام في نطاق واسع جدا من 1.05 دولار إلى 1.47 دولار ليقترب من مستواه قبل الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، وبعد نزول الجنيه الاسترليني بالفعل إلى أدنى مستوياته في خمس سنوات أمام اليورو فمن المتوقع أن يواصل خسائره أمام العملة الأوروبية الموحدة في الأشهر المقبلة، وبلغ اليورو 87.51 بنس لكن من المتوقع أن يرتفع إلى 91 بنسا قبل نهاية مارس آذار وفقا للاستطلاع. ويشير متوسط التوقعات في الاستطلاع إلى أن اليورو سيجري تداوله عند 86.7 بنس بعد شهر و86.6 بنس بعد ستة أشهر و86.1 بنس بعد عام، وتوقع أربعة من بين 61 خبيرا استراتيجيا في الاستطلاع أن يعادل سعر اليورو الجنيه الاسترليني على الأقل خلال السنة المقبلة.
بريطانيا وخطر التضخم
صرح مستشار لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن وزير المالية فيليب هاموند سيبين في الايام القادمة كيف ستحاول بريطانيا تقليل اعتمادها على أسعار الفائدة شديدة الانخفاض التي تضر بالمدخرين وأن تركز أكثر على سبل أخرى لتعزيز النمو، وذكرت ماي في خطاب لها إنه كانت هناك تأثيرات جانبية سيئة للتدابير الطارئة التي اتخذها بنك إنجلترا المركزي لحماية الاقتصاد منذ الأزمة المالية العالمية وإن الوقت حان لاتباع نهج جديد لتحفيز النمو، وقد ذكر جورج فريمان رئيس وحدة السياسات برئاسة الوزراء البريطانية إن بنك إنجلترا - الذي خفض معدلات الفائدة في أغسطس آب إلى مستوى قياسي وأطلق جولة جديدة لشراء السندات - سيظل مستقلا في تقرير سياسته مرددا تصريحات لمساعدي ماي أدلوا بها خلال خطابها، كما ذكر إن تكلفة اقتراض قرب الصفر تعطي فرصة للحكومة لزيادة الاستثمارات العامة.
الا انه ومن جهة اخرى يرى مارك كارني محافظ بنك انجلترا إن التضخم سيرتفع على منتجات مثل الفواكه بسبب انخفاض قيمة الجنية الاسترليني، وأوضح كارني بجلاء أن تراجع الجنيه سيساعد على تعافي الاقتصاد، ورغم ذلك، ذكر إن الأمور "ستصبح صعبة على أصحاب الدخول المنخفضة، حيث أننا نتحرك من اللاتضخم صوب بعض التضخم، وأشار إلى أن المواد الغذائية هي أول من سيشهد ارتفاع الأسعار، فيما سيصل التضخم للسلع والخدمات في غضون "السنوات القليلة" القادمة مما سيؤدي "لارتفاع قيمتها."
وفي ذات السياق فأن السندات الحكومية ارتفعت خاصة تلك التي تبلغ مدتها 10 سنوات أكثر من 10 نقاط لتصل إلى 1.149 بالمئة – وهي الزيادة الثالثة بعد التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – حيث توقع المستثمرون أن يؤدي تراجع قيمة الجنيه الاسترليني مؤخرا لمزيد من التضخم.
واضاف كارني إن بنك انجلترا يرغب في رؤية ما إذا كان "تجاوز" نسبة التضخم 2 بالمئة يعني دعم النمو الاقتصادي وحماية الوظائف، واضاف ايضا إنه لولا تحرك البنك بعد الاستفتاء لكان عدد يتراوح بين 400 ألف و500 ألف وظيفة في خطر، وكان البنك قد قلص معدلات الفائدة وقدم المزيد من الحوافز المالية في أغسطس /آب الماضي، بعد التصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ومع تراجع قيمة الجنيه الاسترليني يتوقع بعض الاقتصاديين حاليا وصول التضخم لـ 3 بالمئة بحلول نهاية العام القادم، فيما ترتفع أسعار المنتجات المستوردة مثل المواد الغذائية والوقود، وفيما يتعلق بقضية عدم المساواة، افاد كارني إننا نهتم كثيرا بالتوزيع، ولكننا لسنا جهة سياسية، وأضاف إن الكثيرين مازالوا يشعرون "بالذعر" بسبب الأزمة المالية، حيث يرى إن سياسات التعامل مع قضايا مثل العولمة والتغير التكنولوجي وتعليم المهارات أمور تخص الحكومة، وهي التي تتخذ قرارات بشأنها.
نتائج الخروج من السوق الاوربية المشتركة
حيث صرح وزير بريطاني إن قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي سيعني أيضا مغادرة السوق المشتركة للاتحاد، وأبلغ ديفيد مانديل وزير الدولة لشؤون اسكتلندا مشرعين اسكتلنديين في جلسة استماع خاصة بشأن تداعيات تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد إذا كنا نغادر الاتحاد الأوروبي فإننا نغادر السوق الموحدة، والآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بوصولها إلى السوق المشتركة للاتحاد التي تضم 500 مليون مستهلك تبقى غير واضحة، وتخشى الشركات والأسواق المالية أنه إذا فقدت بريطانيا دخولا غير مقيد إلى السوق الموحدة فإن اقتصادها سيعاني وتسببت مخاوف من احتمال حدوث هذا في هبوط حاد للجنيه الاسترليني، ويخشى حلفاء بريطانيا من أن خروجها من الاتحاد الأوروبي قد يؤشر لنقطة تغير في العلاقات الدولية لما بعد الحرب البادرة مما سيضعف الغرب مقارنة مع الصين وروسيا ويقوض الجهود الرامية لتحقيق التكامل الأوروبي ويضر بالتجارة الحرة عالميا.
مما تقدم يبدو ان نتائج الانفصال عن الاتحاد الاوروبي مازالت ضبابية وغير واضحة، حيث مازال جو التكهنات هو المسيطر، وعلى الرغم من ان هبوط الجنيه الاسترليني قد يمثل سمة او بداية لما سيحدث لاحقاً، الا انه لايمكن التعويل عليه فيما سيؤول اليه امر الاقتصاد البريطاني، حيث مازال في جعبة بريطانيا الكثير من اجل الحفاظ على مكانتها الاقتصادية، بل وان هناك من يرى ان هذا الانفصال قد يسفر عن نتائج ايجابية في المستقبل القريب على الرغم من الهبوط في قيمة الاسترليني، والمخاوف التي تسود الكثير من الاقتصاديين والمستثمرين في القطاعات الاقتصادية في بريطانيا، الا ان الجميع متفق على ان بريطانيا بخروجها خسرت الكثير، اذ على الاقل هي خسرت ثقة دول اوروبا وتعاونها معها في تحقيق التكامل الاقتصادي ولربما ستكون الخسارة اكبر في القادم من الايام.