أغنياء وفقراء.. فجوة عميقة وحلول مستحيلة
شبكة النبأ
2015-02-01 09:04
حذر الكثير من خبراء الاقتصاد من اتساع وتنامي حجم الهوة بين الأغنياء والفقراء، خصوصا مع استمرار الازمات والمشكلات الدولية والاقتصادية والبيئية وغياب العدالة الاجتماعية، يضاف اليها تنامي اعداد السكان وتفاقم مشكلة البطالة وغيرها من المشكلات التي باتت تهدد المجتمع الانساني بشكل عام، وبحسب دراسة خاصة نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فقد اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء بمعدل 10 في المائة في كثير من البلدان، وهو معدل لم تصله منذ 30 عاماً ما قد يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي.
وإبان الازمة الاقتصادية في 2008، فقد ضخت المصارف المركزية مليارات الدولارات لتحفيز وتأمين استقرار النظام المالي العالمي كما تذكر بعض المصادر الاعلامية، ولتأمين الاقتصاد وهو ما دفع لارتفاع الأسواق المالية وأسواق العقارات لصالح شريحة الأثرياء. وفي الوقت عينة، عملت الحكومات على خفض الوظائف في القطاع العام واستقطاع المنح والدعم المقدم تحت نظام الخدمات الاجتماعية، وأموال التقاعد، في تدابير طال تأثيرها الأكبر شريحة الشباب والفقراء.
وأجمع أكثر من 700 خبير شاركوا في استبيان خاص، أن أكبر المخاطر التي تعترض الاقتصاد العالمي على مدى العقد المقبل هو: هوة واسعة في المداخيل قد تضع ثقلا هائلا على التماسك الاجتماعي. وقال ديفيد كول مدير المخاطر لدى سويس ري أن زيادة الاهتمام العام بالتفاوت في الدخل الآخذ في الاتساع منذ الثمانينات سيتطلب من صناع السياسة والنخبة العالمية أن يتحركوا بحذر. وقال كول "أنا مؤيد قوي للرأسمالية لكن هناك لحظات يمكن أن تتجاوز فيها الرأسمالية الحدود المقبولة ومن الضروري وجود إجراءات سواء تنظيمية أو حكومية أو ضريبية تضمن أن نتجنب زيادات مفرطة فيما يتعلق بالدخل وتوزيع الثروات.
نصف ثروات العالم
وفي هذا الشأن فقد قالت منظمة أوكسفام الخيرية لمكافحة الفقر إن أكثر من نصف ثروات العالم ستصبح العام المقبل حكرا على واحد في المئة فقط من السكان مع انتشار التفاوت في توزيع الثروة على مستوى العالم. ونشرت أوكسفام تقريرها وذكرت فيه ان الاثرياء زادوا نصيبهم من ثروات العالم من 44 في المئة عام 2009 الى 48 في المئة عام 2014.
وقالت إنه إذا استمرت الاوضاع على هذا الحال سيزيد نصيبهم على 50 في المئة عام 2016.
وقالت ويني بيانييما المديرة التنفيذية للمنظمة الخيرية التي تتناوب أيضا رئاسة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ان تفاقم عدم المساواة يعرقل مكافحة الفقر. وقالت "هل نريد حقا ان نعيش في عالم يملك فيه واحد في المئة ما يزيد على ما نملكه نحن الباقين مجتمعين؟
"الفشل في حل التفاوت سيعيد الحرب على الفقر عقودا الى الوراء. الفقراء يضارون مرتين من تفاقم عدم المساواة-سيحصلون على نصيب أقل من كعكة النمو الاقتصادي ولان التفاوت الحاد يضر النمو ستكون الكعكة المتاحة للتقسيم أصغر." وقالت أوكسفام انها ستدعو للتحرك لمكافحة زيادة انعدام المساواة خلال اجتماع دافوس خاصة التهرب الضريبي للشركات وتحقيق تقدم للتوصل إلى اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ.
وقالت أوكسفام إن ثروة أغنى 80 فردا في العالم تعادل ما يملكه النصف الأفقر من اجمالي سكان العالم أي نحو 3.5 مليار شخص. وذكرت أن هذا يعني تركيزا أكبر للثروة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام حين كان العدد 85 فردا من أثرياء العالم. وقالت رئيسة المنظمة البريطانية أن "حجم التفاوت العالمي كبير جدا، فالهوة بين أثرى الأثرياء وبقية السكان تتسع بسرعة". وأوضحت "أوكسفام" أن "أعضاء هذه النخبة الدولية كانوا يملكون في العام 2014 ما معدله 2,7 مليون دولار للبالغ الواحد".
وطالبت المنظمة التي تشارك مديرتها العامة ويني بيانيما في رئاسة منتدى دافوس "أن تعقد هذه السنة قمة عالمية عن الأنظمة الضريبية لإعادة صياغة القواعد الضريبية الدولية". ودعت "أوكسفام" الدول إلى اعتماد خطة للحد من هذا التفاوت، من خلال مكافحة التهرب الضريبي وتعزيز الخدمات العامة المجانية وفرض مزيد من الضرائب على رأس المال وليس على الأجور، فضلا عن وضع حد أدنى للأجور واعتماد نظام ضمان اجتماعي لأفقر الفقراء.
ومن المرتقب أن تعقد الدورة الخامسة والأربعون من المنتدى الاقتصادي العالمي في بحضور أكثر من 300 مسؤول سياسي رفيع المستوى، من بينهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي ورئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
تكاثر أصحاب المليارات
على صعيد متصل كشف تقرير جديد عن زيادة في عدد أصحاب المليارات ليصل إلى 2325 شخصاً، بانضمام 155 شخصاً جديداً إلى قائمة أثرياء العالم، أي بارتفاع بلغ نسبة 7 في المائة، مقارنة بالعام 2013، بحسب شركة "ويلث أكس" المتخصصة في توفير المعلومات عن الأشخاص الأثرياء وتوزيع الثروة في جميع أنحاء العالم، و"يو أس بي."
وأشار التقرير إلى أن مدينة نيويورك الأمريكية احتلت مرتبة الصدارة، وتليها العاصمة الروسية موسكو، ومنطقة هونغ كونغ الصينية. واحتلت العاصمة البريطانية لندن المرتبة الرابعة، تلتها العاصمة الصينية بكين في المرتبة الخامسة، ومدينة ساوباولو البرازيلية في المرتبة السادسة. أما مدينة اسطنبول التركية فاحتلت المرتبة السابعة، تلتها إمارة دبي في المرتبة الثامنة. وجاءت العاصمة الفرنسية باريس في المرتبة التاسعة، تلتها سنغافورة في المرتبة العاشرة، ومدينة مومباي الهندية في المرتبة الـ11، تلتها العاصمة اليابانية طوكيو في المرتبة الـ12.
أما مدينة لوس أنجلوس الأمريكية فاحتلت المرتبة الـ13، تلتها مدينة شنجن الصينية في المرتبة الـ14، ومدينة جنيف السويسرية في المرتبة الـ15. أما مدينة مكسيكو سيتي فجاءت في المرتبة الـ16، تلتها مدينة شنغهاي الصينية في المرتبة الـ17، ومدينة تايبيه في تايوان في المرتبة الـ18. واحتلت العاصمة الإسبانية مدريد المرتبة الـ19، فيما احتلت المرتبة الأخيرة العاصمة السعودية الرياض في المرتبة الـ20.
وتجدر الإشارة إلى أن أبرز المعايير المعتمدة في قياس وتصنيف صاحب المليارات النموذجي، بحسب ما ورد في التقرير، هي كما يلي: أصحاب المليارات هم أشخاص ناهزوا الثالثة والستين من العمر، ويمتلكون حوالي 3.1 مليار دولار، وتمكنوا من جمع مليار دولار في وقت متأخر بعدما بلغوا الأربعين من العمر. حوالي 90 في المائة من أصحاب المليارات متزوجين، ووفق المعدل المتوسط لديهم طفلين لكل فرد.
يحبذ أصحاب المليارات تطوير علاقات اجتماعية مع نظرائهم من أصحاب الثروة. غالبية أصحاب المليارات هم من الذكور، فيما يبلغ عدد النساء في قائمة أثرياء العالم حوالي 286 امرأة فقط. 60 في المائة من أصحاب المليارات صنعوا ثرواتهم بأنفسهم بشكل تام، و27 في المائة من الأثرياء صنعوا ثروتهم بأنفسهم ولكن بشكل جزئي. ويختلف الأمر بالنسبة إلى النساء، مع 17 في المائة فقط صنعن ثروتهن بأنفسهن، بينما أكثر من 65 في المائة من النساء ورثن الثروة التي تتخطى المليارات. بحسب CNN.
يمتلك صاحب المليارات النموذجي أربعة ممتلكات تبلغ قيمة كل منها معدل 23.5 مليون دولار. ويمتلك حوالي 35 في المائة من أصحاب المليارات مؤسسات خيرية خاصة بهم. ولا يندرج التعليم تحت المعايير المطلوبة التي تطبق على أصحاب المليارات. وأفاد التقرير أن 35 في المائة من أصحاب المليارات حول العالم لا يحملون درجة البكالوريوس. ويمثل مكان الإقامة أبرز المعايير في تصنيف الملياردير النموذجي، إذ أن حوالي 35 في المائة من أصحاب المليارات يتركزون في 20 مدينة، مدينتين منها فقط في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت ذاته، تضم الولايات المتحدة الأمريكية أكبر عدد من أصحاب المليارات، بنسبة 25 في المائة 25 من مجموع أصحاب المليارات حول العالم.
اغنى اغنياء الصين
من جانب اخر يعتبر جاك ما مؤسس شركة "علي بابا" الصينية العملاقة في مجال التجارة الالكترونية رجل الاعمال الاغنى في الصين حيث يزداد عدد اصحاب المليارات بشكل كبير رغم التباطؤ الاقتصادي على ما جاء في تصنيف مجلة "فوربز". ويدرج تصنيف اكبر الثروات الصينية 242 مليارديرا بالدولار في مقابل 168 العام الماضي. وارتفعت ثروة جاك ما الى 19,5 مليار دولار في مقابل 7,1 مليارات العام الماضي بعد ادراج اسهم شركته "علي بابا" في بورصة وول ستريت في ايلول/سبتمبر الماضي بقيمة قياسية على ما اعتبرت مجلة "فوربز". وكان ترتيب هورون المرجعي الذي نشر نهاية ايلول/سبتمبر اعتبر ان جاك ما هو اغنى مواطن في الصين لكنه قدر ثروته ب25 مليار دولار. والمؤكد هو ان مؤسس "علي بابا" عرف صعودا صاروخيا اذ كان يملك قبل 15 عاما 60 الف دولار فقط. وباتت قيمة مجموعته المدرجة في البورصة اكثر من 240 مليار دولار.
وتراجع وانغ جيانلين صاحب مجموعة "واندا" التي تملك شبكة دور السينما الاميركية "ايه ام سي"، من المرتبة الاولى الى المرتبة الرابعة. فبعد سنة صعبة في المجال العقاري وهو مصدر عائداته الرئيسي، تراجعت ثروة وانغ الى 13,2 مليار دولار في مقابل 14,1 مليارا العام الماضي بحسب فوربز. وسجل النمو الصيني تباطؤا كبيرا جدا في الربع الثالث من السنة مسجلا ادنى معدل له منذ اكثر من خمس سنوات بسبب تراجع القطاع العقاري وضعف في الانتاج الصناعي. بحسب فرانس برس.
الا ان قطاع التكنولوجيا المتطورة والانترنت يقاوم مما جعل الاسماء الفاعلة فيه تحتل المراتب الثلاث الاولى في تصنيف "فوربز" ونصف المواقع في ترتيب اكبر عشر ثروات. فقد حل روبن لي مؤسس "باديو" المرادف الصيني لغوغل في المرتبة الثانية مع ثروة تقدر ب14,7 مليار دولار في حين كانت المرتبة الثالثة من نصيب بوني ما صاحب عملاق الانترنت "تن سنت" مشغل خدمة الرسائل الشعبية "وي تشات" مع 14,4 مليار دولار.
التبرع لمؤسسات خيرية
في السياق ذاته تبرع الملياردير وارن بافيت بأسهم قيمتها 2.8 مليار دولار في شركة بيركشاير هاثاواي لخمس مؤسسات خيرية في إطار خطة رجل الأعمال للتبرع بكل ثروته تقريبا. وأظهرت بيانات إفصاح أرسلت للجهات التنظيمية أن بافيت تبرع بنحو 21.73 مليون سهم من الفئة "ب" في بيركشاير. وذهب نحو 16.6 مليون سهم قيمتها أكثر من 2.1 مليار دولار لمؤسسة بيل آند ميليندا جيتس التي تركز على معالجة مشكلات التعليم والصحة والفقر.
وذهبت الأسهم الباقية إلى أربع مؤسسات خيرية تابعة للأسرة منها مؤسسة تحمل اسم زوجته الأولى الراحلة سوزان ومؤسسات تابعة لأبنائه هوارد وبيتر وسوزان. وهذا المبلغ هو أكثر ما تبرع به بافيت لتلك المؤسسات الخيرية - ويعكس سعر سهم بيركشاير الذي اقترب من مستواه القياسي - منذ أن بدأ تقديم هبات سنوية في العام 2006. بحسب رويترز.
وتشير مجلة فوربس إلى أن بافيت لا يزال يسيطر على حوالي 20 في المئة من أسهم بيركشاير جعلت ثروته 65.8 مليار دولار. وتملك بيركشاير أكثر من 80 شركة عاملة وأنهت مارس ذار باستثمارات في الأسهم والسندات تتجاوز 146 مليار دولار. ويدير بافيت بيركشاير منذ العام 1965.
عالم غني...لكن لمن ؟
الى جانب ذلك فنحن نزداد ثراء، لكن لا ينطبق هذا على كل شخص على وجه الكوكب، ولا على كل بلد، مع أن الشخص العادي أصبح يعيش بمستوى اقتصادي أعلى مما كان عليه سابقا. إحدى طرق قياس ذلك هي النظر الى معدل السلع والخدمات التي يجري إنتاجها للشخص الواحد، أو ما يعرف "بالناتج القومي الإجمالي" للشخص الواحد، وقد ارتفع هذا الانتاج أربعة أضعاف لمجمل سكان العالم في السنوات الستين الممتدة حتى عام 2010.
كان هناك بعض التفاوت بين البلدان المختلفة. في الصين بلغ الارتفاع 18 ضعفا، وفي تايوان وكوريا الجنوبية كان أكثر من ذلك. هم أغنى مما كانوا عليه عام 1950 بخمس وعشرين مرة، بالمعدل. بعض البلدان، خاصة في إفريقيا، شهدت هبوطا، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلا انخفض مستوى المعيشة الى النصف. هذه الأرقام لا تعطي صورة متكاملة عن الوضع، فهي لا تعكس وضع البيئة مثلا، كذلك هناك بعض المشاكل التقنية في التعبير عن كل شيء بالدولار مع اخذ التضخم بعين الاعتبار.
مع ذلك فإن هذه الأرقام أخذت بالاعتماد على أفضل مصدر فيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية التاريخية، وهي تنبؤنا بشيء واضح: نحن في وضع أفضل من الناحية الاقتصادية. أحد مزايا تحسن وضعنا الاقتصادي هو أننا أصبحنا نعيش سنوات أطول، ففي منتصف القرن الماضي كان يتوقع أن يعيش الطفل المولود حديثا 50 سنة، الآن ارتفع السن المتوقع إلى 70، ولكن هناك اختلافات بالطبع بين دولة وأخرى، إلا أن الاتجاه هو في ارتفاع سن الحياة المتوقعة للشخص، باستثناء بوتسوانا، حيث انخفض السن المتوقع ببضعة شهور.
أكثر من عامل يؤثر على ارتفاع السن المتوقع أن يبلغه الأشخاص، لكن النمو الاقتصادي يعني أن بإمكاننا أن ننفق مبالغ أكبر على الصحة والتغذية ونظافة المياه. ارتفعت نسبة امتلاك السيارات 30 في المئة في السنوات السبع الأولى من القرن، قبل أن تنخفض قليلا بسبب الكساد الاقتصادي. ولوحظ الارتفاع بشكل اساسي في أوساط الطبقة الوسطى والفقيرة.
أحد أسباب عدم دقة مضمون "الناتج القومي الإجمالي" أنه لا يخبرنا شيئا عن توزيع الثروة.، ولا عن تغير نماذج عدم المساواة. وفقا للمقياس المعتمد فإن مؤشر مستوى المعيشة يرتفع في حال ارتفاع دخول أصحاب الدخول الأعلى. ولنأخذ الولايات المتحدة مثلا، ففي عام 2013 ارتفع مستوى الدخل المرتبط بالتضخم لعائلات الفئة التي ترتفع بنسبة 20 في المئة عن القاع بنسبة 1.4 في المئة خلال السنوات الأربعين الماضية، بينما بلغت تلك النسبة 44 في المئة بالنسبة للعائلات الثرية. بحسب بي بي سي.
وتشير بيانات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إلى ارتفاع مستوى التباين الاقتصادي بين سكان دولها الأعضاء، وهي الدول الغنية وبعض الدول ذوات الاقتصاد الصاعد. وهناك نقاش، ونقاش حاد أحيانا، عن مساوئ ارتفاع التباين في الوضع الاقتصادي، وما يترتب على الحكومات فعله للتعامل مع هذا الوضع. وازدياد الهوة يذكرنا بأنه بالرغم من ازدياد العالم غنى لكن هناك من لا يشعر في ذلك.