بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد.. اقتصاد في مرمى الازمات
ندى علي
2016-06-29 06:38
لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي عبر الاستفتاء الذي حدث مؤخرا، نتائج سياسية واقتصادية واضحة، ولكن كما تشير الاحداث على الارض بحسب مراقبين، ان هذا الخروج المفاجئ لبريطانيا لا تزال نتائجه محصورة في الجانب السياسي لحد الآن، ولم تظهر بوادر ازمة اقتصادية او مالية نتيجة لما حدث، فالنظام العالمي غير مهدد لحد الآن حيث كان يوم "الجمعة الاسود" الذي شهدته الاسواق العالمية نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي قاسيا، وان كانت ابعاده تذكر بازمة مصرف ليمان براذرز، الا ان النظام المالي العالمي لا يبدو مهددا في الوقت الحاضر، اذ تقتصر الازمة على البعد السياسي.
وبسبب هذا القرار الذي اثار جدلا كبيرا في الاوساط السياسية والاقتصادية في اوربا خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني رؤيتها المستقبلية لتصنيف المملكة المتحدة من مستقرة إلى سلبية نتيجة لقرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقد احدث القرار تقلبات مالية واضحة لم تحدث من زمن ولم يشهد المستثمرون مثل هذه التقلبات منذ الازمة المالية عام 2008 حين انهار مصرف الاعمال "ليمان براذرز"، وازمة الديون في منطقة اليورو التي بلغت ذروتها في صيف 2011. لكن ان كانت عواقب تراجع البورصة والغموض الاقتصادي والسياسي المرتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي قد تستمر لبعض الوقت، الا انه من الصعب في المرحلة الراهنة التحدث عن ازمة مالية جديدة.
وهناك من المسؤولين الاوربيين عن السياسة الاقتصادية والمالية، يطالبون بتسريع اجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد لتقليل المساوئ المحتملة، فقد قال عضو بالمجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي إن محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجب أن تجرى بسرعة للحد من حالة الغموض مضيفا أن المركز المالي بمدينة لندن معرض لخطر فقدان "جواز المرور الأوروبي". وتعتمد البنوك التي تتخذ من لندن مقرا لها على ما يعرف بجواز المرور الأوروبي للعمل بلا عوائق في أسواق رأس المال بالاتحاد. وقالت بعض البنوك إنها ستحول نشاطها إلى منطقة اليورو إذا تركت بريطانيا الاتحاد.
وفي حال خروج بريطانيا رسميا فإن حركة الاموال والعلاقات المتبادلة بين البنوك البرطانية والبنوك الاخرى المنتشرة في دول اوربا الاخرى سوف تواجه عقبات وصعوبات ادارية كبيرة، فقد خرجت تحذيرات من أن مغادرة الاتحاد الأوروبي سيدفع بنوكا وغيرها من الشركات إلى نقل وظائف خارج المملكة المتحدة إلى دول الاتحاد الأخرى. وفند المدافعون عن خروج بريطانيا من الاتحاد تلك المخاوف، وقالوا إنه يتعين على بريطانيا التركيز على تطوير علاقتها التجارية بالدول الأخرى خارج الاتحاد الأوروبي.
وقد اشار مسؤولون الى أن المؤسسات المالية التابعة لاوربا في لندن سوف تتعرض بسبب خروج بريطانيا لمخاطر كثيرة تتعلق ببعض التسهيلات والامتيازات وحذر محافظ البنك المركزي الفرنسي فرانسوا فيلوري، من أن المؤسسات المالية في لندن معرضة لخطر فقدان امتيازاتها في الدخول للاتحاد الأوروبي، إذا ما غادرت بريطانيا السوق الموحدة. وقال فيلروي إن البنوك في لندن ستفقد "جواز مرورها المالي"، الذي يسمح لها بحرية التجارة في الاتحاد الأوروبي.
خفض تصنيف بريطانيا من مستقرة إلى سلبية
من جهتها خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني رؤيتها المستقبلية لتصنيف المملكة المتحدة من مستقرة إلى سلبية نتيجة لقرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقالت الوكالة في بيان أن فوز الداعين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي جرى الخميس يضع الاقتصاد البريطاني أمام "فترة طويلة من الغموض" مما سيؤدي إلى "تداعيات سلبية على آفاق النمو على المدى المتوسط". ودرجة تصنيف بريطانيا حاليا لدى موديز هي آيه آيه1.
وأضافت موديز أنه "في السنوات القليلة التي سيتعين على بريطانيا إعادة التفاوض على علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي تتوقع موديز عودة الغموض وتراجع الثقة واستثمارات أقل مما سيؤدي إلى نمو أضعف". كما توقعت الوكالة أن يكون تراجع المالية العامة للدولة أكبر مما كان متوقعا. وقالت إن "الأثر السلبي لنمو أضعف سيتخطى الوفر الذي ستحققه بريطانيا من خلال عدم مساهمتها في موازنة الاتحاد الأوروبي".
وذكرت موديز بأن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لبريطانيا إذ أنه يستورد 44% من صادراتها كما أن 48% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بريطانيا تأتي أيضا من الاتحاد الأوروبي بحسب فرانس برس.
وقالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا وتصنيفات المصدرين الآخرين لأدوات الدين في البلاد. وقالت الوكالة في بيان "هذه النتيجة تحمل في طياتها فترة طويلة من الضبابية بشأن السياسات ستفرض ضغوطا على الأداء الاقتصادي والمالي للمملكة المتحدة. و"زيادة الضبابية ستقلص تدفق الاستثمارات والثقة على الأرجح بما يضغط على آفاق النمو في المملكة المتحدة وهو ما يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للديون السيادية و(ديون) المصدرين الآخرين للسندات في المملكة المتحدة".
خروج بريطانيا يسدد ضربة للاسواق
وكان يوم "الجمعة الاسود" الذي شهدته الاسواق العالمية نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي قاسيا، وان كانت ابعاده تذكر بازمة مصرف ليمان براذرز، الا ان النظام المالي العالمي لا يبدو مهددا في الوقت الحاضر، اذ تقتصر الازمة على البعد السياسي.
ولم يشهد المستثمرون مثل هذه التقلبات منذ الازمة المالية عام 2008 حين انهار مصرف الاعمال "ليمان براذرز"، وازمة الديون في منطقة اليورو التي بلغت ذروتها في صيف 2011. لكن ان كانت عواقب تراجع البورصة والغموض الاقتصادي والسياسي المرتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي قد تستمر لبعض الوقت، الا انه من الصعب في المرحلة الراهنة التحدث عن ازمة مالية جديدة.
وقال مدير ادارة العمليات في شركة "راسل انفستمنتس فرنسا" المتمركز في لندن آلان زيتوني "اننا لا نشهد موجة بيع على خلفية حركة هلع (...) لسنا امام دوامة على غرار ما حصل في قضية ليمان براذرز، مع ترقب سلسلة تبعات وتعثر مصدري سندات الديون في السداد". وقال لوران كلافيل الخبير الاقتصادي لدى شركة "اكسا آي ام" ان "الحركة بلغت حجما كبيرا لكنها ليست كارثية في الوقت الحاضر" مضيفا ان الوضع "اقل خطورة بكثير من الانهيار الذي نجم عن ليمان، واحداث صيف 2011" بحسب فرانس برس.
وخلافا لما حصل خلال ازمة مصرف ليمان، فان ما اهتز صباح الجمعة لم يكن مصير النظام المالي. في 2007-2008، حاصرت المخاطر المستثمرين الذين كانوا يخشون انهيار القطاع المالي نتيجة ازمة الرهونات العقارية والصعوبات التي واجهتها المصارف. وينطوي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي على تحديات سياسية خطيرة للبناء الاوروبي، لا بل لمكانة السوق المالية نفسها في لندن، غير انه لا يحمل في الوقت الحاضر على اعادة النظر في الاستقرار المالي العالمي. ويستبعد خبراء مكتب "اوكسفورد ايكونوميكس" امكانية ان يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي "لحظة شبيهة بـ(أزمة) ليمان"، معتبرين انه "لا بد ان تتخذ امور كثيرة منحى سيئا في الوقت نفسه" حتى يتلقى النظام برمته ضربة "لا يمكن اصلاحها". كما ان الوقت ما زال مبكرا للحديث عن ازمة اقتصادية على النطاق العالمي، اذ تبدو الدول الكبرى جميعها باستثناء بريطانيا بمنأى عن تباطؤ اقتصادي قوي.
ولخص كلافيل الوضع بالقول "ليست هذه صدمة عالمية" موضحا ان الوطأة المرتقبة على الاقتصاد في منطقة اليورو ستكون سلبية حتما، لكنها لن تكون هائلة، كما ان الانعكاسات على الاقتصاد الاميركي ستكون محدودة. وكانت العواقب في وول ستريت الجمعة اقل حجما منها في اسواق المال الاوروبية.
غير ان فرانك ديكسمير مدير ادارة السندات في العالم لدى شركة "آليانز جي آي" لفت الى ان "هذا التراكم لعوامل الغموض لا يوجه اشارة جيدة الى المستثمرين الدوليين حين يكون المطلوب النظر في اقامة فروع في اوروبا او توظيف استثمارات". وما يختلف ايضا عن ازمتي 2008 و2011 ان السياسات النقدية تتسم الان بليونة كبيرة، ولا سيما في منطقة اليورو حيث يعمد البنك المركزي الاوروبي الى اعادة شراء الديون بشكل مكثف.
وقال زيتوني ان "الازمة سياسية"، ما لا يشكل بالضرورة خبرا سارا للاسواق. وقال ديكسمير "ان كان من الممكن تقدير الخسائر المالية، الا انه من الصعب للغاية تقدير العواقب السياسية. اننا نواجه عواقب على المدى البعيد بالمقارنة مع المدى القريب لردود فعل المستثمرين الذين فوجئوا بالوضع". وحذر كلافيل بان "ردود الفعل السياسية ستكون موضع متابعة عن كثب، ولا سيما في ما يتعلق بمستقبل منطقة اليورو والاتحاد الاوروبي".
يجب ان تخرج بريطانيا بسرعة
من جهته قال عضو بالمجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي إن محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجب أن تجرى بسرعة للحد من حالة الغموض مضيفا أن المركز المالي بمدينة لندن معرض لخطر فقدان "جواز المرور الأوروبي". وتعتمد البنوك التي تتخذ من لندن مقرا لها على ما يعرف بجواز المرور الأوروبي للعمل بلا عوائق في أسواق رأس المال بالاتحاد. وقالت بعض البنوك إنها ستحول نشاطها إلى منطقة اليورو إذا تركت بريطانيا الاتحاد.
وقال فرانسوا فيلروي دو جالهاو العضو بالبنك المركزي الأوروبي لإذاعة (فرانس انترناسونال) إن مدينة لندن لن تستطيع الاحتفاظ بجواز المرور إذا خرجت بريطانيا من السوق الموحدة للبضائع والخدمات بالاتحاد. وتابع "هناك سابقة وهي النموذج النرويجي للمنطقة الاقتصادية الأوروبية وهو ما سيسمح لبريطانيا بمواصلة الدخول إلى السوق الموحدة ولكن عن طريق الالتزام بكل قواعد الاتحاد الأوروبي." لكنه قال "قد يكون هناك قدر من التناقض في الخروج من الاتحاد الأوروبي وتطبيق كل قواعده لكن ذلك أحد الحلول إذا أرادت بريطانيا أن تظل قادرة على دخول السوق الموحدة."
وذكر فيلروي -وهو محافظ البنك المركزي الفرنسي أيضا- أن البنوك المركزية تتعامل بكفاءة مع آثار تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد. وقال "اليورو عملة صلبة." وأضاف "ما حدث يوم الخميس نبأ غير سار.. بالنسبة لبريطانيا قبل أي أحد. بالطبع ستكون هناك عواقب سلبية على الاقتصاد الأوروبي لكنها ستكون محدودة بشكل أكبر بكثير من العواقب السلبية التي يتوقعها كل الخبراء على الاقتصاد البريطاني" بحسب روينرز. وأشار إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يعرض الاقتصاد الفرنسي لأي خطر انكماش في الفترة المقبلة مؤكدا توقعات نمو سابقة تبلغ 1.4 بالمئة على الأقل للعام الحالي.
نقل وظائف من لندن حال خروج بريطانيا
من جهته يعتزم بنك إتش إس بي سي "HSBC" نقل نحو 1000 وظيفة من لندن إلى باريس في حالة مغادرة بريطانيا للسوق الأوروبية الموحدة في أعقاب تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وعلمت بي بي سي أن الموظفين المحتمل نقلهم سيكونون من بين الذين يجرون المعاملات باليورو لصالح البنك في منطقة "كناري وارف" المالية الشهيرة في شرق لندن. وتعني نتائج استفتاء الخميس أن المملكة المتحدة سيتعين عليها التفاوض بشأن علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، من بينها ما إذا كانت ستبقى شريكا في السوق الموحدة. ورفض بنك إتش إس بي سي التعليق على الأخبار.
وفي حالة مغادرة المملكة المتحدة السوق الموحدة أو المنطقة الاقتصادية الأوروبية (إي إي إيه) سيعني خسارتها حقوق عمل الشركات التي تسمح للبنوك بالعمل دون قيود في جميع الدول الأعضاء بالمنطقة. وتضم المنطقة الاقتصادية الأروبية دول الاتحاد الـ 28، إضافة إلى أيسلندا وليختنشتاين والنرويج. وتسمح قوانين المنطقة للدول غير الأعضاء بالاتحاد بأن تكون جزءا من السوق الموحدة طالما أنها تمنح الأشخاص حرية كاملة في التنقل.
وخرجت تحذيرات من أن مغادرة الاتحاد الأوروبي سيدفع بنوكا وغيرها من الشركات إلى نقل وظائف خارج المملكة المتحدة إلى دول الاتحاد الأخرى. وفند المدافعون عن خروج بريطانيا من الاتحاد تلك المخاوف، وقالوا إنه يتعين على بريطانيا التركيز على تطوير علاقتها التجارية بالدول الأخرى خارج الاتحاد الأوروبي. ويستخدم بنك إتش إس بي سي بالفعل أكثر من عشرة آلاف موظف يعملون في باريس.
لندن قلقة على اقتصادها
وثمة تساؤل مفاده هل يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الى الحد من حيوية لندن؟ لا شك ان العاصمة ستفقد من ميزاتها برأي بعض المستثمرين، مع انعكاس ذلك حتما على اقتصادها المزدهر. وصوت حوالى 60% من سكان لندن في استفتاء 23 حزيران/يونيو، على بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، غير ان باقي البلاد قرر غير ذلك. وهذا ما يثير قلقا كبيرا في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها 8,6 ملايين نسمة وتساوي النروج من حيث اجمالي الناتج الداخلي، على اقتصادها. فمع خروج البلاد من الكلتة الاوروبية، ستفقد لندن مكانتها لدى الشركات الاميركية والاسيوية كبوابة دخول الى السوق الاوروبية المشتركة.
وقال غريغ كلارك خبير تنمية المدن في مركز بروكينغز للدراسات ان "بعض الشركات التي تعتبر لندن منصة للتعامل مع السوق الموحدة الاوروبية ستنقل قسما على الاقل من مراكزها الى مدن اخرى من الاتحاد الاوروبي". وابلغ مصرف اول هو الاميركي "جاي بي مورغان" الذي يوظف 16 الف شخص في المملكة المتحدة، منذ الجمعة انه قد ينقل وظائف الى خارج البلاد.
وبحسب وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني، فان خمس النشاط المصرفي العالمي يتركز في لندن. وفي حال هروب المصرفيين، فان ذلك سيشكل ضربة قاسية للمدينة حيث يؤمن القطاع المالي ثلث الوظائف، اي 1,25 مليون فرصة عمل. وتشكل الخدمات بمجملها 85% من الوظائف في العاصمة، وقد حل هذا القطاع بصورة كاملة محل القطاع التصنيعي الذي شكل لفترة طويلة مكمن قوة المدينة.
واعلن رئيس بلدية لندن العمالي صادق خان "امر جوهري ان نبقى جزءا من السوق الموحدة"، داعيا الى الاخذ بتصويت مدينته خلال المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي حول كيفيات الخروج. وفي مؤشر الى هذه المخاوف الكبيرة، جمعت عريضة اطلقت على شكل مزاح للمطالبة بخروج لندن من المملكة المتحدة، اكثر من 140 الف توقيع. لكن بالرغم من هذه المخاوف، يرى كلارك ان من المحتمل في نهاية المطاف "الا يكون عدد الوظائف التي ستفقدها (لندن) هائلا، لان الشركات ستعيد ترتيب امورها بدل ان تغادر تماما" وفي مطلق الاحوال "ستبقى لندن موقعا جيدا لتامين الخدمات للاسواق العالمية".
ولا شك ان المدينة التي سجل اجمالي ناتجها الداخلي زيادة بنسبة 3,3% العام الماضي بالمقارنة مع 2,3% في مجمل البلاد، تملك ميزات كفيلة بضمان حفاظها على هذا الموقع، فهي تتكلم الانكليزية، لغة الاعمال العالمية، وهي منفتحة على العالم وتتسم بثقافة غنية. كما ان تنظيمها الالعاب الاولمبية عام 2012 وما واكب ذلك من استثمارات ولا سيما في وسائل النقل، اعطاها انطلاقة هائلة. لكن هل ستستمر جامعاتها الذائعة الصيت في تأمين اختصاصيين ذوي كفاءات عالية لها اذا ما بات من الصعب على غير البريطانيين الالتحاق بها؟ اكدت جامعة لندن الجمعة ان الخروج من الاتحاد الاوروبي لن يكون له "اي عواقب آنية" على الطلاب والاساتذة، لكن لا احد يدري ما يحصل في المستقبل.
البنوك في لندن قد تفقد امتيازاتها
في سياق مقارب حذر محافظ البنك المركزي الفرنسي فرانسوا فيلوري، من أن المؤسسات المالية في لندن معرضة لخطر فقدان امتيازاتها في الدخول للاتحاد الأوروبي، إذا ما غادرت بريطانيا السوق الموحدة. وقال فيلروي إن البنوك في لندن ستفقد "جواز مرورها المالي"، الذي يسمح لها بحرية التجارة في الاتحاد الأوروبي. وصرح يروين ديسلبليوم، وزير مالية هولندا ورئيس مجموعة وزراء مالية أوروبا، وفي وقت سابق، بأن البنوك قد تنقل أعمالها إلى خارج بريطانيا.
لكن الخبير الاقتصادي البريطاني جيرارد ليونز، يرى أنه سيكون من الصعب على البنوك هجرة لندن. وتقدم العديد من البنوك، التي تتخذ من لندن مقرا لها، خدماتها للعملاء في أنحاء الاتحاد الأوروبي دون عوائق وفقا لقواعد "جواز المرور". "البنوك قد تنقل أعمالها إلى خارج بريطانيا، إلى أمستردام أو فرانكفورت بدلا من ذلك"، ، يروين ديسلبليوم، وزير مالية هولندا. لكن هذه القواعد ستكون مهدده حال اختيار بريطانيا مغادرة السوق الأوروبية الموحدة كجزء من انسحابها من الاتحاد الأوروبي بحسب رزيترز. وقال نشطاء في حملة الخروج إن لندن ستظل مركزا ماليا في أوروبا، وستكون قاعدة "جواز المرور" جزءا من مفاوضات العلاقات التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وأكد فيلروي، وهو أيضا عضو في الهيئة الإدارية للبنك المركزي الأوروبي على البدء سريعا في المحادثات.
وقال "هناك سابقة تتمثل في النموذج النرويجي من المنطقة الاقتصادية الأوروبية، ويمكن السماح لبريطانيا بالاحتفاظ بحق الوصول إلى السوق الموحدة ولكن مع الالتزام بتطبيق كافة قواعد الاتحاد الاوروبي". وأضاف "سيكون هناك تناقضا بعض الشيء لترك الاتحاد وتطبيق جميع قواعده في نفس الوقت، ولكنه الحل الوحيد إذا أرادت بريطانيا الحفاظ على الوصول إلى السوق الموحدة."
تزايد الغموض بالنسبة للأسواق
من جهته قال وزير المالية الصيني لوه جي وي إن تصويت بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي زاد من الغموض بالنسبة للأسواق ولكنه وصف رد فعل الأسواق في الآونة الأخيرة بأنه "مفرط" في الوقت الذي من المحتمل أن تظهر فيه التبعات الحقيقية لهذا التصويت خلال ما بين خمس إلى عشر سنوات. وأدلى لوه بهذه التصريحات في أول اجتماع سنوي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في بكين.
وقال إن قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيلقى بظلال على الاقتصاد العالمي ..المضاعفات والنتائج ستظهر خلال ما بين خمس وعشر سنوات." وأضاف"من الصعب التكهن الآن. "رد الفعل التلقائي للسوق ربما كان مفرطا إلى حد ما ويتعين عليها أن تهدأ وتتخذ وجهة نظر موضوعية." وهبطت أسواق الأسهم في شتى أنحاء العالم في أعقاب الاستفتاء في حين هبطت أيضا قيمة الجنيه الاسترليني.
بورصات الخليج تتهاوى
وقد هبطت أسهم الشرق الأوسط بشدة بعد تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي لكن البورصات الخليجية قلصت خسائرها بينما لحقت أضرار أشد بالبورصة المصرية بفعل المخاوف من مزيد من الانكماش في تدفقات الصناديق. ولا تعتمد معظم دول الخليج بشدة على الأموال الأجنبية أو على الصادرات غير النفطية ولذا تتمثل المخاطر الرئيسية التي تتهددها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تباطؤ النمو في أوروبا وهو ما قد يدفع أسعار النفط للتراجع. وهوى خام برنت 4.9 بالمئة إلى 48.42 دولار للبرميل يوم الجمعة.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين ببنك أبوظبي التجاري إنها تتوقع أن تكون الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر تأثرا بضعف الجنيه الاسترليني واليورو بين دول مجلس التعاون الخليجي الست نظرا لتأثر قطاعي السياحة والعقارات الكبيرين فيها بتحركات أسعار الصرف. وأضافت في تقرير "نتوقع ضعف الاستهلاك الفردي وآفاق الاستثمار في الإمارات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي." وأشارت إلى أن من المرجح أن يعرقل خروج بريطانيا أي رفع جديد في أسعار الفائدة الأمريكية في الوقت الحاضر إلا أن الأمر يتطلب من اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مزيدا من تشديد السياسة النقدية لاحتواء عجز ميزانياتها والحفاظ على الثقة في السوق المالية بحسب رويترز.
وحتى الآن فإن التحركات في سوق العقود الآجلة للعملة في الخليج وفي تكلفة التأمين على الدين السيادي ما زالت محدودة منذ الاستفتاء البريطاني وهو ما يشير إلى أن المستثمرين الأجانب لم يتخذوا حتى الآن من خروج بريطانيا مبررا للمراهنة بقوة ضد الأصول الخليجية. ولم تشهد عقود الدولار مقابل الريال لأجل عام التي تستخدم للتحوط من مخاطر هبوط قيمة العملة في المستقبل تغيرا يذكر ويقيت في نطاق الأسابيع القليلة الماضية. وشهدت السندات الخليجية ذات التصنيف المرتفع تحركات محدودة. وارتفعت تكلفة التأمين على الدين السعودي لخمس سنوات من مخاطر العجز عن السداد ست نقاط إلى 182 نقطة وهو تحرك محدود في ضوء تقلبات الأسواق العالمية.
وقال سباستيان حنين رئيس إدارة الأصول لدى المستثمر الوطني في أبوظبي إن من غير المستبعد تفاقم البيع في الأسهم الإماراتية والقطرية إذا دفع خروج بريطانيا الصناديق التي تحجم عن المخاطرة إلى خفض مخصصاتها للأسواق الناشئة بشكل عام. لكنه استبعد هبوطا كبيرا في الطلب على النفط. وتابع "لست متشائما بشدة - تواجه الأسواق أوضاعا غير مواتية لكن يمكن التحكم فيها. لا أتوقع أن تهوي أسعار النفط."
وسجلت دبي أضعف أداء بين البورصات الخليجية مؤخرا لأن اقتصادها هو الأكثر انكشافا على الاستثمار الأجنبي. وتراجع مؤشر سوق دبي 3.3 بالمئة إلى 3258 نقطة مسجلا أكبر هبوط يومي له منذ يناير كانون الثاني وارتفع حجم التداول لأكثر من مثليه عن يوم الخميس.
وهبط سهم إعمار العقارية 4.7 بالمئة بينما كان أداء أسهم البنوك أفضل نسبيا. وانخفض المؤشر العام لسوق أبوظبي 1.9 بالمئة وكانت أسهم شركات الطاقة هي الأشد تضررا. وهوى سهم أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة) التي لها استثمارات كبيرة في بريطانيا وأوروبا 7.6 بالمئة.
وأغلق المؤشر الرئيسي للسوق السعودية منخفضا 1.1 بالمئة عند 6479 نقطة مرتدا من أدنى مستوياته أثناء الجلسة 6257 نقطة. وهبط سهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) 1.5 بالمئة وسهم البنك الأهلي التجاري 1.3 بالمئة. لكن سهم العربية للأنابيب - الذي صعد بشكل كبير الأسبوع الماضي بعدما فازت الشركة بعقد من أرامكو السعودية - قفز بالحد الأقصى اليومي عشرة بالمئة للجلسة الرابعة على التوالي. وزاد سهم السعودية للكهرباء الذي ينظر إليه كسهم آمن نسبيا 1.6 بالمئة.
وشهدت البورصة المصرية هبوطا أكبر بكثير من الأسواق الخليجية وأغلقت قرب أدنى مستوياتها للجلسة. وقالت نعيم للسمسرة في مذكرة إن تأثر الاقتصاد المصري بخروج بريطانيا لن يكون خطيرا لأن ضعف الاسترليني واليورو ربما يصب في صالح ميزان المعاملات الجارية للاقتصاد المصري كثيف الاستيراد إضافة إلى أن 16 بالمئة من الدين الخارجي لمصر مقوم باليورو. لكن المستثمرين ركزوا بادئ الأمر على الأقل على مخاطر اضطراب الأسواق العالمية وهو ما يجعل جذب تدفقات الأموال إلى مصر أكثر صعوبة. وسيتسبب ذلك في تفاقم مشكلة شح العملة الصعبة التي تضر بالصناعة المحلية مما قد يجعل خفض قيمة الجنيه مجددا أمرا لا مفر منه.
وهوى سهم طلعت مصطفى للتطوير العقاري 7.6 بالمئة. وتراجع سهم جهينة للصناعات الغذائية التي تصدر منتجاتها إلى أوروبا وقد تتضرر من ضعف العملة هناك 4.3 بالمئة. لكن سهم البنك التجاري الدولي أكبر بنك مدرج في مصر والمفضل لدى المستثمرين الأجانب تراجع 2.2 بالمئة مسجلا أداء أفضل من السوق عموما. وانخفض سهم بلتون المالية 1.3 بالمئة بعدما رفعت الشركة دعوى قضائية بحق رئيس البورصة والهيئة العامة للرقابة المالية بشأن الوقف المتكرر لتداول أسهمها.