الذهب الأخلاقي يتبوّأ أرقى الأماكن في العالم
ندى علي
2016-05-23 02:26
أينما يوجد المال، يسعى إليه الانسان، ويبحث عنه، وقد يتقاتل من أجل، القتال ربما يكون بين أفراد، او جماعات ضد بعضها البعض، واحيانا تقوم القوات المسلحة والعناصر الأمنية للدول بملاحقة بعض جامعي الاموال بطرق غير شرعية، ومن هذه الأموال (مناجم الذهب) بأنواعها، ومن المفارقات الغريب أن هناك (ذهب أخلاقي) موجود في باطن الأرض، أطلق عليه المهتمون بالأمر هذه التسمية كونه فعلا ذهب غير مؤذي نقي صديق للبيئة، لذلك وصفوه (بالأخلاقي).
أي أن هذا النوع من الذهب لا يتسبب بأي أذى للانسان او البيئة، والمعروف أن عملية استخراج الذهب تمر بخطوات صعبة ومتعبة جدا، تشبه العمل في المناجم الخطرة، لذلك تسعى إليه الدول والتجار والافراد والدول للحصول على المال، في هذه الأيام يسعى بنك الصين الصناعي التجاري، وهو البنك الأكبر في الصين من حيث حجم الأصول، في الوقت الحالي لشراء قبو محصن عملاق في لندن استعدادا لتعزيز نشاطه التجاري في مجال الذهب والمعادن النفيسة. ويشتري البنك الصيني القبو، الذي يتسع لألفي طن متري من الذهب، والفضة، والبلاتين، والبلاديوم، من بنك باركليز البريطاني. وتمنح عملية شراء القبو البنك الصيني العملاق المزيد من الأهمية ككيان متخصص في تجارة، وتسعير، وتخزين المعادن النفيسة.
بلغاريا من جهتها بلد فقير لذلك عندما يتواجد الذهب في بلد كهذا فإنه سوف يكون هدفا لكثير من الطامعين بجمع الأموال والذهب فبعد مرور اكثر من الفي عام على عصر التراقيين الذين خلفوا وراءهم كنوزا اثرية مذهلة، عادت حمى الذهب لتضرب بلغاريا البلد الفقير الذي تحولت فيه هواية التنقيب عن هذا المعدن الثمين في مياه الانهار الى مصدر رزق لجهات اكثر احترافية. وعلى طول نهر توندجا في وسط بلغاريا، يعمد حوالى اثني عشر رجلا وامرأة واحدة هي ميلكا غانيفا الى غسل رواسب الطمي لاستخراج الرقائق الذهبية الثمينة منها.
ومن المفارقات الجميلة ان يكون في دولة فقيرة من امريكا اللاتينية ذهب أخلاقي صديق للبيئة وللانسان في الوقت نفسه، حيث تنتج بلدة في كولومبيا ذهبا مراعيا للبيئة ولحقوق العمال ما اوصل هذا المعدن المستخرج من مناجمها لتزيين السعفة الذهبية المقدمة في مهرجان كان السينمائي. تقع لا يانادا أي "الأرض الذهبية" وسط جبال نارينيو في منطقة ترزح تحت وطأة النزاع الذي يمزق البلاد منذ أكثر من نصف قرن. ويؤكد إديسون روسيرو المسؤول عن الفريق في المنجم الذي يديره عمه سليمو وهو أحد المناجم الخمسة التي حصلت على شهادة "فيرمايند" التي تمنح للأنشطة المنجمية العادلة أنه "ذهب نظيف".
وفي كولومبيا أيضا تمتد الكثبان الرملية على مساحات واسعة في الامازون، لكن لا احد يقصد هذا "الشاطئ" للتنعم بأشعة الشمس، بل ان هذا الموقع مورد للمجموعات المسلحة ومصدر للتلوث في منطقة عادة ما توصف بانها رئة العالم. على بعد 115 كيلومترا من هذا "الشاطئ" النائي الواقع في الشرق الكولومبي قرب قرية كامبو اليغري، وضعت مضخة لجمع الرمل الممزوج بالذهب، لكن هذه المنصة العائمة التي كانت ترتفع في احد روافد نهر اينيريدا دمرت في عملية مشتركة للجيشين البرازيلي والكولومبي للتصدي للانشطة المنجمية غير الشرعية.
وقد تسعى بعض الدول الى ارغام العاملين في مناجم الذهب الى بيعه الى الدولة حصرا، حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة، حيث تسعى الدولة الغابونية الى استعادة السيطرة على قطاع الذهب في البلاد من خلال ارغام العاملين في مجال التنقيب اليدوي عن هذا المعدن النفيس على بيعها انتاجهم، غير أن هذا التدخل لا يأتي دائما بالنتائج المرجوة خصوصا في ظل تراجع كميات الذهب وخوض شركات صينية جديدة غمار المنافسة، وهكذا غالبا ما يكون الذهب مصدر منافسة بين الدول والاشخاص الاغنياء والبنوك الدولية طبعا.
بنك الصيني يشتري قبوا محصنا في لندن
في هذا السياق يسعى بنك الصين الصناعي التجاري، وهو البنك الأكبر في الصين من حيث حجم الأصول، في الوقت الحالي لشراء قبو محصن عملاق في لندن استعدادا لتعزيز نشاطه التجاري في مجال الذهب والمعادن النفيسة. ويشتري البنك الصيني القبو، الذي يتسع لألفي طن متري من الذهب، والفضة، والبلاتين، والبلاديوم، من بنك باركليز البريطاني. وتمنح عملية شراء القبو البنك الصيني العملاق المزيد من الأهمية ككيان متخصص في تجارة، وتسعير، وتخزين المعادن النفيسة. ولا تتوافر أي تفاصيل مالية عن الصفقة التي يُتوقع أن تتم في يونيو/ حزيران المقبل. وتستأثر الصين بربع الطلب العالمي على الذهب، لكن لندن ونيويورك لا زالا أكبر مركزين عالميين لتجارة المعدن النفيس. وهناك سبع جهات توفر خدمات أقبية تخزين الذهب والمعادن في لندن، أبرزها بنك إنجلترا.
وقد وافق أكبر بنك في العالم على شراء قبو لتخزين الذهب والمعادن الثمينة في لندن. لكن كم قبوا من هذا النوع يوجد في لندن، وما هي كمية الذهب التي تحويها، هذا ما تسأل عنه كلير بيتس. فقد لا تكون شوارع لندن مفروشة بالذهب، لكن هناك بالتأكيد كمية ضخمة منه مخزونة تحت تلك الشوارع. إذ يوجد نحو 6500 طن مخزنة في سبعة أنظمة من القباء تحت مدينة لندن. وأكبر تلك القباء أو السراديب حتى الآن يوجد في بنك انجلترا. إذ يحوي البنك ثلاثة أرباع كمية الذهب في لندن، أو 5,134 أطنان. ويخزن معظم الذهب عادة على هيئة قضبان يزن الواحد منها 12.4 كيلوغرام، ويوجد نحو 500,000 واحد منها، تقدر قيمة كل منها بـ350,000 جنيه استرليني.
لكن الاحتياطي الرسمي للخزانة البريطانية من الذهب يقدر بأقل من عشر هذه الكمية. "يوجد في بنك انجلترا 310 أطنان من الذهب تابعة للخزانة البريطانية، أما بقية الكمية فمعظمها تجاري"، بحسب ما يقوله أدريان آش من بوليون فولت.كوم. ويخزن الذهب في نظام مكون من ثمانية قباء توجد في طابقين تحت شارع ثريدنيدل في حي المصارف في لندن. وتستخدم هذه الطريقة لتوزيع الثقل، ومنع السراديب من الغرق في طمي لندن تحت البنك.
ويوجد ستة سراديب تجارية أخرى صغيرة داخل الطريق السريع الدائري المعروف باسم إم 25، تمتلكها بنوك مثل جي بي مورغان، وإتش إس بي سي. ويوجد ثلاثة أخرى حول مطار هيثرو. ويوجد أحد تلك السراديب التي اشتراها أي سي بي سي (البنك الصناعي التجاري للصين) من بنك باركليز داخل دائرة إم 25، لكن موقعه سري. وهو يحتوي على 2000 طن، مما يجعله واحدا من أكبر السراديب في أوروبا. وتفيد تقارير بأن بناء السرداب استغرق سنة.
ويقول أدريان آش إن الذهب المخزون "إما هو تمويل لبعض الاستثمارات، أو تمويل لاستثمارات ذات مخاطر مالية مرتفعة، أو لأسر ثرية، أو لصناديق ائتمان مدعومة بالذهب، ومثل هذا النوع من الأشياء". ويعد قبو بنك انجلترا ثاني أكبر واحد من نوعه في العالم، بعد بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذي يضم نحو 6300 طن. ويقول آش "الأمر الغريب بالنسبة للندن أنها لا تنتج ذهبا، ولا تصقله، وليس هناك اهتمام كبير من العملاء به. ومع ذلك فإنها مركز سوق بيع الذهب بالجملة. وهي رابع أكبر مستورد للذهب، وثاني أكبر مصدر له. وعندما تطلب سعر الذهب، فإنه يعطى لك بـ"لوكو لندن" - أي سعر الذهب بحسب تسلمه في لندن، وهذا هو نقطة البداية". ويضيف "ويرجع ذلك إلى أن توقيت بريطانيا يقع بين توقيت آسيا وأمريكا، ولها ارتباط تاريخي بمستويات الذهب، وتاريخ قوي في حقوق ملكية العقارات، والاستقرار السياسي، والتجارة الحرة. ولديها أيضا تسهيلات جيدة للوصول إلى أماكن التخزين".
ولا يعتقد أن قبو بنك باركليز الذي اشتراه البنك الصناعي التجاري للصين، قد أفرغ قبل عملية البيع. ويقول آش "أعتقد أنه اشتري كما هو، وليس كسرداب فارغ". وسيدفع المستثمرون الآن، وتجار المجوهرات، وشركات التعدين، لتخزين ذهبهم في قبو كهذا، للبنك الصيني، بدلا من باركليز، تمتعا بتلك الميزة.
حمى الذهب تصيب البلغاريين
وبعد مرور اكثر من الفي عام على عصر التراقيين الذين خلفوا وراءهم كنوزا اثرية مذهلة، عادت حمى الذهب لتضرب بلغاريا البلد الفقير الذي تحولت فيه هواية التنقيب عن هذا المعدن الثمين في مياه الانهار الى مصدر رزق لجهات اكثر احترافية. وعلى طول نهر توندجا في وسط بلغاريا، يعمد حوالى اثني عشر رجلا وامرأة واحدة هي ميلكا غانيفا الى غسل رواسب الطمي لاستخراج الرقائق الذهبية الثمينة منها.
وتقول هذه الموظفة البالغة 59 عاما والعاملة منذ عامين في هذا المجال في محيط سد كوبرينكا إن "هذا الموقع غني على الارجح بما أن التراقيين اختاروه عاصمة لهم". وتغطي مياه هذا السد المشيد في المرحلة الشيوعية اثار العاصمة القديمة للحضارة التراقية سيفتوبوليس التي دخلت التاريخ بفضل غناها الكبير بالذهب. وكما الحال بالنسبة لغانيفا، يمارس حوالى 1500 بلغاري بدرجات متفاوتة من الانتظام هذه الهواية بالتنقيب عن الذهب في مياه الانهار والتي اكتشف كثيرون أنها باتت مسموحة قانونا منذ سنة 2009.
ويشير كيريل ستامينوف رئيس اتحاد المنقبين البلغاريين عن الذهب المؤسس حديثا الى ان "لمعان الذهب عنصر جذب خصوصا في بلد فقير"، لافتا الى ان هذه الموجة تطال اشخاصا من "الاوساط والمهن كافة". وتشهد دورات التدريب على هذه الهواية اقبالا كثيفا حتى أن مسابقات للتنقيب عن الذهب في مياه الانهار تقام تحت عدسات الكاميرات بحسب فرانس برس.
وتسجل بلغاريا خصوصا انتشارا لعمليات التنقيب غير الاحترافية عن الذهب. فبحسب تقرير حكومي نشر في آب/اغسطس، "كل الانهار البلغارية تقريبا تحتوي على الذهب" من دون أن تطالها انشطة الاستخراج الصناعي التي تتركز في المنجم المقام في الهواء الطلق في تشيلوبيتش. ويلفت كيريل ستامينوف الى ان "الذهب لطالما كان موجودا هنا. ليس صدفة أن تكون ارض بلغاريا الحديثة مهد الحضارة التراقية". ويثير اكتشاف بضع رقائق فقط من الذهب رضا واضحا لدى اكثرية المنقبين في يوم الاحد هذا من بينهم ميلكا.
وتبدي هذه الجدة املها "في التمكن من تقديم ميداليات جالبة للحظ الى حفيديها يوما ما"، موضحة أنها عثرت على ثمانية غرامات من الذهب خلال عامين. وقد دفع الولع بهذه الهواية البعض الى التخلي عن كل شيء بهدف التمتع بهذا الشغف. ومن بين هؤلاء هريستو مافرودوف. ويلفت هذا الشاب البالغ 28 عاما الى ان "حمى الذهب شعور لا مثيل له". ويعرف مافرودوف عن نفسه بأنه "يمتهن التنقيب عن الذهب" موضحا أنه يستكشف الانهار الجبلية "في كل الفصول" منذ عامين برفقه زميله نيكولاي كوستادينوف. ويؤكد مافرودوف "أننا نتحسن يوما بعد آخر ونأمل التمكن من تحويل هذه الهواية الى مصدر رزقنا".
وقد جمع الشابان 70 غراما من الذهب خلال عام، الا ان الناتج المالي البالغ حوالى 1750 يورو يبقى متواضعا. فقد تراجعت اسعار الذهب بنسبة كبيرة بعد المستويات المرتفعة المسجلة سنة 2011، ولم يعد غرام الذهب عيار 20-22 قيراطا يباع بأكثر من 50 الى 52 ليفا (27 الى 29 دولارا) للصاغة البلغاريين. ويؤكد ستامينوف أن "المولعين فقط بهذه الهواية يحصدون نتائج جيدة من التنقيب عن الذهب. اما اولئك الذين ينخرطون فيها فقط بهدف تحقيق ثروات فسرعان ما يستسلمون. لا اثرياء من بين المنقبين عن الذهب".
هذا الوضع مرده خصوصا الى ان العمل في هذا المجال مضن اذ أن كل متر مكعب من رواسب الطمي يحوي اقل من 0,5 غرام من الذهب، وهو مستوى يوازي محتوى 400 معول او 100 دلو يتعين غسله ونخله بعناية فائقة. لكن ثمة بعض النصائح المفيدة يمكن اتباعها في هذا المجال بحسب نيكولاي كوستادينوف اذ ان "الذهب اثقل من الماء بواقع 19 مرة ومن الصعب ان ينتقل في المنعطفات المائية. لذا نبحث عن مكامن في نقاط التحويل على الانهار او في محيط جذور الاشجار او الاحجار الضخمة".
من مناجم كولومبيا الى ارقى مهرجانات العالم
من جهتها تنتج بلدة في كولومبيا ذهبا مراعيا للبيئة ولحقوق العمال ما اوصل هذا المعدن المستخرج من مناجمها لتزيين السعفة الذهبية المقدمة في مهرجان كان السينمائي. تقع لا يانادا أي "الأرض الذهبية" وسط جبال نارينيو في منطقة ترزح تحت وطأة النزاع الذي يمزق البلاد منذ أكثر من نصف قرن. ويؤكد إديسون روسيرو المسؤول عن الفريق في المنجم الذي يديره عمه سليمو وهو أحد المناجم الخمسة التي حصلت على شهادة "فيرمايند" التي تمنح للأنشطة المنجمية العادلة أنه "ذهب نظيف". ويأتي الشاب البالغ من العمر 23 عاما كل يوم من بلدته مع آلاف الآخرين للتنقيب عن ها المعدن الثمين على عمق مئة متر.
وتنشر المخلفات على الروابي التي تنقب فيها شركة "كودمييا" المحدودة وهي تعاونية تضم نحو 150 مساهما. ويقول مديرها دييغو رياسكوس (27 عاما) وهو يتباهى بالشهادة التي حصل عليها في تشرين الأول/أكتوبر والتي تفتح له أبواب الأسواق العالمية "إنه نموذج مستدام يعود بالنفع على الإنسان والطبيعة على حد سواء". وهذه الشهادة هي من إعداد التحالف من اجل مناجم مسؤولة (ايه آر ام) وهو منظمة غير حكومية أسست في كولومبيا سنة 2004 ولها اليوم فروع في أميركا اللاتينية وافريقيا وآسيا. وتمنح هذه الشهادة بناء على الالتزام بقوانين العمل واحترام البيئة وتعزيز التنمية الاجتماعية للفئات المعنية بحسب فرانس برس.
حصلت "الأرض الذهبية" على تسمية "الذهب المراعي للبيئة" بفضل أساليب العمل المعتمدة فيها التي لا تلجأ إلى المواد السامة، مثل السيانيد والزئبق. ويضيف مدير التعاونية التي تعيش عائلته من المناجم شأنها في ذلك شأن 90 % من سكان البلدة البالغ عددهم ثمانية الاف نسمة "الوضع افضل بالنسبة الينا كذلك لأننا قادرون على بيع هذا الذهب بسعر افضل". هذه التعاونية التي انشئت سنة 1977 تنتج سنويا 60 كيلوغراما من هذا الذهب الذي يمثل ايضا هوية المنطقة.
واستخراج الذهب من هذه المنطقة الواقعة في جنوب غرب كولومبيا كان موجود منذ زمن هنود اباديس الذين يعود اخر اثر لهم الى سنة 1530 تقريبا. وأعيد اطلاق هذا النشاط بعد اربعة قرون من جانب شركات كندية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية لكنها انسحبت من هذا القطاع اثر انهيار اسعار الذهب. من ثم استأنف سكان لا يانادا التنقيب عن هذا المعدن عبر توزيع المعدن المستخرج داخل التعاونية. وقد جنب هذا الامر المنطقة مخاطر حمى الذهب التي تشهدها مناطق اخرى بحسب رياسكوس الذي يؤكد "لا اعمال عنف بين عمال المناجم هنا".
غير أن المعارك بين عناصر الميليشيات والقوات المسلحة لم تستثن البلدة حيث فقد البعض اعزاء لهم كما ان اثار رصاصات لا تزال موجودة على ابواب منازل في البلدة. وعلى ارتفاع 2300 متر، مع بركان غاليراس في الافق، تسود اجواء من الطمأنينة في لا يانادا. الأطفال يلهون في الساحة العامة في حين يتبادل الكبار اطراف الحديث على عتبات المنازل ويمارس عمال المناجم رياضة الكرة الطائرة بعد العمل.
أما البعض وبينهم إديسون وعمه، فيتمتعون بمواهب فنية إذ يعزفون على الات موسيقية ويؤدون اغنيات من تراث جبال الانديس للاسترخاء بعد ساعات العمل المضني في استخراج اطنان من الصخور وتفتيتها من دون التيقن البتة من حتمية ايجاد اي غرام من الذهب. ويقول الرئيس الشاب للفريق "في بعض الاحيان تتخطى كلفة التنقيب الارباح المتأتية منه. العمل في المناجم يمثل دائما مغامرة". اما عمه سيليمو روسيرو البالغ 51 عاما فيؤكد أن "أحدا لا يعلم ما يخبئه العلي القدير في باطن الارض".
ويحقق الذهب المنتج من عائلة روسيرو نجاحات تتخطى الحدود المحلية إذ وصل هذا المنتج حتى مهرجان كان السينمائي العيق عبر اختيار هذا المعدن لتزيين السعفة الذهبية المقدمة للفائزين بالمهرجان. كما أن نجمات سينمائيات عالميات ارتدين ذهبا منتجا من مناجم لا يانادا بينهن الفرنسية ماريون كوتيار. وتمثل فكرة هذا "الترف المنصف" اساسا لبرنامج تزويد بالمواد الاولية قائم على احترام البيئة تعتمده مجموعة شوبار السويسرية للمجوهرات.
وتقول المديرة الفنية لهذه المجموعة السويسرية كارولين شوفيلي في تصريحات لوكالة فرانس برس "بالنسبة الي، من البديهي أن جائزة السعفة الذهبية يجب ان تكون مراعية للبيئة". وعقدت مجموعة شوبار شراكة مع التحالف من اجل مناجم مسؤولة سنة 2013 كما تقدم دعما الى لا يانادا، ثاني منجم في كولومبيا يحصل على تصنيف "فيرمايند" بعد تعاونية أخرى في آب/اغسطس 2014 في ايكويرا بمقاطعة نيفا (وسط). وتوضح نائبة وزير المناجم في كولومبيا ماريا ايزابيل اويوكا ان "الحكومة تعمل على اعادة انتاج هذه النماذج في سائر انحاء البلاد"، مشيرة الى ان التشجيع على اعتماد الممارسات الفضلى لدى عمال المناجم امر مهم لكن الأمر ايضا مرتبط بحس المسؤولية لدى الشراة. وتسعى السلطات الكولومبية الى تحديد ضوابط قانونية لقطاع المناجم وابعاده عن النزاعات الدموية في بلد تمارس 63 % من الانشطة في هذا القطاع على نحو غير قانوني.
البحث غير المشروع عن الذهب في الامازون الكولومبية
من ناحية اخرى تمتد الكثبان الرملية على مساحات واسعة في الامازون في كولومبيا، لكن لا احد يقصد هذا "الشاطئ" للتنعم باشعة الشمس، بل ان هذا الموقع مورد للمجموعات المسلحة ومصدر للتلوث في منطقة عادة ما توصف بانها رئة العالم. على بعد 115 كيلومترا من هذا "الشاطئ" النائي الواقع في الشرق الكولومبي قرب قرية كامبو اليغري، وضعت مضخة لجمع الرمل الممزوج بالذهب، لكن هذه المنصة العائمة التي كانت ترتفع في احد روافد نهر اينيريدا دمرت في عملية مشتركة للجيشين البرازيلي والكولومبي للتصدي للانشطة المنجمية غير الشرعية.
وتستفيد الاعمال غير المشروعة في هذه المنطقة الكولومبية الواقعة بين فنزويلا والبرازيل، من ضعف الكثافة السكانية التي لا تتجاوز شخصين في الكيلومتر المربع، وغياب سلطة الدولة، وهي تثير شهية الراغبين في البحث عن الثروات المعدنية، علما ان النشاط المنجمي محظور فيها منذ العام 2012 لكونها منطقة محمية. ومن اكبر الاثار السيئة التي تسببها هذه الانشطة المنجمية غير المشروعة القضاء على المساحات الحرجية، بحسب ما يقول المهندس الزراعي خوان فرانسيسكو غارسيا لوكالة فرانس برس.
في العام 2014 وحده، قطعت مساحات من الغابات تقدر بمئة واربعين الف هكتار في كولومبيا، نصفها في غابة الامازون. اما مجموع الاضرار فمن الصعب تقييمه. ويقول اندريس ليانوس المسؤول في منظمة غايا امازوناس غير الحكومية المتخصصة في حماية البيئة "منذ العام 2010، لم نتمكن من تحديد حجم تأثير الانشطة المنجمية غير المشروعة في الامازون، وذلك بسبب عدم القدرة على الوصول الى كل المناطق". تحمل السلطات الكولومبية متمردي "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) المسؤولية عن هذه الانشطة، علما ان الطرفين يخوضان محادثات سلام بعد عقود من النزاع الدامي.
الا ان السلطات القضائية تشير الى مسؤولية "كل المجموعات المسلحة غير الشرعية" في كولومبيا، سواء كانت مجموعات سياسية ام اجرامية. في العام 2012، كانت مساهمة المناجم الشرعية 2,3 % من الناتج المحلي الاجمالي في كولومبيا، اي ما يوازي 8,5 مليار دولار، لكن احصاءات رسمية تشير الى ان نصف المناجم العاملة في هذا البلد تعمل بشكل غير مشروع.
ويقول الكولونيل خورخي روياس الذي يقود العمليات الامنية في المنطقة "نشاط استخراج المعادن غير الشرعي يدر مالا اكثر من الكوكايين". فثمن غرام الذهب الواحد هناك 27 غراما، اما تكلفة كيلوغرام الكوكايين فهي 965 دولارا، وبيعه اصعب. ويقول خوان فرانسيسكو غارسيا "ادى اتلاف السلطات للزراعات غير المشروعة الى نمو مصادر اخرى للتمويل".
هذه المنطقة الواقعة في شمال شرق اميركا الجنوبية تعد من اقدم التشكلات الجيولوجية على كوكب الارض، وهي غنية جدا بالذهب وايضا بمعدن كولتان المستخدم في التقنيات العالية. وبحسب الكاتب رودريغو بوتيرو الذي وضع كتابا بعنوان "طرق الذهب غير الشرعي"، فان "السوق الدولي لمعدن كولتان كبير جدا، من سيليكون فالي في الولايات المتحدة الى البرازيل".
ازاء هذا الطلب، يتعاظم حجم الانشطة غير المشروعة في منطقة الامازون الكولومبية التي تشكل ما يقارب نصف مساحة كولومبيا، وخصوصا في ظل غياب اجهزة الدولة شبه التام. ويقول داني خوليان كوينتانا المسؤول في اجهزة التحقيقات "نستطيع دائما ان نفكك انشطتهم...لكنهم ما ان يشعروا ان الدولة غابت يعودون مجددا".
الغابون تسعى لاستعادة السيطرة على قطاع الذهب
من جهتها تسعى الدولة الغابونية الى استعادة السيطرة على قطاع الذهب في البلاد من خلال ارغام العاملين في مجال التنقيب اليدوي عن هذا المعدن النفيس على بيعها انتاجهم، غير أن هذا التدخل لا يأتي دائما بالنتائج المرجوة خصوصا في ظل تراجع كميات الذهب وخوض شركات صينية جديدة غمار المنافسة. فعلى سفح حبال بيلينغا شمال شرقي الغابون في احدى اكثر المناطق البرية وعورة في وسط افريقيا، ينشط رجال بلا هوادة من ساعات الصباح الأولى حتى هبوط الظلام في نقل الرواسب الرملية المحتوية على الذهب وتحميلها على عربات يدوية قبل وضعها على الاواني الكبيرة المخصصة لتحضير الذهب.
ويقول ابو بكر كوليبالي وهو مالي ضخم البنية ينقل ما يصل الى مئتي عربة يوميا "نأتي الى هنا عند السابعة صباحا وننهي عملنا عند السادسة مساء (...) الانتاج ليس جيدا لدرجة كبيرة". ففي أحسن الايام، يحصد فريقه بين تسعة الى عشرة غرامات من الذهب. هذه الوتيرة الرتيبة من العمل المضني يخرقها هدير الدراجات المستخدمة في عمليات الضخ لنقل الرمال الى البحيرة بعد الاستحصال على الرقائق. كذلك فإن الطريق التي يتعين على العاملين اجتيازها دونها عقبات عدة خصوصا الاشجار الضخمة التي تعرقل التقدم او الافاعي المنتشرة في المنطقة. وطوال هذه اليوميات الشاقة يمكن الاستماع الى تنهدات المنقبين المنهكين. ويوضح وليام مبوما وهو غابوني في الحادية والثلاثين من عمره عاد الى قريته بعدما فشل في كسب رزقه في المدينة "لا خيار اخر امامنا، الامر مضن لكننا نتكيف مع الوضع".
وفي حين تستقي الغابون القسم الاكبر من ايراداتها من استغلال النفط، تطال البطالة اكثر من 30 % من الشباب ما يدفع كثيرين منهم الى العمل في انشطة غير رسمية بينها التنقيب اليدوي عن الذهب.وأطلقت الدولة الغابونية سنة 2014 نظاما يتيح لها شراء انتاج صغار المنتجين بغية انهاء الوضع "الفوضوي" في قطاع الذهب. ويوضح مدير الشركة الغابونية لجمع الذهب التابعة للشركة الاستوائية للمناجم ويسبرت موسوندا أن الهدف من هذه الخطة يكمن في "اشراف افضل وتحكم اكبر بالنشاط" في القطاع.
وقد انشئت ست شركات من هذا النوع في البلاد يعمل موظفوها على تعقب المنتجين الى اكثر المناطق وعورة كما الحال في المخيم السادس الذي يتم الوصول اليه بعد القيادة في منحدرات لثلاث ساعات. وفي سنة 2015، جمعت الشركة الغابونية لجمع الذهب 55 كيلوغراما من هذا المعدن وهي حصيلة متواضعة خصوصا لكون قطاع التنقيب عن الذهب يوفر فرص عمل لحوالى 10 الاف شخص في البلاد وفق الفرع الغابوني لمنظمة "الصندوق العالمي للطبيعة" غير الحكومية. ويؤكد موسونودا أن الاطر المحددة من جانب السلطات الرسمية "ستحسن ظروف حياة مواطنينا" مع السعي على المدى الطويل الى تنمية "مناجم صغيرة افضل تنظيما وتعمل بشكل شبه الي" بحسب فرانس برس.
غير أن منقبي الذهب المرغمين على اعادة بيع انتاجهم للدولة يؤكدون أن اعادة بيع انتاجهم للدولة الحق بهم خسائر مادية. ويقول المسؤول المحلي في بلدة المخيم السادس سيمون بيار ماتامايا "من قبل، كنا نبيغ الذهب في مقابل 20 الف فرنك افريقي للغرام أما الآن فمنذ ان جاؤوا الى هنا لم يعد السعر يتعدى 17 الف فرنك". مع ذلك فإن المنقبين يشعرون بانعدام البدائل امامهم. ويوضح رجل مسن من القرية التي تفتقر للمياه والكهرباء "هذه ليست تجارة بل مسألة بقاء". كذلك فإن الاطار العام لم يعد ملائما بعد التراجع الكبير في كميات الذهب المنتجة في البلاد التي انطلقت فيها عمليات التنقيب عن هذا المعدن في اربعينات القرن الماضي. ويشكو اندريه رابوندا قائلا "قد تمضون يوما كاملا" بحثا عن غرام واحد من الذهب.
وقد بدأت شركات صينية قبل اشهر عدة خوض غمار المنافسة في هذا القطاع آخرها توقيع الشركة الاستوائية للمناجم اخيرا عقود شراكة جديدة مع شركة ميانينغ الصينية للتنقيب عن الذهب في المناطق الغابونية. ومع أن عمليات التنقيب عن الذهب لا تزال تحصل بشكل رئيسي يدويا، غير أن الغابون تملك ثروات منجمية كثيرة غير مستغلة بينها ما يتعلق بمعادن كالحديد والمنغنيز واليورانيوم والماس، وهو ما يجذب عددا متزايدا من الشركات الصينية التي تركز نشاطها في الفترة السابقة على استغلال النفط وصناعة الخشب والمشاريع العقارية.