حرمان شخصيات من الترشح: مساءلة وعدالة أم إقصاء سياسي؟
مصطفى ملا هذال
2025-07-21 05:10
علق أحد المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، على خبر نشرته احدى المنصات مفاده منع اللواء العسكري عبد الغني الاسدي من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، كونه مشمول بقانون المساءلة والعدالة، فنص التعليق "أين كان هذا القيد خلال السنوات التي مرت".
الاسدي كان في طليعة أسماء القيادات العسكرية التي قارعت ولاحقت الإرهاب في معظم أماكن وجوده، والحق يقال كانت ساحات المعارك تشهد له بالشجاعة والثبات على الموقف والحب لوطنه وحرصه على طرد الزمر الإرهابية، ولم يأتي ذلك عن فراغ مطلقا، بل جاء عن خبرة عسكرية ميدانية امتدت على مدى عقود من الزمن.
شخصيا استمعت للقاء خاص مع الاسدي وذكر انه على مدار المواجهات مع العصابات الإرهابية، لم يتمكن من العودة الى المنزل لشهور عديدة!
من فرض عليه هذا؟
فرضه واجبه الوطني أولا والأخلاقي ثانيا.
وفي موقف آخر حين اندلاع احداث محافظة ذي قار، كان الاسدي الرجل الأول على قائمة الموفدين الى هناك، نظرا لما يتمتع فيه من مكانة رسمية وثقل عشائري، وبعد كل هذه الأدوار الإيجابية والخدمة الوطنية التي أراد ان يستكملها، فوجئ بهذه المعاملة التي تفتقد الى أي نوع من أنواع الانصاف.
ليس مع الاسدي فقط، ففي كل موسم انتخابي تكرر موجة من الجدل الحاد بشأن استبعاد شخصيات سياسية وعسكرية من المشاركة في الانتخابات، وغالبا ما يُستند في هذا الإقصاء إلى قانون "المساءلة والعدالة"، الذي حل محل قانون "اجتثاث البعث" عام 2008.
وبينما يُفترض بأن القانون يهدف إلى ضمان عدم عودة رموز النظام السابق إلى السلطة، إلا أن تطبيقه غالبا ما يثير تساؤلات حول المعايير والنوايا، والتوقيتات التي عادة ما تفتح باب الشكوك على مصراعيه، ولم يحصل الجمهور الانتخابي المساند للشخصية المستبعدة على أجوبة منطقية.
الشخصيات المشمولة في الحرمان كانت بارزة في العمل السياسي والحزبي، وقد يكون البعض الكثير منها عُرفت بمواقفها الشجاعة المناهضة لعمليات الفساد الحاصلة في دهاليز السياسة المظلمة.
هذه الإجراءات، بحسب هيئة المساءلة والعدالة، تستند إلى سجلات رسمية تشير إلى انتماء هؤلاء لحزب البعث بدرجات قيادية أو إشغالهم مناصب مهمة في أجهزة الدولة السابقة، ولو كانت هذه المستندات او المؤشرات خارجة في أوقات أخرى لكان من الممكن شطب الملاحظات المكتوبة حول الملف.
لكن وبحسب المعطيات والاستخدامات الأخيرة للقانون انه تحول إلى أداة سياسية تُستخدم لتصفية الخصوم أو لإعادة ترتيب المشهد الانتخابي لصالح قوى معينة.
وبشيء لا يقبل النقاش او الجدل، ان القانون وبعد توظيفه او حرف مسار عمله بهذه الصورة، بحاجة إلى مراجعة لبعض مواده، فمن غير المعقول ان يبقى يكوي بناره من انخرط بالإكراه في تنظيمات حزبية.
وما يحصل في الوقت الحاضر هو عدم التمييز بين من تورط فعليا في جرائم أو فساد، ومن كان موظفا عاديا أو عسكريا يؤدي واجبه كما غيره من الآلاف من المواطنين المغلوب على امرهم.
لقد رسخت القرارات الأخيرة ان القانون مسيس بالكامل، وهو لون من ألوان الانتقام وقص أجنحة خصوم سياسيين، وليس تطبيقا لعدالة انتقالية كما يُفترض.
لكن المشكلة الأعمق أن استمرار هذا النهج في كل دورة انتخابية يفاقم من أزمة الثقة بين المواطن والعملية السياسية برمتها، إذ يتساءل الناخب العراقي، هل هذه الانتخابات تمثلني فعلا، وهل التنافس فيها نزيه، أم أن نتائجه مرسومة مسبقا بإقصاء منافسين محتملين؟
العدالة الانتقالية لا تعني الانتقام أو الإقصاء العشوائي، بل تتطلب توازنا بين محاسبة من تلطخت أيديهم بالدماء والفساد، وبين فتح باب المشاركة أمام من التزموا بخدمة البلاد في مرحلة ما بعد التغيير، وإذا لم يُصحح مسار هذا القانون، فإن خسائره قد تتجاوز الأفراد لتطال شرعية النظام السياسي بأكمله في السنوات القادمة.