في البرازيل.. هل يكفي التقشف الاقتصادي لمكافحة الفساد؟
شبكة النبأ
2015-01-10 12:40
الحكومة البرازيلية برئاسة ديلما روسيف، التي فازت بولاية ثانية بعد معركة انتخابية مهمة، تواجه جملة من التحديات والمشاكل السياسية والاقتصادية الكبيرة، وتتلخص مشاكل البرازيل الدولة الأكبر في أميركا اللاتينية وكما يرى بعض الخبراء بالحالة البائسة للاقتصاد، ضعف الاستثمارات، وتهالك البنية التحتية، والتعقيدات الروتينية والبيروقراطية داخل المؤسسات الحكومية، وقوة المعارضة، يضاف اليها فضائح الفساد الكبيرة المتعلقة بشركة البترول الوطنية بتروبراس والتي طالت شخصيات سياسية بارزة في الحزب الحاكم والاحزاب المتحالفة معه، والتي اثرت بشكل سلبي على مصداقية روسيف في الولاية الاولى من حكمها.
تلك التحديات الكبيرة وبحسب بعض المراقبين دفعت روسيف، الى اعتماد خطط واجراءات اصلاحية مهمة من اجل انعاش الاقتصاد واعادة ثقة المستثمرين ومكافحة الفساد وغيرها من الامور الاخرى، وقد اعلنت روسيف وهي اول سيدة تتولى الرئاسة في 2010 في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه اكثر من مئتي مليون نسمة ويحتل المرتبة السابعة بين اقتصادات العالم والثانية بين الدول المنتجة للمواد الغذائية (بعد الولايات المتحدة). ويملك احتياطات هائلة من النفط.
امام البرلمان ورؤساء بعض الدول، انها تعرف أكثر من أي شخص آخر أن البرازيل تحتاج لاستئناف النمو.
وان الخطوات الأولى على هذا الطريق هي بإصلاح المالية العامة ودعم الاستثمارات وزيادة التوفير وزيادة النمو وزيادة قدرة الاقتصاد الإنتاجية، اجراءات وتعهدات قد لا يكون من السهل تحقيقها على المدى القصير بسبب التحديات والازمات الصعبة والمتنامية التي تعيشها البلاد خصوصا مع وجود اطراف معارضة ستسعى الى عرقلة جهود الحكومة في سبيل تحقيق منافع سياسية خاصة.
كساد وفساد
وفي هذا الشأن قالت رئيسة البرازيل ديلما روسيف إن حكومتها ستكبح الإنفاق للحد من التضخم وانتشال أكبر اقتصاد في امريكا اللاتينية من اربع سنوات من الكساد. وقالت روسيف (67 عاما) في كلمة في الكونجرس عقب ادائها اليمين القانونية لولاية ثانية مدتها أربع سنوات "سنثبت أن من الممكن إجراء تعديلات اقتصادية دون الرجوع عن الحقوق أو النكوص على التعهدات السابقة".
ومع فرار المستثمرين من الاصول البرازيلية في تعبير عن عدم موافقتهم على ادارتها للاقتصاد اثناء ولايتها الاولى ومع تلميح وكالة واحدة على الاقل للتصنيفات الائتمانية الي احتمال خفض تصنيف ديون البرازيل تعهدت روسيف التي تنتمي لليسار بتبني المزيد من السياسات الصديقة للاسواق. وقالت "أعرف أكثر من أي شخص آخر أن البرازيل تحتاج لاستئناف النمو. الخطوات الأولى على هذا الطريق هي إصلاح ميزان المعاملات الجارية وزيادة المدخرات المحلية ودعم الاستثمارات وتحسين الإنتاجية".
ولم تقدم روسيف تفاصيل بشان التخفيضات في الميزانية لكنها وعدت بتنفيذ التقشف بطريقة تخفض الي أدنى حد ممكن العبء على رجل الشارع الذي يعتمد على الحكومة في الرعاية الاجتماعية. ولقيادة التغيير في السياسة الاقتصادية عينت روسيف في وقت سابق المصرفي خواكيم ليفي وزيرا للمالية. وليفي خبير اقتصادي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاجو ومن المتوقع ان ينفذ تخفيضات في الميزانية واجراءات تقشفية اخرى لإعادة التوازن الي المالية العامة.
لكن تلك التخفيضات من المرجح ان تفاقم ما يتوقع ان يكون عاما صعبا اخر على اقتصاد البرازيل بالنظر الي تباطؤ النمو حول العالم واعتماد السوق المحلي بشكل متزايد على سخاء الحكومة في الانفاق. وقد اعيد انتخابها بفارق طفيف عن منافسها الاشتراكي الديموقراطي آيسيو نيفيس المدعوم من اليمين. وقد استفادت خصوصا من البرامج الاجتماعية التي وضعها حزب العمال الحاكم منذ 12 عاما وسمح بإخراج اربعين مليون برازيلي من الفقر. وخلال ولايتها الرئاسية الاولى كان الشق الاجتماعي يحتل اولوية لكنها اخفقت في انعاش الاقتصاد.
ووعدت روسيف ايضا بإطلاق حملة لمكافحة الفساد ردا على فضيحة رشى تتضمن مليارات من الدولارات تحيط بشركة بتروبراس النفطية المملوكة للدولة والتي تهدد بتعكير صفو ولايتها الثانية. ومن المتوقع ان تكشف المحكمة العليا عن اسماء عشرات من السياسيين الذي يزعم انهم حصلوا على اموال من عمولات تزيد قيمتها عن ثلاث مليارات دولار انتزعت من خزانة شركة بتروليو برازيليرو المعروفة رسميا باسم بتروبراس.
وتعهدت بأن ترسل الي الكونجرس في النصف الاول من العام الحالي مشروع قانون لمكافحة الفساد وأن تشرك المشرعين في وضع ما وصفته بأنه "ميثاق وطني ضد الفساد". وتعهدت ايضا بالقضاء على الفساد في بتروبراس لحماية الشركة من "الحيوانات المفترسة في الداخل والأعداء في الخارج." وقالت "علينا ان ننشئ آليات تضمن ألا يحدث هذا أبدا مرة اخرى."
وقال المحلل السياسي في جامعة برازيليا ديفيد فلايشر "ستبدأ بصعوبات جدية خصوصا في المجال الاقتصادي". واضاف "سيكون عليها مواجهة فضيحة الفساد في بتروبراس وهذا جزء من مشكلة اخرى هي اعادة ثقة المستثمرين في البرازيل وتجنب خفض درجة بتروبراس من قبل شركات التصنيف الائتماني". وتابع الخبير نفسه ان "الصعوبة الاخرى ستكون علاقتها مع البرلمان لان المعارضة ازدادت والتحالف الحكومي مشتت جدا ومنقسم جدا".
وكانت فضيحة الشركة النفطية بدأت بعيد اعادة انتخاب روسيف. وكشفت عملية "الغسل السريع" التي قامت بها الشرطة ان شبكة الفساد قامت بتبييض حوالى اربعة مليارات دولار خلال عشر سنوات. وتواجه بتروبراس شكاوى من مستثمرين دوليين ويمكن ان تخفض وكالات للتصنيف الائتماني علامتها مما قد يشكل ضربة قاسية لخططها الاستثمارية. بحسب فرانس برس.
واطلقت النيابة البرازيلية ملاحقات بتهمة الفساد وغسل الاموال وتشكيل عصابة اشرار ضد 39 شخصا معظمهم من رجال الاعمال الذين كانوا يضخمون فواتير العقود الخاصة ببتروبراس لرشوة بعض مدرائها. وقالت روسيف مرات عدة منذ اعادة انتخابها "سنواصل تنظيم الامور ونشهد في 2015 بداية النمو من جديد". واعلن الفريق الاقتصادي الجديد الذي يقوده جواكيم ليفي الذي يلقى تقديرا كبيرا في الاسواق، عن اصلاحات لزيادة التوفير العام مثل خفض تأمين البطالة وتعليق المساعدات الحكومية لتجنب زيادة اسعار الكهرباء.
عجز غير مسبوقة
الى جانب ذلك أظهرت بيانات حكومية أن البرازيل سجلت أول عجز سنوي في ميزانها التجاري منذ عام 2000، إذ تباطأت وتيرة النمو الاقتصادي وانخفضت أسعار تصدير خام الحديد وفول الصويا وسلع أولية أخرى. وقالت وزارة التجارة أن عجز الميزان التجاري للبرازيل للعام 2014 بلغ 3.93 مليار دولار. ويعد العجز تحديا خطيرا للرئيسة ديلما روسيف وفريقها الاقتصادي مع بدء ولايتها الثانية.
وساعد تدهور الميزان التجاري خلال عام 2014 على إضعاف العملة المحلية الريال البرازيلي مع نقصان الدولارات الأمريكية التي تدخل الاقتصاد. وقد يؤدي انخفاض الريال إلى زيادة الضغوط التضخمية حيث أن الواردات تصبح أكثر تكلفة بالعملة المحلية. وسجلت البلاد فائضا قدره 293 مليون دولار في شهر ديسمبر كانون الأول وهو ما يقل كثيرا عن متوسط تنبؤات المحللين في استطلاع لرويترز والبالغ 500 مليون دولار.
وسجلت البرازيل عجزا قدره 2.35 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني. وفي عام 2013 بلغ الفائض التجاري 2.38 مليار دولار أقل فائض لها في نحو عشرة أعوام. وبلغت قيمة الصادرات 225 مليار دولار في عام 2014 منخفضة 7 في المائة عن مستواها في 2013. وسجلت الواردات 229 مليار دولار منخفضة 4.4 في المائة عن العام السابق.
وقال برونو لافيري الخبير الاقتصادي في مؤسسة تندنسياس ومقرها البرازيل إن تدهور وضع الميزان التجاري يعزى إلى تعثر المفاوضات التجارية بين مجموعة ميركوسور التي تنتمي اليها البرازيل والاتحاد الأوروبي وتباطؤ النمو وانخفاض أسعار السلع الأولية. وظلت الصين أكبر سوق لصادرات البرازيل في عام 2014 تلتها الولايات المتحدة والأرجنتين.
مظاهرات تدعمها المعرضة
الى جانب ذلك سار نحو خمسة الاف متظاهر وفق الشرطة في وسط ساو باولو ضد الفساد في البرازيل وسياسة الرئيسة ديلما روسيف في تحرك تدعمه المعارضة. وهذه التظاهرة هي الخامسة منذ اعادة انتخاب روسيف في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وبعد الجدل الذي اثاره وجود مناصرين لعودة النظام العسكري الى البلاد في التحركات السابقة، نشرت مجموعة "فيمبراروا" (انزل الى الشارع) وهي احدى الجهات المنظمة، بيانا توضيحيا على شبكات التواصل الاجتماعي جاء فيه "نحن ضد اي عنف وندين اي تطرف (انفصال او تدخل عسكري او انقلاب) ولا نقبل بالحكومات الاستبدادية".
لكن متظاهرين يحملون لافتات تدعو الى انقلاب شاركوا في تحرك قبل ان ينسحبوا سريعا. وقالت الشرطة ان هذه المجموعة التي تضم نحو 400 شخص تظاهرت لاحقا في مكان اخر. وحظيت التظاهرة بتأييد ايسيو نيفيس، مرشح الحزب الاجتماعي الديموقراطي للانتخابات الرئاسية والذي خسر في الدورة الثانية امام روسيف التي تمثل حزب العمال.
وكان نيفيس نشر شريط فيديو دعا فيه الى المشاركة في التظاهرة، مشيرا الى فضيحة الفساد التي طاولت شركة بتروباس النفطية العامة. وقال في الشريط "نعتبر ان فضيحة بتروباس هي قضية الفساد الاكبر في تاريخ البرازيل. لكن القائمة لا تنفك تطول بعدما اعتقدنا ان الامر محصور ببتروباس. علينا ان نكون معبئين اكثر من اي وقت".
وفي ساو باولو حيث نظمت التظاهرة، نال نيفيس اكثر من ستين في المئة من الاصوات في الدورة الثانية. وتقول الشرطة ان التجاوزات التي ارتكبت داخل هذه الشركة التي تديرها الدولة تبلغ قيمتها اربعة مليارات دولار على عشرة اعوام. وبحسب المعلومات الاولية، فان بتروباس وكبرى شركات البناء البرازيلية توافقت في اطار استدراج عروض على زيادة قيمة العقود وتحويل المبالغ الاضافية على حزب العمال واحزاب حليفة له. واعلنت روسيف انه ستتم "مراجعة" كل العقود التي وقعت بين بتروباس والشركات المذكورة.