كيف ستؤثر قرارات ترامب المرتقبة على الاقتصاد العالمي؟
شبكة النبأ
2024-11-11 05:43
تشكّل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حاملا معه سياساته الحمائية تهديدا للاقتصاد العالمي في ظل احتمال اندلاع حروب تجارية جديدة وارتفاع التضخم وانخفاض النمو.
خلال عهده الأول من العام 2017 حتى 2021، لجأ ترامب مرارا لفرض رسوم جمركية عقابية في أي نزاعات مع شركاء بلاده التجاريين.
وفي حملته الانتخابية في 2024، تعهّد فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية نسبتها 60 في المئة ورسوم إضافية نسبتها 10 في المئة على السلع القادمة من باقي بلدان العالم.
ومع أخذ الإجراءات الانتقامية المحتملة من قبل بكين وبروكسل في الاعتبار، فإن الكلفة على اقتصاد الاتحاد الأوروبي ستبلغ 533 مليار دولار حتى 2029 وعلى الولايات المتحدة 749 مليار دولار و827 مليار دولار على الصين، بحسب دراسة لشركة “رولاند برغر” الاستشارية.
وقدّرت دراسة منفصلة لكلية لندن للاقتصاد أن التأثير على الأسواق الناشئة مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل سيكون أقل.
وأفاد مدير قسم التوقعات المرتبطة بالاقتصاد الكلي لدى “أكسفورد إيكونوميكس” في لندن جايمي تومسون أنه يرى تأثيرا اقتصاديا أقل على الأمد القصير نظرا إلى التأخر في تطبيق السياسات، لكنها قد تكون إيجابية بالنسبة للنمو.
وقال لفرانس برس “بينما التوقعات بالنسبة للعام 2025 لن تتغير، يرجّح بأن يكون النمو العالمي أقوى بقليل في 2026 و2027 على خلفية نتائج الانتخابات، إذ أن تأثير تخفيف القيود على السياسة المالية الأميركية سيقوم بأكثر من موازنة تداعيات الرسوم محددة الأهداف”.
لكن إذا فُرضت رسوم واسعة النطاق، “فقد تؤدي إلى تراجع الاقتصاد العالمي بحوالى 0,75 في المئة والتجارة العالمية بنحو ثلاثة في المئة بحلول نهاية العقد”.
وقالت تارا فارما من “معهد بروكينغز” الأميركي إن احتمالات التعاون الدولي التي يمكن أن تعزز التجارة والنمو، ستكون أقل إشراقا في عهد إدارة ترامب الثانية.
وأوضحت بأن “العالم متعدد الأطراف في فترة 1990 ومطلع الألفية لن يعود قائما”، مضيفة بأنها تتوقّع تغيّرا كبيرا في السياسات الأميركية.
بإمكان سياسات دونالد ترامب أيضا أن تعيد إحياء التضخم الذي تراجع بعد بدء الاحتياطي الفدرالي رفع معدلات الفائدة عدة مرات هذا العام.
وقدّر “معهد بيترسون للاقتصادات الدولية” بأن سياسات ترامب قد تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في الصين بما بين نقطتين إلى أربع نقاط مئوية.
بدوره، لفت كبير خبراء الاقتصاد لدى “آكسا” جيل مويك إلى أن تأثير “سياسة الهجرة بنفس درجة أهمية التجارة العالمية” بالنسبة للتضخم.
وإذا طبّق ترامب تعهده بطرد المهاجرين غير النظاميين على نطاق واسع، فمن شأن ذلك أن يفاقم مشكلة نقص العمالة في الولايات المتحدة.
ويقدّر “مركز بيو للأبحاث” بأن الخطوة قد تؤثر على 8,3 ملايين عامل غير مصرّح لهم.
وأشار “معهد بيترسون للاقتصادات الدولية” بأن ذلك يمكن أن يرفع معدل التضخم في الولايات المتحدة بأكثر من نفطتين مئويتين العام المقبل ويرفعه في أوروبا بـ0,2 نقطة مئوية و0,6 نقطة مئوية في الصين.
لفت مويك إلى أن ارتفاع معدل التضخم سيجبر المصارف المركزية على وضع حد لدورة خفض معدلات الفائدة التي بدأتها في وقت سابق هذا العام مع تراجع حدة التضخم.
يتطلع المحللون إلى خفض معدلات الفائدة لدفع المستهلكين للإنفاق والشركات للاستثمار ودفع الاقتصاد العالمي قدما.
وتحمل الحرب التجارية التي هدد ترامب بإطلاقها ضد الصين خطر التأثير سلبا على النمو.
تساهم آسيا في 60 في المئة من النمو العالمي لكنها ستتأثر بشكل كبير حال اندلاع أي حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وفق تحذير صدر عن صندوق النقد الدولي في وقت سابق هذا الشهر.
كانت الولايات المتحدة أيضا من الاقتصادات المتقدمة الأسرع نموا لكن سياسات ترامب تحمل خطر خفض التقديرات الأساسية لإجمالي الناتج الداخلي الأميركي بنقطتين مئويتين سنويا بين عامي 2027 و2031، وفق توقعات “معهد بيترسون”.
قرارات منتظرة لترامب
وتترقب الولايات المتحدة ثلاثة قرارات منتظرة من دونالد ترامب بعد فوزه بسباق الانتخابات، هي، خفض الضرائب، وتقليص الهجرة، ورفع الرسوم الجمركية على جميع السلع المستوردة، وسط مخاوف بشأن تداعيات ذلك على الاقتصاد الأميركي.
ويعكس ارتفاع الدولار المشهود على مدار تعاملات اليوم، توقعات بأن هذه القرارات الثلاثة ستدفع معدل التضخم إلى الارتفاع، ما يُعني مزيداً من أسعار الفائدة المرتفعة في السنوات القادمة، بحسب ما ذكرته سوزانا ستريتر، رئيسة قسم المال والأسواق في منصة الاستثمار «هارجريفز لانسداون».
ويتصرف المستثمرون أيضاً بناءً على توقعات بأن خطط ترامب لرفع التعريفات الجمركية ستضر بالاقتصاد العالمي، ما يزيد الطلب على الدولار، الذي يعتبر ملاذاً آمناً، وفقاً لماثيو رايان، رئيس استراتيجية السوق في شركة التكنولوجيا المالية إيبري.
وإلى جانب الأغلبية التي حصدها الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي، فإن إعادة انتخاب ترامب التاريخية، تضع الرئيس السابق في وضع قوي لتنفيذ أجندته الاقتصادية المحتملة.
وطرح الرئيس السابق دونالد ترامب العديد من أفكار السياسة الضريبية، بما في ذلك تمديد قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017، وإعادة خصم الضرائب الحكومية والمحلية، وخفض معدل الضريبة على الإنتاج المحلي للشركات.
وسيقترح ترامب أيضاً خفض معدل الضريبة على المصنعين المحليين في الولايات المتحدة إلى 15 في المئة، كما قال إنه سيمنع جميع المركبات ذاتية القيادة التابعة للشركات الصينية من السفر على الطرق الأميركية.
ويحذِّر مكتب الميزانية في الكونغرس من أن خطوة تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017 ستكلف الاقتصاد الأميركي ما يقرب من خمسة تريليونات دولار، ولكن الرئيس السابق أخبر الرؤساء التنفيذيين مؤخراً خلال اجتماع مغلق أنه يرغب في خفض معدل الضريبة على الشركات أبعد من ذلك.
خلال حملته الانتخابية، اقترح ترامب فرض تعريفة بنسبة 10 في المئة إلى 20 في المئة على كل السلع المستوردة، وهي زيادة حادة مقارنة بالمتوسط الحالي الذي يتراوح بين صفر واثنين في المئة.
وبالنسبة للواردات الصينية، فقد اقترح فرض تعريفة أكثر صرامة بنسبة 60 في المئة على الأقل، فضلاً عن فرض تعريفة بنسبة تتراوح بين 100 و200 في المئة على السيارات المصنوعة في المكسيك أو على المنتجات التي تصنعها الشركات التي تنقل التصنيع من الولايات المتحدة إلى المكسيك.
وتعمل الرسوم الجمركية كضريبة على الواردات، ما يضر بالمستهلكين وكذلك بالشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة وما يسمى بالسلع الوسيطة اللازمة لصنع المنتجات النهائية.
وقالت سوزانا ستريتر في مذكرة «يستعد المستثمرون للتعريفات الجمركية التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة للمتسوقين الأميركيين».
وكتب محللو بنك نومورا في مذكرة «نتوقع الآن خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي مرة واحدة فقط في عام 2025، مع تعليق أي تغييرات في السياسة النقدية حتى تمر صدمة التضخم الناجمة عن التعريفات الجمركية».
وقال فيليب شو، كبير الاقتصاديين في شركة إنفستك، والخبير الاقتصادي إيلي هندرسون، «إنه إذا قام شركاء أميركا التجاريون بالانتقام بفرض تعريفاتهم الجمركية على الواردات الأميركية فسوف يتبع ذلك زيادة كبيرة في التضخم العالمي، في حين أن الضربة اللاحقة للتجارة العالمية ستؤثر سلباً على النمو الاقتصادي».
ويميل العديد من الناخبين إلى سياسة ترامب الأكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، خاصة أن سياسة بايدن الأقل تشدداً تسببت في تدفق أكثر من 6.3 مليون مهاجر عبر الحدود الأميركية بصورة غير شرعية منذ توليه السلطة، مسجلاً المعدل الأكبر للمهاجرين مقارنة بأي رئيس أميركي آخر.
ومع ذلك، قال فيليب سواجل، مدير مكتب الميزانية بالكونغرس، للصحفيين في وقت سابق، بعد أن أصدر المكتب تقريراً عن التوقعات الاقتصادية إن «المزيد من العمال يعني المزيد من الإنتاج، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية»، وتضمن التقرير قسماً خاصاً عن الهجرة وتأثيرها على الاقتصاد.
وقال تقرير مكتب الميزانية بالكونغرس إنه في حين لم تتمكن جميع فئات المهاجرين، مثل الأطفال أو العجزة، من العثور على وظائف، فإن نسبة كبيرة من المهاجرين في الآونة الأخيرة ومستقبلاً، وهم الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً، تنضم لقوة العمل.
كما أنه من المتوقع أن تضيف القوى العاملة بالولايات المتحدة نحو 1.7 مليون شخص هذا العام مقارنة بتقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس في العام الماضي، وبحسب التقرير، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سينمو بمقدار سبعة تريليونات دولار إضافية على مدى العقد المقبل.
ولكن في حالة اتجاه ترامب إلى تقييد الهجرة إلى الولايات المتحدة، فهذا من شأنه الحد من هذه المزايا، وتقول سوزان ستريتر، رئيسة قسم المال والأسواق في منصة الاستثمار «هارجريفز لانسداون»، إن «تعهد ترامب بطرد المهاجرين عبر موجات من عمليات الترحيل يمكن أن يكون له أيضاً تداعيات اقتصادية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع فواتير الأجور للشركات».
استقلالية الاحتياطي الفدرالي
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد تواجه استقلالية الاحتياطي الفدرالي الأميركي ضغوطا تضعف قدرتها على مكافحة التضخم والبطالة بعيدا من أي تدخلات سياسية.
والاحتياطي الفدرالي مفوض من الكونغرس التصرف باستقلالية للتعامل مع التضخم والبطالة، من خلال أداة أساسية هي التحكم بمعدلات الفائدة.
ورأى ترامب في الثامن من آب/أغسطس أن “الرئيس يفترض على الأقل أن تكون له كلمته” في السياسة النقدية مضيفا “أعتقد أن لدي حدسا أفضل في العديد من الحالات من الذين يديرون الاحتياطي الفدرالي أو رئيسه”.
ويقوم الاحتياطي الفدرالي برفع وخفض معدلات الفائدة في ضوء تطورات الاقتصاد الأميركي، لضمان استقرار الأسعار والعمالة الكاملة، ويصر في عمله على عدم إقحامه في الحياة السياسية.
وشدد نائب الرئيس السابق للمؤسسة المالية الفدرالية دون كون في مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، على أن السماح “للسياسيين الذين لا تتخطى آفاقهم الانتخابات المقبلة، بأن تكون لهم كلمة في السياسة النقدية … يولد تضخما وعدم استقرار اقتصاديا”.
عمد ترامب بانتظام خلال ولايته الأولى إلى انتقاد مسؤولي الاحتياطي الفدرالي حين لم يخفضوا معدلات الفائدة بالسرعة التي يطلبها.
ووصل به الأمر إلى التساؤل في تغريدة غاضبة إن لم يكن رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الذي عينه بنفسه “عدوا أسوأ” من الرئيس الصيني شي جينبينغ.
وقال ديفيد ويلكوكس الخبير الاقتصادي في معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية ومدير البحث الاقتصادي للولايات المتحدة في بلومبرغ “بدا ذلك بمثابة رسالة عدائية للغاية”.
ولمح الملياردير الجمهوري قبل إعادة انتخابه إلى أنه قد لا ينتظر انتهاء ولاية جيروم باول على رأس الاحتياطي الفدرالي في أيار/مايو 2026 لعزله من منصبه، قبل أن يعود ويتدارك الأمر.
وسئل باول خلال مؤتمر صحافي إن كان يمكن أن يستقيل من منصبه بشكل مبكر فأجاب بصورة قاطعة “لا”. وحين سئل عن احتمال إرغامه على التنحي، أكد أن هذا “محظور بموجب القانون”.
وأوضحت كاثي بوستيانشيتش كبيرة الاقتصاديين في شركة ناشونوايد للتأمين أن “هناك قواعد وقوانين والاحتياطي الفدرالي يحمي نفسه من هذا النفوذ السياسي”.
لكنها رأت أنه في ضوء “النفوذ الهائل” الذي يتمتع به رئيس الاحتياطي الفدرالي، فإن الرئيس المقبل الذي سيختاره ترامب “قد يبدل الديناميكية واستقلال السياسة النقدية”.
ورأى ديفيد ويلكوكس أن “الطريقة التقليدية الأولى التي يمكن (لدونالد ترامب) أن يؤثر فيها على سياسة الاحتياطي الفدرالي” هي عبر استخدام صلاحياته في تعيين الحكام الجدد حين تنتهي ولاية الحكام الحاليين التي تستمر 14 عاما.
وتابع أن “ما يثير المخاوف هو احتمال أن يمضي أبعد من هذا النهج”.
وأول استحقاق في هذا السياق سيكون في كانون الثاني/يناير 2026 مع شغور أول منصب حاكم، وقال ستيف إنغلادنر الخبير الاقتصادي لدى ستاندارد تشارترد “سيتمكن ترامب من تعيين الشخص الذي يريده في هذا المنصب الشاغر”.
غير أن التعيينات تخضع لموافقة مجلس الشيوخ، وهو ما يطمئن إلى حد ما براي إنغلاندر.
وقال الخبير “لا يمكن اختيار اسم بصورة اعتباطية وطرحه على مجلس الشيوخ، فيتم تثبيته في اليوم التالي والتصويت عليه في اليوم الثالث”، مؤكدا أن أعضاء المجلس “يأخذون دورهم بمنتهى الجدية”.
وثمة حاجز أخير أمام الرئيس هو سوق السندات التي تأخذ في الاعتبار التوقعات بشأن معدلات الفائدة في المستقبل وانعكاسات كلفة الاقتراض على كل المستويات من الرهون العقارية إلى القروض لشراء سيارات.
وقال إنغلاندر بهذا الصدد “لا يمكن القيام بتعيين يتعارض تماما مع التيار السائد … لأن سوق السندات سترفض هذا في الحال”.
وختم “سوق السندات هي حاجز واقٍ، ثمة حدود”.
وقالت بوستيانشيتش أنه حتى لو كانت التعيينات سياسية “سيكون هناك على الدوام عدد كبير من الحكام والرؤساء المحليين للاحتياطي الفدرالي الذين لم يعينهم الرئيس ترامب”.
غير أن سكوت بيسينت المقرب من ترامب والذي يطرح اسمه لتولي وزارة الخزانة طرح فرضية “رئيس ظل” للاحتياطي الفدرالي، في مقال نشرته مجلة فوربز في 15 تشرين الأول/أكتوبر.
ورأى أنه بهذه الطريقة “لن يكترث أحد فعليا لما يقوله جيروم باول”، فيما أوردت المجلة أن ترامب لم يعلق على هذه الفكرة.
وخفّض الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) الخميس سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى ما بين 4.50% و4.75%، في قرار يأتي غداة فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وقالت لجنة السياسات النقدية في البنك في بيان صدر في ختام اجتماع بدأته صباح الأربعاء إنّ “ظروف سوق العمل آخذة في التحسّن”.
وأضافت أنّ “التضخّم أحرز تقدّما في عودته إلى هدف 2% (…) إلا أنه لا يزال مرتفعا”.
وبذلك يكون الاحتياطي الفدرالي قد تجاهل حالة عدم اليقين السياسي في واشنطن ومضى قدما في سلسلة الإجراءات التي بدأها في أيلول/سبتمبر عندما بدأ دورة التيسير النقدي بخفض كبير في سعر الفائدة بلغ يومها نصف نقطة مئوية وإعلانه في الوقت نفسه عزمه على إجراء تخفيضات إضافية قبل نهاية العام.
وفي أيلول/سبتمبر تراجع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس التضخّم المفضل لدى الاحتياطي الفدرالي، إلى 2.1%، في حين ظلّ النمو الاقتصادي قويا.
كما حافظ سوق العمل على قوته بشكل عام، على الرغم من التباطؤ الحادّ في سوق التوظيف خلال الشهر الماضي والذي يُعزى إلى حدّ كبير للأحوال الجوية السيئة التي شهدتها البلاد وكذلك أيضا إلى إضرابات عمّالية.
والخميس، عقد رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول مؤتمرا صحافيا في واشنطن أكّد خلاله أنّ الانتخابات الرئاسية التي جرت الثلاثاء وفاز بها الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب “لن يكون لها تأثير في المدى القريب” على قرارات المؤسسة النقدية.
وقال باول “في المدى القريب، لن يكون للانتخابات تأثير على قراراتنا، فنحن لا نعرف ما هو الجدول الزمني للإصلاحات المقبلة أو نوعها، وبالتالي لا نعرف ما الذي ستكون عليه آثارها على الاقتصاد. نحن لا نخمّن، لا نتكهّن، لا نفترض”.
كما أكّد باول أنّه لن يستقيل قبل انتهاء ولايته في 2026 حتى وإن طلب منه ترامب ذلك.
وردّا على سؤال عمّا إذا كان سيغادر منصبه قبل أوانه إن طلب منه ترامب ذلك اكتفى باول بالإجابة “كلا”، قبل أن يجيب بـ”كلا” ثانية على سؤال عمّا إذا كان يظنّ أنّه ملزم قانونا بالرحيل إذا ما طلب منه الرئيس تقديم استقالته.
أسيا تترقب تبعات ولاية ترامب
يمكن لبعض الدول الآسيوية أن تحقق مكاسب في حال نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وعيده بفرض رسوم جمركية باهظة على الصين، لكن القارة التي تساهم بالحصة الأكبر من النمو العالمي، قد تكون الأكثر تأثرا بحرب تجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين.
تعهد ترامب أثناء حملته الانتخابية التي انتهت بفوزه الساحق بالرئاسة، فرض رسوم جمركية مشددة تصل إلى 60% على جميع المنتجات الصينية المستوردة إلى الولايات المتحدة، سعيا لتحقيق تكافؤ في الميزان التجاري بين البلدين.
غير أن المحللين يشككون في إمكان أن يلتزم ترامب بمثل هذا الرقم المرتفع، وفي وطأة مثل هذه الرسوم المشددة على الاقتصاد الصيني، مشيرين إلى أنها قد تتسبب بخفض الناتج المحلي الإجمالي الصيني بما بين 0,7 و1,6%.
وسينعكس التباطؤ الاقتصادي على كامل منطقة جنوب شرق آسيا حيث ترتبط سلاسل الإنتاج بشكل وثيق بالصين ولاسيما مع الاستثمارات الكبرى التي وظفتها بكين فيها.
ورأى آدم أحمد سامدين من معهد أوكسفورد إيكونوميكس أن “انخفاض الطلب الأميركي على السلع الصينية بسبب رسوم جمركية مشددة على الصين سوف ينعكس انخفاضا في الطلب على صادرات رابطة دول جنوب شرق آسيا بأكملها، حتى لو لم تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية مباشرة على تلك الاقتصادات”.
وإندونيسيا معرضة بشكل خاص لهذه التبعات من خلال صادراتها الكبيرة من النيكل والمعادن، غير أن الصين هي كذلك الشريك التجاري الأول لليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، ما يكشف هذه الدول أيضا على أي تدابير أميركية.
بالإضافة إلى الصين، لوح ترامب أيضاً بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة تراوح بين 10 و20% في المئة على جميع الواردات بصورة عامة، كجزء من سياساته الحمائية.
وقال سامدين إن “مدى هذه التبعات يتوقف على الأرجح على حجم الانكشاف المباشر لكل اقتصاد على الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أن حصة الولايات المتحدة تصل إلى 39,1% من صادرات كمبوديا و27,4 من صادرات فيتنام و17% من صادرات تايلاند و15,4% من صادرات الفيليبين.
هل يتم استهداف الهند؟
بادر ترامب في 2018 خلال ولايته الأولى إلى فرض رسوم جمركية مشددة على الصين، ما أدى إلى ظهور دول تؤدي دور “صلة الوصل”، سمحت للشركات الصينية بتفادي الرسوم الأميركية من خلال تمرير منتجاتها عبرها.
وقد تُستهدف هذه الدول الآن بتدابير ترامب الجديدة.
وقال لويد تشان، المحلل في مصرف إم يو إف جي، أكبر مصارف اليابان، “قد يستهدف ترامب أيضاً صادرات الإلكترونيات الفيتنامية إلى الولايات المتحدة، في محاولة لوقف تحويل المنتجات الإلكترونية الصينية إلى الولايات المتحدة عبر فيتنام منذ العام 2018”.
وأضاف “هذا ليس مستبعدا، فتحويل مسار التجارة اكتسب أهمية كبيرة في سلاسل دورة إنتاج الإلكترونيات في المنطقة”.
ورأت ألكسندرا هيرمان الخبيرة الاقتصادية في معهد أوكسفورد إيكونوميكس أن “الهند نفسها قد تصبح هدفا لتدابير حمائية تتخذها الولايات المتحدة نظرا إلى الحصة الكبيرة من المكونات الصينية في المنتجات الهندية”.
كما رأى أجاي سريفاستافا من معهد “مبادرة أبحاث التجارة العالمية” الذي يتخذ مقرا في نيودلهي، أن ترامب قد يفرض رسوما جمركية مشددة على المنتجات الهندية في قطاعات مثل “السيارات والنسيج والأدوية والنبيذ، ما سيجعل الصادرات الهندية أقل تنافسية في الولايات المتحدة”.
واعتبر مدير اتحاد المنظمات المصدرة الهندية أجاي سهاي أنه في حال اندلاع حرب تجارية، فسوف يشكل ذلك خطرا على الهند.
وأوضح لفرانس برس “ترامب شخص يبرم صفقات. قد يفرض رسوما جمركية مشددة على بعض منتجات الصادرات الهندية حتى يتمكن من التفاوض على رسوم جمركية مخفضة للمنتجات الأميركية في الهند”.
وفي الأمد المتوسط، يمكن للصين موازنة هذه التبعات السلبية بإنشاء مصانع خارج أراضيها لتفادي مفاعيل التدابير الأميركية.
و”الاستراتيجية الأولى” التي اعتمدتها الصين خلال ولاية ترامب الأولى قضت بنقل الإنتاج إلى الهند وماليزيا وتايلاند وفيتنام.
ومن بين هذه الدول، كانت فيتنام من المستفيدين الرئيسيين من هذه الاستراتيجية بفضل موقعها الجغرافي وعمالتها الماهرة والرخيصة.
وتلقت فيتنام استثمارات كبيرة من شركتي فوكسكون وبيغاترون التايوانيتين المتعاقدتين مع آبل، ومن مجموعة سامسونغ الكورية الجنوبية، ما جعل البلد ثاني أكبر مصدر للهواتف الذكية في العالم بعد الصين.
وقال برونو جاسبيرت رئيس غرفة التجارة الأوروبية في فيتنام “هناك احتمال متزايد أن يرغب عدد أكبر من الشركات في … إنشاء قاعدة إنتاج ثانية أو ثالثة خارج الصين”.
وأشار المدير التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية في هانوي آدم سيتكوف إلى أن “الشركات والمستثمرين الأميركيين مهتمون كثيرا بإيجاد فرص في فيتنام وسيستمر هذا في ظل إدارة ترامب المقبلة”.
لكن مصرف نومورا لفت إلى أنه سيكون من الصعب للغاية استنساخ مزايا الصين على صعيد الأسعار والكمية والنوعية، سواء بالنسبة الى الإنتاج المنخفض التكلفة أو العالي التقنية.
وأوضح نائب مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة آسيا توماس هيلبلينغ لوكالة فرانس برس مؤخرا أن إعادة ترتيب سلاسل الإنتاج قد تتسبب بـ”خسائر على مستوى الكفاءة” وارتفاع في الاسعار، ما “سيؤثر سلبا على النمو العالمي”.
وبالتالي فإن الدول الآسيوية قد تكتسب حصة أكبر في سوق التصدير، لكنها ستشهد في نهاية المطاف تراجعا في وضعها في ظل طلب عالمي في تراجع.
عملة بتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى
وفي سياق متصل تجاوزت عملة البتكوين عتبة 80 ألف دولار الأحد للمرة الأولى في تاريخها، مدعومة باحتمال تخفيف القوانين المنظمة للعملات الرقمية مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية.
وتخطت العملة الرقمية الأولى من ناحية القيمة هذه العتبة قرابة الساعة 12,00 بتوقيت غرينتش لتصل إلى 80116 دولارا، قبل أن تتراجع قليلا.
وكانت قد وصلت إلى مستوى 75 ألف دولار الخميس، متجاوزة المستوى القياسي المسجل في آذار/مارس الماضي.
يتم تداول البتكوين بشكل مستمر بما في ذلك أيام الأحد.
ومنذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، ارتفع سعرها انسجاما مع الدولار.
وتعهد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بجعل الولايات المتحدة “العاصمة العالمية للبتكوين والعملات المشفرة”.
كما تشهد عملات “ميمكوينز”، وهي عملات رقمية شديدة التقلب، دفعة قوية، مثل عملة دوغكوين التي يروج لها الملياردير إيلون ماسك، وهو من أشد المؤيدين لترامب.
من خلال دعمه العملات المشفرة، اتخذ دونالد ترامب موقفا معاكسا لإدارة بايدن التي تعتبر مؤيدة لتنظيم صارم للقطاع المثير للجدل والذي لا يخضع إلى حد كبير لسيطرة مؤسسات.