الرهان على أسعار النفط بين قوة الطلب والتحول في الطاقة
شبكة النبأ
2023-09-16 07:05
قال محللون لدى بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش إن إبقاء أوبك+ على تخفيضات الإمدادات الحالية حتى نهاية العام إضافة إلى المشهد المتفائل بخصوص قوة الطلب في آسيا ربما يدفعان سعر خام برنت إلى تجاوز 100 دولار للبرميل قبل 2024.
وتمسكت منظمة (أوبك) بتوقعاتها لنمو قوي للطلب العالمي على النفط في 2023 و2024 وعزت ذلك لمؤشرات على أن الاقتصادات الكبرى تسجل أداء أفضل.
لكن رئيس وكالة الطاقة الدولية كتب في صحيفة "فايننشال تايمز". انه من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط والغاز والفحم إلى ذروته هذا العقد، للمرة الأولى مع تسارع استخدام الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية.
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت القياسي نحو 93 دولارا يوم الأربعاء، بينما بلغ خام غرب تكساس الوسيط 89 دولارا.
وقال بنك أوف أمريكا في مذكرة بتاريخ 12 سبتمبر أيلول إن آسيا تقود نمو الطلب العالمي على الطاقة، وتواصل الصين تعزيز احتياطياتها من النفط لمواكبة اعتمادها على الواردات.
وأعلنت السعودية، عضو أوبك، وروسيا الأسبوع الماضي تمديد خفض طوعي لإنتاج النفط حتى نهاية العام. وتُعرف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها مثل روسيا مجتمعين باسم أوبك+.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن خفض إنتاج النفط الذي مددته السعودية وروسيا حتى نهاية 2023 سيعني وجود عجز حاد في السوق حتى الربع الأخير.
وقال محللو البنك الاستثماري أيضا إن المصافي الهندية استفادت من العقوبات على روسيا وإيران من خلال الحصول على إمدادات نفط خام أرخص ثمنا وبيع سلع أغلى ثمنا لأوروبا.
لكن على المدى المتوسط، يجب أن تزيد مبيعات السيارات الكهربائية في أنحاء آسيا، لا سيما في الهند التي يخفض فيها المصنّعون المحليون الأسعار.
وذكر محللو البنك أنه نتيجة لذلك، ربما يشهد سوق منطقة آسيا والمحيط الهادي للمنتجات النفطية حالة من انعدام التوازن قريبا، إذ إن الصين والهند مستعدتان لتصدير فائض من الوقود الذي لا تستهلكانه محليا.
نمو الطلب العالمي على النفط
تمسكت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يوم الثلاثاء بتوقعاتها لنمو قوي للطلب العالمي على النفط في 2023 و2024 وعزت ذلك لمؤشرات على أن الاقتصادات الكبرى تسجل أداء أفضل من المتوقع رغم الظروف الاقتصادية غير المواتية مثل ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم.
وأضافت أوبك في تقريرها الشهري أنها تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.25 مليون برميل يوميا في 2024 مقابل نمو بمقدار 2.44 مليون برميل يوميا في 2023. والتوقعان لم يتغيرا عن توقعات أوبك الصادرة الشهر الماضي.
وساعد رفع الصين للقيود المفروضة للحد من تفشي جائحة كوفيد-19 على زيادة الطلب على النفط في عام 2023. وأبقت أوبك على نظرة متفائلة نسبيا لعام 2024 إذ تتوقع نموا أقوى للطلب مقارنة بتوقعات جهات أخرى مثل تلك الخاصة بوكالة الطاقة الدولية.
وأضافت أوبك في التقرير "نمو الاقتصاد العالمي الحالي من المتوقع أن يدفع الطلب على النفط خاصة بالنظر إلى تعافي السياحة والسفر الجوي... مستويات ما قبل كوفيد-19 للطلب العالمي الإجمالي على النفط سيتم تخطيها في 2023".
وانهار الطلب على النفط في عام 2020. وقالت أوبك مرارا إنه سيتعافى وذكرت في التقرير أن الطلب سيبلغ في المتوسط 102.1 مليون برميل يوميا في 2023، وهو ما يزيد عن معدل ما قبل الجائحة خلال 2019.
وبدأ تحالف أوبك+، الذي يضم أوبك وحلفاءها، الحد من الإمدادات في 2022 لدعم السوق.
متانة الاقتصاد
وأبقت أوبك توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي هذا العام عند 2.7 بالمئة وللعام المقبل عند 2.6 بالمئة وأرجعت ذلك إلى متانة الاقتصاد في النصف الأول من العام واتجاه مطرد للنمو العالمي استمر حتى الربع الثالث.
وقالت أوبك "يمكن لدول آسيا الناشئة، خاصة الهند والبرازيل وروسيا، أن تحقق المزيد من المفاجآت في الاتجاه الصعودي.
"كما أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في الحفاظ على زخمها الحالي، قد يصبح النمو أعلى من المتوقع".
وأظهر التقرير أيضا ارتفاع إنتاج أوبك من النفط في أغسطس آب مدفوعا بزيادة إنتاج إيران رغم استمرار العقوبات الأمريكية عليها والتخفيضات الطوعية للرياض بالإضافة إلى زيادة إنتاج نيجيريا.
وجاء في التقرير أن إنتاج أوبك زاد 113 ألف برميل يوميا في أغسطس آب إلى 27.45 مليون برميل يوميا. وخلص مسح أجرته رويترز في وقت سابق إلى أن الإنتاج زاد الشهر الماضي، بسبب إيران إلى حد كبير.
وإيران معفاة من تخفيضات أوبك وأوبك+ للإنتاج بسبب العقوبات، وواجهت نيجيريا تحديات داخلية أدت إلى تقليل إنتاجها.
الخفض الطوعي والنقص الكبير في الإمدادات
بدورها قالت الوكالة الدولية للطاقة إن خفض الحليفتان في إطار "أوبك+" السعودية وروسيا إنتاج النفط سيحدث نقصًا "كبيرًا" في الإمدادات العالمية حتى نهاية العام، ما يفاقم مخاطر تذبذب الأسواق.
وجاء الإعلان الوارد في في تقرير الوكالة الشهري بشأن الأسواق بعد يوم على ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير بعدما أظهرت بيانات محدّثة نشرتها أوبك بأن الفجوة بين العرض والطلب على الصعيد العالمي ستكون الأوسع منذ العام 2007.
وقالت الوكالة إن "التحالف السعودي الروسي يثبت أنه يمثل تحديا هائلا لأسواق النفط".
وسجلت أسعار النفط تراجعا في الأشهر الماضية عقب ارتفاعها على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي.
وفي مسعى لدعم الأسعار، أعلنت السعودية وروسيا في وقت سابق هذا الشهر بأنهما ستمددان تدابير خفض الإنتاج طوعا حتى نهاية العام.
وقالت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا "اعتبارا من أيلول/سبتمبر، سيؤدي خفض إنتاج أوبك+ بقيادة السعودية إلى نقص كبير في الإمدادات خلال الفصل الرابع".
وأضافت أن "مخزونات النفط ستكون عند مستويات منخفضة على نحو غير مريح، مما يزيد خطر حدوث موجة أخرى من التقلبات لن تكون في مصلحة المنتجين ولا المستهلكين، في ضوء الواقع الاقتصادي الهش".
خفضت السعودية انتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا، اعتبارا من تموز/يوليو وحتى نهاية العام.
وبدورها أعلنت روسيا الاستمرار في خفض صادراتها النفطية بمقدار 300 ألف برميل يوميا لفترة مماثلة.
وسجلت أسعار النفط ارتفاعا في الأيام القليلة الماضية ما أثار مخاوف من أنها سترفع التضخم وتدفع البنوك المركزية لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول ما يمكن أن يدفع بدوره الاقتصادات إلى الركود.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة إن الطلب العالمي على النفط لا يزال في طريقه للنمو بمقدار 2,2 مليون برميل يوميا وصولا إلى 101,8 مليون برميل يوميا هذا العام، ويرجع ذلك جزئيا إلى زيادة الاستهلاك الصيني ووقود الطائرات.
وأضافت أن خفض السعودية وروسيا الانتاج "سيؤدي إلى عجز كبير في السوق" خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام.
انخفض إنتاج أوبك+ بمقدار مليوني برميل يوميا حتى الآن بينما ارتفعت الإمدادات للدول خارج المنظمة بمقدار 1,9 مليون برميل يوميا.
وسترتفع الإمدادات العالمية بمقدار 1,5 مليون برميل يوميا.
لكن الوكالة قالت إن زيادة الإمدادات من منتجين خارج مجموعة أوبك+، ومنهم الولايات المتحدة والبرازيل وإيران، التي لا تزال خاضعة لعقوبات، ما زالت تتفوق في تأثيرها على تخفيضات الإنتاج التي تطبقها الدول الأعضاء في أوبك+ منذ بداية 2023 البالغة 2.5 مليون برميل يوميا.
وقالت الوكالة إن وقف تخفيضات إنتاج النفط في بداية العام المقبل سيحول توازن السوق إلى فائض، مشيرة إلى أن المخزونات ستكون في مستويات منخفضة على نحو مقلق، مما يزيد احتمال حدوث موجة تقلبات أخرى في بيئة اقتصادية هشة.
وزادت المخاوف الاقتصادية الأوسع المتعلقة ببقاء أسعار الفائدة مرتفعة في الولايات المتحدة وذلك بفعل مخاوف أخرى في مقدمتها تعثر تعافي الصين بعد الجائحة.
لكن وكالة الطاقة الدولية قالت إن الطلب على النفط في الصين، أكبر مستورد عالمي للخام، "لم يتأثر إلى حد كبير بفعل تباطؤها الاقتصادي".
وأضافت "من المرجح أن يكون لأي ضعف مفاجئ في النشاط الصناعي للصين والطلب على النفط تداعيات عالمية، الأمر الذي يزيد صعوبة المناخ في الأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية".
وتختلف توقعات الطلب العالمي والإمدادات هذا العام والعام المقبل بوضوح وفقا لمصدر التوقعات.
وأبدت وكالة الطاقة الدولية وأوبك، في تقريرها الشهري المنشور، تفاؤلهما بخصوص الطلب في الصين خلال 2023، وأبقيتا على توقعاتهما للطلب العالمي هذا العام والعام المقبل دون تغيير إلى حد كبير.
تحول تاريخي في الطاقة
من جهته قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول في مقال في صحيفة "فايننشال تايمز"، إنّ التقرير السنوي لتوقعات الطاقة العالمية الذي تصدره وكالة الطاقة الدولية الشهر المقبل، سيُظهر أنّ "العالم على أعتاب نقطة تحوّل تاريخية".
ومن المتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط والغاز والفحم إلى ذروته هذا العقد، للمرة الأولى مع تسارع استخدام الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، حسبما كتب رئيس وكالة الطاقة الدولية الثلاثاء في صحيفة "فايننشال تايمز".
وأضاف أنّ هذا التحوّل ستكون له آثار على المعركة ضد تغيّر المناخ لأنه سيقدم موعد ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة.
وقال بيرول الذي تتخذ منظمته من باريس مقراً لها، إنّه بناءً على سياسات الدول المتقدمة، فإنّ الطلب على الأنواع الثلاثة من الوقود الأحفوري "سيصل إلى ذروته في السنوات المقبلة".
وكتب أنّ "هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها ذروة الطلب على كلّ نوع من أنواع الوقود هذا العقد"، مضيفاً أنّ هذا يحدث في وقت أقرب ممّا توقّعه كثيرون.
وقال بيرول إنّ التغيير يرجع في الغالب إلى "النمو المذهل" لتقنيات الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، إلى جانب التغييرات الهيكلية في الاقتصاد الصيني وتداعيات أزمة الطاقة.
وتوقّعت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها في حزيران/يونيو، أنّ ذروة الطلب العالمي على النفط ستكون "في الأفق" قبل نهاية العقد، لكنّها المرة الأولى التي تُجري فيها مثل هذا التقييم بالنسبة للفحم والغاز.
من جهة أخرى، أكد بيرول أنّ تزايد السيارات له تأثير على الطلب على النفط.
ومن المتوقع أن ينخفض الطلب على الغاز في وقت لاحق من هذا العقد في الاقتصادات المتقدمة، مع تزايد استخدام المضخّات الحرارية والطاقة المتجدّدة بينما تتحوّل أوروبا بعيداً عن الإمدادات الروسية في أعقاب الحرب في أوكرانيا.
وأضاف أنّ الطلب على الفحم سيبلغ ذروته في "السنوات القليلة المقبلة"، مشيراً إلى انخفاض الاستثمارات في الوقود الأحفوري ونمو الطاقة المتجدّدة والطاقة النووية في الصين التي تعدّ أكبر مستهلك.
من جهته، قال سيمون تاغليابيترا، خبير المناخ وكبير زملاء مركز بروغل للأبحاث في بروكسل، إنّ التوقّعات الجديدة لوكالة الطاقة الدولية "توضح أنه على الرغم من أن تحوّل الطاقة العالمي لا يزال يتباطأ، إلا أنه يتقدّم بقوة".
وأضاف "بما أنّ التكنولوجيات مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية أصبحت الآن قادرة على المنافسة من حيث التكلفة، فإنّ التحوّل ينتقل من كونه مدفوعاً بالسياسات إلى كونه مدفوعاً بالتكنولوجيا".
وأوضح أنّ "هذه سمة أساسية لأنها تحمي العملية من الرياح السياسية المعاكسة".
كذلك، قال محلّلون في "رويال بنك أوف كندا" في مذكرة، إنّ التوقّعات الجديدة لوكالة الطاقة الدولية تسلط الضوء على "النجاح في التشريعات المؤيّدة للطاقة المتجدّدة".
وأوضح هؤلاء المحلّلين أنّه "على الرغم من ذلك، لا يزال هناك مجال لصانعي السياسات لبذل المزيد من الجهد لتسريع التحوّل في مجال الطاقة والتخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري، مع استمرار المناقشات عبر الاقتصادات الكبرى في مجالات مثل عوائد الطاقة المتجدّدة والقدرة على تحمّل التكاليف".
لا سند لها من الحقيقة
من جهتها قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إن التوقعات التي تقوم على أساس البيانات لا تدعم ولا تسير في نفس الاتجاه مع تنبؤات وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته أو أعلى نقطة في مساره في 2030.
وقالت أوبك في بيان إن ما يجعل هذه التوقعات "خطيرة للغاية" هو أنها تأتي في العادة برفقة دعوات لوقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز.
وقال الأمين العام لأوبك هيثم الغيص في البيان "مثل هذه التصريحات تؤهل نظام الطاقة العالمي لفشل مذهل... سيؤدي الأمر لفوضى في مجال الطاقة على نطاق يحتمل أن يكون غير مسبوق مع تبعات فادحة تؤثر على الاقتصادات ومليارات من البشر حول العالم".
وقالت أوبك إن مثل هذه التوقعات لا تأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل التقدم التكنولوجي الجاري في قطاع النفط والغاز لخفض الانبعاثات الضارة واعتماد 80 بالمئة من مزيج الطاقة العالمي حاليا على الوقود الأحفوري كما كان الحال قبل ثلاثة عقود.
وقال بيرول في المقال "على أساس السياسات التي تتبعها الحكومات حول العالم حاليا، وحتى بدون أي سياسات جديدة لمكافحة تغير المناخ، سيكون الطلب على كل من الأنواع الثلاثة للوقود الأحفوري قد وصل إلى الحد الأقصى في السنوات المقبلة. هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها التنبؤ بأعلى نقطة للطلب على كل نوع منها خلال هذا العقد، في وقت أبكر كثيرا مما كان يتوقعه الكثيرون".
لكنه أضاف أن التراجع المتوقع بعد ذلك "لا يقترب بأي حال من أن يكون قويا بما يكفي" للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة وهو هدف طموح اتفقت عليه الدول في إطار اتفاقية باريس للمناخ.
وقال الغيص في بيان أوبك "إدراكا للتحديات التي يواجهها العالم للقضاء على فقر الطاقة والوفاء بالطلب المتنامي عليها وضمان بقاء التكلفة في المتناول خلال عملية خفض الانبعاثات، فلا تستبعد أوبك أي مصادر طاقة ولا تكنولوجيا وتعتقد أن كل الأطراف المعنية عليها أن تفعل المثل وتدرك حقائق مشهد الطاقة على المديين القصير والطويل".
كيف يؤثر الخفض السعودي على انكماش اقتصادها؟
تواجه السعودية خطر انكماش اقتصادها هذا العام بعد قرارها تمديد خفض إنتاج النفط الخام مما يبرز مدى اعتمادها الذي لا يزال كبيرا على الخام مع سير إصلاحات لتنويع الأنشطة الاقتصادية بوتيرة بطيئة.
تقول الرياض إنها تهدف إلى استقرار سوق النفط من خلال تمديد الخفض الطوعي بمقدار مليون برميل يوميا حتى نهاية 2023.
وتسبب قرارها في دفع أسعار الخام لتتجاوز 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى هذا العام لكنها لا تزال دون متوسط أسعار العام الماضي عند مئة دولار تقريبا للبرميل بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
من شأن خفض إنتاج النفط وبالتالي تراجع إيراداته هذا العام دفع الاقتصاد السعودي للانكماش للمرة الأولى منذ 2020 في أوج جائحة كوفيد-19 رغم أن توزيع أرباح نقدية إضافية من عملاق النفط أرامكو قد يقدم بعض الحماية للماليات العامة.
وقال جاستن ألكسندر المحلل في خليج إيكونوميكس إن خفض إنتاج النفط لثلاثة أشهر إضافية فضلا عن عمليات خفض الإنتاج الأخرى هذا العام تعني تراجع الإنتاج تسعة بالمئة في 2023، وهو أكبر انخفاض في الإنتاج في 15 عاما بالنسبة للمملكة التي تعد الزعيم الفعلي لأوبك.
وترى مونيكا مالك كبيرة خبراء الاقتصاد في بنك أبوظبي التجاري أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية يتجه للانكماش 0.5 بالمئة هذا العام في مراجعة لتوقعها الشهر الماضي بنمو 0.2 بالمئة هذا العام. بينما قال ألكسندر إن القطاعات غير النفطية تحتاج إلى تسجيل نمو بنحو خمسة بالمئة في المتوسط هذا العام للحفاظ على النمو الاقتصادي.
وأضاف ألكسندر وهو محلل أيضا في شؤون الخليج في جلوبال سورس بارتنرز "هذا في الحقيقة هو بالضبط معدل النمو في النصف الأول لكن المؤشرات الأساسية، مثل مؤشر مديري المشتريات، أشارت إلى تباطؤ محدود وبالتالي قد يكون من الصعب الحفاظ على هذا النمو في النصف الثاني. ونتيجة لذلك يبدو من المرجح حدوث انكماش طفيف في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي".
وفي العام الماضي، نما الاقتصاد السعودي 8.7 بالمئة وحقق فائضا بلغ 2.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان ذلك هو أول فائض في تسع سنوات وتزامن مع ارتفاع أسعار النفط لمستويات قرب 124 دولارا للبرميل. وهذا العام توقعت الحكومة فائضا يبلغ 0.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكن بعض خبراء الاقتصاد يقولون إن حتى هذا يعد ضربا من التفاؤل.
وفي الشهر الماضي، قالت أرامكو إنها ستوزع ما يقرب من عشرة مليارات دولار من الأرباح على المساهمين في الربع الثالث من التدفق النقدي الحر في أول خطوة ضمن عدة توزيعات إضافية. وأرامكو مملوكة للحكومة السعودية بنسبة 90 بالمئة ولديها الكثير من السيولة النقدية بفضل الارتفاع الحاد في أسعار النفط العام الماضي.
وقال جيمس سوانستون من كابيتال إيكونوميكس في مذكرة "على الرغم من ذلك نعتقد أن الحكومة ستسجل عجزا في الميزانية نسبته 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بما يقل كثيرا عن تقديرات الموازنة بتحقيق فائض نسبته 0.4 بالمئة".
وسجلت المملكة عجزا في الميزانية بلغ 8.2 مليار ريال (2.19 مليار دولار) في النصف الأول من العام الجاري.
وقال مسؤول من صندوق النقد الدولي توقع عجزا هذا العام يبلغ 1.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إن الميزانية ستكون أقرب للتوازن نتيجة توزيعات الأرباح النقدية الإضافية من أرامكو. وبخلاف عدد متزايد من خبراء الاقتصاد يتوقع الصندوق أن يتمكن الاقتصاد من تسجيل نمو محدود لهذا العام.
صندوق الثروة السيادي
لا يزال النمو في الاقتصاد غير النفطي قويا في الوقت الراهن.
وأنفق صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي المكلف بقيادة المملكة لتنفيذ رؤية 2030 الاقتصادية، مليارات على نجوم كرة قدم عالميين والسياحة ورياضة الجولف والترفيه وشركات تصنيع السيارات الكهربائية.
وقالت شركة آر.بي.سي كابيتال ماركتس في مذكرة "بالتأكيد لا نرى أي مؤشرات على أن سلسلة الاستحواذات التي ينفذها صندوق الاستثمارات العامة ستهدأ".
ولم يرد صندوق الاستثمارات العامة بعد على طلب للتعليق.
وأدت الإصلاحات في الاستثمارات التي تقودها الدولة إلى زيادة حصة القطاع غير النفطي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 44 بالمئة العام الماضي لكن ذلك لا يشكل إلا ارتفاعا نسبته 0.7 بالمئة عن 2016.
وقال نيل كويليام الباحث المساعد في تشاتام هاوس في لندن "أعتقد أن الواقع اتضح وهو أن وتيرة التغيير لا يمكن أن تتحرك بالسرعة المأمولة ويظل الاقتصاد معتمدا على الهيدروكربون وسيظل كذلك لفترة من الزمن".
وتشير تقارير إلى أن ما تصل قيمته إلى 50 مليار دولار من أسهم أرامكو الجديدة قد يطرح في بورصة الرياض قبل نهاية العام بما قد يوفر مبالغ ضخمة يمكن إنفاقها على مشروعات كبرى. ونقلت الحكومة ملكية ثمانية بالمئة في أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة وإحدى شركاته التابعة.
يأتي تمويل صندوق الاستثمارات العامة من ضخ رأس المال ونقل الأصول من الحكومة وأدوات الدين وإيرادات الاستثمارات القائمة. لكنه أعلن عن تسجيل خسائر قدرها 15.6 مليار دولار العام الماضي بما يرجع بالأساس لاستثماره في صندوق (فيجن فاند1) التابع لسوفت بنك جروب إضافة إلى تراجع أوسع نطاقا في السوق بشكل عام خاصة في مجال التكنولوجيا.
وقال كويليام "حتى الآن لم تثبت استثمارات الصندوق أنها مثمرة كما كان مأمولا منها ولم تجتذب البلاد أيضا ما أملته من الاستثمار الأجنبي المباشر... وبالتالي أرامكو ستكون المحرك الأساسي الذي يواصلون الاعتماد عليه بقوة".