مركز الفرات ناقش ازمة سعر الصرف في العراق بين اجراءات البنك المركزي واستجابة الأسواق

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

2023-08-05 07:08

عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ملتقاه الشهري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وذلك تحت عنوان "ازمة سعر الصرف في العراق بين اجراءات البنك المركزي واستجابة الاسواق" يوم السبت الموافق 11/ 3/ 2023 في الساعة الرابعة والنصف مساءً.

وابتدأ الملتقى فعاليته بعرض الباحث في المركز الدكتور حيدر حسين آل طعمة ورقته على مسامع الحضور واختتمها بسؤالين لتكون محور نقاش الحضور وكما مبين في ادناه:

الورقة البحثية:

"يواجه الاقتصاد العراقي العديد من التحديات لكن التحدي الحالي يحمل العديد المفارقات والتناقضات حيث يواجه الاقتصاد العراقي تحدي خطير يتمثل في اضطراب اسواق الصرف. ويعود اضطراب اسعار الصرف في دول المنطقة الى انحسار الاحتياطيات الاجنبية وعدم وجود دولار كافي للدفاع عن سعر صرف العملات المحلية.

لكن في العراق وصل احتياطي العملات الاجنبية لمعدلات تاريخية قرابة 115 مليار دولار مع ذلك قفزت اسعار الصرف قرابة 25% عن السعر المثبت لدى البنك المركزي.

الحقيقة الارتفاع يعود الى نظام المنصة الالكترونية الذي فُرض من قبل الاحتياطي الفدرالي والخزانة الامريكية بدعوى تطبيق الامتثال والمعايير الدولية على النظام المالي في العراق.

وبالرغم من اجراءات البنك المركزي من الشهر الاول ولغاية الآن التي تمثلت في الحزمتين الاولى والثانية لكن مع هذه الاجراءات ظل سعر الصرف بنفس المديات.

لماذا ارتفعت اسعار الصرف في العراق؟

المشكلة قديمة تعود لبعض الشبهات على نافذة العملة لكن بنفس الوقت البنك المركزي لا يملك اداة ثانية لتحقيق الاستقرار في اسعار الصرف غير اداة تثبيت اسعار الصرف، خصوصاً ان العراق بلد نفطي ويحتاج لهذا التثبيت لأجل تثبيت مستوى الاسعار لاعتبار ان البلد مستورد بشكل كامل للسلع الاجنبية.

حيث استطاع البنك المركزي من خلال استخدام نافذة العملة على تحقيق استقرار سعر الصرف خلال 20 سنة الماضية، لكن فيما لو اعتمد العراق نظام التعويم اي يترك تحديد سعر الصرف لقوى العرض والطلب من الممكن ان يصل سعر الدولار إلى 300 الف دينار لكل 100 دولار، لكن اعتماد نافذة العملة وضخ كميات كافية من الدولار أدى الى تحقيق الاستقرار وفق المعدلات المعروفة.

بدأت المشكلة مع نهاية تشرين الاول وبداية تشرين الثاني من عام 2022 حينما بدأ البنك المركزي بتطبيق اجراءات المنصة على طالبي الحوالات الخارجية مع ذلك لم يكُن الأثر واضحاً حيث استقرت عند 150 و 151 دينار لكل 100 دولار والسبب يعود لوجود دولار في السوق.

نلاحظ ان مشكلة اسعار الصرف بدأت بالتزامن مع انخفاض مبيعات البنك المركزي بشكل واضح، وتبين بأن هذه الاجراءات ليست مؤقتة وان البنك المركزي جاد في تمويل الحوالات التي تتوفر فيها شروط الامتثال وتحظى بكافة المعايير الدولية.

إذ ان نسبة 70% من الحوالات كانت ترفض لان المنصة التدقيقية اختلفت عن السابق، إذ كان التاجر في السابق يودع الاموال في المصرف ثم يقدم طلب للحصول على الدولار بحجة الاستيراد او غيرها، لكن في المنصة التدقيقية يتطلب سحب الدولار معلومات عن الزبون وعن الصرف وعن المصرف المراسل (المصرف في الدولة الاخرى) وعن الشركة التي تتعامل مع المصرف المراسل والتي يراد تحويل الاموال اليها وعن علاقات الشركة بزبائن آخرين، وان دلائل هذا الكلام في مبيعات البنك المركزي، بمعنى ان الحصول على الدولار ليس سهلاً كما في السابق.

سعر الصرف بلا ارقام= هراء

حيث باع البنك المركزي في تشرين الاول 5 مليار دولار 2022 (متوسط شهري لاجل تمويل الاستيرادات) لكنه انخفض في شهر تشرين الثاني، ومن هنا؛ بدأت معالم الازمة، حيث باع البنك المركزي 2 مليار بعد ان كانت 5 مليار دولار في الشهر السابق، ورغم هذا الانخفاض إلا ان اسعار الصرف لم تتأثر بشكل كبير وذلك لوجود الدولار في السوق عوض النقص الحاصل في الإيرادات النفطية.

وأصبحت الازمة بشكل أوضح في شهر كانون الاول عند بلغت مبيعات البنك المركزي 1 مليار دولار، أقل من ربع حاجة السوق؛ وان اختلاف في ميزان العرض والطلب في العملة يعني ان سينعكس بشكل واضح على اسعار الصرف الرسمية والموازية في البورصات المحلية.

مع ذلك حاول البنك المركزي من خلال اتباع اجراءات لأجل معالجة او التخفيف من ارتفاع اسعار الصرف وان كان يعلم ان بعض الاجراءات غير مناسبة لكن الهدف منها هو ضخ دولارات في السوق لأجل العودة لتوازن، لذلك ارتفعت مبيعات البنك المركزي إلى 2 مليار دولار، وأصبحت 2.5 مليار دولار، وهنا اصبح واضح ان اختلاف سعر الصرف الموازي عن سعر الصرف الرسمي يعود لاختلال العرض والطلب على الدولار.

عوامل أخرى، دفعت لتدحرج الازمة؛ منها التوقعات حيث توقع الافراد ان العملة العراقية فقدت أهم عنصر من وظائفها وهو انها مخزن للقيمة، لذلك أصبح طلبهم على الدولار أكبر.

العقوبات التي طالت بعض المصارف ايضاً لها دور في تباين سعر الصرف الموازي عن سعر الصرف الرسمي، ونظراً لخوف المصارف من العقوبات لجأت للحصول على الدولار لتمشية عملياتها إلى السوق الموازي وهذا ما ادى لارتفاع لزيادة الطلب على الدولار في السوق الموازي وارتفاع اسعاره.

الحوالات السوداء، في العادة كان التجار يلجؤون للحوالات العادية عن طريق البنك المركزي من خلال المصارف، ولكن بعد الازمة ورفض 70% من الحوالات من قبل المنصة وعدم تحمل التجارة للانتظار من أجل التسديد لجأ العديد من التجار الى السوق السوداء- إذ لا يمكن تحويل الاموال من قبل المصارف وشركات الصيرفة إلا من خلال المنصة- تتم من خلال نقل الاموال الى اقليم كردستان ومن الاقليم الى تركيا ومنها الى الشركات المقصودة من قبل التجار.

جزء كبير من التجار لم يعتمدوا المنصة لتمويل تجارتهم وذلك لتغيير هوية السلع المستوردة والتخلص من التعرفة الكمركية عليها المفروض عليها، بمعنى هناك مشاكل في الجهاز الكمركي تتمثل في عدم تطابق كمية الدولار الخارج من العراق لغرض الاستيراد من جانب ونوعية وكمية السلع المستورد من الخارج من جانب آخر، مما أدى الى ارتفاع الطلب على الدولار وارتفاع سعره.

كل هذه التداعيات للمنصة دفعت بالحكومة الى اعفاء محافظ البنك المركزي وتعيين محافظ جديد كان أقرب لصناع القرار في التوجهات وأصدر الحزمة الاولى مع العلم انها لم تكُن مفيدة لكن نذكر بعضها حيث حاولت تمويل طلبات الافراد بشكل مباشر مثل السفر ومنها تفعيل وستر يونين (تحويل للطلبة في الخارج مثلاً) والشركات المتعاملة مع القطاع العام حيث لم تستطيع الايفاء بالتزاماتها وقام البنك المركزي بتمويلها وغيرها من الاجراءات لكن في الحقيقة لم تستطع تغيير سعر الصرف.

اضطر البنك المركزي لكسر الاتجاه الصعودي لتخفيض سعر صرف الدولار وهذا التغيير ليس القصد منه ارجاعه الى 1300 وانما القصد عدم تجاوز السعر القديم 1500 في أحسن الاحوال، لذلك لجأ البنك الى تخفيضه بهذا القدر وعلى اثره انخفضت الاسعار.

كما أصدر البنك المركزي الحزمة الثانية لاجل الوصول للمصبات النهائية للدولار، منها معاملات التجار مع الشركات الصينية وذلك من خلال قيام البنك المركزي بتعزيز ارصدة المصارف التي لديها تعامل مع الصين، او تعزيز ارصدة حسابات التجار في الصين عن طريق مصارف حكومية، نفس الامر فيما يخص التجارة مع اوربا وامريكا، أما التجارة مع بقية الدول لم يجدوا لها حل باعتبار وجود قيود بهذا الصدد.

كذلك اعطاء امكانية لتحويل مبالغ لا تتعدى 7000 دولار، كذلك اضافة منافذ جديدة لبيع الدولار لكن اغلب المنافذ كان يتفق المضاربين للاستحواذ عليها وبالتالي لم تصل للمواطن.

لماذا لم تستجيب اسواق الصرف لإجراءات البنك المركزي؟

في اقتصاد نفطي يعتمد البلد في الموازنة والاقتصاد على ايرادات النفط، تضطر الحكومة الى تبديل الدولارات النفطية بدنانير عن طريق مبادلتها مع البنك المركزي المسؤول عن أصدر العملة، فالبنك يأخذ الدولار من الحكومة ويضعه في احتياطياته ويعطي الحكومة مقابل الدولار دينار عراقي لتقوم بتمويل نفقاتها التي تقدر بـ 10 تريليون شهرياً، ما يفيض من هذا الدولار يعني هناك فائض في الاحتياطي الاجنبي وما ينخفض عن هذا الدولار يعني هناك عجز لابد للبنك المركزي من تعزيزه.

كما ان البنك المركزي لا يملك ادوات يمكن ان يستخدمها لتحريك السياسة النقدية لتحقيق الهدف الاسمى المتمثل في استقرار مستويات الاسعار غير سعر الصرف، وان النظام الملائم لاقتصاد نفطي هو سعر الصرف الثابت لذلك ان دول الخليج تثبت اسعار صرف عملتها امام الدولار خصوصاً السعودية الذي لم يتغير وهو 3.75 ريال امام الدولار الواحد.

فالبنك المركزي اضطر ان يحافظ على سعر الصرف الرسمي ليكون قريب من سعر الصرف الموازي، فلجأ لبيع الدولارات ويلبي كافة الطلبات، حيث يقوم البنك المركزي بتحديد سعر الصرف ويكون مستعد للدفاع عنه.

حيث لم يقتصر البنك المركزي على مبادلة الدولارات النفطية بالدينار العراقي، لانه سيكون مضطر لاستمرار طباعة الدينار الى ما لانهاية، لذلك هو يأخذ الدولار من ناحية ويلجأ لتعقيم السوق من ناحية اخرى حيث يقوم ببيع الدولار في السوق مقابل الحصول على الدينار.

لماذا التعقيم؟ لان الدنانير اذا ازدادت عن الحد المقرر من الدولارات الموجودة في السوق، ستؤدي الى ارتفاع سعر الصرف، المرتفع بالأساس حالياً، لذلك يقوم البنك المركزي ببيع الدولار من خلال نافذة العملة لحسب الدينار وتحقيق التوازن والاستقرار.

كما لا يمكن المغالاة في سعر الصرف للدينار لان المغالاة يعني سرعة نفاد الاحتياطيات الاجنبية وسرعة وقوع الكارثة فتحديد سعر والدفاع عنه يعني الحفاظ على الاحتياطيات وتجنب وقوع الكارثة".

وبعد الورقة تم طرح السؤالين التاليين:

السؤال الاول/ ما هي دواعي تشديد قيود الفدرالي والخزانة الامريكية على احتياطيات العراق الاجنبية؟

السؤال الثاني/ ما هي الاجراءات المطلوبة لإعادة الاستقرار الى اسواق الصرف في العراق؟

المداخلات

- الدكتور علاء الحسيني/ تدريسي في جامعة كربلاء:

"قد تكون لأسباب سياسية او لتشديد الخناق على بعض المكونات التي تعمل في العراق سواء احزاب سياسية لديها امتدادات اقليمية وتمتلك مصارف في العراق، ويمكن لمنع شراء السلع من الدول المجاورة.

ان اغلب تجارة العراق التجارية تنحصر مع دول ليس على توافق مع امريكا وهي تركيا، ايران، الصين، قد يعد هذا احد الاسباب وراء تشديد القيود.

كما ان غسيل الاموال وتهريب العملة المخالف للمعايير الدولة وهو ينشط في العراق بشكل كبير، حيث هناك الكثير من المصارف وشركات الصرافة متورطة في غسيل الاموال وتمول جهات مناوئه ومعارضة للولايات المتحدة الامريكية ومصالحها في المنطقة.

وفيما يخص السؤال الثاني، ان الحلول امام البنك المركزي ليست كثيرة، فالمسائل القانونية لا تتيح للبنك المركزي ان يقوم بتسديد مستحقات الفلاحين او المقاولين او غيرهم بالدولار باعتبار ان القوانين العراقية تفرض التعامل بالدينار، لكن ذلك يكون ممكناً بعد التداخل التشريعي والحكومي.

كذلك ممكن تمويل البرامج التي تشرف عليها الحكومة مثل برامج الابتعاث عن طريق وزارة التعليم العالي، برامج العلاج في الخارج من خلال وزارة الصحة، برامج التدريب من خلال وزارة الدفاع، بالعملة الاجنبية هذا قد يحقق نوع من زيادة المبيعات الدولارية وتخفيف الازمة.

كذلك العمل على محاربة المضاربين ومهربي العملة الذي يتلاعبون بقوت الناس من خلال تهريب العملة".

- السيد صلاح الجشعمي/ مشاور قانوني:

"عدم وجود ارادة سياسية باتجاه اصلاح الاقتصاد العراقي ومنها مسألة السياسة النقدية، هذا الموضوع دفع الى عدم قدرة البلد على التعاطي مع الاحداث الاقليمية والدولية بما يتناسب مع مصلحة العراق الاقتصادية، لذلك انعكست على تدهور حالة النقد بعد تشديد القيود الامريكية على حركة الدولار في العراق.

ولأجل اصلاح الاقتصاد والحفاظ على قيمة النقد في العراق يمكن العمل كما عملت روسيا من تقويم النفط العراقي بالدينار العراقي لتحقيق طلب على الدينار وزيادة قيمته، كذلك العمل على تشجيع الاستثمارات بعد خلق البيئة الجاذبة لها.

كذلك العمل على تخفيض التعيينات في اجهزة الدولة وفسح المجال امام القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات هذا الامر سيؤدي الى زيادة الطلب على الدينار العراقي وتحسين قيمته".

- الباحث/ حامد عبد الحسين الجبوري:

"هناك سببان دفعا لوقوع الأزمة الحالية هما سبب رئيسي داخلي والاخر ثانوي خارجي.

يتمثل السبب الرئيسي الداخلي في ضعف الاقتصاد الحقيقي نتيجة لعدم وجود قطاعات انتاجية حقيقية متنوعة لانتاج سلع وخدمات تلبي الطلب المحلي، عدم وجود اقتصاد حقيقي دفع باللجوء للاستيراد مما يعني استمرار الطلب على الدولار لتغذية الاستيراد وبالنتيجة ارتفاع اسعار الدولار، وهذا سبب متأصل في الاقتصاد العراقي.

السبب الثاني ثانوي خارجي، من المعروف ان الدولار هو عملة امريكية وهذا يعطي الولايات المتحدة القدرة على استخدام عملتها بالاتجاه الذي يخدم مصالحها، ولأجل قطع الدولار الذي يصل الى روسيا عن طريق ايران من العراق لجأت الولايات المتحدة الامريكية لتشديد القيود على حركة الدولار في العراق.

عامل آخر، يتعلق بالجهاز الكمركي حيث يعاني الجهاز الكمركي من الضعف نظراً لعدم القدرة على احكام السيطرة وتحقيق التطابق بين كمية واصناف السلع المستوردة مع الدولارات التي تخرج من العراق، هذا الامر يعني زيادة الطلب على الدولار وارتفع قيمته".

- الدكتور محمد مسلم الحسيني، باحث علمي واستاذ جامعي‏ في بروكسل:

"تسعيرة العملات تشبه لحد كبير تسعيرة البضائع والسلع، حيث ترتفع الأسعار بزيادة الطلب عليها وتنخفض لانخفاضه، ولكن تبقى العملة مرتبطة ارتباطاً وثيقا باقتصاديات البلد وحركة التجارة فيه وباستقراره السياسي والإداري والامني. قد تنهار وتنخفض قيم العملات في البلدان التي تتعرض لخلل يمس الأوتار الحساسة والجوانب الأساسية التي يقوم عليها استقرار السوق ومتطلبات الحالة الإقتصادية والمالية الصحيحة، مما يؤدي هذا إلى انحسار حجم الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع العجز المالي فيها.

معالجة أزمة انخفاض العملة المحلية أمام العملات الصعبة لا تتم بقرار سياسي ارتجالي غير قائم على قواعد وأسس تعالج اسباب الحالة ودواعيها. للسلطة والحكومة قابلية وقدرة على معالجة الواقع غير المرغوب فيه أن ارادت اتباع الأصول المتبعة في الدول المتحضرة، وألخصها بما يلي:

اولا، "الفعل الاني المباشر" الذي يعالج الأعراض وليس الجوهر ويتم من خلاله حماية العملة المحلية آنيا وذلك من خلال رفع أسعار الفائدة في البنوك كي تبقى العملة المحلية جذابة للمستثمر الذي ينتظر مردودات ثروته المالية. كما تستطيع السلطة أن تغرق السوق بطرح العملة الأجنبية فيه من أجل تغيير بوصلة العرض والطلب وعكس واقع المعادلة بشراء العملة المحلية من أسواق المال من أجل تعزيز قيمتها.

أما الأمر الثاني الذي تستطيع السلطة القيام به من أجل تعزيز عملتها فيقوم على أساس "الفعل المؤثر بعيد المدى". يتجلى ذلك بمعالجة جوهر الخلل وليس اعراضه، اي معالجة أسباب إنخفاض قيمة العملة وإصلاح الخلل. تبدأ مسيرة هذا الإصلاح بإنعاش الإقتصاد والتجارة وتمر بالاستقرار السياسي والامني وتستقر بنزاهة المسؤول ومحاربة الفساد وإيقاف النهب وهروب الأموال خارج حدود الوطن.

دون شك هناك حالات استثنائية قد يمر بها بلد ما أو عدة بلدان بشكل طارئ غير محسب فيه، كالحروب والكوارث والحصار الإقتصادي والأزمات الإقتصادية، حيث تؤثر عاجلاً أم آجلا على العملة المحلية وعلى استقرارها. الحرب الروسية الأوكرانية بمضاعفاتها أثرت بشكلٍ مباشر وغير مباشر على اقتصاديات العالم وعلى النمو الاقتصادي حيث خلقت التضخم فزادت اسعار السلع وقلت القدرة الشرائية عند الناس في أرجاء كثيرة من العالم وانخفضت قيم العملات خصوصاً الهشة منها. دون شك ألقت الحرب همومها وآثارها على اقتصاديات وعملات كثير من الدول والعراق لابد أن يكون له حصة منها.

تفسر الأسباب المذكورة أعلاه جزءا هاما من دواعي هبوط قيمة الدينار العراقي مضافا لها أسبابا أخرى ألخصها بما يلي:

اولا: الضغوط الأمريكية، سلط البنك المركزي "الفيدرالي" الأمريكي ضغوطا على التحويلات المصرفية العراقية من أجل مراقبة حركة الدولار فيها خشية وصوله إلى دول غير صديقة لأمريكا وحلفائها. أدت هذه الإجراءات إلى عرقلة التعاملات التجارية الروتينية والتحويلات المصرفية القائمة سابقا. تبلور جراء ذلك زيادة الطلب على الدولار الأمريكي في السوق الموازي وارتفعت قيمته.

ثانياً: إجراءات البنك المركزي العراقي، ادخل البنك المركزي العراقي نظام سويفت المالي ومنصات التدقيق الإلكترونية والغى تعامله بل منع عدة مصارف محلية من بيع العمل الصعبة مما زاد في عرقلة حركة الدولار وانحسار التعامل فيه خصوصاً في التحويلات التجارية الخارجية مما شدد الطلب عليه في سوق العملة السائلة وارتفعت قيمته.

ثالثا: هلع السوق، على ضوء التقلبات والتذبذب الحاصل في سعر الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي ابتداءا من إجراءات رئيس وزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي في خفض قيمة الدينار العراقي من أجل تجنب إنهيار السوق المالي والإقتصادي آنذاك، وانتهاءا بإجراءات رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني الداعية إلى رفع سعر الدينار العراقي في السوق الرسمي، فقد تبلورت حالة من الهلع لدى المستثمر ولدى الشارع بشكل عام.

هذا الخوف هو نتيجة اختلال الثقة بالعملة المحلية المتقلبة باختلافات السياسات مما صنع هوة واسعة بين واقع مفروض من قبل السلطة وواقع ملموس من قبل المراقب والمستثمر، حيث خلق هذا نواة للسوق السوداء كردة فعل ازرها وقواها الإجراءات المتخذة من قبل جهات الرقابة المالية المتمثلة بالبنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي.

رابعا: انكماش سوق الدولار، أصبح الدولار الأمريكي عزيزا لدى المهتمين العراقيين لأسباب كثيرة منها: اصبحت مستلزمات شراء الدولار أكبر من دواعي بيعه، فقد استثمر عدد لا يستهان به من العراقيين بالعملة الصعبة سواءا داخل العراق أو خارجه. كما أن عددا من العراقيين هرب العملة الصعبة خارج العراق لاستحواذه عليها بطرق غير مشروعة.

بينما أصبحت حاجات بعض العراقيين للعملة الصعبة في تزايد مستمر تلبية لمتطلبات التجارة أو العلاج في الخارج أو السياحة والسفر أو الهجرة والإقامة خارج العراق. في زمن قبل السقوط كان العراقي يولج العملة الأجنبية لداخل العراق ولا يطلقها للخارج، ولكن النسغ الخارج من العملة الصعبة أكبر من النسغ الداخل فيها هذا اليوم. وهذه الظاهرة بحد ذاتها تخل في معادلة العرض والطلب وتؤدي حتما لصعود قيمة الدولار.

معالجة حالة عدم الإستقرار في العملة المحلية في العراق تكمن في معالجة دواعيها، الدواعي والأسباب في عدم الإستقرار لم تعد خافية على المطلع في التفاصيل والتي بينا جزءا هاما منها ولو بشكل موجز. ربما طرق العلاج صعبة ومضنية لأنها تتعامل مع علل مزمنة وآفات عميقة، غير أنها غير مستحيلة. لا يعتقد المراقب للأحداث أن تحسين قيمة العملة يتم بطرق قسرية يفرضها المسؤول على السوق، بل إن هذه السياسات البعيدة عن الهدف قد تؤدي إلى عكس المطلوب حيث تخلق السوق السوداء وتبث الهلع والفوضى وتعرقل تلبية حاجات المجتمع وتزيد الطين بلة".

- السيد علي حسين عبيد/ اديب وكاتب:

"ان الاسباب بالدرجة الاولى سياسية بين امريكا وإيران، انعكست بضلالها على الوضع الاقتصادي والنقد، خصوصاً مع وجود تأثير ايراني واضح في العراق، فلو كانت هناك علاقات سياسية طيبة بين امريكا وايران لما انخلقت ازمة سعر الصرف في العراق، لذلك فالأسباب سياسية بالدرجة الاولى.

أما بالنسبة للحلول فلا بد أن تكون ذاتية أي نابعة من داخل العراق لا من الخارج، وفي حال عدم وجود ارادة لدى الطبقة السياسية باتجاه اصلاح الاقتصاد ومعالجة ازمة سعر الصرف ستكون الحلول صعبة جداً، فالإرادة السياسية لها دور كبير في معالجة المشاكل الاقتصادية وازمة سعر الصرف من بينها.

- الشيخ مرتضى معاش/ باحث وكاتب:

فيما يخص السؤال الاول، يمكن القول ان المشكلة بدأت مع الحرب الروسية على اوكرانيا، حيث يتم تهريب الدولار من العراق عبر عدة دول الى روسيا، ويبدو ان امريكا لديها نفس المشكلة مع روسيا كما هي المشكلة مع ايران ولكن بشكل اكبر، إذ انه مع بداية الحرب بدأت دواعي التشديد.

بالإضافة الى ذلك ان الامريكان مستعجلين في حل الملفات الايرانية في المنطقة، خصوصاً مع اعتبار العراق الرئة التي تتنفس منها ايران، فقيام امريكا بتشديد القيود يعني حث ايران على حل الملفات العالقة بالمنطقة والدليل ما حصل من اتفاق ايراني-سعودي على تحقيق امني اقليمي شامل.

نقطة أخرى يمكن ان تطرح من وجهة الامن القومي الامريكي، وهي ضرورة الحفاظ على الدولار باعتباره الملاذ الامن والعملة الأوحد والاقوى في التبادلات التجارية، لذلك فإن الولايات المتحدة مستعدة ان تشن حروب للحفاظ على الدولار، لأنه بلا غطاء اقتصادي مادي حقيقي بل هو غطاء لنفسه، لذلك عمليات التهريب واستنزاف الدولار في العراق يعني استخدامه لغسيل الاموال والتهريب وقضايا أخرى قد تضر بسمعة الدولار كأقوى عملة في العالم.

والعراق يمكن ان يكون من الدول الكبيرة في استخدام العملة كمدفوعات ورقية وليس رقمية، حيث هناك الكثير من الدول تستخدم العملة الرقمية في حين العراق لازال يستخدم العملة الورقية هذا ما يضر ويستنزف الدولار وكذلك الدينار.

أما بالنسبة للسؤال الثاني:

اولا: رقمنة العملة، اي اللجوء الى المدفوعات الرقمية بدلاً من المدفوعات الورقية، هذا ما سيقلل من استنزاف الدينار العراقي، فعندما يكون الدينار العراقي في اطار رقمي ستكون المعاملات أكثر دقةً وأكثر نظاماً والنتيجة تقليل الكثير من المشكلات المتعلقة بالعملة.

ثانياً: تطوير القطاع الانتاجي، اذ ان تطوير القطاع الانتاجي يعني تقليل الاستيراد وتقليل الطلب على الدولار ومن ثم تحسين قيمة العملة، كذلك العمل على تطوير القطاعات الخدمية في الداخل كالقطاع التعليمي والصحي وغيرها مما يعني انخفاض الطلب على الدولار وتحسين قيمة العملة ايضاً.

ثالثاً: تطوير السياحة، إذ ان تطوير السياحة بشكل عام والدينية بشكل خاص، سيؤدي لزيادة الوافدين وهذا ما يعني زيادة الدولار الداخل من جانب وزيادة الطلب على الدينار العراقي من جانب آخر كلا الامرين يدفعان لتحسين قيمة العملة.

رابعاً: تطوير النظام المصرفي، بما يتناسب مع التطور العالمي، لتسهيل المعاملات المالية وتيسير عمل الناس، حيث اغلب المواطنين لايودعون اموالهم في المصارف ويكتنزونها في بيوتهم لان النظام المصرفي معقد وبيروقراطي، فالعمل على تطوير النظام المصرفي ليكون بسيط وآمن وسريع، سيسهم في حل الكثير من المشاكل".

- الدكتور سلطان جاسم النصراوي/ تدريسي في جامعة كربلاء:

"ان سعر الصرف هو من أكثر المتغيرات حساسية في متغيرات الاقتصاد الكلي، وأي تغير فيه من شأنها ان تنعكس على كل متغيرات الاقتصاد الكلي.

لا اعتقد بوجود تشديد من الفدرالي الامريكي على العراق بخصوص حركة الدولار، لان الولايات المتحدة أبلغت العراق قبل عامين، باننا سنقوم في عام 2023 بمتابعة حركة الدولار، والعراق البلد الوحيد الذي لا يعتمد المنصة في مسألة التحويل المالي.

حيث دخلت روسيا على الخط لشراء الدولار من العراق، بالإضافة إلى مسألة تهريب الدولار إلى الجانب الايراني، هذه النقاط كان لها دور في خلق الازمة.

عموماً، من الاجراءات المطلوب لإعادة سعر الصرف للاستقرار، هو اعادة النظر بكل شركات الصيرفة التي تدخل الى نافذة العملة، حيث ان اغلب شركات الصريفة تعود لسياسيين وبالتالي فهي محل شك، وبالتالي لابد من اعادة النظر بها.

كذلك اعادة النظر بالجهاز المصرفي والبنية التحتية والتحول بشكل كامل نحو الاتمتة والتكنولوجيا والتقنيات المالية الحديثة لتكون الخدمات المصرفية بسيطة آمنة وسريعة.

من المهم جداً اعتماد المنصة والامتثال لها كحال كل دول العالم، لأجل الغاء التهريب والحوالات السوداء وغيرها، وهذا سيؤدي الى معالجة الازمة بشكل تدريجي".

- الدكتور خالد عليوي العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

"يعد الدولار من ادوات الهيمنة على العالم، وسلاح من الأسلحة تستخدمه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها في العالم، بالنتيجة من مصلحة امريكا ان تكون هذه الاداة فاعلة ومؤثرة، فعندما تبيع امريكا اسلحة لأي دولة وعلى الرغم من انها اصبحت ملك لهذه الدولة إلا انه غير مسموح لها ان تهرب هذه الاسلحة للدول المعادية لأمريكا، كذلك الحال بالنسبة للدولار، فاليوم امريكا تتابع حركة الدولار لأجل عدم وصوله للدول التي لديها مشاكل معها.

ان مشكلة عدم الامتثال للمنصة هي مشكلة عراقية وذلك لضعف سلطة انفاذ القانون وادوات المحاسبة والمراقبة ضعيفة ايضاً، وقوة مافيا الفساد، والولاءات الخارجية وتسيس الملف الاقتصادي حاضر بقوة في العراق، هذه الملفات مع بعضها اسهمت في خلق التباين بين السعر الرسمي والموازي.

بالنسبة للإجراءات المطلوبة، ينبغي أن يعهد بالملف الاقتصادي لأصحاب الاختصاص بعيداً عن السياسيين، وتكون المقترحات التخصصية نافذة، وفي حالة لم يبتعد السياسيين عن الملف الاقتصادي سيكون المصير نحو الأسوء".

- الدكتور ايهاب علي النواب/ باحث اقتصادي:

يمكن عد مسألة الامتثال للمنصة هي فرصة أكثر مما هي مشكلة، بمعنى ان الدولارات في العراق لم يعرف أحد أين يتم توجهها، فمجيء المنصة والمطالبة بالامتثال لها يعني متابعة حركة الدولار هي بالاتجاه الصحيح أم لا؟

فمطالبة العراق بالامتثال للمنصة ادى الى انكشاف حركة الدولار في العراق وأنها لم تذهب نحو الاتجاهات الحقيقية، لذلك فالمطالبة بالامتثال المنصة اصبحت فرصة لإعادة توجيه الدولار بالاتجاهات التي تخدم الاقتصاد العراقي.

في ضوء الازمة الحالة يتطلب ان تكون الحلول وقتية لان الحلول الجذرية تتطلب مزيد من الوقت، وفي هذا الصدد هناك نوعين من الحلول:

حلول وقتية

الاول، حل سياسي خارجي، يتمثل في تشكيل لجنة للتفاوض مع الجهات ذات العلاقة في امريكا حول اعادة او عمل استثناءات لبعض الجهات العامة او الخاصة فيما يتعلق بالتحويل او الاستيرادات، لان المشكلة التي واجهت العراقيين هي ارتفاع اسعار المواد الغذائية والتي هي في الغالب مستوردة.

الثاني، تشكيل فريق تفاوضي مع اقليم كردستان، أي ينبغي ان يكون هناك تنسيق اقتصادي امني لمنع تهريب الدولار لان التهريب عبر الاقليم تسبب في تفاقم المشكلة.

حلول اقتصادية

اعادة النظر بالقطاع العام لان التجربة كشفت ان القطاع الخاص لا يعول عليه، في هذا المجال وان الاموال تذهب في الاتجاهات غير الصحيحة؛ فمن الممكن التعويل القطاع العام كالأسواق المركزية والشركات العامة.

كذلك تفعيل الاتمتة، اي أتمته الجهاز المصرفي أصبح ضرورة حتمية ولو بشكل اولي لزرع الثقة لدى الجانب الآخر بشكل حقيقي بعيداً عن الاستعراضات الإعلامية".

- السيد عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

"تستخدم امريكا الدولار كأداة لمعاقبة اي دولة تريد معاقبتها، ونظراً لتأثير ايران في العراق أمريكا سمحت بحدود معينة لتنفس الاقتصاد الايراني من خلال السماح له ببيع الغاز للعراق وفق مديات زمنية محددة تجدد كل 6 اشهر، فلو لم تسمح امريكا لإيران ببيع الغاز للعراق سيبقى العراق بلا كهرباء.

المشكلة ليست بالطرف الامريكي وانما بالحكومة العراقية، حيث تعمل الاخيرة وفق ما يرضي المواطنين وليس ما ينفعهم، وهناك فرق كبير بين الاثنين، ان العمل على ما يرضي المواطنين يعني عدم بناء اقتصاد ينفعهم بينما العمل على ما ينفعهم يعني بناء اقتصاد يلبي متطلباتهم الحالية والمستقبلية.

إذن ينبغي العمل تفعيل القطاعات الاقتصادية واستثمار نقاط القوة الحالية كارتفاع اسعار النفط من أجل توفير المنتجات المحلية وانخفاض الاستيرادات والحفاظ على الاحتياطي الاجنبي وتحسن اسعار الصرف اخيراً".

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2023
www.fcdrs.com

ذات صلة

أزمة البرود الجنسي: أسبابها وحلولهاالخطاب السياسي الإسلامي في العراق.. اضاءات في طريق التجديددفاع عن المثقفكيف أصبحت جامعة كولومبيا بؤرة للاحتجاجات في الجامعات العالمية؟الدولة من الريع الاستهلاكي الى الاستثمار الانتاجي