البريكست: عود على بدء

تعديلات ومؤشرات فشل الاتفاق البريطاني الأوروبي

دلال العكيلي

2020-09-15 04:43

يبدو أن مسيرة بريكست بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تتجه نحو أزمة جديدة بدلا من الحلول التي كان يأملها الكثير من الجانبين، فقد تعرضت هذه المسيرة خلال هذا الأسبوع إلى انتكاسات واضحة بشكل يهدد بالإطاحة بما تم تحقيقه وصولا إلى خروج متفاهم عليه من الاتحاد الأوروبي بشكل ودي، فقد وصلت مفاوضات العلاقات المستقبلية بين لندن وبروكسل إلى طريق مسدود حيث لا يبدي أي منهما استعداداً للتنازل بشأن القضايا الخلافية، وأهمها موضوع الصيد والاتحاد الجمركي، ومسألة التزام بريطانيا بالمعايير الأوروبية المتعلقة بالشركات وآليات الدعم التجاري، ويريد كل طرف أن يحظى بأكبر قدر من التنازلات والمكاسب.

بريكست في أزمة

دخلت بريطانيا محادثات تجارية تتعلق بخروجها من الاتحاد الأوروبي في أزمة باعترافها صراحة بأنها قد تخرق القانون الدولي بتجاهل بعض جوانب اتفاق الانفصال مما دفع رئيسة المفوضية الأوروبية للمسارعة بانتقاد لندن، وفي تجاهل لتحذيرات بروكسل من أن انتهاك الاتفاق سيمنع إبرام أي اتفاق تجاري، قالت لندن إنها قدمت مشروع قانون يسمح لها بتجاهل أجزاء من اتفاق الانسحاب الذي وقعته في يناير كانون الثاني.

وينص مشروع قانون الأسواق الداخلية على أن بنودا معينة "تسري بصرف النظر عن عدم اتساقها أو توافقها مع القانون الدولي أو القوانين المحلية"، وقالت الحكومة إنها ستنتهك القانون الدولي "بطريقة محددة ومحدودة للغاية" وقالت أورسولا فون دير ليين رئيسة المفوضية الأوروبية على تويتر إنها "قلقة للغاية من إعلان الحكومة البريطانية عن نيتها خرق اتفاق الانفصال" وأضافت "سيقوض ذلك القانون الدولي والثقة" مشيرة إلى ضرورة الحفاظ على الاتفاقات المبرمة لأنها "أساس العلاقات المستقبلية المثمرة".

وفسر البعض إعلان القانون يوم وصول كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي إلى لندن لبدء جولة جديدة من المحادثات التجارية على أن رئيس الوزراء بوريس جونسون ربما يريد دفع الاتحاد للانسحاب من المفاوضات، لكن مصادر من الاتحاد الأوروبي أبلغت رويترز بأن الأطراف لن تسعى إلى تعليق المحادثات، وقال جونسون للبرلمان إن مشروع القانون "شبكة أمان قانونية لحماية بلادنا من أي تفسيرات متطرفة أو غير منطقي"” لبروتوكول أيرلندا الشمالية المنصوص عليه في اتفاق الخروج بشكل يهدد السلم في الإقليم البريطاني.

وسيعطي مشروع القانون، إذا ما حظي بالموافقة، الوزراء حق تجاهل أجزاء من هذا البروتوكول بتعديل شكل إقرارات التصدير وإجراءات أخرى تتعلق بالخروج، لكن قائمة الأجزاء التي يمكن تجاهلها لا تضم فقط بروتوكول أيرلندا الشمالية بل تشمل أيضا "أي بنود أخرى من اتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي" و "أي قانون أوروبي أو دولي آخر" وسيُناقش مشروع القانون في مجلسي البرلمان ويتعين أن يوافق عليه المجلسان قبل أن يصبح قانونا.

بريطانيا أمام صدمة مزدوجة

بدأ احتمال عدم التوصل إلى اتفاق في ختام المرحلة الانتقالية في نهاية كانون الأول/ديسمبر، يدنو في وقت تراوح المفاوضات حول العلاقة المستقبلية بين لندن وبروكسل مكانها وحذرت الحكومة البريطانية من ان لندن ستتخلى عن هذا المسعى نهائيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف تشرين الأول/أكتوبر، ويؤكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أحد مهندسي بريكست، ان خروج بلاده بهذه الطريقة الصلفة من الاتحاد الأوروبي يشكل "مخرجا جيدا" يسمح لبريطانيا "بالازدهار" إذ يتيح لها "إبرام اتفاقات تجارية مع دول العالم كلها".

إلا ان عددا من الاقتصاديين يرى ان هذا السيناريو "سيوجه ضربة قاسية جديدة للاقتصاد البريطاني (..) الخارج من أكبر صدمة مسجلة" حتى الان على ما يقول جوناثان بورتيس استاذ الاقتصاد في "كينغز كوليدج" في لندن لوكالة فرانس برس، ويؤكد الاقتصادي توماس سامبسون في جامعة "لندن سكول اوف أيكونوميكس" في دراسة نشرت أخيرا ان حصول بريكست من دون اتفاق "قد يكون أكثر تكلفة من كوفيد-19" لأنه سيمتد على فترة أطول بكثير.

عندها ستنطبق أحكام منظمة التجارة العالمية على العلاقات التجارية بين بريطانيا والاتحاد الوروبي، وسيترافق ذلك مع إعادة فرض رسوم جمركية لا سيما على المواد الغذائية أو المكونات الصناعية، بعد أشهر على وقف المساعدات الحكومية للإبقاء على الوظائف والتي اعتمدت للتخفيف من تأثير الجائحة وستتوقف هذه المساعدات في نهاية تشرين الأول/اكتوبر.

وكانت الحكومة المحافظة السابقة قدرت نهاية العام 2018 أن يؤدي هذا السيناريو إلى تراجع في إجمالي الناتج المحلي البريطاني بنسبة 7,6 % على فترة 15 سنة، وفي مؤشر إلى القلق المسيطر، تراجع سعر صرف الجنيه الاسترليني في الأيام الأخيرة فيما يخشى اتحاد أصحاب العمل "سي بي أي" ألا تتمكن شركات كثيرة لا سيما الصغيرة والمتوسطة الحجم، من مقاومة هذه الصدمة المزدوجة، ويقول جوش هاردي المدير العام المساعد للاتحاد "سيرسي الاتفاق أسس الانتعاش ما بعد مرحلة كوفيد-19 عبر القارة".

حكومة جونسون تكشف عن تعديل تشريعي

ستكشف الحكومة البريطانية عن تعديل تشريعي أقرت أنه ينتهك القانون الدولي بعدم تطبيقها أجزاء من اتفاق بريكست بشأن إيرلندا الشمالية، ما أثار انتقادات واسعة وخيم على جولة مفاوضات تجارية مع بروكسل، وخرجت المملكة المتّحدة رسميّا من الاتّحاد في 31 كانون الثاني/يناير، بعد نحو أربع سنوات من استفتاء تاريخي أثار انقساما واسعا، لكنّ القواعد الأوروبية ستُطبّق في المملكة حتّى 31 كانون الأول/ديسمبر، في وقت يحاول الطرفان التوصّل إلى اتّفاق للتجارة الحرّة، وبدأت جولة ثامنة من هذه المفاوضات في لندن الثلاثاء.

وتعتزم الحكومة تقديم تغييرات "محدودة" لتشريع محلي "من شأنه أن يلغي" النطاق القانوني لبعض أجزاء اتفاق بريكست، بما في ذلك القواعد الجمركية في إيرلندا الشمالية، وحذّر سيمون كوفيني وزير الخارجية الإيرلندي الذي تعد بلاده أكثر دول الاتحاد الأوروبي تضررا جراء بريكست من أنّ التراجع عن اتفاق الطلاق الموقع العام الماضي "قد يقوض ويدمر الثقة السياسية في شكل خطير".

وقال رئيس الاتحاد الأوروبي ديفيد ساسولي إنّ "أي محاولات في المملكة المتحدة لتقويض الاتفاق قد يكون لها تبعات خطيرة"، وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون إن بريطانيا ستتعامل مع الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الخروج من فترة انتقالية في نهاية العام إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، رغم مواجهة بلاده تبعات مواجهة فيروس كورونا أيضا، لكن مجرد تداول الاحتمال تسبب في تراجع الجنيه الإسترليني في أسواق العملات وجعل الشركات البريطانية أكثر قلقًا، وحضّت حكومة جونسون بروكسل على إظهار "المزيد من الواقعية" عند التعامل مع دولة كبرى على حدود التكتل، وشددت لندن على أن التعديلات التي ستنشرها الاربعاء تقنية لضمان مرور سلس للبضائع المتجهة من وإلى أيرلندا الشمالية بعد 1 كانون الثاني/يناير، وردا على سؤال في البرلمان، أقر وزير إيرلندا الشمالية براندون لويس الاربعاء "نعم، هذا يخالف القانون الدولي بطريقة محددة ومحدودة للغاية".

لندن تطالب الاتحاد الأوروبي "بمزيد من الواقعية"

طالبت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بالتحلي "بمزيد من الواقعية" قبل بدء مفاوضات حاسمة بشأن العلاقة التجارية بين الجانبين لمرحلة ما بعد بريكست، في ظل أجواء عكّرت صفوها التقارير التي تفيد بأن لندن تريد إعادة صياغة اتفاق وقعه الطرفان في وقت سابق، وقال ديفيد فروست كبير مفاوضي رئيس الوزراء بوريس جونسون "علينا إحراز تقدم هذا الأسبوع" إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية الفترة الانتقالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أفاد قبل المحادثات المقررة مع كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن ملف بريكست ميشال بارنييه في لندن "نحتاج إلى رؤية المزيد من الواقعية من الاتحاد الأوروبي بشأن وضعنا كدولة مستقلة"، وأضاف "إذا لم يتمكنوا من القيام بذلك في الوقت المحدود للغاية المتبقي لدينا، فستكون التجارة بيننا مبنية على شروط كتلك التي بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، ونحن نعمل على تكثيف استعداداتنا لنهاية العام".

ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود منذ أشهر بسبب مسائل مثل مدى وصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة ومساعدات الدولة وشروط التنافس العادل. ويقول الجانبان إنه يجب التوصل إلى اتفاق خلال قمة الاتحاد الأوروبي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، وأوضح بارنييه لإذاعة "فرانس أنتر" "يجب احترام كل ما وقّع في الماضي. إنه ضمان للثقة في المستقبل".

وبموجب بروتوكول إيرلندا الشمالية، سيتعين على هذه المقاطعة البريطانية اتباع بعض قواعد الاتحاد الأوروبي بعد الفترة الانتقالية اللاحقة لبريكست من أجل ضمان عدم وجود حدود مادية وتجنب عودة التوتر في هذه المنطقة التي شهدت نزاعا دمويا استمر ثلاثة عقود، وذكرت صحيفة "ديلي تلغراف" أن جونسون وافق على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، لكنه يعتقد الآن أن هناك خطرا "غير متوقع" يتمثل في ترك إيرلندا الشمالية معزولة عن بقية المملكة المتحدة.

وكان إلغاء عمليات مراقبة الحدود مع جمهورية إيرلندا جزءا أساسيا من اتفاق "الجمعة العظيمة" الذي أبرم في العام 1998 وأنهى 30 عاما من العنف المرتبط برفض الحكم البريطاني في المقاطعة، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن بريطانيا "ملزمة بموجب القانون احترام اتفاق خروجها من الاتحاد الاوروبي وهو شرط أساسي لأي شراكة مستقبلية".

تصاعد حدة اللهجة بين لندن وبروكسل

تصاعدت حدة اللهجة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عشية استئناف المفاوضات بشأن علاقتهما ما بعد بريكست بعدما هدد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بإغلاق باب المفاوضات في منتصف تشرين الاول/أكتوبر والاستعداد، وفقا لصحيفة "فايننشال تايمز"، للعودة عن بعض الالتزامات السابقة، وحدّد رئيس الوزراء البريطاني الأحد، يوم الخامس عشر من تشرين الأوّل/أكتوبر المقبل موعدا نهائيّا لإبرام اتفاق لمرحلة ما بعد بريكست مع الاتّحاد الأوروبي، مكرّرا قبل افتتاح جولة ثامنة من المفاوضات هذا الأسبوع في لندن أنّ المملكة المتّحدة لن تساوم على استقلالها.

وأضاف جونسون أنّ "الاتّحاد الأوروبي كان واضحا جدّا بشأن الجدول الزمني وأنا أيضا يجب أن يكون هناك اتّفاق مع أصدقائنا الأوروبيين بحلول موعد انعقاد المجلس الأوروبّي في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر إذا كان سيصبح ساري المفعول بحلول نهاية العام"، وإذا لم يحصل ذلك، ستنسحب لندن من المفاوضات و"تقبل" هذه النتيجة التي تخشى أوساط الأعمال من عواقبها الاقتصادية الكارثية المحتملة في فترة صعبة أصلا بسبب فيروس كورونا المستجد.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي